الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

طارق الطيب يتحدث لـ"البوابة نيوز": لا أعتبر نفسي من شعراء المهجر.. الكاتب في الشرق يتحايل لتمرير موضوعاته وفي الغرب لدينا حرية أكبر

طارق الطيب يتحدث
طارق الطيب يتحدث لـالبوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعرب الكاتب الكبير طارق الطيب، عن سعادته بمشاركته في فعاليات معرض بلجراد الدولى للكتاب، من خلال أمسية شعرية ألقاها الخميس الماضى، ضمن أنشطة الجناح المصرى، دولة ضيف الشرف، في المعرض؛ التى ألقى فيها العديد من قصائد ديوانه «سوق الله»، الذى ترجمها الشاعر الصربى زلاتكو كراسنى إلى اللغة الصربية في 2006 في بلجراد، وقدم الكتاب آنذاك في مهرجان «سميدريڤو» في صربيا، ثم بعدها بسنوات في «نوفى ساد» أيضا، وأعيد طباعته مؤخرًا في هيئة الكتاب قبل أسابيع قليلة من معرض بلجراد احتفالا بمشاركة مصر.
وجود الطيب، الذى يعيش في العاصمة النمساوية فيينا، في هذا الحدث، أعاد إليه الكثير من الذكريات؛ فهو لا يرى أنه حقًا واحدًا من أدباء المهجر بالتعريف القديم للمصطلح، لكنه في الوقت نفسه لا يُمكن أن ينفى ذلك.

يقول الطيب: «المشكلة أن الناس ترى أديبَ المهجر واحدًا من فئتين، الأولى: هى أن البعض يعتبر أدباء المهجر وكأنهم جنس مختلف أو كائنات فضائية أدبية، وفى هذه الحالة لا أعتبر نفسى من هؤلاء»؛ لافتًا إلى أن كُتاب المهجر خلال نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، كان الواحد منهم يذوق الأمرين حتى يستقر في موضع آخر من العالم، وربما كان الواحد منهم يعود بعد سنوات طويلة كى يتأقلم ثانية مع عالمه المتروك؛ الآن العالم تغيّر ويُمكن للمرء أن ينتقل من مكان لآخر خلال ساعات، وحتى لو تركت بلادك يُمكنك الذهاب لمكان مُشابه في الجغرافيا أو اللغة، لكن في الماضى كان الأديب ينتقل إلى مكان قصيّ في العالم، فيستغرق، على سبيل المثال، وصول الخطاب أو الجريدة المرسلة إليه عدة أشهر بسبب بطء وسائل الاتصال وابتعاد المكان. المسافة في هذا الزمن القديم نسبيا، كانت حاسمة، وكان هناك غياب شبه تام عن حراك الحياة الأدبية اليومية الحادث في الوطن الأم.
والفئة الثانية «الأديب الذى يطبع نفسه في الغرب على أنه كاتب أجنبى على الدوام، ويحب هذه الصفة التى تُخلع عليه، فيثبّت نفسه في خانة أدبية بعيدة تهتم أكثر بالمساعدات الأدبية المادية أكثر من رغبته في المشاركة الحقيقية ضمن جملة الأدباء في البلد!».
يُشير «الطيب» إلى أنه رغم مُتابعته لكل الأحداث اليومية في النمسا، لكنه قضى وقتا طويلا وصل إلى ما يقرب من سبع سنوات حتى استطاع أن يكتب عن المجتمع النمساوى الذى يعيش فيه، ويحتاج الآن لوقت آخر للكتابة أيضا عن نفسه كجزء ثان من السيرة الذاتية، وهو العمل الذى يستعد لإصداره مرة أخرى في نهاية العام المقبل، بعد الكثير من الإضافات التى ولّدتها الخبرات اليومية على مدى سنوات الاغتراب «فأنا لا أقتنع بفكرة التقسيم الصارمة للاغتراب. يمكن قبولها أكاديميا أكثر من قبولها كحد فاصل في النقد الأدبى».
لفت الكاتب، الذى قضى سنوات طويلة بالخارج، إلى أن الأديب الذى قضى ردحا من حياته في القاهرة بدأت بالولادة والنشأة ثم انتقل إلى الغرب، لا يُمكنه أن ينسى كل هذا، ويستطيع بالتأكيد أن يُعبر عن هموم بلاده وأهله وما يعانون مهما امتدت به الإقامة بالخارج «فأغلب الأدباء، من مصر مثلا، يسعون للتواصل، ويزورون مصر ولو مرة واحدة في السنة»، ومع ذلك ففى زيارة كهذه قد تشعر بأن تغييرًا ما قد طرأ على صديق قديم لم تره منذ سنوات أو حبيب قد مرض أو شيبا غزا شعره فجأة، لكن لا بد لك أن تتأقلم على هذا التغيير لأنك أيضا تغيرت دون أن تدري؛ مؤكدا في الوقت نفسه أن شاعر المهجر تكون لديه رؤية بانورامية للوضع في بلاده لأنه يراها من مسافة كبيرة بحكم اطلاعه المباشر بلا قيود على كل الميديا المتاحة وسهولة الانتقال وعدم وجود موانع أو صعوبات في النشر أو وصول الكتب القادمة من بلاد أخرى، «وهو أمر مثير للحزن أن بعض الدول تمنع كتبا أو مواقع ما».


