الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

أنقرة تعلن ترحيل الإرهابيين المسجونين إلى دولهم الأصلية.. «أردوغان» يسعى لبث الرعب بالمجتمعات الأوروبية.. النظام التركي يستغل اللاجئين لابتزاز الاتحاد الأوروبى.. ووزير الداخلية: نعتقل 1200 داعشي أجنبي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحتل قضية العلاقة بين تركيا وتنظيم داعش الإرهابي، مكانة لافتة في العلاقات الدولية كأحد أنماط العلاقات بين الدولة ككيان ذات سيادة من جانب، وأحد الفاعلين دون مستوى الدول من جانب آخر، خاصة أن هذا النمط من العلاقات أضحى سمة رئيسية في العلاقات الدولية كأحد الآليات غير المشروعة التى تستخدمها الدول في تحقيق أهدافها الخارجية.
ولعل العلاقة بين الجانبين أبرزت حالة من التداخل بين الاستراتيجيات الكبرى الدولية الهادفة إلى مكافحة هذه الجماعات، وبين التوظيف الخارجى من جانب بعض الدول التى تتقاطع مصالحها من توظيف مثل هذه التنظيمات، وبين أهداف السياسة الخارجية التركية على سبيل المثال، كأحد الدول التى تتجه بسياساتها الخارجية نحو الاستفادة القصوى من هذه التنظيمات كوسيلة للضغط على نظيرتها من الدول لتنفيذ أهدافها، أو لتحقيق منافع اقتصادية خاصة بالدولة نفسها، ولعل هذا النمط من العلاقات ليس بجديد عن الدولة التركية؛ فأنقرة تدعم العديد من الجماعات التى تعدها دولها الأم منظمات إرهابية مثل جماعة الإخوان المسلمين التى تحظى باعتراف إقليمى بالتطرف ونواة الفكر المتشدد في الكثير من مناطق العالم.
حدود التعاون والخلاف
بعدما أعلنت تركيا في ١١ نوفمبر ٢٠١٩ ترحيل عدد من المنتمين إلى تنظيم داعش إلى دولهم الأم، برزت إلى المقدمة مجددًا إشكالية العودة لهؤلاء الأشخاص خاصة أن هناك حالة من الرفض الأوروبى وبعض التحفظات الأمريكية حول عودتهم، كما أن هناك دولًا غربية قد انتقدت استعادة مواطنيها، وبدأت هذه الإشكالية تتفاعل وسط قلق دولى في كيفية التعاطى مع هذه القضية المحورية، وظهر هذا القلق في اجتماع وزراء خارجية دول التحالف الغربى لمواجهة داعش، الذى عقد بالعاصمة الأمريكية واشنطن بناء على طلب وزير خارجية فرنسا جان إيف أدوريان، والذى برز خلاله الخلافات في وجهات النظر حول هذا الأمر.
بالنسبة لتركيا، فقد انتقدت الدول الأوروبية لرفضهم القبول باستقبال مواطنيهم الذين انضموا إلى التنظيم المتطرف وحذرت من أنها ستعيد المتشددين الأسرى إلى بلادهم حتى لو تم حرمانهم من جنسياتهم، خاصة بعدما أعلن وزير الداخلية التركى «سليمان صويلو» بأن تركيا تعتقل قرابة ١٢٠٠ من عناصر تنظيم «داعش» الأجانب، وأنها قبضت على ٢٨٧ خلال عمليتها الأخيرة في شمال سوريا.
الجدير بالذكر، أن تركيا تمتلك تاريخا ممتدا من العلاقة مع التنظيم منذ اللحظات الأولى لوجوده، ويؤكد ذلك العديد من الشواهد؛ فتركيا لم تنضم للتحالف الدولى لمحاربة التنظيم، بل كانت تستخدم التنظيم في تحقيق نجاحات ميدانية في مواجهة الأكراد، وعليه سمحت أنقرة بعبور المقاتلين في صفوف التنظيم من وإلى سوريا عبر حدودها، إضافة إلى التعاون مع التنظيم في تهريب النفط، والموقف السلبى من المعارك في كوبانى من خلال مواجهة الأكراد والتنسيق بينهما، ومؤخرًا خلال العملية العسكرية التركية في الشمال السورى قصفت تركيا سجن جركين، الذى يضم عناصر من تنظيم داعش في محاولة لإحياء التنظيم للتأثير على المعادلة الداخلية السورية خاصة بعدما تعرضت للهجوم الدولي. 
