الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

النازحون البيئيون.. خطر قادم مع التغيرات المناخية.. الاتحاد الأوروبي: تغير المناخ يهدد «الأمن الإقليمي».. وأوروبا تواجه التحديات البيئية بوسائل وأساليب محدودة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أوجدت التغيرات المناخية في عالم اليوم تحديات متزايدة على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وأضحى التغير المناخى حقيقة لا مفر منها، وكذلك التدهور البيئى الذى يأتى مصاحبًا له. في كثير من الأحيان تدمر الكوارث الناجمة عنهما بالكامل المدن والقرى تاركة الآلاف من الناس دون مأوى، بما يدفعهم إلى البحث عن ملجأ في مناطق أخرى غير منكوبة بالكوارث داخل نفس إقليم دولتهم أو خارجه في الدول المجاورة. ومن هنا صيغ مصطلح «النازحون البيئيون» ليعبر عن هذه الفئة من الناس تمييزًا لهم عن باقى الأنواع من النازحين واللاجئين. 

على مدى السنوات العشر الأخيرة، تضاعف عدد الكوارث البيئية في جميع دول العالم، نتج عنه زيادة أعداد النازحين البيئيين بما فاق أعداد نازحى الصراعات والحروب الأهلية، ولم تنج أوروبا كغيرها من القارات من التأثر بظاهرة تغير المناخ الناتج عن الاحتباس الحراري، فأضحت تعانى باستمرار من درجات الحرارة المرتفعة بشكل غير مسبوق، وزيادة وتواتر الجفاف في بعض المناطق، تقلص الأنهار الجليدية، ذوبان الجليد.... وبالتبعية زيادة أعداد النازحين البيئيين.


تغير المناخ في أوروبا

يؤثر تغير المناخ على الظروف البيئية الأساسية مثل أنماط هطول الأمطار ودرجات الحرارة. وهى تسهم في زيادة تواتر حدوث الجفاف والكوارث الطبيعية الأخرى. وعلى المدى الطويل، من المحتمل أن تقوض هذه الظروف المتغيرة سبل المعيشة. وفى الآونة الأخيرة عانت أوروبا هذه الظاهرة، خاصة ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، والتى سيتم التركيز عليها في التناول كأبرز ملمح لتغير المناخ في أوروبا.
بالنسبة للعقد من عام ٢٠٠٩ إلى عام ٢٠١٨، كان متوسط درجة الحرارة السنوية على مناطق اليابسة الأوروبية أعلى من ١.٦ درجة مئوية إلى ١.٧ درجة مئوية، مقارنة بفترة ما قبل الصناعة؛ هذه الزيادة أكبر من الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية. هذا يجعله أحر عقد على الإطلاق في أوروبا.
وكانت أحر السنوات في أوروبا منذ بدء سجلات الآلات هى ٢٠١٤ و٢٠١٥ و٢٠١٨ مع وجود حالات شاذة أعلى بنحو درجتين مئويتين خلال فترة ما قبل الصناعة. كان صيف ٢٠١٨ الأكثر دفئًا على الإطلاق. 
بناءً على مجموعة البيانات E-OBS، ارتفعت درجة حرارة أوروبا كلها بشكل كبير بين عامى ١٩٦٠ و٢٠١٨. لوحظ ارتفاع درجات الحرارة بشكل خاص على شبه الجزيرة الأيبيرية، عبر أوروبا الوسطى والشمالية الشرقية، خاصة في المناطق الجبلية وفى جنوب الدول الإسكندنافية، فقد ارتفعت درجات الحرارة في فصل الشتاء إلى أقصى حد في شمال أوروبا، بينما ارتفعت درجات الحرارة في فصل الصيف في جنوب أوروبا أكثر من درجات الحرارة السنوية.


