الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أخلاقنا عاوزة ثورة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ترن في أذنى يوميًا أغنية الشيخ إمام عيسى البديعة، «يعوض الله على الأخلاق» التى كتبها الشاعر الكبير فؤاد قاعود، فهى بلا شك تلخص حالنا الآن، وتعبر بدقة عما وصلنا إليه من انهيار أخلاقى على كل المستويات حيث تقول:
«يعوض الله على الأخلاق.. الناس في سباق على البكش والاسترزاق 
يا ما ضماير ناقصة رباط.. وذمم مطاط نطاط.
تلقى الموظف خد رشوة بتمن عشوة.. وله في حب الزور نشوة تكسف إبليس
وبرضو أخلاق العامل عايزة فرامل.. يزاحم الست الحامل جوة الأتوبيس 
لا بد للأخلاق فورة تعمل ثورة.. وقلة الأخلاق عورة».
المؤكد أن الأخلاق في مصر بالفعل في حاجة إلى ثورة لما للأخلاق من تأثير بالغ الخطورة على الأمة وهى عنوان الشعوب، وأساس كل حضارة راقية، وهو ما أكده العلامة ابن خلدون بأن السلوك الأخلاقى المنحرف هو طريق الانهيار الحضارى، موضحًا أن رقى الأمم لايتحقق بتوافر القوة المادية أو رقى العقل، بل بتوافر الأخلاق الحسنة.
كما يرى ابن خلدون أيضًا أن الإنسان لا يستطيع أن يجمع في نفسه كل الصفات الحسنة كما يشاء، وإنما يستمد أخلاقه من المجتمع الذى يعيش فيه، والمجتمع بدوره خاضع في أخلاقه للاحوال الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التى تحيط به.
في حين ذهب الفيلسوف والمؤرخ الفرنسى «غوستاف لوبون» إلى أن الانقلاب يحدث في حياة الأمم بالأخلاق وحدها، وعلى الأخلاق يؤسس مستقبل الأمة وحياتها الحاضرة.
بينما يرى الفيلسوف الألمانى الشهير إيمانويل كانط أن الأخلاق ارتبطت بالإرادة النابعة من عقل الإنسان الواعى، لا من رغبته، ورأى أن التمسك بالأخلاق وفعل الصواب يرتد إلى مبدأ الواجب.
وبالتالى فالأخلاق تعكس حضارة الأمة، فالشعوب التى تتمسك بالقيم الأخلاقية كالعدل والأمانة، والنخوة والشرف، وحب الجمال والخير، وحفظ الحقوق، وعدم الخداع والكذب تظل دائمًا في المقدمة، بينما الشعوب التى تعانى من تفسخ القيم الأخلاقية تتعرض للانهيار الحضارى حسب ابن خلدون.
المؤسف والمفجع في ذات الوقت، هو السؤال الأبرز والأكثر إلحاحًا الآن حول «أخلاق المصريين» والتغييرات التى طرأت عليها في السنوات الماضية، خصوصًا وأن الذاكرة مازالت تحتفظ بالصفات الحميدة التى ميزت المجتمع المصرى في النصف الأول من القرن العشرين لعل أبرزها «الجدعنة»، الصدق والوفاء، الصراحة والاستقامة والشهامة وغيرها من الصفات التى التصقت بالشخصية المصرية آنذاك وزينت المجتمع المصرى لسنوات طويلة، لدرجة أن لفظ «تحرش» كان غريبًا على الأذن المصرية، وحدث غير متداول اجتماعيًا، فكيف ومتى تحول لواقع مرير اختفى بسببه الأمان من الشارع المصرى، والذى شهد للأسف ظواهر مشينة وغريبة من اعتداءات وصلت لحد القتل والذبح، تنمر وعنصرية، سرقة أطفال وأعضاء بشرية، ومشايخ تتاجر بالدين وتكفر المعارض أو المختلف معها دينيًا.
ما زاد الطين بلة هو انتشار قيم مغايرة تمثلت في احترام النهب والتخريب، وتجد مبررات أو «مخارج قانونية» لجرائم الاغتصاب، والسرقة والنصب، فضلًا عن تدنى لغة الحوار وانتشار الألفاظ البذيئة، واحتقار العلم وسيادة ثقافة الفهلوة.
نعم هناك أسباب عديدة ساهمت في هدم ثوابت المصريين وأفقدتهم الثقة في بعضهم البعض، لعل أبرزها الانهيار الاقتصادى الذى بدأ في تسعينيات القرن الماضى، واتباع سياسات منحازة للأثرياء أصحاب المليارات، ما خلق بالطبع هوة ساحقة بين الطبقات، وبالتالى سادت لغة المال والقبح على القيم الأصيلة، بالإضافة إلى شعور المواطن بغياب العدالة، والإحساس بالظلم، في ظل قلة الحيلة والواسطة والمحسوبية والرشوة، فضلًا عن انهماك الأسرة في البحث عن لقمة العيش من أجل تلبية احتياجاتها، مقابل التراجع الكبير في مجمل القيم التى تشكل العقل والوجدان مثل قيم الجمال والفن، والأخلاق والعلم معًا.
ونخلص مما سبق إلى استحالة قيام مجتمع من دون استعادته لقيمه الأصيلة، نظرًا لأن الأخلاق هى التى تحدد السلوك الإيجابى، وترسخ مفهوم الواجب لدى الفرد، كذلك تكبح الأخلاق الأفعال والسلوكيات الشريرة لدى الإنسان.
لذا نحن في أمس الحاجة إلى الوقوف مع أنفسنا من أجل استعادة روح مصر المتسامحة، واستعادة القيم والأخلاق والمبادئ، وإعمال الضمائر وإيقاظها من ثباتها العميق الذى ساد في الآونة الأخيرة، حتى نتمكن من محاربة الفساد الذى تفشى في العقود الأخيرة وأدى إلى انهيار منظومة القيم الأخلاقية في المجتمع.
والسؤال الذى يطرح نفسه بقوة، ما هى سبل علاج تلك الإشكالية؟
بداية علينا أن نواجه أنفسنا بحقيقة المشكلة، وأن نحدد على من تقع مسئولية غياب الأخلاق؟ هل على الأسرة أم التعليم؟ أم بسبب التأثير السلبى للإعلام الذى لا يهتم بنشر القيم الراقية النبيلة، بل ينشر ثقافة العنف والدم، والفنون الرديئة التى ترسخ لقيم متهاوية مثل الكذب والتدليس والخيانة والنصب والسرقة التى تمتلئ بها الدراما المصرية؟ المؤكد والأهم ضرورة تكاتف الجميع حتى يتمكن مجتمعنا من استعادة توازنه، والخروج من تلك الأزمة التى من شأنها القضاء على القيم والعلاقات الإنسانية السوية، وكل ما هو جميل في حياتنا.
وتظل كلمات أمير الشعراء أحمد شوقى الخالدة هى الأصدق والأقوى: «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا».