الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

منير حنا: ميلاد السيد المسيح حدث فارق في تاريخ البشرية

 المطران منير حنا
المطران منير حنا أنيس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أكد المطران منير حنا أنيس، مطران الكنيسة الأسقفية الأنجليكانية بمصر وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي، أنه لاشك إن ميلاد السيد المسيح يُعد حدثًا فارقًا في تاريخ البشرية، فالميلاد قسّم الزمن إلى ما قبل الميلاد وما بعد الميلاد، وميلاد المسيح جاء محققًا للعديد من النبوات التي تنبأ بها أنبياء العهد القديم قبل الميلاد بمئات السنين.
وأضاف: لقد تم ميلاد المسيح بطريقة معجزية، حيث ولد من عذراء هي العذراء مريم والتي حُبلت به من روح الله القدوس، موضحًا أن الكتاب المقدس يذكر لنا أنه حدثت ظواهر خارقة للطبيعة أثناء الميلاد، فالملائكة رنمت في السماء وأعلنوا عن ميلاد المسيح الذي انتظره الشعب طويلًا، ونور عظيم أشرق في السماء، ونجم عجيب قاد المجوس من بلاد فارس حتى وصلوا إلى بيت لحم وتقابلوا مع الطفل الرضيع يسوع المسيح الذي قال عنه يوحنا "فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ" (يوحنا ١: ٤). وقال أيضًا "كَانَ فِي الْعَالَمِ، وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ." (يوحنا ١: ١٠).
واستكمل كلمته، أود أن أتأمل في حدث من هذه الأحداث العجيبة التي صاحبت ميلاد المسيح، وهي زيارة المجوس للطفل الوليد يسوع المسيح. لكن من هم المجوس؟ ولماذا كانوا حريصين على زيارة الطفل المولود؟، والمجوس والمعروفين أيضًا بالحكماء هم طائفة من الكهنة وكانوا يعيشون في مملكة فارس، وأشار إليهم سفر النبي دانيال عندما سلط نبوخذنصر دانيال على كل ولاية بابل وجعله رئيسًا على جميع حكماء بابل، أي المجوس.
وأشار إلى أن المجوس كان يعملون في مجال الفلك والنجوم ويقول لنا القديس متى في إنجيله، "وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيم قَائِلِينَ: «أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ»." (متى ٢: ١-٢).
وتابع: ربما نتساءل لماذا يتحمل المجوس مشقة السفر من بلاد بعيدة لكي يأتوا إلى فلسطين لكي يسجدوا إلى طفل مولود معتقدين أنه ملك اليهود المنتظر، وذلك بعد أن رأوا نجمه في المشرق.
والحقيقة أننا لا نعرف الأسباب التي دعتهم لعمل ذلك، لكن البعض يظن أن النبي دانيال كلمهم عن المسيح المخلص الذي ينتظره الشعب وأن المسيح هذا سيكون ملكًا لليهود؛ وربما آمن هؤلاء المجوس بالمسيح لذلك لما رأوا نجم المشرق أدركوا أن الملك المنتظر قد ولُد، فأصروا أن يأتوا ليسجدوا له أي ليعبدوه، لكن المجوس توقعوا أن يكون الملك المولود لا بد أن يكون في القصر الملكي لذلك ذهبوا إلى أورشليم حيث قصر هيرودس الملك، الذي عندما سمعهم يتحدثون عن ملك لليهود وُلِد مؤخرًا، اضطرب واضطرب معه كل شعب أورشليم، لأنه أحس بالتهديد لوجود ملك آخر غيره. والقصة تقول أنه "جَمَعَ كُلَّ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ الشَّعْب، وَسَأَلَهُمْ: «أَيْنَ يُولَدُ الْمَسِيحُ؟ فَقَالُوا لَهُ: «فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ." (متى 2: 4-5) فأرسل المجوس إلى بيت لحم وقال "اذْهَبُوا وَافْحَصُوا بِالتَّدْقِيقِ عَنِ الصَّبِيِّ. وَمَتَى وَجَدْتُمُوهُ فَأَخْبِرُونِي، لِكَيْ آتِيَ أَنَا أَيْضًا وَأَسْجُدَ لَهُ" (متى 2:8) فغادروا قصر هيرودس وتوجهوا إلى مدينة بيت لحم، وتقول القصة "وَإِذَا النَّجْمُ الَّذِي رَأَوْهُ فِي الْمَشْرِقِ يَتَقَدَّمُهُمْ حَتَّى جَاءَ وَوَقَفَ فَوْقُ، حَيْثُ كَانَ الصَّبِيُّ. فَلَمَّا رَأَوْا النَّجْمَ فَرِحُوا فَرَحًا عَظِيمًا جِدًّا." (متى 2: 9 ب -10).
