الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

طلعت زكريا الكوميديان المظلوم.. كواليس لم تنشر من قبل عن رحلة "طباخ الرئيس" مع المرض

طلعت زكريا
طلعت زكريا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ أيام قليلة اتصلت به للاطمئنان على ابنته «إيمى» بعد حادث السير الذي تعرضت له، ففوجئت به يؤكد لى عدم علمه بهذا الحادث، فأبلغته أن «إيمى» كتبت على صفحتها بموقع «انستجرام» منذ قليل خبر الحادث، ومع انزعاجه الشديد قال لى إنه سيتصل بابنته ثم يعاود الاتصال بى. بعدها بقليل عاد الفنان الراحل طلعت زكريا واتصل بى وأبلغنى أن ابنته بخير وأن الحادث أسفر عن تهشم الجزء الأمامى من السيارة وابنته لم يمسسها سوء، ثم تذكرنا سويا العديد من المواقف وخاصة موقف صديقه الفنان كريم عبدالعزيز في يوم زفاف الفنانة هنا الزاهد ابنة السيدة شيرين المنزلاوى الزوجة الثانية لطلعت، حيث كان واضحًا في هذا اليوم الإرهاق الشديد على وجه طلعت، وظل جالسًا على مقعده على طاولة بعيدًا عن الزحام، ولم يشعر بوجوده عدد كبير من نجوم الفن الذين حضروا الزفاف، ولكن ظل «كريم عبدالعزيز»، يبحث عنه حتى وجده، وجلس معه لدقائق، وذكرت طلعت بهذا الموقف فقال لى أن «كريم جدع واعتبره أخى الأصغر، فهو دائم السؤال عنى وعلاقتى به أساسها الحب والتقدير».
مواقف عديدة تربطنى بالفنان الراحل تعود لرحلة علاجه الأولى في فرنسا، حيث مكث عدة أيام بإحدى المستشفيات بمدينة أكتوبر إثر إزمة صحية طارئة، لم يفسر الأطباء سببها، وجاء التقرير المبدئى وقتها يفيد بإصابته بالتهاب سحائى بالمخ، وقرروا حينها ضرورة سفره لأحد المستشفيات الفرنسية لتلقيه العلاج اللازم، وقبل سفره بساعات قليلة جلست ببهو المستشفى بصحبة أسرته ومجموعة من الفنانين منهم أحمد رزق وأحمد آدم، ومع حلول الصباح حان وقت السفر فجاء طلعت جالسًا على كرسى متحرك ووقفنا لنلقى عليه السلام ونظرة التوديع قبل سفره إلى فرنسا، وفوجئنا جميعنا بأن صوته خافت يكاد لا يخرج ووجهه شاحب للغاية وجسده أصبح نحيلًا بالرغم من عدم مرور أيام كثيرة على تلك الأزمة الصحية، وقتها رفضت أن ألتقط له صورًا فوتوغرافية ونحيت صفتى الصحفية جانبًا، بالرغم من أن صورة واحدة لطلعت في تلك الأزمة كانت بمثابة انفراد كبير، خاصة أن أخبار حالته الصحية كانت الأكثر قراءة ومتابعة في تلك الفترة، وأذكر وقتها إشادة أحمد رزق وأحمد آدم بموقفى هذا.
غادر طلعت إلى فرنسا وظللنا نتابع حالته عن طريق الأطباء المصريين الذين كانوا يتابعون الموقف مع المستشفى بفرنسا، ثم مرت الأيام وفوجئت بمكالمة دولية وعلى الهاتف صوت منخفض يلقى على السلام، وفوجئت به يقول «أنا طلعت زكريا»، هللت كثيرًا بعد أن أبلغنى أنه سيعود للقاهرة قريبًا لتلقى العلاج الطبيعى بأحد المستشفيات على طريق إسكندرية الصحراوى، ووجه لى الشكر لمتابعتى الدقيقة والمستمرة لحالته.