كما أن هذا التوجه الخارجى التركى القائم على دعم الجماعات المتطرفة بدأ يتجه نحو انتهاج ازدواجية في المعايير فبعد أن استنفذت مصالحها مع تنظيم داعش في المنطقة، امتد الأمر للتعاون مع الجانب الأمريكى في العملية العسكرية التى أفضت إلى مقتل البغدادى في إدلب، تحديدًا قرية باريشا، على بعد ٥ كم من الحدود التركية وتأتى أهمية ذلك في تفسير الازدواجية التركية في التعامل مع التنظيم خاصة انه يمكن الإشارة إلى إن المنطقة التى قُتل بداخلها البغدادى تخضع للنفوذ الأساسى لتركيا.
بالنسبة للتنظيم الإرهابي، فكان هو الآخر يتعامل بصورة براجماتية مع الأهداف التركية في المنطقة وذلك بعدما استغل التنظيم الجانب التركى لتهريب النفط الذى يستحوذ عليه وبيعه، وكذلك عبور الأفراد التابعين له من وإلى المناطق التى يسيطر عليها عبر الحدود التركية، وفى مرحلة أخرى انعكس الأمر إلى دخول لتركيا في دائرة عمل التنظيم بداية بإعلان البغدادى في ٢٩ أبريل ٢٠١٩، عن إقامة ولاية له في تركيا بصورة رسمية، ومن قبل شهدت العلاقات بينهما مرحلة من التوترات منذ عام ٢٠١٥، وتطورت في عام ٢٠١٦.
وتعزز هذه الشواهد أهمية المتغير المتعلق بمبدأ التنسيق والتعاون في ملفات دون التطرق لمسار علاقات على مستوى أكبر، ومن زاوية مغايرة فإن توقيت وموقع تنفيذ العملية يحمل دلالات على تورط النظام التركى في دعم التنظيم وأن داعش انتشرت وترعرعت بدعم كامل من الرئيس التركى أردوغان ومن تركيا، وإن كانت الآن تشهد العلاقة بينهما توترات عدة.
امتداد التوظيف
إن المتتبع للسياسة الخارجية التركية يلاحظ العديد من التوجهات التى تتباين فيها ملامح السياسة الخارجية صعودًا وهبوطًا، مثل ملف اللاجئين وملف العلاقة مع التنظيمات الإسلامية المتطرفة؛ حيث تستخدم تركيا هذين الملفين للتأثير في مجريات الأحداث الإقليمية والدولية، سواء كل ملف بصورة منفردة أو بصورة جامعة لكلاهما، وهناك العديد من المؤشرات الخاصة بذلك.
ففى ٥ سبتمبر ٢٠١٩ صرح الرئيس التركى أردوغان باتجاه بلاده نحو السماح بفتح الأبواب أمام اللاجئين للدخول إلى دول الاتحاد الأوروبى في حال عدم تقديم الدعم المالى اللازم لها، وتوعد الرئيس التركى بفتح أبواب بلاده أمام اللاجئين وخاصة السوريين المتواجدين في تركيا ومن أرسلتهم إلى سوريا للتوجه إلى الدول الأوروبية، في حال لم يقدم الاتحاد الأوروبى المساعدة الضرورية لأنقرة في ظل العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية التى أضحت تعيشها تركيا، متهمًا الاتحاد الأوروبى بعدم الوفاء بصورة كاملة بوعده بشأن المساعدات المالية، لكن الاتحاد الأوروبى نفى هذه الاتهامات.
وفى نفس السياق فإن ما أعلنته تركيا عن إرسال المنتمين للتنظيم المتشدد إلى الدول الأوروبية يأتى في ظل إستراتيجية تركيا للضغط على الدول الإقليمية والدولية خاصة بعدما تعرضت لانتقادات عدة حول عمليتها العسكرية الأخيرة في منطقة الشمال السوري، وإمكانية فرض عقوبات بدأت بوقف توريد الأسلحة من الدول الأوروبية مرورًا باتخاذ إجراءات لفرض عقوبات سياسية واقتصادية على أنقرة بفعل هذه السلوكيات.
وتأسيسًا على ذلك، فإن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يتبنى سياسة قائمة على الضغط على الدول الغربية، وتوظيف كل الأوراق ذات الصلة بالأمن الأوروبى لتمرير أهدافه وسياساته، ولعل عملية إرسال ٧ من المنتمين إلى التنظيم (أمريكى و٦ ألمان) إلى دولهم بمثابة الخطوة الأولى في طريق الضغط وذلك من خلال سياسة «توازن التهديد» التى يعتمدها أردوغان؛ فالدول الأوروبية تتخوف من مصير المقاتلين الدواعش المتواجدين لدى تركيا، كما عارضت العملية العسكرية ضد الأكراد في الشمال السورى انطلاقًا من هذا الأمر وإن كان يحمل عدة أهداف أخرى لتقديم الدعم ولكن في هذا الشأن يمكن التركيز على أن هناك توجسًا أوروبيًا من أن يستخدم أردوغان هذا الملف لتهديد الأمن الأوروبى لصالح تحقيق بعض المصالح الخاصة به في ظل السجل الحافل بالتوترات التى تشهدها العلاقات بينهما.
إضافة لذلك فإن عملية إرسال الأفراد المنتمين لداعش بأعداد صغيرة إلى أوروبا من المحتمل أن يكون موضع اختبار للدول الغربية، ومحاولة من جانب أنقرة لتفسيخ السياسات الأوروبية المشتركة وبث الرعب داخل تلك المجتمعات، خاصة وإن كان أردوغان يدرك أن هذه القضية محل جدل وخلاف كبير داخل المجتمعات الأوروبية، وتثير مخاوف الغرب من عودة أولئك الجهاديين الذين سيشكلون خطورة على أمن الدول والمجتمعات الأوروبية وسلامتها، ومن ثم فمن المحتمل أنه سيلجأ إلى المزيد من التصعيد والاستمرار بالضغط لحين الموافقة على السياسات التركية أو استخدامهم لاحقًا حين تقتضى الحاجة أو الضرورة.
بين الازدواجية والانتقائية
تتعامل تركيا مع الأعضاء المنضمين لداعش بصورة انتقائية، فهناك أولوية لدى أنقرة إلى التركيز على الأفراد الذين يحملون الجنسيات الأوروبية، وإبقاء من يحملون جنسيات أخرى لديها في المرحلة الراهنة، وذلك لحين الحاجة لاستخدام ورقتهم، أو استخدامهم في مساومات أخرى. 
وفى هذا الشأن يمكن الإشارة إلى التباين الواضح في توجهات تركيا فبعد أن كانت في السابق تمثل معبرًا للجهاديين المنضمين للتنظيم المتطرف، أضحت الآن تستخدمهم في تحقيق نجاحات في علاقاتها مع الدول الغربية من خلال ترويع الأوروبيين، وعدم إفساح أى مجال أمامهم للتردد في الاستجابة للمطالب التركية التى تستخدم تهديدات مباشرة لأمنها لتحقيق مصالحها.
إن العلاقات التركية - الأوروبية تشهد توترات عدة الأمر الذى شكل بصورة واضحة هذا المتغير التباينى في سياسة تركيا الخارجية إذ شكلت العقوبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية على تركيا ورقة الضغط على سياسة أردوغان في حين شكل ملف المقاتلين الدواعش وملف اللاجئين يظلون أدواتها وأسلحتها للضغط عليهم، وتقوم باستخدامهم للحصول على امتيازات ومكتسبات سياسية واقتصادية، ولا يقبل منهم التهديد والتنديد والضغط في الملفات الشائكة العالقة بينهم، فبعد أن هدد أوروبا بإرسال اللاجئين وفتح الحدود أمامهم للعبور، هدد أيضًا بإرسال الدواعش إلى أوروبا في ظل استمرار تركيا لانتهاج هذه السياسة.
ومن زاوية أخرى فيمكن إرجاء إعادة ظهور هذا الملف مجددًا إلى العملية العسكرية التركية في مناطق الشمال السورى في ٩ أكتوبر ٢٠١٩، والتى يتمركز داخلها الأكراد ويشكلون حصن الأمان بالنسبة للدول الأوروبية فيما يتعلق بالسجون المكتظة بالدواعش، ومن ثم فإن الانتقادات الأوروبية إلى أنقرة بالتطهير العرقى وتورط مسلحين تابعين لها بارتكاب مجازر ضد المدنيين العزل، دفعت الجانب التركى إلى إعادة التهديد بملف المجاهدين الدواعش، ويحاول أردوغان من خلال ذلك الضغط على الأوروبيين للموافقة على المنطقة الآمنة على الحدود التركية - السورية.
ويتضح من خلال المؤشرات السابقة أن هناك حالة من الاستمرار من جانب تركيا على التعامل مع الجانب الأوروبى والدول الغربية بصورة عامة من خلال توظيف ملف اللاجئين والعائدين من داعش للضغط على سياسة أوروبا الموحدة في مواجهة حالة الضغوط التى تتعرض لها أنقرة.