الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

جرائم الدولة العثمانية «1».. القتل باسم الدين.. سلاطين آل عثمان.. سلسال الدم والخيانة.. وعمليات قتل خلال الصراع على السلطة.. وفتاوى دينية تبرر الجرائم

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نفذ سلاطين الدولة العثمانية عمليات قتل بشعة ضد أبنائهم وإخوتهم خلال فترة صراعهم على الحكم، وأجبروا علماء السلطان على إصدار فتاوى تقنن إجرامهم.
سجل آل عثمان قصصًا مرعبة في قتل بعضهم لاقتناص السلطنة، فالأب يقتل أبناءه والأخ يذبح أخيه والأم تتآمر على الجميع.
«القتل باسم الدين» تعتبر مسألة قتل الإخوة عادة عند سلاطين العثمانيين، التى كانت بدايتها عندما أصدر السلطان الفاتح فرمانًا، بعد حصوله على فتوى شرعية من «دده أفندي»، شيخ الإسلام آنذاك، تجيز ذاك الفعل، ويعد الفرمان الذى أصدره الفاتح قانون «القتل سياسة» بمثابة تقنين الاغتيالات السياسية ونص على أنه «إذا تيسرت السلطنة لأى ولد من أولادى فيكون مناسبًا قتل إخوته في سبيل تأسيس نظام العالم»، الأمر الذى أجازه معظم العلماء وصدرت الفتوى بجواز قتلهم تحت اسم «فتوى البغي»، والتى نصها: «إن قتل الأخ والابن جائز للسلطان، لأجل المصلحة العامة وحفظ النظام»، وهى الفتوى التى أراد بها تبرير قتله لإخوته، ما أسهم في تداعى الإمبراطورية العثمانية، وسقوطها في نهاية المطاف.
الغريب في الأمر أن إقدام سلاطين بنى عثمان على قتل أبنائهم وإخوتهم كان أسبق تاريخيًّا من عهد محمد الفاتح، الذى تولى الحكم عام ١٤٥١م، حيث بدأت رغبتهم المتوحشة في سفك الدماء منذ عهد السلطان مراد الأول، ثالث سلاطين الدولة العثمانية، الذى تولى الحكم عام ١٣٥٩م، وأقدم على إعدام أصغر أولاده الأمير ساوجى ذى الأربعة عشر عامًا؛ وذلك بعد أن أغراه البعض بالتمرد والتحالف مع البيزنطيين.
وذكر المؤرخون أن السلطان مراد الأول بلغت به الوحشية إذ دخل على ابنه في السجن حاملًا زجاجة خل مركز، وأمر بسكبها في عينَى ساوجي؛ فحولته حرقة الخل إلى شبه أعمى، وبعد أن تركه فترة يتعذب بألم عينيه أعدمه خنقًا.
وسار بايزيد الأول ابن السلطان مراد على درب أبيه إذ قام بخنق شقيقه خوفًا من انقلابه عليه في بداية توليه السلطنة، ولكنه عوقب بضياع ملكه وإذلاله إذ رقصت زوجته أول أوليفيرا لازاريفيتش عارية في حفل النصر الذى أعده تيمور لنك بعد معركة أنقرة، مما أدى لموته حزنًا. بعد إجبار أوليفيرا على الخدمة عارية امتنع السلاطين العثمانيون عن الزواج بجواريهم، فأصبحوا لا يتزوجون جواريهم إلا وهم أمراء وظل السلاطين العثمانيون على هذا المنوال لعشرات السنين حتى تزوج السلطان سليمان القانونى من جاريته روكسلانا، التى تشتهر في التاريخ بالسلطانة هيام.
ويمتلئ تاريخ الدولة العثمانية بجرائم قتل الأبناء والأشقاء؛ فالسلطان محمد الأول الذى تولى الحكم عام ١٤١٣م قتل إخوته الثلاثة (عيسى وموسى ومصطفى) في صراع على الحكم، امتد ١١ عامًا، وعُرف في التاريخ العثمانى بـ«عهد الفترة»، كما تورط السلطان بايزيد الثانى بتحريض البابا إسكندر السادس على قتل شقيقه الأمير جم؛ ليتخلص من منافسته له على الحكم، كما أعدم عمه الأمير مصطفى للسبب نفسه.
وصل السلطان الغازى سليم الأول إلى عرش السلطنة العثمانية ١٥١٢، بعد انقلاب عسكرى دام قام به على والده «بايزيد الثاني»، بدعم من الانكشارية وخاقان القرم، ونجح في مطاردة إخوته وأبنائهم والقضاء عليهم، حتى لم يبق له منازع في الحكم.
ومن أشهر وقائع الاغتيال التى جرت في تاريخ الدولة العثمانية قتل السلطان محمد الثالث، الذى تولى الحكم عام ١٥٩٥م، ثلاثة رضع وخمسة أطفال، أعمارهم بين ثلاث وست سنوات، ضمن ١٩ أخًا له، أمر بإعدامهم في اللحظات الأولى التى تلت تنصيبه، وخرجت نعوشهم مع نعش أبيهم السلطان مراد، كما لم يتورع عن قتل ابنه محمود خوفًا على العرش.
ولم يكتفِ محمد الثالث بتلك المذبحة لتأمين مُلكه؛ فأمر بعد فترة وجيزة بإعدام ابنه الأمير محمود، الذى عُرف بشجاعته العسكرية؛ وذلك خشية أن يهدد ملكه، ويشير إعدام محمد الثالث، الذى عُرف بأنه كان أبعد ما يكون عن الأحكام الشرعية، عشرين أميرًا للحفاظ على ملكه.
حاول السلطان أحمد الأول، التخلص من هذه العادة المذمومة، وسنّ قانونًا ينظّم اعتلاء العرش وطرق وراثة السلطة لمنع الاقتتال بين الإخوة والآباء والأبناء، معلنا الثورة على قانون الفاتح، لكنّ نجله مراد الرابع طبّق القانون القديم على الفور بقتل شقيقه بايزيد، ثمّ سليمان، ثم قاسم، فعاقبه الله بموت أبنائه الذكور، وعلى الرغم من هذا العقاب، إلّا أنه حاول قتل شقيقه الأصغر الأمير إبراهيم لكن والدته السلطانة كوسيم منعته خوفا من انقراض سلالة آل عثمان.
أكدت المصادر التاريخية أن عدد الأمراء العثمانيين الذين قُتلوا على أيدى آبائهم وأشقائهم وأبنائهم وصل إلى ١٢١، مقابل ٤٤ صدرا أعظم والغريب في الأمر أن السلطان محمد الفاتح هو أيضا من افتتح السلسلة بقتل الصدر الأعظم جاندارلى خليل باشا عام ١٤٥٣، لأنه تجرأ وأبدى رأيا مخالفا للسلطان حول غزو القسطنطينية، كان آخرهم مدحت باشا، الذى أمر بقتله السلطان عبدالحميد الثانى عام ١٨٨٣.