ومن المتوقع أن تستمر درجات الحرارة في جميع أنحاء أوروبا في الزيادة طوال هذا القرن، حيث تشير التوقعات من مبادرة EURO-CORDEX إلى أن مناطق الأراضى الأوروبية سوف ترتفع في المتوسط بشكل أسرع من مناطق الأراضى العالمية. وفقًا لمتوسط مجموعة النماذج المتعددة، ومن المتوقع أن ترتفع درجات حرارة الأراضى الأوروبية في حدود ١ إلى ٤.٥ درجة مئوية وفقًا لسيناريو RCP٤.٥، وفى حدود ٢.٥ إلى ٥.٥ درجة مئوية وفقًا لسيناريو RCP٨.٥ خلال القرن الحادى والعشرين (٢٠٧١-٢١٠٠ مقارنة مع ١٩٧١-٢٠٠٠)، ومن المتوقع أن يكون أشد الاحترار ارتفاعًا في شمال شرق أوروبا والدول الإسكندنافية في فصل الشتاء وجنوبى أوروبا في فصل الصيف.
خطر قادم
مع تفاقم أزمة تغير المناخ تزداد التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والتى منها -ليس على سبيل الحصر- تحدى زيادة أعداد النازحين البيئيين ويتميز النازحون البيئيون بأنهم لا يُهاجرون بسبب اضطهاد عرقى أو دينى أو مذهبي، أو الجنسية، أو الرأى السياسي، أو بسبب دوافع اقتصادية، أو بسبب عنف أو صراعات، فسبب هجرتهم هو تدهور بيئى لأراضيهم.
وهناك سببان رئيسيان وراء أن الأشخاص المتأثرين بالتدهور البيئى يغادرون أماكن إقامتهم، إما لأن طرق هروبهم الوحيدة تقودهم لهذه الطريقة أو لأنهم يأملون في الحصول على حماية أو مساعدة أفضل في الدولة المجاورة داخل الاتحاد الأوروبي. 
وتجدر الإشارة إلى أنه في حالة المتناولة -الاتحاد الأوروبي- يتم توصيف هؤلاء الأشخاص بالنازحين وليس لاجئين، نظرًا لأن الاتحاد الأوروبى كتلة واحدة، يكفل حرية التنقل للأفراد من دولة لأخرى داخل نفس الاتحاد على خلاف الدول البسيطة، ففى تلك الحالة سيتم وصفهم بنازحين طالما كان التنقل داخل نفس إقليم الدولة، أما إذا تنقلوا إلى دولة أخرى سيتم اعتبارهم لاجئين بيئيين وليس نازحين.
مثلها من باقى المناطق فاقت أعداد النازحين البيئيين في أوروبا أعداد نازحى الصراعات. فقد ارتبطت ثلاثة أرباع النزوح المسجل في أوروبا في عام ٢٠١٧ بالكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ، ففى فرنسا -وهى الأعلى أوروبيًا من حيث أعداد النازحين البيئيين- نزح ٢٢٠٠٠ شخص، وفى البرتغال بلغ عددهم ٦٨٠٠ نازح، وفى المملكة المتحدة ٦٢٠٠ نازح، و٣٥٠٠ في ألبانيا، ٢١٠٠ في إيطاليا، ٢١٠٠ في إسبانيا. وقد أجبرت المخاطر البيئية في جزيرة كورسيكا الفرنسية ١٠٠٠٠ شخص على مغادرة منازلهم. ومن المحتمل أن تكون هذه الأرقام أقل من الواقع نظرًا لعدم التبليغ عن كافة أعداد النازحين البيئيين في كل المناطق. 
سبل المواجهة
