الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الدكتور إبراهيم ساويرس: التراث القبطى حجر زاوية فى دراسة تاريخ مصر

الدكتور إبراهيم ساويرس
الدكتور إبراهيم ساويرس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أكد الدكتور إبراهيم ساويرس، مدرس اللغة القبطية بكلية الآثار، أن الإنتاج العلمى فى مصر بمجال الدراسات القبطية متواضع جدًا، وقال فى حواره إلى «البوابة»، إن الفترة من القرن الرابع حتى التاسع هى فترة قبطية بامتياز فى تاريخ مصر، مؤكدا أن دراسة التراث القبطى هى حجر زاوية فى دراسة تاريخ مصر ككل. وإلى الحوار:

■ ما علم القبطيات، وما المجالات التى يدرسها؟
- القبطيات هو العلم الذى يدرس المنتج الحضارى المادى واللا مادى للقبط. والقبط هم المسيحيون المصريون. جاءت المسيحية لمصر فى منتصف القرن الأول، لكن التأثير الواضح للمسيحية المصرية لا يمكن تتبعه إلا بعد فترة طويلة، عندما حدث تسامح مع المسيحية فى الإمبراطورية الرومانية ككل، وصار للمسيحيين الحق فى بناء الكنائس بحرية والتأليف والدعوة للمسيحية دون قيد، وبالطبع ظهور الرهبنة والأبنية الديرية.
والدراسات القبطية يمكن أن تكون مجال بحث فى حال القبط الحاليين كذلك، بما فى ذلك فنونهم المعاصرة التى هى مرحلة من تطور الفن القبطي. وأوافق البروفيسور ماجد ميخائيل فى أن الفترة من القرن الرابع حتى التاسع هى فترة قبطية بامتياز فى تاريخ مصر، وبعد ذلك هناك إنتاج حضارى قبطى فى ظل إنتاج حضارى آخر للأغلبية المسلمة.
وتمتد مظلة علوم القبطيات لتشمل النوبة وإثيوبيا؛ لأنهما ابنتان للكنيسة المصرية. ودراسة اللغة القبطية ترتبط بطبيعة الحال بدراسة اللغتين اليونانية والمصرية القديمة، وكانت مصر دولة متعددى اللغات لقرون طويلة. ولاهوت القبط هو أيضًا جزء من علوم القبطيات؛ لأنه انعكس على تاريخهم وفنهم، كما فى مجمع خلقيدونية ٤٥١ مثلا. دراسة التأثيرات المختلفة فى الفنون والعمارة القبطية هى أيضًا جزء أصيل من الدراسات القبطية.
■ ومتى بدأ الاهتمام باللغة القبطية؟
- اللغة القبطية كانت محل اهتمام الغرب منذ أربعة قرون على الأقل، كان الاهتمام راجع لإدخال القبطية فى دراسات الكتاب المقدس ومحاولة فهم نصوصه وتاريخ ترجماته. وقد بدأ الاهتمام بدراسة اللغة القبطية فى الغرب عندما وصل أول المخطوطات القبطية لأوروبا فى القرن السادس عشر، وكانت قادمة من دير أبو مقار العامر، لا يجب أن نتفاجأ إن كنا بمصر نضع علوم القبطيات كابن لعلم المصريات، بينما دراسة اللغة القبطية فى الغرب أقدم. حاليا هناك مدارس عدة لعلوم القبطيات فى العالم، إحداها مدرسة ليدن الهولندية، التى قادها لمدة ثلاثة عقود أستاذى البروفيسور جاك فاندر فليت، وهناك عاش وعمل الأب بول فان مورسل أستاذ الفن القبطي، وتلاميذه الكبار كارل أنيميه، ومات أمرزل، وخرتروود فان لوون وغيرهم. وهى مدرسة مهمة وغزيرة الإنتاج. غير بعيد من ليدن توجد مدرسة مونستر الألمانية، والتى أسسها العلامة مارتن كراوزه، أطال الله عمره، والذى بخلاف أعماله العلمية العظيمة تبرع بكل ممتلكاته لصالح قسم الدراسات القبطية، وتولى القسم بعده ستيفن آمل، ثم جيزا شنكا، وهو القسم الذى تخرج فيه العالمان المصريان جودت جبرة، وصموئيل معوض. فى ألمانيا أيضا هناك مدرسة مهمة أخرى فى جوتنجن، والتى تقودها العالمة هيكا بيلمر، ويجرى فيها مشروع نشر العهد القديم الصعيدي. فى فرنسا هناك مركز CNRS، الذى تتولاه العالمة الكبيرة آن بدور، وهى بلا شك أغزر أهل التخصص إنتاجًا. وهناك مراكز أخرى كثيرة بالعالم تخرج عن الحصر. لا يفوتنا أن نذكر مدرسة روما، التى قادها العلامة تيتو أورلاندى لنصف قرن، وتتولاها اليوم باولا بوزي، وفى الولايات المتحدة توجد مراكز كثيرة أهمها جامعة «يال»، والتى تولاها لعقود البروفيسور بنتلى لايتون، ثم ستيفن ديفز حاليا.
