الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

إحنا السوايسة الصيادين.. و«الأحمر» بحرنا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

إحنا السوايسة الصيادين البحر الأحمر بحرنا، بنسعى فيه شمال ويمين ونصيد سمك ومن زينا، في كل عام تتوقف حركة الصيد، 5 أشهر لا يتخلل أسماءها حرف «الراء»، يستغلها الصيادون في أعمال الصيانة وتعمير محركات العائمات البحرية سواء اللنشات أو مراكب الصيد، والفلُك الصغيرة، وعندما تعود في شهر سبتمبر يأتى معها الرزق الوفير الذى طال انتظاره، وترصد «البوابة نيوز» رحلة السمك السويسى من البحر للسفرة في بلد الغريب..


«حميدو» يروى حكاية حفظ السمك داخل المراكب بالثلج المجروش

بينما لا تزال الأسماك، تحرك خياشيمها بما تبقى فيها من ماء البحر، يبدأ الصيادون في عملية فرز كل نوع على حدة ورصها في طاولات السمك، حسب النوع والحجم، فلكل منها سعر مختلف. يظن الكثيرون أن مراكب الصيد مجهزة بثلاجات تعمل بالفريون والكهرباء لحفظ الأسماك، لكن الواقع مختلف، فحفظ الأسماك على متن المراكب واللنشات يعتمد فقط على وضع الثلج المجروش على طاولات الأسماك. «السمك يرجع طازة، احنا نبرد مش بنتلج» يوضح محمد هشام، وكيل مراكب صيد، الشهير بمحمد حميدو، أن الثلج المجروش كاف لحفظ الأسماك، شرط أن توضع في ثلاجة وهى غرفة محكمة عازله للحرارة بدون أى فتحات باستثناء باب محكم الغلق لعدم تسريب الهواء، ولا تتأثر الثلاجة بأشعة الشمس إذ تعمل التيارات الهوائية خلال إبحار المركب على خفض درجة حرارة جسم الثلاجة من الخارج.

يحكى محمد حميدو عن مرحلة بيع الأسماك داخل الميناء، ويقول، «المراكب ترجع الفجر، ومع شروق الشمس تنزل الطاولات ويبدأ البيع بالمزاد، والعرض والطلب ليه كلمته» وبحسب «حميدو» فإن الأسعار تكون مرتفعة في بداية الموسم، لأن الطلب زيادة من الزبون، فالتاجر يشترى بسعر مرتفع، «السوق بتكون عطشانة للسمك»، لكن بعد أسابيع قليلة تنخفض الأسعار نسبيا.

فيتجمع التجار حول الطاولات، يعرض وكيل كل مركب إنتاجه، لم يمر الميزان من بوابة الميناء، الطاولة الصغيرة تحمل من ٥ إلى ٧ كيلو على الأكثر، والكبيرة من ٢٠ إلى ٢٥، والتاجر الخبير يحدد بنظرة كمية السمك داخل الطاولة. أغلب الصفقات تتم بالتراضى بين التجار، باستثناء الطاولات التى تحوى سمكتين أو ٣ فهى أنواع فاخرة كبيرة الحجم، وتغرى عيون التجار قبل الزبون.

في الثامنة صباحا تنتشر رائحة اليود وأملاح البحر التى حملتها خياشيم وجلود أسماك خليج السويس الطازجة، تفوح في نسمات الهواء، مرورها عبر الثلج المجروش أضفى برودة خفيفة تلطف حرارة الجو داخل شوارع حلقة السمك، وكأنها إشارة ببدء العمل صباح كل يوم.


«هنا بلد الغريب»

شهرة واسعة لأسماك السويس.. والوافدون من اليابان والصين زبائن كل خميس

كانت أشعة الشمس تتسلل من فتحات الأغطية التى وضعها البائعون كأنها سماء للحلقة، بينما تتحسس سوزان أحمد خطواتها، تجنبا للمياه التى ينثرها البائعون أمامهم، حضرت لتشترى بعض الأسماك لتطهوها في يوم عطلتها.

«بكام القروش والدراك» تسأل السيدة الأربعينية التاجر الذى يقول رقمين لا يرضيانها فتتبع عادة الفصال، لتحصل على ٣ كيلو بـسعر ١٥٠ جنيها، وفى خطوات تصل إلى محل لتنظيف الأسماك.

تتوسط دكاكين صغيرة المساحة المخصصة لتنظيف الأسماك وتجهيزها للطهي، محال التجار، «هنا بلد الغريب، في زبائن بتدخل الحلقة يعجبهم السمك، لكن ميعرفوش يجهزوه» يتحدث عبدالله على، صاحب دكان لتنظيف السمك، مضيفا: «نوفر على ست البيت زفارة المطبخ».

ويقول «على» إن بعض الأنواع مثل الشعور والكوشر والأسماك الكبيرة تحتاج إلى طريقة معينة للتنظيف حتى لا يهدر لحمها، كما أن أسماك القرش والصدف والخنزيرة يتم سلخها لتقطيعها فيليه أو جزل.

يتسلم الشاب، أسماك السيدة ويسألها عن نوع التجهيز، فتطلب تقطيعها جزل لزوم القلى والصينية، ثم تذهب إلى بائعى الخضر والفاكهة لشراء متطلبات الطعام.