خلال فترة تواجد طلعت زكريا بفرنسا علمت أنه كان قد تزوج للمرة الثانية من السيدة شيرين المنزلاوى والدة الفنانة هنا الزاهد، وبدأت أتابع حالته عن طريقها، حتى وصل للقاهرة في نهاية عام ٢٠٠٧، ثم التقيت به داخل أحد المستشفيات بطريق إسكندرية الصحراوى، وأتذكر وقتها أن فيلمه «طباخ الرئيس» كان في طريقه للعرض بالسينمات، وأن الشركة المنتجة للفيلم أهدته أول أفيش للفيلم، وعلقه «طلعت» على الحائط المواجه له في غرفته بالمستشفى.
وقال لى عن أزمته الصحية وأنه يحمد الله على كل شىء وأنه يرى أن ما حدث يعتبر اختبارًا وابتلاء من الله سبحانه وتعالى وأنه تقبل ذلك دون اعتراض مؤمنًا بكل ما يقدره الله، وأضاف أن حالته قد بدأت في الاستقرار وخاصة مع مراحل العلاج الطبيعى التى بدأها في المستشفى بمعدل مرتين يوميًا على العديد من الأجهزة، أما عملية الشق الحنجرى التى كان قد أجراها فيما سبق فقد التأمت تمامًا وأصبح قادرًا على تناول نوعيات معينة من الأطعمة بطريقة جيدة وطبيعية بعد أن كان يتناول هذه الأغذية عن طريق الخراطيم المعلقة في أنفه.
كما تحدث عن مواقف كثيرة حدثت له بفرنسا قال إن من أهمها أنه استيقظ ذات يوم على صوت إمام مسجد قريب من المستشفى يدعو في نهاية الصلاة قائلًا: «اللهم اشف طلعت زكريا» فبكى بكاءً شديدًا، أضف إلى ذلك زيارة عدد كبير من الجالية المصرية والعربية بفرنسا، بالإضافة إلى موقف آخر لا ينساه وهو أن ذلك المستشفى الذى يتواجد به لتلقى جلسات العلاج الطبيعى سبق أن صور داخل مطبخه العديد من مشاهد فيلمه «طباخ الرئيس»، فكما جاءه كممثل عاد إليه كمريض.
وحكى لى أيضًا عن موقف كوميدى جمعه بالفنان الراحل محمد شرف، حيث قال له «شرف»: أتمنى ألا أخوض تجربة النجومية لأن التعب والإرهاق من أصعب نتائجها، وذلك تعليقًا على حصول طلعت على دور البطولة في فيلم «طباخ الرئيس»، وبعدها مباشرة حدثت أزمته الصحية الأولى وكان لعنة البطولة لحقت به.
عانى طلعت زكريا كثيرًا للحصول على البطولة المطلقة التى جاءته بعد سلسلة طويلة من الأدوار الثانية، حتى إن مشروع فيلمه «طباخ الرئيس» واجه في بداية الأمر سلسلة من الاعتذارات، أولها اعتذار الفنان عادل إمام عن أداء دور الرئيس ثم اعتذار الفنان الراحل محمود عبدالعزيز، ليستقر الدور على الفنان خالد زكى، وأيضًا البطولة النسائية التى جسدتها داليا مصطفى سبق أن اعتذرت عنها إحدى الممثلات -دون ذكر أسماء- بحجة أنها تريد أن يكتب اسمها أول اسم على تتر الفيلم فما كان من المخرج سعيد حامد إلا الرفض لأن الفيلم بطله رجل واسمه «طباخ الرئيس».
تلك الاعتذارات جعلته حزينًا بعض الوقت لكن جاءت أزمته الصحية الأولى لتنهى حالة الحزن بعد أن دخل في غيبوبة عدة أيام ثم انتقل لفرنسا وبعدها عاد للقاهرة، ثم تماثل للشفاء وتم عرض الفيلم الذى حقق نجاحًا كبيرًا وكان بمثابة تميمة حظ لطلعت زكريا، وجعلت أنظار المنتجين والمخرجين يتجهون له وإسناد بطولات أخرى له.