يتمتع الأديب الذى يحيا في بلاد المهجر بحرية في الكتابة يوفرها له المجتمع: الناشر والقارئ، كذلك حرية الانتقال متاحة له بشكل أكبر وأسهل مما لدى الأديب المستقر في بلاد الشرق؛ حيث إن القاطن بالشرق قد يلقى قيودا متنوعة على إبداعه لأسباب تفرضها المجتمعات، يتفق الطيب بشكل ما مع هذا القول، ويؤكد أن الناشر في الشرق يقع في كثير من الأحيان في حرج بسبب قيود في النشر، على عكس الناشر الغربى الذى يترك للكاتب حرية تامة في العمل «هكذا يصل الكاتب في الشرق إلى نوع من التحايل يستغل فيه معرفته اللغوية الواسعة إذا كانت موجودة، ويستطيع عبرها أن يُمرر- بهذا المجاز أو ما يستخدمه من تورية- كل ما يرغب فيه بعيدا عن الرقابة».
أشار «الطيب» إلى أن الجيل القديم من أدباء المهجر، مثل الشاعر الكبير جبران خليل جبران، إيليا أبو ماضي، ممن ابتعدوا حقا عن أوطانهم الأصلية بشكل كبير بسبب الظرف الزمنى الذى كانت فيه وسائل الاتصال وإمكانيات التواصل بعيدة وقليلة للغاية وتستغرق أوقاتا طويلة «كانوا يكتفون بالخطابات، وهى الوسيلة الوحيدة التى كانت مُتاحة لديهم، وينتظرون الرد أسابيع طويلة أو لشهور، لكن كانت لديهم ميزة هى أن كثيرا منهم مثل طه حسين والطيب صالح وتوفيق الحكيم فيما بعد وغيره كانوا يعرفون لغات البلاد التى يذهبون إليها، كما أن بعض المجتمعات في ذلك الوقت كانت مُتشابهة، مثل لبنان وأمريكا، أو مصر وبريطانيا أو فرنسا، وكانت هذه التشابهات في الطرز المعمارية أو وسائل المعيشة والتواصل كافية إلى حد ما للتقليل من الشعور بالغربة؛ لكن فيما بعد السبعينيات، صار المغترب يبدأ من الصفر، فيذهب دون معرفة بلغة البلد الذى يذهب إليه أو طبيعته أو ثقافة شعبه أو عاداته وتقاليده، فهو مضطر للذهاب إلى أى بلد يقبله، وهو أمر يستهلك الكثير من الجهد حتى يصير هناك نوع من التأقلم داخل البلد الجديد، هذا إن حدث هذا التأقلم.
اللغة وتقارب المجتمعات الشرقية والغربية والعلم والمعرفة لدى الشرقى هى ما تُميز مبدع المهجر القديم عن بعض الموجودين الآن. يلفت طارق الطيب كذلك إلى وجود نوع من الراديكالية لدى الكثير من كُتّاب المهجر الجدد «فبعضهم دون دراية كافية قد يكتب عملًا ما مثل رواية يحط فيها من شأن الغرب دفاعًا عن القيم الشرقية لمصلحة قارئ في ذهنه، أو يُهاجم المجتمعات الشرقية ويحتقرها في مجاملة للغرب الذى لم يصبح هو نفسه جزءًا منه بعد».