تختلف تكلفة التنظيف، فبعض الأسماك تحتسب بالكيلو، مثل البورى والبلطى والأنواع الشعبية، وبعضها يكون بالاتفاق بين الزبون وعامل التنظيف، في حالة الأسماك الكبيرة، وفى المتوسط لا يزيد سعر التنظيف للكيلو على ٧ جنيهات.

للسمك السويسى سمعة جعلته طبقا رئيسيا كل أسبوع لأبناء الدلتا وصعيد مصر والعاملين في المشروعات القومية بالسخنة وكذلك العاملين بمشروع العاصمة الإدارية ينتهزون العطلة الأسبوعية للتوجه إلى السويس لشراء الأسماك الطازجة.

لا يقتصر الأمر على المصريين فقط بل إن الفنيين الأجانب الوافدين من اليابان والصين ودول الشرق الأدنى يتوافدون على الحلقة يوم الخميس من كل أسبوع ويحرصون على شراء الأسماك الفاخرة، فتلك الأنواع تتوافر في بلادهم من نتاج أساطيل الصيد بالمحيط الهندي.

يقبل هؤلاء المغتربون على شراء الأسماك، ثم تقديمها لمحلات تجهيز الأسماك، ليحصلوا عليها بعد أقل من ساعة جاهزة للأكل، بعد تسويتها إما مقلية أو مشوية، أو سنجاري، والبعض يفضلها قطعا في الشوربة، مع الأرز الصيادية والسلطة الخضراء والباذنجان المخلل، والتى يوفرها أصحاب الشوايات مع السمك الجاهز.


«أبوالعز» وحكاية ربع قرن في البحر

في كل عام تتوقف حركة الصيد في منتصف أبريل وتعود في سبتمبر، ٥ أشهر لا يتخلل أسماءها حرف «الراء»، يستغلها الصيادون في أعمال الصيانة وتعمير محركات العائمات البحرية سواء اللنشات أو مراكب الصيد، والفلُك الصغيرة.

«حلوا الشيمات يا رجالة التصاريح خلصت، وكل واحد يأخذ مكانه» يصدر سيد أبوالعز، أوامره للصيادين على مركب «رزق غربية» التى يعمل عليها ريسا لحسابه وأشقاؤه، يمسك في يده اليمنى أوراقا صغيرة في حجم ورق الكوتشينة مدونا عليها أرقام، ويتجه لكابينة المركب.

«دى الأرقام التى نمشى عليها في البحر، بسجلها على جهاز الستلايت» سمح لنا ريس المركب بدخول قمرة القيادة، كانت الأرقام إحداثيات لنقاط تمثل خط السير في البحر، يسجلها «أبوالعز» على جهاز تحديد المواقع، بعيدا عن المسار المائى الخاص بالسفن التجارية المتجهة لقناة السويس، أو المبحرة جنوبا، ولتلافى الاصطدام بالجزر الغارقة أو حطام عائمات ابتلعها البحر. حلت التكنولوجيا ضيفا على مراكب الصيد، أصبح بمرور الوقت له الكلمة العليا في أى رحلة، «زمان كان كل مركب فيها واحد كبير حافظ مسار الرحلة، ونظرة قوى ومكانه في البرج أعلى حتة في المركب عشان يبقى كاشف إللى حوالينا».

ويحكى الرجل الخمسيني الذى ظل ربع قرن يعمل في مجال الصيد، وهو ينظر إلى جهاز يطلق عليه «سكانديل» دوره كشف ما تخفيه المياه المالحة أسفل المركب، وما يحيط بها، «دى مركب غرقانة ودى عريش قديم» يشير بأصبعه نقطة سوداء على الشاشة. يعتمد الصيادون على جهاز «SCAN DEEP» لكشف الأعماق، عبر الموجات فوق الصوتية، فترتد مشكلة صورة للأجسام التى تصطدم بها وتحدد موقعها من جسم المركب.


سمك «الشخرم» أكلة الفقير.. والكيلو بـ 10 جنيهات

قبل التاسعة صباحا، يعيد التجار رص الأسماك مرة أخرى أمام محالهم، يشكل كل منهم لوحة فنية تسيطر فيها الأسماك الفضية واللامعة وذات الألوان النارية، على تلك الصغيرة التى تصنف بأنها شعبية، تجذب الألوان المتداخلة أنظار زبائن الصباح الذين يحضرون لشراء السمك الطازج قبل أن تقلب فيه يد غيرهم من المشترين.

تصنف الأسماك في الحلقة إلى نوعين، فاخر وشعبى حسب السعر، ومن أبرز الأسماك الشعبية سمك الشخرم، والذى يبدأ سعره من ١٠ جنيهات، ويطلق البعض عليه «أكلة الفقير» إذ كان يباع قبل سنوات بأقل من ٥ جنيهات.

يندرج تحت تلك القائمة، أسماك الكسكومرى والباغة والسهلية، والحارت والخنزيرة والبلطى والبوري، وأغلب الأنواع التى يقل قيمة الكيلو عن ٥٠ جنيها.

«الكوشر والهامور والشعور والصدف والسوبيا» تتصدر تلك الأسماك قائمة الأنواع الفاخرة، يبدأ سعر بعضها ١٢٠ جنيها في الكيلو، ويصل إلى ١٨٠ جنيها حسب الحجم، أما الدنيس والبربونى والسيجان الكبير، واللوت والمرجان والدراك والقروش، فيبدأ سعرها من ٦٠ جنيها للطازجة، ويزداد السعر مع زيادة الطلب، وفى الأيام التى يتوقف فيها الصيد، وذلك وفق العرض والطلب.