الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

دواعش أوروبا واللاجئون ومعضلة العودة إلى أوطانهم.. تهديدات مؤجلة بعد عدوان تركيا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مع دخول العدوان التركي على شمال سوريا اليوم السابع على التوالي، وانتقال المواجهة بين الجيش السوري والقوات التركية إلى منطقة تل تمر القريبة من الحدود التركية والتي تبعد نحو 35 كيلومترا جنوب شرقي رأس العين، أحد الأهداف الرئيسية للهجوم التركي، برزت على سطح الأحداث السياسية قضية دواعش أوروبا ومعضلة العودة إلى أوطانهم، بعد أن أعلنت قوات سوريا الديمقراطية "أكراد سوريا" أن حراسة سجون الدواعش لم تعد أولوية بالنسبة لها مع اشتداد المعارك شمال سوريا ضد القوات التركية.
وتحاول الدول الأوروبية الإسراع بتنفيذ خطة لإخراج الآلاف من عناصر داعش الأجانب من المخيمات المحتجزين بها في سوريا ونقلهم إلى العراق ، بعد أن انطوى اندلاع قتال جديد على خطر هروبهم أو عودتهم إلى دولهم، ويمثل الأوروبيون الدواعش خمس مسلحي التنظيم في سوريا، وهم نحو عشرة آلاف تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد.
وقبل بدء الهجوم التركي كانت الدول الأوروبية تجري تقييما لكيفية التوصل إلى آلية يمكن أن تفضي إلى نقل المقاتلين الأجانب من سوريا إلى العراق لمحاكمتهم هناك بتهم جرائم حرب.
ولا تريد دول أوروبا محاكمة رعاياها من مسلحي "داعش " على أراضيها خشية أن يثير ذلك غضبا عاما وأن تجد نظمها القضائية صعوبات في جمع الأدلة بالإضافة إلى خطر تجدد هجمات المتشددين هناك.
تشير تقارير إعلامية إلى إن الهجوم التركي على شمال سوريا، دفع الدول الأوروبية إلى الإسراع بالمفاوضات، حيث تضغط مجموعة أساسية تضم ست دول جاء منها أغلب المقاتلين المحتجزين في السجون الكردية من بينها فرنسا وبريطانيا وألمانيا لتقليل عدد الاختيارات بعد استبعاد تشكيل محكمة دولية خاصة.
وقد استبعد تشكيل هذه المحكمة لأنه يمكن أن يستغرق سنوات ، ومن غير المرجح أن يحصل على تأييد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وقد عقد آخر اجتماع أوروبي من أجل هذا الغرض يوم 11 أكتوبر الجاري في العاصمة الدانماركية "كوبنهاجن" وركز على تشكيل محكمة مشتركة من قضاة دوليين وقضاة عراقيين.
وتجرى هذه المناقشات من أجل تشكيل محكمة دولية بالتوازي مع مفاوضات مع حكومة بغداد، حيث يطلب العراق عدة ملايين من الدولارات تعويضا عن قبول المقاتلين الأوروبيين على أراضيه لأنها ليست يسيرة.
وفي تطور متزامن تولى الجيش الأمريكي مسؤولية احتجاز اثنين من إرهابييّ "داعش" كانت القوات الكردية في سوريا (قسد ) تحتجزهما في السابق وذلك في وقت رجّحت الصحافة الأمريكية أن يكون الأمر متعلقاً ببريطانيَّين عضوَين في مجموعة يُطلق عليها اسم "البيتلز". وكانت تقارير أمريكية وألمانية قد تحدثت عن أن بضعة عشرات من المسلحين الخطرين المعتقلين لدى المليشيات الكردية في سوريا تم نقلهم جميعاً إلى العراق، فيما قُدر عددهم بأربعين شخصاً.
شبح داعش المرعب
يعتقد مراقبون أنه سيكون من الصعب إعادة المعتقلين الموجودين داخل السجون والمعسكرات الموجودة في المناطق السورية ، التي ترغب تركيا في جعلها "مناطق آمنة" ، إلى ألمانيا أو أوروبا، وسيكون الوضع مختلفا إذا ضاع هؤلاء السجناء وسط بلبلة الحرب ويعودون أدراجهم إلى أوروبا، ويمثل ذلك خطرا كبيرا.