■ هل تغير علم القبطيات خلال السنوات الماضية؟
- لا شك أن علم القبطيات فى مصر تغير فى السنوات العشر الأخيرة. تغير بمعنى التطور إلى الأمام. ففى مصر الآن قسم للدراسات القبطية تابع لكلية الآداب جامعة الإسكندرية، يمنح للمرة الأولى درجات معتمدة من الحكومة المصرية. وإننى محظوظ جدا بإشرافى على عدد كبير من رسائل الماجستير والدكتوراه بهذا القسم. كما هناك مؤسسات مستقلة عظيمة تعمل فى المجال مثل: مؤسسة مدرسة الإسكندرية، والمركز الفرنسيسكاني، ومؤسسة مار مرقس، ومدرسة تيرانس، ومركز الدراسات القبطية بمكتبة الإسكندرية. بالإضافة إلى التطوير الملموس بالمؤسسات الكنسية مثل معهد الدراسات القبطية، والمكتبة البابوية (تحت الإنشاء) بالمقر البابوى بلوجوس. كما هناك اتجاه واضح للتوسع لدراسة القبطيات فى الجامعات المصرية، نحن فى جامعة سوهاج مثلا نلزم طالب البكالوريوس بخمسة كورسات فى اللغة القبطية، وقد كانت قبلا اثنان.
لكن هذا لا يعنى أننا صرنا مدرسة أكاديمية تماثل الأوروبيات، أو حتى تقترب منها. الأمر عندى ببساطة أننا نحتاج لتعليم جيل كامل من المتخصصين خارج مصر، أو استجلاب الأساتذة الأجانب هنا لتعليم جيل جديد من المتخصصين يقومون بالمهمة لاحقًا.
المشكلة فى مصر تكمن فى اللوائح القديمة التى تسمح لأستاذ غير متخصص فى القبطية أن يشرف أو يناقش رسالة فى القبطية، ناهيك عن تدريس القبطية فى مرحلة الليسانس، وهى المهمة التى تسند غالبا لمن لا خبرة له بها. ربما يتغير ذلك مع الوقت ومع تواجد عدد أكبر من المتخصصين. كذلك نأمل أن يتم توجيه بعض الاستثمارات الخاصة فى التعليم تجاه الدراسات القبطية. كما يجب أن يؤخذ فى الاعتبار أن الإنتاج العلمى فى مصر فى الدراسات القبطية متواضع جدا، وأن السوق عطشى للمزيد، وأن الجودة سترتفع بمرور الوقت وبرفع وعى القراء.
■ لماذا يوجد حاليًا حالة من إقبال الشباب للدراسة فى القبطيات؟
- الأسباب واضحة، أولها نشاط كل المؤسسات السابق ذكرها مع تركيز الإعلام عليها، كل ذلك صنع زخمًا، وجذب الأنظار وطور وعى الناس بالدراسات القبطية. المجهودات المبذولة من أساتذة بعينهم فى الكتابة «الجذابة» بالعربية، مثل د. صموئيل معوض.. لكن السبب الأهم، والأكثر واقعية هو ازدحام تخصص المصريات، فى أقسام الآثار بمصر، وهى عديدة جدا جدا، يبدأ الطالب بدراسة المصريات، ثم ينتقل فى الدراسات العليا ليتخصص إن أراد فى اللغة القبطية، وبسبب العدد الضخم للباحثين فى الماجستير والدكتوراه فى المصريات (ليس عندى إحصائية، لكن أظنهم عدة مئات) صارت القبطيات متنفسًا للكثيرين. يضاف إلى ذلك اهتمام لا بأس به من وزارة الآثار بالآثار القبطية، ومن ثم يرى البعض أن لديهم فرصة عمل بعد التخرج ربما أوسع من أهل المصريات. أخيرًا؛ فإن أغلب مفتشى الآثار فى مناطق الآثار القبطية، هم خريجو أقسام الآثار الإسلامية، ودراستهم للآثار القبطية محدودة بحكم لوائح كلياتهم، فوجدوا أن اتجاههم فى الدراسات العليا للقبطيات سند مهم فى وظائفهم.
