السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حرب المصطلحات الإعلامية حول التنظيمات الإرهابية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تؤدى المصطلحات المستخدمة في الخطاب الإعلامي دورًا كبيرًا في بناء المفاهيم أو تغييرها، وفي كسب المواقف أو تبديلها، وتزداد أهمية هذا الدور في تغطية الصراعات والحروب والتنظيمات الإرهابية، حيث تتنافس الأطراف ذات العلاقة بتصنيع ونحت المصطلحات الإعلامية، وتسويقها ونشرها، بحيث تعبر عن وجهة نظر صانع المصطلح، وتؤيد موقفه ضد الطرف الآخر. 
ومن ثم؛ تدرك التنظيمات الإرهابية تماماً أهمية المصطلح، وأهمية ترويج ونشر مصطلحاتها وتسمياتها من خلال آلة الإعلام الخاصة بها ووسائل الإعلام سواء الغربية منها أو العربية التى تدعمها وتساندها وتشاركها في نشر أهدافها، ولذلك نجد أن آلة المصطلحات الإرهابية لتنظيم "داعش" قامت بإنتاج عدد كبير من المصطلحات؛ لتغطية كل ما يستجد من ممارسات ومواقف حول هذا التنظيم الإرهابي. 
وبالتالي فقد كون تنظيم "داعش الإرهابي" لنفسه مفاهيم جديدة للدين والشريعة، واخترع تعريفات جديدة لمصطلحات شرعية مستقرة (مثل: الجهاد والخلافة والشهادة والحاكمية والخليفة والتوحيد والهجرة والبيعة ودار الإسلام ودار الكفر ...إلخ) خالف فيها الدلالات القطعية للكتاب والسنة، بل وزادت هذه الجماعات الإرهابية من عندها مصطلحات جديدة ألحقتها بأصول الدين، مما ترتب عليه الكثير من المخالفات الشرعية، مما كون في نهاية الأمر شكلاً ومفهومًا جديدًا للدين عند هذا التنظيم يخالف ما عليه جوهر الدين الصحيح وحقيقة الشريعة. 
وبمتابعتي لتغطية وسائل الإعلام الغربية كـ ((BBC -CNN والعربية (كالجزيرة والعربي) لأحداث مقتل الإرهابي "أبو بكر البغدادي" فقد تبين لي أن هذه القنوات لم تصف "أبو بكر البغدادي" بالإرهابي وإنما تصفه بالـ "زعيم" وكذلك لم تصف التنظيم بـ "داعش" وإن قامت بتسميته بتنظيم "الدولة الإسلامية" رغم تغير السياسة الأمريكية بصفة خاصة والغربية بصفة عامة مؤخرًا حول تسمية هذا التنظيم الإرهابي بالمصطلح المقابل للعربية "Daesh" وليس (ISIS) وهو الاختصار الإنجليزي لمصطلح "Islamic State in Iraq and Syria"، أو (ISIL) الاختصار الإنجليزي لمصطلح Islamic State in Iraq and the" Levant"، في حين تصف مثل هذه القنوات من يدافعون عن أوطانهم المحتلة بالإرهابيين، ووصف ما تقوم به تركيا من قتل وتدمير للأكراد بسوريا بعملية "نبع السلام" وهو ما يشير إلى "ازدواجية المعايير والتناقض الشديد" لدى هذه الوسائل الإعلامية الداعمة لهذ التنظيمات الإرهابية في الحكم على القضايا المختلفة بما يتفق مع أيديولوجيتهم ويخدم مصالح دولهم، وحتى ينتهى بأذهان المجتمع الدولي أن الإسلام هو مصدر الإرهاب، لحين تكوين تنظيم آخر على غرار القاعدة وداعش ومن ثم الاستمرار في حملة تشويه الإسلام بالأفعال والممارسات المشينة التى تركزت حول العنف والقتل والذبح والحرق والإرهاب....إلخ. 