خرج طلعت زكريا من أزمته الصحية الأولى وهو يشعر بمزيد من التغير في حياته، فلم يعد يشغله فيلم أو أى شىء بقدر ما كان ما يشغله هو كيفية إسعاد المحيطين به، حتى إنه قال لى ذات يوم «أهم شىء عندى إزاى أسعد الآخرين سواء أسرتى وأولادى أو جمهورى الذى منحنى حبًا كبيرًا لم أكن أتوقعه في حياتى، وكيف اقترب من الله أكثر لأن الله بيده النجاح وبيده كل شىء في حياتنا التى قضينا منها جزءًا وما زلنا نحيا الباقى».
توالت بعد هذه الأزمة أعمال عديدة لطلعت زكريا، إلى أن وقع أسيرًا لأزمة صحية أخرى ألزمته الفراش، خرج منها أقل عافية من أزمته الأولى، وتلقى أيضًا العلاج وأجرى عدة عمليات، ثم بدأ يتجه للعمل في مشروعات فنية غير مصرية.
ظل موقف طلعت زكريا من ٢٥ يناير ثابتا ولم يتغير، حيث ظل مدافعًا بشراسة عن الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، ولعل هذا الموقف كان من أسبابه تلقيه مكالمات عديدة من مبارك للاطمئنان عليه في أزمته الأولى، ثم لقائه به عقب عودته للقاهرة وبعد تماثله للشفاء، هذا اللقاء الذى أسعد طلعت كثيرًا، حتى إنه كان يخصص جزءا داخل منزله يضع فيه صور لقائه بمبارك وبجوارها علم كبير لمصر، وظل هذا الجزء موجودًا حتى اليوم.
كان طلعت يحلم بتقديم سلسلة أفلام بعد نجاح «طباخ الرئيس» منها «حارس الرئيس» عن سنة حكم الإخوان، الذى كتبه بنفسه بعد اعتذار يوسف معاطى مؤلف فيلم «طباخ الرئيس»، وتم التعاقد بالفعل مع شركة الباتروس على إنتاجه وإسناد دور الرئيس للفنان الكبير حسن يوسف، كما تم إسناد دور زوجته للفنانة رانيا محمود ياسين، إلا أن المشروع توقف، كما كان ينوى أيضًا تقديم فيلم آخر بعنوان «سائق الرئيس»، ولكنه توقف أيضًا.
وفى منتصف العام الماضي، أعلن طلعت انفصاله عن زوجته شيرين المنزلاوى في هدوء شديد، وتم الطلاق في حضور عدد من أفراد العائلة، بعد زواج استمر لأكثر من ١٣ عامًا، وتعد والدة هنا الزاهد هى الزوجة الثانية له، بعد زوجته الأولى والدة نجليه والتى لا تزال على ذمته حتى الآن، وظلت علاقته بطليقته يغلفها التقدير والاحترام، حتى أنه كان أول الحاضرين لحفل زفاف ابنتها «هنا» التى كان يعتبرها مثل ابنته تمامًا.
رحل طلعت زكريا عن عمر ناهز ٥٨ عامًا تاركًا خلفه مشاعر إنسانية لا توصف، فهو الفنان الذى انتزع حب ودعاء الجميع في أزمته الصحية، وتعاطف مع مرضه البسطاء، ونال شهرة عريضة قبل أن يتصدر اسمه الأفيش السينمائى للمرة الأولى من خلال فيلم «طباخ الرئيس» الذى حقق نجاحًا كبيرًا أثناء عرضه، ولقبه بعض زملائه بالوسط الفنى بـ«الكوميديان المظلوم»، لأنه لم يلق النجاح الكافى بقدر موهبته الكوميدية الكبيرة، وخاصة في ظل سلسلة الأزمات الصحية التى ألمت به.