■ ماذا نستفيد فعليًا بمصر من الآثار والتراث القبطي؟
- منذ عدة أشهر ألقيت محاضرة بجمعية المرشدين السياحيين بالأقصر، بمكتبة مصر العامة، ولم يكن هناك كرسى واحد فارغ فى القاعة الكبرى بالمكتبة.. لماذا؟ لأن هؤلاء المرشدين عطشى لكلام جديد يقولونه للسائح. هل تريد فائدة من التراث القبطي؟ حسنًا ألف باء هو المكسب المادى من التراث القبطي. الزيارة والرحلات وما يتعلق بذلك من سفر وإقامة... إلخ. لماذا نقدم مصر على أنها فرعونية فقط.. بمصر أقدم وأكمل- وفى رأيي- أجمل بناء رهبانى فى العالم- الدير الأحمر بسوهاج، صدقنى حتى الساكنين بجواره لا يعرفونه. هل تصدق أنه يمكن أن يكون أكثر جاذبية من أيا صوفيا بتركيا؟ هل تعرف كيف يمكن أن يخلب عقل السائح طبقات المناظر فى دير السريان، وكيف اكتشفت وكيف أزيلت من مكانها؟ إلخ إلخ.
أما على مستوى الوعى المصرى الداخلى فحدث ولا حرج. كان يدرس ببعض الجامعات بمصر كيف شوه القبط الآثار الفرعونية؟ أين هذا التشويه؟ ادرسوا، ودرسوا فنون القبط، وشاهدوا الفرق بعد عدة سنوات. درسوا المشترك بين المسلمين والقبط؟ درسوا المقرنصات الموجودة فى المساجد والكنائس على السواء، درسوا المخطوطات العربية المسيحية إلخ... هناك كنوز كثيرة تساعد هذا الوطن ليكون أفضل ومتلاحم أكثر، فالناس تعادى ما تجهل، فأنهوا العداوة بالعلم. 
■ ما الأمثلة والنماذج التى يمكن تقديمها لتدليل على أهمية التراث القبطي؟
- إليك مثالًا: فى جامعة سوهاج عندى طالبة شابة تريد أن تدرس الضرائب فى مصر قبل وبعد الفتح العربي. تريد أن تدرس الوثائق القبطية الأصلية التى تحدد لنا إن كان الحكام المسلمين قد ضاعفوا الضرائب على القبط أم لا؟ وتطرح سؤالًا مثيرًا جدًا للجدل؟ هل ترك القبط ديانتهم بسبب الضرائب؟ هل تعرف كم ألف وثيقة مكتوبة بالقبطية لا يمكن فهم مصر وتاريخها الاجتماعى فى عدة قرون دون دراستها؟ هل تعلم العرب القبطية؟ لماذا أرشيف وثائق قرة بن شريك- مثلا - ثلاثى اللغة؟ يونانى وقبطى وعربي؟ هذا من ناحية النصوص الوثائقية والحياة اليومية، خذ فى الأدب القبطى مثلا عقيدة القبط بعد مجمع خلقيدونية: هل آمن القبط فى طبيعة واحدة؟ خذ مثلا ما كتبه القبط عن العربية، وكيف انتصرت على القبطية؟ أو خذ الأعمال الخيرية للأنبا شنودة، أو أدرس تاريخ الصعيد من خلال كتابات شنودة. خذ مثلا النصوص الأصلية القبطية التى ترجمت فى النص الشهير بتاريخ البطاركة، وما يحتويه من تاريخ مصر قبل تاريخ الكنيسة القبطية. دراسة التراث القبطى هى حجر زاوية فى دراسة تاريخ مصر ككل، والأمثلة بلا حصر. 
