الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

ذكريات جندي مقاتل «جورج شفيق» أيام العبور

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

البحث عن أبطال أكتوبر ودورهم المشرف عمل لن ينتهي فسجلات الانتصار العظيم مازالت مفتوحة ويوما بعد يوم نجد أبحاثا ودراسات وكتبا تسجل بحروف من نور ذكريات جديدة للعبور المجيد.

ورصد الباحث عماد منير، ذكريات المجند المقاتل جورج شفيق صالح في كتابه المجد، حيث يروي على لسان الجندي، قائلا

بداية تجنيدي شهر أكتوبر 1967

كان القرار بعد نكسة يونيو 1967 بأن يكون كل الجنود المؤهلات على الجبهة حتى لو كان اخوه لواء في الجيش لأنهم على دراية وفهم غير الحاصلين على مؤهلات وقد جاء تجنيدي في سلاح المدرعات باللواء الثاني مشاة وطوال سبع سنوات ظللت على شاطئ القناة أحلم باللحظة التي أعبر فيها للضفة الشرقية منها وأرفع العلم المصري عليها وكنا أثناء العبور تغمرنا فرحة عامرة بالعبور، يوم 6 أكتوبر كنا نشعر أن هناك ثمة أمر يتم لكننا لم نكن نعرف أي شيء.

التدريب على العبور 

قمنا بتدريبات على العبور في منطقة الخطاطبة بنفس السيناريو الذي دار في حرب أكتوبر يوم العبور وكنا نتدرب على العبور بقوارب مطاطية والتدريب على تحطيم خط مشابه لخط بارليف وأتذكر أنه كان هناك خسائر في التدريب مثل سقوط دبابة بمن فيها.

كيف كانت الروح المعنوية للجنود:

الروح المعنوية لنا كانت ممتازة وأتذكر بأننا كنا نأكل مانجو بصفة مستمرة لأن هناك حدائق قريبة منا وكنا نشتري لبن ونعمل زبادي، وكانت حرب الاستنزاف مستمرة وكانت إسرائيل ترد بغارات عدائية فكانت تضرب أهدافا في العمق وترجع بباقي الذخيرة علينا ونحن على شاطئ القناة وكنا ندخل لنختبئ في مواسير ضخمة من الحديد لنتفادى الضرب وكان هناك برميل مياه مدفون في الرمل حتى سطحه ووجدنا في يوم من الأيام برص كبير عائم على سطحه فقمنا بغلي المياه حتى نشربها فلم يكن من الممكن الانتظار بدون مياه للشرب.

حفلات ترفيه للجنود

كان هناك احتفالات من الفنانين للترفيه عنا وقد حضر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لزيارتنا على الجبهة.

أصعب أيامي في الجيش سنة 1970

كان هناك غارة إسرائيلية علينا وكنا 3 دبابات بجنودها بالإضافة لخمسة عشر جندي مشاة، الكل اختبأ في الخنادق وخرجنا بعد نهاية الغارة لنجد كل أفراد المشاة قد استشهدوا وتحولت أجسادهم إلى أشلاء جمعنا أجسادهم في بطاطين وقمنا بدفنهم، كان هذا اليوم أصعب يوم في حياتي فقد فقدت في لحظة أخوة لي ولم أنساهم حتى هذه اللحظة.

يوم العبور

يوم 6 أكتوبر جاء الأمر طوارئ وعند الساعة الثانية بالدقيقة وجدنا الطائرات المصرية فوق رؤوسنا تطير على ارتفاع منخفض حتى لا تظهر في الرادار والمدفعية بدأت بالضرب وبدأ عبور المشاة بالقوارب المطاطية، أما عبورنا نحن بالدبابات فقد تأخر مدة 6 ساعات حتى تم صنع الكوبري وكنت من أوائل من عبر بالدبابات وكانت مهمتنا أن نتحرك حتى 15 كيلو فقط ونقف وكانت الدبابات التي نحارب بها سلاح روسى تم إنتاجه أثناء الحرب العالمية الثانية.

الإصابة والعلاج 

وكان هناك اتفاق أن يأتي بعدنا آخرون بعد توقفنا عند الكيلو 15 لاستكمال المهمة لكن ومن فرط حماسنا نسينا هذا الاتفاق وعبرنا للداخل أكثر لأفاجأ ببعض دباباتنا يتم إصابتها وشعرت بخبط شديد في الدبابة.