يلعب تغير المناخ دورًا متزايد الأهمية في المناقشات الأمنية. فعلى الرغم من اختلاف المحللين بشأن مدى خطورة الآثار الأمنية لتغير المناخ، هناك إجماع متزايد على أنها يجب أن تؤخذ على محمل الجد. ومن تلك الآثار أنه يزيد أعداد النازحين، واللاجئين، كما يزيد الصراعات بين الدول والحروب الأهلية داخل الدولة، وذلك وفقًا لمقولات نظرية الأمن البيئي، بالإضافة إلى زيادة هشاشة الدولة، وتعطيل النظام التجاري، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي، بما جعل عديدًا من الخبراء يعتقدون أن تغير المناخ سيصبح تحديًا أمنيًا أكثر خطورة من أى قضية أخرى. 
وقد كان الاتحاد الأوروبى من أوائل المنظمات التى حددت تغير المناخ كمهدد للأمن الإقليمي. فقد وضع تدريجيًا مجموعة من مبادرات السياسة تهدف إلى دمج العوامل ذات الصلة بالمناخ في سياساته الخارجية والأمنية. بالإضافة إلى هذه التطورات في السياسة الأمنية، أجرى الاتحاد الأوروبى تغييرات على سياسات المناخ والطاقة. ففى يناير ٢٠١٤، على سبيل المثال لا الحصر، اقترحت المفوضية الأوروبية إرشادات سياسة الطاقة بحلول عام ٢٠٣٠، والتى ركزت على هدف واحد ملزم تمثل في خفض انبعاثات الكربون بنسبة ٤٠ ٪. كما يدفع الاتحاد الأوروبى إلى إبرام اتفاق دولى طموح للمناخ ينفذ بعد انتهاء صلاحية بروتوكول كيوتو في عام ٢٠٢٠. 
وعلى الرغم من إقرار قادة دول الاتحاد الأوروبى بخطورة تغير المناخ، وتحقيقهم تقدمًا ملحوظًا في معالجة التداعيات الأمنية الناجمة عنه، فإن هذه الجهود المبذولة ما زالت غير متناسبة مع حجم التهديدات المحتملة المقبلة. كما أن سياسات مواجهة النزوح البيئى ما زالت غائبة عنهم، فجُل خطابات القادة الأوروبيين تتحدث عن النزوح والهجرة التقليدية من الشرق الأوسط إلى أوروبا، رغم أن أزمة النزوح البيئى هى داخلية وليست دخيلة على الاتحاد الأوروبى كالهجرة. وليس أدل على ذلك القصور في المعالجة من انتقاد البرلمان الأوروبى مؤسسات الاتحاد الأوروبى لفشلها في وضع خطط للطوارئ لمواجهة النزوح البيئي. بجانب ذلك لم تدرج تلك المؤسسات النزوح في تقييماتها لمخاطر المناخ بسبب عدم اليقين بشأن حجمه وطبيعته. 
ولمواجهة هذه الأزمة يجب على القادة الأوروبيين التركيز على تدفقات النازحين البيئيين داخل أوروبا، وليس فقط على الهجرة إليها، نظرًا لأنها أكثر خطورة عليها. فيجب عليهم وضع إستراتيجية تستجيب وتستعد لمواجهة عدم الاستقرار الجيوسياسى الناجم عن زيادة أعداد النازحين البيئيين. كما يجب على الاتحاد الأوروبى دمج هذه الأزمة في المبادرات المصممة للتنبؤ بها ومنعها، بما في ذلك عن طريق تحسين الإدارة في الدول التى تعانى عدم فعالية آليات مواجهة الكوارث الناجمة عن تغير المناخ، ونقص الموارد اللازمة. يضاف إلى ذلك ضرورة تطوير منهجية للاقتصاديات الخضراء، فيجب على الاتحاد الأوروبى الموازنة بين التزامه بالتجارة الحرة ورغبته في الوصول إلى الموارد والطاقة المتجددة. ودمج مخاوف تغير المناخ في السياسة الخارجية؛ حيث يتعين على الاتحاد الأوروبى دمج اعتبارات أمن المناخ في جميع جوانب سياساته الخارجية لتجاوز التركيز الحالى على إدارة أزمة المناخ على المدى القصير.