■ ما أهم الكنائس والأديرة الأثرية فى سوهاج وقنا؟ وكيف يمكن تحقيق استفادة من وجودها؟
- الحقيقة أن هذا السؤال يحتاج لموسوعات لكننى سأكتفى بعدة نماذج. الأول هو مجتمع شنودة الرهبانى، الذى نما وترعرع فى القرن الخامس الميلادي. خلف لنا شنودة آلاف الصفحات المكتوبة حتى إنه يوجد فى العالم حاليا من ينادى بتخصص اسمه «الدراسات الشنودية». شنودة ورهبانه لهم ديرين فى غرب سوهاج. الأول هو دير الأنبا شنودة ذاته، والمعروف بالدير الأبيض. يتميز بضخامة عمارته، وزخارف دخلاته فى جدرانه الداخلية. هناك اكتشفت حديثا مقبرة استثنائية لا مثيل لها فى كل العمارة القبطية فى دقة ورقة رسومها، لا أحد فى مصر يعلم عنها شيئا، ويظن أنها أعدت لشنودة نفسه. غير بعيد عن الدير الأبيض، يوجد الكنز الأهم فى مصر، هو دير الأنبا بيشاي، المعروف بالدير الأحمر. وهو يضم كنيسة الدير ثلاثية الحنيات والمزينة برسوم جدارية غاية فى الروعة، والتى رممت بالكامل فى السنوات الأخيرة. وهى لا شك مبهرة ولا مثيل لها فى مصر فى تناسق مناظرها وبديع ألوانها. غير بعيد عن الدير الأحمر دير مهدم من الطول اللبن مبنى بساحة معبد بطلمى فى منطقة أتريبس. يعكس هذا الدير حالة القبط، واستخدامهم للمتاح أمامهم من مكان وفرص. والثلاثة أماكن موجودة على بُعد مسافة قصيرة من بعضها، ويمكن أن تدخل ضمن الرحلات السياحية لسوهاج بما فيها من أماكن مصرية قديمة متعددة. 
الأهم من ذلك وعلى المستوى البعيد هو تقديم وجه حضارى آخر لمصر، هو الآثار المسيحية، وهو وجه غائب تماما عن الترويج السياحى لمصر. كما أنه يجب البدء فى الترويج للسياحة الداخلية التى فيها يزور المصريون المسلمون الأديرة كجزء من تراثهم الفنى والحضارى المصرى (ولا أقصد السياحة الدينية). كأن يتم تنظيم رحلات للتعريف بالحياة الرهبانية، كما هى اليوم، فهى سر كبير للغالبية العظمى من المصريين، ومن ضمنها الفنون والعمارة الموجودة بالأديرة. 
■ هل يوجد ما يسمى بـ«الأدب القبطي»، وما أهم نماذجه؟
- الأدب القبطى هو الأدب المحفوظ فى اللغة القبطية، بما فى ذلك المترجم إلى القبطية. يضم البعض إلى الأدب القبطى بعض النصوص المحفوظة فى الجعزية (وربما لغات أخرى منها العربية)، والتى توجد أدلة داخلية وخارجية على كونها كتبت أصلا فى القبطية. وهذا التعريف لا يجب أن يفاجئ أحدا، فقد كان الشرق المسيحى وحدة واحدة حتى الانقسام فى ٤٥١، وحتى بعد الانقسام تشاركت الكنائس فى تقديس آباء بعينهم، واستخدام نصوص ليتورجية بعينها، لا أذكر هنا طبعا الكتاب المقدس ذاته وتفسيراته، كلها تشارك فيها أهل الشرق المسيحى القديم بلغاتهم المختلفة، وبحكم الصدفة يمكننا أن نجد نصا محفوظا فى الجعزية من تأليف كاتب قبطي، لكن الأصل القبطى مفقود، والعكس صحيح.