وهنا أود أن أتوقف وأسأل ما هو هذا النجم؟ وهل كان نجمًا أم نورًا مماثلًا لذلك النور الذى ظهر للرعاه الذى ذكره الكتاب " وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا."(لو 2:9). إن هذا النور يمثل المجد الذى تنبأ عنه أشعياء قائلًا "اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ." (أش 9:2) أسأل ذلك لأنه كيف يسير النجم أمامهم وكيف يتوقف حيث وُلد المسيح. وتفسير ذلك أن مجئ المسيح كما ذكرت النبوات مرتبط بظهور مجده، فالنبى أشعياء يقول لشعب الرب "قُومِي اسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ. لأَنَّهُ هَا هِيَ الظُّلْمَةُ تُغَطِّي الأَرْضَ وَالظَّلاَمُ الدَّامِسُ الأُمَمَ. أَمَّا عَلَيْكِ فَيُشْرِقُ الرَّبُّ، وَمَجْدُهُ عَلَيْكِ يُرَى." (أش 60: 1-2) وقصة الميلاد تروى لنا أن الملائكة رنمت وقت ميلاد المسيح قائلة"«الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ»." (لو 2:14).
أحبائى لاشك إن مجئ المسيح مرتبط بظهور المجد والنور كما أن مجيئه الثانى سيكون مرتبطًا بظهور مجده أيضًا، وإنجيل متى يذكر "وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ." (متى25:31).
ثم تقول القصة أن المجوس دخلوا إلى البيت ورأوا الصبى مع مريم أمه، فخروا وسجدوا له مدركين أنه المسيا أي الملك الذى كان ينتظره الشعب، لقد سجدوا له بالرغم من وجوده في منزل حقير لا يوحى أنه ملك. ثم قدموا له هدايا،ذهبًا ولبانًا ومرًا، وهذه الهدايا ترمز إلى عمل وخدمة المسيح، فالذهب يرمز إلى ملكوته وبره الالهى واللبان أو البخور يرمز إلى خدمته ككاهن يتشفع من أجل شعبه والمر يرمز إلى الالم والموت الذى تحقق عندما مات على الصليب.
ولقد تنبأ أشعياء بأن مجئ المسيح يلازمه تقديم هذه الهدايا فمكتوب "تُغَطِّيكِ كَثْرَةُ الْجِمَالِ، بُكْرَانُ مِدْيَانَ وَعِيفَةَ كُلُّهَا تَأْتِي مِنْ شَبَا. تَحْمِلُ ذَهَبًا وَلُبَانًا، وَتُبَشِّرُ بِتَسَابِيحِ الرَّبِّ." (أش 60: 6) لاحظوا ياأحبائى أن أشعياء لم يذكر هنا "المر" وذلك لأن هذه نبوة عن مجئ المسيح الثانى التى لن يكون فيها صليب أو موت.
ونعود للقصه لنجد أن المجوس " أُوحِيَ إِلَيْهِمْ فِي حُلْمٍ أَنْ لاَ يَرْجِعُوا إِلَى هِيرُودُسَ، انْصَرَفُوا فِي طَرِيق أُخْرَى إِلَى كُورَتِهِمْ." (متى 2: 12)
ثم بعد ذلك ظهر الملاك في حلم ليوسف وقال له "قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ.فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلًا وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ." (متى 2:13 ب -14) وهنا نرى خطة الله وحمايته للمسيح من هيرودس الذى كان ينوى قتله وبالفعل أمر هيرودس بقتل كل أطفال بيت لحم. وهذه القصه أيضًا تُظهر لنا مصر التى رحبت بالطفل يسوع، وأصبحت ملجأ له، وتحققت النبوة "من مصر دعوت ابنى"، وبسبب لجوء المسيح إلى مصر بارك الله مصر، التى كانت وثنيه في ذلك الوقت، فكتب النبى أشعياء "فَيُعْرَفُ الرَّبُّ فِي مِصْرَ، وَيَعْرِفُ الْمِصْرِيُّونَ الرَّبَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً وَتَقْدِمَةً، وَيَنْذُرُونَ لِلرَّبِّ نَذْرًا وَيُوفُونَ بِهِ." (أش 19:21) وكتب أيضًا "مبارك شعبى مصر".
وأوضح: إننا عندما نتأمل في قصة الميلاد وزيارة المجوس، نجد ثلاثة مجموعات من الناس لهم ثلاثة ردود فعل مختلفة نحو المسيح وأنا أثق أن ردود الفعل هذه مازالت موجوده لنا الآن، فنحن نجد مجموعة من الناس التى ترفض المسيح كهيرودس ورؤساء الكهنة الذين كانوا معه. ولقد وصل درجه رفضهم إلى أنه اقتادوه لبيلاطس وصرخوا اصلبه..اصلبه...وقالوا أيضًا ليس لنا ملك إلا قيصر.
والمجموعة الثانية هم هؤلاء الذين فرحوا بميلاد المسيح واتخذوه ملكًا لهم وسجدوا لهم مثل المجوس والرعاة.
والمجموعة الثالثة هم هؤلاء الذين لم يكترثوا ولم يهتموا بحدث الميلاد وهم الغالبية التى كانوا يعيشون في بيت لحم ولم يهتموا بما يحدث في مدينتهم ولم يكن لديهم أى فضول أن يأتوا ليروا المسيح المولود الذى طالما انتظروه.
فأى من المجموعات أنت اليوم أهو الملك على حياتك، أم أنك ترفضه أم أنك لا تهتم به.