الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

بعد مقتل «البغدادي».. مجموعة خراسان مرشحة لوراثة داعش.. تركيا المستفيد الأول من التنظيمات الإرهابية بسوريا للحصول على النفط.. وكيانات جديدة تريد سحب بساط الإرهاب تجاه بوصلتها

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعلنت الولايات المتحدة في ٢٧ أكتوبر الجاري، مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابى أبوبكر البغدادي، في مدينة إدلب شمال سوريا، وبرغم مقتل قيادة التنظيم وإن كان ذلك متغير مهم في تفسير وفهم تطور التنظيمات المتطرفة إلا أن هناك العديد من التداعيات التى يمكن أن تتبلور في الفترة المقبلة خاصة في ظل ثبات شعار التنظيم «باقية وتتمدد»، الأمر الذى يؤشر على أن أبجديات التنظيم تتضمن الاستمرار دون التأثر بالمتغير القيادي، وذلك في إطار وزن وقدرة القيادة على عمل التنظيم.


ومن زاوية أخرى فإن مقتل البغدادى كمؤشر مستقل بذاته له العديد من الانعكاسات التى من الممكن أن تؤثر على مسار عمل التنظيم، خاصة وأن مقتله جاء بالتزامن مع تعرض التنظيم للعديد من الهزائم المتتالية في معاقل نشأته في سوريا والعراق، ويدلل على ذلك ما أعلنته قوات سوريا الديموقراطية (قسد) مارس ٢٠١٩، والمدعومة من الولايات المتحدة والتحالف الدولى لمواجهة التنظيم استعادة بلدة الباغوز السورية، التى تمثل آخر جيب يسيطر عليه التنظيم في منطقة شرق سوريا، الأمر الذى يمثل نهاية السيطرة الميدانية لتنظيم داعش على الأراضى التى سيطر عليها منذ عام ٢٠١٤؛ حيث تمكن التنظيم في ذلك الوقت من إحكام السيطرة على العديد من المدن والمناطق في سوريا، وفى يوليو عام ٢٠١٧، تمكن الجيش العراقى من تحرير مدينة الموصل التى تمثل مرحلة محورية في المعركة العراقية ضد التنظيم الذى جعل من الموصل عاصمته الفعلية في العراق منذ استيلائه عليها في يونيو ٢٠١٤.
وبالتزامن مع مقتل زعيم التنظيم برزت العديد من التساؤلات حول مستقبل التنظيم فيما يتعلق بهيكله ووجوده ومستقبل الجماعات المرتبطة به، وإن كان أغلب الآراء تتجه نحو إعادة إنتاج التنظيم لنفس أفكاره، وإن كان هناك تداعيات مباشرة سواء على مستوى تماسك التنظيم من الداخل، أو على نمط تفاعلاته مع المعطيات الجديدة التى ستنتج في مرحلة ما بعد البغدادى التى ستظل محكومة في الأساس بشعاره باقية وتتمدد الذى قد يمتد إلى صياغة مفهوم جديد لإعادة التموضع.