أهم أنموذج للأدب القبطى هو كتابات الأنبا شنودة رئيس المتوحدين، والذى عاش فى القرن الخامس، وأدار مجتمعا رهبانيا ضخما، رجالى ونسائي، يصل إلى عدة آلاف من الرهبان. وقد كان على وعى بظروف عصره السياسية والدينية. وكان يجيد لغتين، ويترجم إليهما. وكان بمثابة قائد محلى مهم ومبهر وملهم. وكتاباته فى آلاف الصفحات، وقد نهبت من الدير الأبيض بسوهاج، وتملأ مكتبات ومتاحف الدنيا. وهناك كتابات الأنبا باخوميوس وتلاميذه، والتى تقدم لنا أنموذج الرهبنة الأولى، كرهبنة جماعية. وتقدم لنا باخوميوس الإدارى الشاب العظيم، الذى أدار تسعة أديرة بها آلاف الرهبان وهو يتنقل بينها على حمار. 
وباخوميوس كانت لديه بديره الرئيسى مكتبة، وقد وضع قواعد لاستعمال المخطوطات فى المكتبة، ربما قواعد لا نجدها بمكتباتنا الحكومية اليوم (منذ أكثر من ١٦٠٠ سنة). وهذا أيضا وجه حضارى مشرق لمصر يمكن تقديمه بسلاسة للأجيال القادمة.
■ ما الدراسة التى تعكف عليها حاليا؟
- أشكر حضرتك جدًا على هذا السؤال. بحكم ضغوط الوقت بمصر فإننى أقوم بعدة دراسات فى نفس الوقت. أهمها دراسة عن رحلة العائلة المقدسة، باللغة العربية، تربط المكتوب عن الرحلة بالأثر المادي. وتقدم للقارئ بالعربية فهما جديدا عن انتحال النصوص، وكيف يمكن فهمه عبر العصور، ومن ثم ربطه بالأثر المادى الموصوف فى النص. والحقيقة أن هذه الدراسة ربما لا تستهوينى للنشر الدولى، بقدر ما هى إضافة للجدل الحادث حاليا عن رحلة العائلة المقدسة لمصر، والذى شابه الكثير من الهزل. أقوم أيضا بكتابة بحث بالإنجليزية عن فهرسة المخطوطات القبطية، فيه أقدم نقدا موضوعيا لهذه الفهارس، وأطرح فكرة الفهرسة الرقمية. ومن أجل طلابى أقوم بجمع ما هو متاح من «داتا» عن القطع الفنية القبطية المحفوظة بمتاحف غير شهيرة خارج مصر.
أخيرًا، وهو الأهم والأكبر، مشروع نشر جديد بالاشتراك مع عدد من الأساتذة الأوروبيين فى نشر الوثائق المكتشفة بدير الملاك، بالنقلون بالفيوم. الدير اكتشفت به مئات الوثائق باليونانية والقبطية والعربية، المخطوطات بها نصوص أدبية، أحدها يتناول ملاك الموت أباتون، وقد نشرت عنه سابقا، وبعضها يتناول نصوص ليتورجية مجهولة عن نياحة العذراء، ونصوص وثائقية متنوعة. عن إدارة الدير على مر عصور طويلة.
■ كيف يمكن أن نطور الدراسات القبطية فى مصر؟
- الحقيقة أن مواجهة أنفسنا بالوضع القائم هو أساس التطور. لا يخفى على أحد أن هناك تسارعا، وربما فوضى فى النشر فى مجال القبطيات، وهناك من ليس لهم ناقة ولا جمل فى التخصص ويكتبون وينشرون ما لا أحد يحتاجه.