وهنا تنبع أهمية تحذير المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية "قسد" ، مصطفى بالي، من أن الصمت الأوروبي سيؤدي إلى زحف مسلحي داعش إلى أوروبا، خصوصا أن هذه القوات تحتجز الآلاف من عناصر داعش وأقاربهم، ممن أعلنت تركيا في وقت سابق عزمها إرسال الأجانب منهم إلى بلدانهم الأصلية، الأمر الذي قد يشكل خطرا أمنيا داخليا في الاتحاد الأوروبي.
وتنظيم داعش رغم أنه مهزوم عسكريا، لكنه يواصل العمل على نشر أيديولوجيته، لأنه يتكيف ويتقوى ويخلق ظروفا قد تؤدي إلى انتفاضة ممكنة داخل العراق وسوريا، وفق ما جاء في دراسة أصدرتها الأمم المتحدة في يونيو 2019. 
أكثر ما تخشاه أوروبا هو أن يسهم العدوان التركي في إعادة إنتاج "داعش"، من خلال استهداف أكبر صمام أمان بالمنطقة ضد التنظيم الإرهابي، ألا وهي قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي تشكل ركيزة التحالف الدولي للقضاء على التنظيم، وهذا ما أعرب عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تحذيره من أن زعزعة استقرار المنطقة قد يؤدي إلى ظهور التنظيم الإرهابي مرة أخرى.
فأوروبا متأكدة من أن تأثير العملية العسكرية التركية في سوريا لن يقتصر على الشرق الأوسط فحسب، بل إن تداعياتها السلبية ستطالها، وهذا ما ترجمته المواقف الرسمية لكل من باريس وبرلين تجاه العدوان التركي.
والمؤكد أيضا أن العملية العسكرية التركية ستكون اختبارا جديدا للعلاقات التركية الأوروبية، المهتزة في معظم الأحيان بسبب ملفات الانضمام التركي للتكتل الأوروبي ، والمهاجرين ، والتنقيب شرق المتوسط وغيرها، لتتعقد العلاقات بشكل أكبر، خصوصا مع إصرار الرئيس التركي أردوغان على شن العدوان رغم تحذيرات شركائه في حلف شمالي الأطلسي "الناتو".
اللاجئون يواجهون اليمين المتطرف
لم تقتصر المخاوف الأوروبية على عودة الدواعش الأوروبيين إلى بلادهم فحسب، لكن ثمة قضية أكثر خطورة تؤرق مضاجع الدول الأوروبية وهي اللاجئون الفارون من جحيم الحرب، هذه المخاوف أعرب عنها وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، والذي حذر من كارثة إنسانية أخرى، قد تسهم في موجة نزوح جديدة، خصوصا عقب إعلان الأمم المتحدة فرار 140 ألف شخص من مناطق المعارك شمالي شرق سوريا.
ويرى محللون أن أوروبا تستبق هذه التهديدات المؤجلة من خلال تفكيرها مرة أخرى في اتفاقية اللاجئين التي وقعتها في 2016 مع تركيا، آملة أن تشكل بر أمان لها، مع أنها تظل الورقة التي يبتز بها أردوغان الدول الأوربية بل يهددهم بها، حيث يشهرها مهددا بفتح الأبواب أمام تدفق اللاجئين نحو أوروبا، وهذا أكثر ما تخشاه الدول الأوروبية في ضوء تفاقم مشاكلها الاقتصادية ومخاوفها من تغير النمط المجتمعي.
يرتبط بما سبق تهديد آخر أكثر خطورة يتمثل في التأثيرات والتهديدات من معضلة اليمين المتطرف وصعوده في العديد من البلدان الأوروبية، واستيائه من قضية اللاجئين وفي مقدمتها ألمانيا وهولندا، والتي ما زالت تعاني آثار صعود التيار المتطرف عقب موجة اللاجئين التي اجتاحت أوروبا في 2015، واهتزاز مفاهيم الاستقرار والهوية الأوروبية بمجتمعاتها، وهذا ما يفسر حدة ردود الأفعال الراهنة للدول الأوروبية، وتعليق بعض بلدانها جميع مبيعات الأسلحة لأنقرة.
يبقى القول أن ثمة تهديدات كبيرة مؤجلة تثير المخاوف أوروبية جراء العدوان التركي على الشمال السوري، ليس على أمنها متمثلاً في عودة المقاتلين الأجانب "دواعش أوروبا" مرة أخرى إليها، ولكن على نسيجها الاجتماعي وبنيانها الاقتصادي متمثلاً في عودة اللاجئين الفارين من جحيم عدوان تركيا، وما يرتبط ذلك بدعم عوامل عدم الاستقرار مع صعود اليمين المتطرف في عدد من الدول الأوروبية.