وهو ما يتفق مع نتائج البحث الذى قمت بإجرائه حول "حرب المصطلحات الاعلامية: دراسة مفاهيمية لإعلام التنظيمات الإرهابية فى مواقع الصحف المصرية والعربية والغربية" والتى توصلت نتائجه إلى اختلاف مواقف المواقع الصحفية عينة الدراسة - والتي تمثلت في مواقع (الأهرام المصري، الشرق القطري، والنيويورك تايمز الأمريكي، والجارديان البريطاني) تجاه المصطلحات الإعلامية المتداولة حول تنظيم "داعش"، ومن ثم فقد واجهت المصطلحات الإعلامية المتداولة حول الإرهاب – داعش- مواقف عدة؛ حيث اتخذ موقعا "نيويورك تايمز" والجارديان موقف الداعم والمعزّز، وهو موقف صانع المصطلح الذي قام بتصنيعه ونحته، والمستفيد من ورائه، حيث استخدم نفس المفاهيم والمصطلحات التى تروجها داعش ووصفها بتوصيفات تضفى عليها الشرعية.
بينما اتخذ موقع الشرق (القطرية) موقف التبني والاستخدام المطلق لهذه المصطلحات، مما يضفى الشرعية على هذا التنظيم الإرهابي، بينما اتخذ موقع الأهرام عدة مواقف: الأول وهو التقبل مع التحفظ فى استخدام بعض المصطلحات، وأحيانا موقف الرفض على الإطلاق بدون بدائل فى مصطلحات أخرى، وأحيانا أخرى موقف الرد العملي بتصنيع مصطلح مضاد والعمل على نشره، بينما جاء استخدام مواقع (الشرق والنيويورك تايمز والجارديان)، أكثر استخدامًا لهذه المصطلحات والمفاهيم. 
وهو ما يؤكد بأن وسائل الإعلام الغربية لديها تخطيطا إخباريا بشكل كبير فى استخدام المصطلحات والمفاهيم المتداولة حول داعش بصفة خاصة والإرهاب بصفة عامة، مما يجنبها العشوائية فى استخدام مصطلحات تضر بالصالح العام لديها، واستخدام المصطلحات والمفاهيم التى تحقق من خلالها مصالحها الخاصة، فضلاً عن اتفاق المواقع القطرية لأيديولوجية وسائل الإعلام الإرهابية والغربية التى تدعم وتضفى الشرعية على هذه التنظيمات الإرهابية.
وللأسف الشديد بعض وسائل الإعلام المصرية والعربية المناهضة للتنظيمات الإرهابية تستخدم المصطلحات التى تروجها وسائل الإعلام الغربية حول هذه التنظيمات سواء بقصد منها أو بدون قصد، ومن ثم تصبح جزءًا من الآلة الإعلامية التى تروج للإرهاب، وهذا يشير إلى أن هذه الوسائل لم يكن لديها ما يسمى بالــ "تخطيط الإخباري لحرب المصطلحات الإرهابية"، وهو ما يجعلها لا تقاتل الإرهاب بل تقاتل معه، وتصبح عوناً له بالمجان نظراً لما تستخدمه من مصطلحات ومفاهيم حول داعش؛ ومن ثم يقدمه إلى الرأي العام بطريقة تجعله موضع إعجاب المتلقي، وموضع استلابه عقلياً وعاطفياً بالتضليل والخداع، مما يضفى عليه الشرعية، وهو ما يتضح من خلال المصطلحات التى تبنتها.
ولذلك أصبح من الضروري أن نخضع هذه المصطلحات لعملية الضبط والتصحيح وكشف المفاهيم الكامنة خلفها، وهو ما دفعني في هذا البحث إلى عمل دليل موحّد لتلك المصطلحات؛ لتجنب الوقوع في الدعاية الموجهة التي تخدم تلك التنظيمات الإرهابية، ليُوجه الصحفيين والإعلاميين باعتبارهم فاعليين رئيسيين في مواجهة الإرهاب.