فمن ناحية الجامعات الحكومية، هناك إجازة لرسائل لا تضيف جديدًا، وإن كنت لا أتهم أحدًا بالسرقة العلمية، ولكننى أرى وأصر أن هناك ما يمكن تسميته إعادة إنتاج لكتب غربية شهيرة فى صورة رسائل. ومن ناحية أخرى، هناك إشراف ومناقشات للماجستير والدكتوراه من غير ذوى التخصص، أو حتى الاطلاع، وهذا وجب أن يتوقف، إن لم يكن بحكم القانون فعلى الأقل بحكم ضمير الأساتذة. كما وجب توجيه بعض الاستثمار فى التعليم الخاص، والذى يركز على البرامج الجديدة إلى الدراسات القبطية، وما يتصل بها من دراسات الترميم والبردى وتاريخ الفن. فيما يتعلق بالأوضاع القديمة القائمة بالجامعات، والتى يجب أن تتطور، فنحن أمام ما يمكن تسميته تفرقة دم الدراسات القبطية على القبائل. فأقسام الآثار المصرية تهتم باللغة القبطية، وأقسام الآثار الإسلامية تهتم بالآثار القبطية، وهناك من يدرس الآثار القبطية تحت لافتة أقسام اليونانى والروماني. ما هذا بالضبط؟ وأى منطق يحكمه؟ ولماذا توجد لوائح عتيقة تربط كل قسم بتاريخ بعينه؟ آن الأوان لتكون الأمور واضحة دون حساسيات دينية أو سياسية أو اجتماعية. إن كان قسم الآثار الإسلامية يدرس مرحلة ما من تاريخ مصر، فعليه أن يدرسها شاملة، ويوزع اهتمامه بالعدل عليها، وربما يمكن ساعتها تغيير اسمه إلى قسم الآثار القبطية والإسلامية، وساعتها يتوقف انصراف الطلاب المسيحيين عن الالتحاق به. والأمر نفسه فى كل أقسام كليات الآثار. 
خذ مثلا أقسام اللغات الشرقية، وأقسام الدراسات الكلاسيكية، لماذا لا يدخل تحت لوائحها تدريس بعض اللغة القبطية؟ ولو فى إطار المقارنة اللغوية مع اليونانية مثلا؟ ماذا عن كليات الألسن التى تدرس لغات قديمة كالمصرية القديمة واليونانية القديمة، لماذا ليست القبطية مثلا؟ أقسام التاريخ التى تهتم بأن يعرف طلابها بعض اللغات القديمة، ماذا عن القبطية، لغة مصر لعدة قرون؟ وهكذا.
■ ما خطورة إهمال تخصص القبطيات؟
- هذا سؤال مهم جدا، أعود بك إلى بدايات القرن العشرين، عندما بدأ الحفر العلمى عن الآثار المصرية، عندما يكون هناك أثر قبطي، مع وجود احتمالية أثر مصرى قديم تحته، كان القرار دومًا هو إزالة الأثر القبطى بحثًا عن الفرعونى حتى دون توثيق أو دراسة. وهذه الحالة لدينا منها العشرات، خاصة فى دراسة (أو عدم دراسة) الجبانات القبطية متى وجدت بالقرب من جبانات مصرية قديمة. 
تخيل معى مفتش آثار بموقع ديرى مسيحي، تكتشف أمامه بالصدفة شواهد قبور مكتوبة بالقبطية وهو لا يجيدها، وهو بحكم عمله مضطر لكتابة تقرير يوثق الكشف وربما يؤرخ المكتشف؟ ماذا يفعل؟ إن كان التطرف الدينى «لا أقول العنف»، قد ضرب عددا ليس بقليل من شباب مصر فى العقود الأخيرة لأسباب كثيرة، ربما أهمها الجهل. فما رأيك بالعاملين فى مجال الآثار إن أصابهم المثل بسبب جهل ربما لم يكن بإرادتهم. إن أتيحت لهم فرصة تعلم الآثار القبطية، كانوا لا شك سيتعلمونها - على الأقل من أجل التخرج والشهادة. 
لماذا لا نفكر فى وضع الدير الأحمر، دير سانت كاترين، وادى النطرون، المتحف القبطى ومصر القديمة، وغيرها من الأماكن على خريطة التراث العالمى وخرائط السياحة العالمية. كيف نفعل ذلك دون متخصصين يقدمونها للعالم. مصر لا تمتلك رفاهية تأخر علوم القبطيات، والملاليم التى سنصرفها على تطويره، ستعود علينا بالمليارات فى استثمار طويل المدى لكنه مضمون.
أخيرًا، فالمجال يمتلأ بالكثير من المتكلمين والمؤلفين الذين يفتون بكل شجاعة فى كل تفاصيل التراث القبطي، وهم مثل فقاعات تظهر مع اتساع المجال. وهؤلاء إما أن يتعلموا مع انفتاح الباب للتعلم، أو أن يصمتوا، فالعمر أقصر من أن نسكت عن ترهاتهم، والمجال أضيق من أن تعوم فيه الأسماك العفنة. فتطوير التخصص سيكون من نتائجه صمت هؤلاء أرباع الفاهمين أثمان القارئين.