وتابع نزلت من تحت لأجد جسدي مشتغلا فقمت بالالتفاف في الرمل لأطفأ جسدي وتم احتراق ملابسي وتم إصابتي بعدة شظايا وكان أكبرهم شظية على شكل حدوة حصان في ساقي عندما أخرجها الطبيب من جسدي أعطاني إياها قائلا: إنها نيشان لي، وصدري كان ينزف ناحية القلب حتى إن الإنجيل الذى في جيبي قد غرق بالدماء، رغم الإصابة تحركت مع زميلي أنسي من ديرب نجم بالشرقية سائق الدبابة.

وأكمل: "وكانت إصابته بسيطة تحركنا عائدين في اتجاه لنصل إلى أي مستشفى ميداني لمساعدتنا وبالفعل وصلنا لسيارة إسعاف بعد نحو 7 كيلو وقاموا بتوصلينا لمكاننا عند قناة السويس وقام بمساعدتي زميل لي في الحرب لم يكن يعرفني لكن عندما وجدني مصاب حملني على كتفيه وسار بي وقد حدثته، قائلا: إني سأكون ثقيلا عليه فوجدته يقسم أنه لن يتركني إلا في المستشفى (ربنا يرحمه إن كان توفى ويديه الصحة ويخليه إن كان لسه حي) وبالفعل وصلنا حتى سيارات شركة عثمان أحمد عثمان والتي كانت مهمتها حمل رمل قبل الحرب وردمه من أجل عملية الخداع وذهبت بنا السيارات إلى مستشفى السويس وكانت المستشفى ملاه بالجنود المصابين وقضينا ليلة بها".

وأردف: "في اليوم التالي جاءت سيارات الجيش ذهبت بنا لمستشفى ميداني في الكيلو 109 وفي الليلة التالية ذهبنا للكيلو 51 طريق مصر السويس عند دير بطمس وهي مستشفى ميداني آخر وقد أخذوا منا سلاحنا هناك وبعد ذلك ذهبنا إلى مستشفى ألماظة في الكيلو 4.5 وهي مستشفى عسكري وكانت المرحلة النهائية للعلاج لمسح الجروح من الرمال وكان الجلد متأكل ويظهر منه العظم وتم التغيير على الجرح بشاش فازلين ساعد على ظهور الجلد مرة أخرى وكانت زوجتي لا تستطيع المكوث وحدها في منزلنا فذهبت لحماتي وعندما تحسنت حالتي أعطيت رقم تليفون لجار لوالدي في معرض الموبيليا الخاص بها وجاءني والدي وأخواتي مسرعين وقد اعتقد والدي في البداية أن ساقي قد بترت ووجدت دموعه تنهمر بغزارة لكني طمأنته بأنني بخير وقد جاء جميع جيراني لرؤيتي مع أخواتي". 

زيارة جيهان السادات لنا 

جاءتنا السيدة جيهان السادات في زيارة للجنود المصابين وقامت بإعطاء الجنود المسيحيين أناجيل والمسلمين القران الكريم.

العام الأخير في الجيش

ذهبت في نهاية المطاف لمستشفى عين شمس ومكثت بها 3 أشهر ثم خرجت وتم توزيعي على كتيبة مدرعات بثكنات المعادي وظللت مدة عام كامل بها وكنت أخرج لأعمل علاج طبيعي وخرجت من الجيش في أكتوبر 1974.

حياتي بعد خروجي من الجيش عام 1975

رجعت لمصنع الحديد والصلب قسم الدرفلة وكان هناك ماكينة اشتعلت وطلبوا من روسيا إصلاحها فطلبوا منهم مبلغا كبيرا جدا فطلبت منهم أنا وزميلي فريد في العمل كتالوجات الماكينة وسنقوم بإصلاحها وبالفعل قمنا بإصلاحها وقام المصنع بتكريمنا أنا وزميلي فريد.

سفري إلى السعودية عام 1976 

ذهب بعد عدة شهور زميلي فريد للتقديم في سفارة السعودية لأنها كانت تحتاج لموظفين وشجعني على التقديم وبالفعل قدمت وتم قبولنا لكن المصنع لم يقبل استقالتنا بسهولة لأن المصنع لم يوافق على تركنا العمل لحاجة العمل إلينا إلا بعد مفاوضات.

واختتم عماد هذا الرصد طالبا من المقاتل جورج كلمة أخيرة تقولها لمصر تحيا مصر فعلا لا أستطيع أن أقول سوى تحيا مصر وإن احتاجتني بلدي حتى هذه اللحظة لن أتأخر أو أتوانى هذا الوطن بالفعل ترابه تبر غالي علينا وأتمنى أن أرى مصر مثلما كانت في أيام العبور وكيف كان التلاحم والحب ولم نعرف يومها كلمة قبطي ومسلم فقد اندفعنا لحظة العبور كلنا أقباط ومسلمين مرددين الله أكبر.. عاشت مصر.