مسارات متشابكة
على الرغم من الإعلان الأمريكى بمقتل زعيم تنظيم داعش إلا أن هناك مسارات عدة حول وضعية التنظيم الحالية والمستقبلية والتى من خلالها يمكن الانتقال إلى العديد من الدلالات حولها ويتعلق المسار الأول بأفكار التنظيم فمقتل قيادة التنظيم لا يعنى بالضرورة انتهاءه كهيكل أو أفكار، فالتنظيم قبل أن يتمدد مناطقيًا تمكن من أن يتمدد أيديولوجيًا في العديد من المناطق الأخرى في العالم، ونجح في تشكيل مجموعات نظامية في تلك المناطق تتبع التنظيم هيكليًا وإدرايًا، وبالتالى هناك إدراك عالمى بخطر ظهور التنظيم من جديد في مناطق أخرى؛ حيث ترى الولايات المتحدة وشركاؤها بأنهم لا يزالون يواجهون معارك كبيرة ضد داعش وفروعه وشبكات أخرى لم تتحالف معه رسميًا بالشكل المعلن في مناطق مثل أفغانستان وغرب أفريقيا والفلبين، أى القول بأن تم القضاء على القيادة المركزية، وليس التنظيم.
ويتعلق المسار الثانى بالتشكيلات غير النظامية، وهو نمط جديد اعتمده التنظيم كإستراتيجية للتحرك في بعض المجتمعات والدول التى لم تستطع التمركز داخلها بصورة التشكيل النظامي، وذلك لزيادة مستوى المواجهة الأمنية لتلك الجماعات، ويذكر أن تلك الشبكات تتكون من عناصر تابعة للتنظيم كامنة في مناطق خارجية، تنتظر التعليمات للقيام بعمليات إرهابية، بالإضافة لذلك نمط العمليات القائم على استخدام الذئاب المنفردة التى لا تنتمى بشكل فعلى للتنظيم ولكنها تتبعه فكريًا وتحصل على التعليمات بشن عملياتها من خلال تسجيلات القادة بمبادرات فردية. أما المسار الثالث فيعتمد على ديمومة الاستراتيجيات الوطنية والإقليمية والدولية الهادفة إلى القضاء على التنظيمات المتطرفة، خاصة وأن غياب أو تراجع هذه الاستراتيجيات سيؤدى إلى توفير بيئة مناسبة لإعادة ظهور التنظيم مجددًا أو إعادة نشر أفكاره تمهيدًا للظهور هيكليًا، خاصة وأن التنظيم يمتلك القدرة على تمويل عمليات انتشاره وتنفيذ عملياته حتى وإن حدث تغير في بنية القيادة.
ويدور المسار الرابع حول سرية العمل التنظيمي، وفى هذا الإطار يمكن الحديث أنه بعد انفصال تنظيم داعش عن فرع تنظيم القاعدة «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين» - والمعروفة أكثر باسم تنظيم القاعدة في العراق التى شكلها أبومصعب الزرقاوى في عام ٢٠٠٤ لقتال القوات التى تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤهم العراقيين عقب الإطاحة بنظام صدام حسين عام ٢٠٠٣. لكن بعد اضطلاع التنظيم بدور في الحرب الأهلية بسوريا، انشق عن القاعدة. وبات يسيطر على مساحات من العراق وسوريا، استطاع التنظيم هيئته السابقة كفرع من فروع تنظيم القاعدة في العراق قبل نحو ١٢ عامًا، أن يتفادى المواجهات بالعمل السرى لحين ظهور الفرصة المناسبة للظهور، ويذكر أن التنظيم دأب على توظيف هذا الاتجاه مرة أخرى ومثل هذه الأساليب بعد تعرضه للهزائم في سوريا والعراق معقل نشأته ورمزيته.
ويتناول المسار الخامس البعد الفكرى المحيط بانتشار الأفكار المتطرفة، فالتنظيم نشأ في منطقة يغلب عليها سمات الطائفية والفقر والصراعات وغياب جهود التنمية، وفى ظل استمرارية هذه الظروف فإن الأفكار المتشددة قادرة على التحور مع تغير الظروف، كما أن الحروب والظلم والقهر والفقر والطائفية، بل الكراهية الدينية الصريحة تعد العوامل الأساسية لانتشار مثل هذه التنظيمات والأفكار؛ حيث تبنى التنظيم إستراتيجية للانتشار أفقيًا وعموديًا.
ويتعلق المسار الأخير بالتوظيف الإعلامي، حيث يمكن الحديث على أن تنظيم داعش يمتلك آلة إعلامية تُعد الأكثر تأثيرًا من بين التنظيمات المتطرفة الأخرى، والتى وفرت له مساحة للتأثير والاستقطاب من جميع القارات، بل تحول لدى الكثير من الجهاديين عبر ربوع العالم إلى أيقونة للعمل الجهادي، وهو أمر لم يتوفر لأى تنظيم إرهابى ماعدا تنظيم القاعدة في حياة أسامة بن لادن.

