الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الدكتور القس ﭽورﭺ شاكر يكتب: الميلاد دعوة للحب والسلام

الدكتور القس ﭽورﭺ
الدكتور القس ﭽورﭺ شاكر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لقد ولد السيد المسيح في زمن يفتقد إلى الأمن والأمان، فلقد شهد القرن الأول الكثير من أعمال العنف، ولكن في يوم ميلاده كانت أنشودة السماء وعلى الأرض السلام.
لقد رفض السيد المسيح في كل حياته استخدام العنف بكل أشكاله وألوانه، لقد كان أسلوبه هو أسلوب السلام الذي يأسر قلوب البشر وعقولهم بالمحبة، فلم يشكل جيشا، ولم يعلن حربا، لكنه حارب الخطيئة والظلم والظلام، من غير أن يرفع سيفا، ولا حتى صوتا، لقد كان سيفه الحب، ورمحه الوداعة، وترسه التواضع، وقوته في غفرانه، لم يفتح مدينة، ولكنه فتح أعين العميان وأذان الصم، كما فتح أبواب الأمل أمام البائسين واليائسين، لم يشعل مشاعر البغضة والكراهية، ولم يحرض أحداً على أحد، لكنه شجع الجميع على الحب والتسامح بدون حدود، والعطاء والغفران بغير قيود.
لقد دُعي "رئيس السلام" بمعنى أنه صانع السلام. فلم يعلم تلاميذه أن يحملوا سلاحا أو سيفاً، وإن كان مفهوم القوة ارتبط في ذهن البعض بالعنف والقتل وإراقة الدماء، لكنه كان يعلم أن الانتقام أول علامات الضعف، أما الغفران فهو من سمات القوة.
والحقيقة التي لا يشوبها أدنى شك هو أنه لا يمكن أن يتمتع الإنسان بالسلام الحقيقي إن لم يحصل على سلام مع الله، فمن حُرم سلاماً مع الله لا يمكن أن يهنأ بسلام مع نفسه أو مع الآخرين، لأن الله هو مصدر كل سلام لذلك في ذكرى الميلاد.
إن تجسد المسيح – أساساً – هو قصة الحب الإلهي، أحب الله الإنسان الخاطئ المغلوب من الخطية، غير القادر على إنقاذ نفسه من مخالب الشر، إن كل خطية يقترفها الإنسان هي في حقيقتها عصيان لله، ونوع من عدم المبالاة بوصاياه، كما أنها ترجمة دقيقة لعدم محبة الله، لأنه قال: "إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي" رد الله على عداء الإنسان بالحب، فلم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا، وإنما كبعد المشرق من المغرب أبعد عنا معاصينا".
نعم! في ميلاد المسيح الدرس العملي للحب الإلهي العظيم، كيف لا! وهو من فرط محبته وعظيم غفرانه نجده وقد أخطأ الإنسان، يسعى لمصالحته، وإعادة العلاقات معه دون أن ينظر إلى خطاياه. في مرات نحن نتطلع إلى أن السعي للصلح هو سمة من سمات الضعف، أو لون من ألوان الخنوع، لكن من الميلاد نتعلم أعظم الدروس في الحب والغفران والتسامح والسعي للمصالحة، وندرك أن مَنْ يسعى للصلح يبرهن على أن محبته أعمق ، وتواضعه أصدق، وحياته الروحية أسمى وأقوى، وانتصاره على الذات لا شك فيه، وأن الكبير هو الكبير في قلبه وفي حبه وفي تواضعه.
أتمنى أن يفتح كل إنسان قلبه إلى الله ليتمتع بسلامه العجيب، وأتمنى أن يفكر كل واحد في صناعة السلام مع الجميع، فتنعم بلادنا العزيزة بالسلام والاستقرار والازدهار، وطوبى لصانعي السلام.