دلالات متعددة
من المحتمل أن يتسبب غياب عنصر القيادة المركزية للتنظيم بمقتل البغدادى في العديد من السيناريوهات أبرزها إمكانية ظهور تنظيمات منبثقة عن التنظيم الرئيسي، عن طريق إعلان بعض قادة التنظيم الفرعى نفسهم كخلفاء على الولايات والفروع الأخرى، إضافة لذلك محاولة البعض من الولايات العودة إلى القاعدة أو مجموعة من المجموعات النشطة في قارة أفريقيا وآسيا، والولاء لها خاصة تلك ذات الطموحات التوسعية، وبرغم إعلان مقتل زعيم التنظيم وانتهاء وجوده بصورة شبه كاملة في سوريا والعراق إلا أن الأفكار التى تم نشرها من جانبه تمثل التهديد الأمني الأكبر الذى تحاول الدول مواجهته، في ظل قدرته على شن هجمات في العديد من دول المنطقة والعالم، ومن أبرز الدلالات أن تتصدر القاعدة للمشهد الجهادي: هناك اختلافات عديدة بين تنظيم داعش وتنظيم القاعدة برغم انبثاق الأول من رحم الثاني، ومن أبرز تلك الملفات شروط اختيار المنضمين للتنظيم، والمرجعية العقيدية والفقهية لكل منهما، ومفهوم الجهاد ذاته فالقاعدة تتبع الجهاد التضامنى بينما داعش يتبنى جهاد التمكين والذى ظهر جليًا بشكل واضح في إعلان الدولة واهتمام التنظيم بالسيطرة المكانية الميدانية، ومن ثم فإن هناك احتمالية لتصدر تنظيم القاعدة للمشهد الجهادى في ظل ضعف القيادة المركزية لداعش بعد مقتل البغدادي. إضافة إلى أن تلك الهزائم التى تعرض لها التنظيم من الممكن أن تلقى بظلالها على مستقبل الحضور القاعدى بعد أن سحب تنظيم داعش كل الأضواء في الفترة الأخيرة، وهى بمثابة الفرصة الذهبية للقاعدة لإعادة التموضع وترتيب الأوضاع الجهادية الخاصة به. أما على المستوى الإقليمى والدولى فلا يمكن تفسير دلالة مقتل البغدادى بمعزل عن التفاهمات الأمريكية والروسية والعراقية والسورية والتركية وأنها جاءت بعد التفاهمات التركية الروسية في سوتشى فيما يتعلق بالمنطقة الآمنة في الشمال السوري، ووقف عملية نبع السلام التى أطلقتها تركيا. وبالنسبة لتركيا فإن هناك دلالات عديدة حول التعاون مع الجانب الأمريكى في مقتل البغدادى وذلك بعد أن شعرت تركيا أنها استنفدت مصالحها مع تنظيم داعش في شمال سوريا، وأن مقتل البغدادى تم في إدلب، تحديدًا قرية باريشا، على بعد ٥ كم من الحدود التركية كونها مناطق تخضع للنفوذ الأساسى لتركيا.
الجدير بالذكر أن هناك تحولًا كبيرًا في علاقات تركيا بالتنظيم المتطرف؛ حيث كانت تعتمد عليه في السابق لتنفيذ بعض الأهداف الخارجية في سوريا، فالعلاقة بينهما تقوم على أساس تحقيق المصالح دون تجاوز التنسيق الرسمي، ويؤكد ذلك العديد من الشواهد فتركيا لم تنضم للتحالف الدولى لمحاربة التنظيم، بل إنها كانت تستخدم التنظيم في تحقيق نجاحات ميدانية في مواجهة الأكراد، وعليه سمحت تركيا بعبور المقاتلين في صفوف التنظيم من وإلى سوريا عبر حدودها، إضافة إلى التعاون مع التنظيم في تهريب النفط، والموقف السلبى من المعارك في كوبانى من خلال مواجهة الأكراد من خلال التنسيق بينهما، ومؤخرًا قصفت تركيا سجن جركين، الذى يضم عناصر من تنظيم داعش، في محاولة لإحياء التنظيم. من زاوية أخرى شهدت العلاقات بينهما صدامات منذ عام ٢٠١٥، وتطورت في عام ٢٠١٦ لدخول لتركيا في دائرة عمل التنظيم مرورًا بإعلان البغدادى في ٢٩ أبريل ٢٠١٩، عن إقامة ولاية له في تركيا، وهذه الشواهد تعزز أهمية المتغير المتعلق بمبدأ التنسيق والتعاون في ملفات دون التطرق لمسار علاقات على مستوى أكبر، ومن زاوية مغايرة فإن توقيت وموقع تنفيذ العملية يحمل دلالات على تورط النظام التركى في دعم التنظيم وأن داعش انتشرت وترعرعت بدعم كامل من أردوغان ومن تركيا. عن إعادة التموضع فقد انبثقت داعش عن تنظيم القاعدة، ومن المحتمل بأن يظهر تنظيم جديد منبثق عن داعش، خاصة أن هناك مجموعة خراسان التى تعد أشد تطرفًا من داعش، كما أن تلك المجموعة تريد سحب بساط الإرهابيين أو الجهاديين تجاه بوصلتها، وذلك في ظل انهيار التنظيم لفقدان القيادة أو كاريزما القيادة، وإن كان سيستمر من خلال خلاياه وولاياته المنتشرة، وبرغم ذلك فإن احتمالية تكرار سيناريو القاعدة مع داعش أمرًا مستبعدًا، وأن التنظيم يعيد تجنيد عناصر من جديد وأن خلاياه النائمة بدأت تنشط بشكل كبير في سوريا والعراق وغيرها من المناطق في آسيا وأفريقيا.
وبالنسبة للولايات المتحدة فإن توقيت العملية يحمل دلالات عديدة على المستويين الداخلى والخارجي؛ حيث يعد مقتل قائد التنظيم انتصارًا كبيرًا للإدارة الأمريكية لمحاربة التنظيم ومن الممكن أن يتم توظيفه خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية، وخارجيًا تصدير صورة دولية بالنجاحات التى تقودها واشنطن في مكافحة الإرهاب.
وتشير المسارات والدلالات السابقة وخاصة تلك المتعلقة بالتنظيم الإرهابى إلى أن هذه الفترة من عمر التنظيم تتميز بحالة من التداخل فيما يتعلق بهيكلية التنظيم ذاته وبين المحددات الإقليمية والدولية، والتى من المحتمل أن تتضح بصورة كاملة في الفترة المقبلة.