الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

إبداعات.. "لحظات" قصة قصيرة لـ"أحمد صوان"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الثلاثاء.. هل تعلم هذه اللحظات.. عندما يمتلئ المجال حولك.. عشرات من البشر يتحرك كل منهم في اتجاه مختلف.. الكل يتراجع وهو ينظر لأعلى بانتظار الصاعقة القادمة في شكل قنبلة غاز.. الفوضى هى السمة السائدة.. وبالرغم من كل هذا تبرز أمامك.. تلك الارتجافة في الأطراف.. النظرة الطويلة الشاردة التى تكاد تخترق الجدار العازل أمامك.. الذكريات المتطايرة أمام عينيك.. الأصوات المتداخلة في أذنك بين الواقع والذكريات.. وسط كل هذا تبرز حياة كاملة لتتجسد من جديد.. لا تكذب.. لقد تعرفتها..
السبت.. الزمن.. صديقك اللدود.. طالما كان صراعكما محبب.. تتلقى كل هزيمة بابتسامة باهتة.. تعلم جيدا أنه لا ينهزم.. تلك التجاعيد في وجهيكما.. تعرفها جميعا.. تذكر كيف جاءت.. ماذا حدث بها.. تلك الغصة التى انتابتك عند ظهورها.. لحظات الفرح التى أخفتها مؤقتا، بينما كنت تسير بها إلى عالمك الخاص وهى تتأبط ذراعك منبهرة كطفل، كذلك تلك اللحظات القاسية التى أعادت إليك تجاعيدك.. ماذا لو كان هذا كله ليس حقيقيًا؟؟.. الكلمات التى تسمعها لا تحمل المعنى الذى تعرفه.. الأشياء التى تشاهدها ليست كما تبدو.. الشخصيات التى تحدثك ليست كما تراها.. ماذا لو كان العالم المحيط بك كله يقبع في خيالك؟؟.. ماذا لو كان كل هذا وهما؟؟..
الأحد.. العودة إلى زمن الكستور.. الطاقية الصوفية التى تغطى أذنيك.. الجوافة التى تملأ الثلاجة.. البطانية العسكرية الثقيلة التى تضعها فوق كتفك وأنت تشاهد التليفزيون.. لا تنس كوب السحلب الذى يمنحك الدفء في تلك الليالي.. لا بأس.. يوم تعود فيه بالزمن إلى حياة غالية لا تزال تفتقدها.. الفكرة دائمًا تؤرقك.. لماذا لا يمكن الاستمرار في الماضى؟؟.. لماذا لا تشعر بروعة في الحاضر ولا ومضة في المستقبل سوى فتور الأول وغموض الثاني.. لماذا لا تجد في حياتك أسلوبا للتغيير سوى الفقدان.. والخسارة..
الجمعة.. هناك تلك الذكرى الخاصة التى ما انفكت لا تفارق خيالك، الصقيع.. الأمطار الغزيرة.. ذلك الشارع التجارى الطويل المظلم الخالى من المارة على عكس عادته.. أصوات الطلقات والقنابل تأتى من الميدان القريب.. يومها كانت هناك.. بجوارك.. تلصق جانبها بذراعك طلبا للدفء والأمان.. شعرها الطويل المبتل يحتك بلحيتك نصف النامية.. خطواتكما التى تكاد تتقاطع من فرط القرب، حتى أنك سألتها ضاحكا أن تترك لك مساحة للمشي.. حديثكما الهامس الضاحك الذى ينقلكما إلى عالم مختلف عما يحدث، لا تزالا تتهامسان وكأنكما تخشيان أن تخرقا هذا الجو المهيب رغم انفصال عقليكما عنه..
الخميس.. أن تتخلص من مشاعرك القديمة معناه أن تتخلص من نفسك تمامًا.. في كل الأحول أنت تسير في طريقك إلى الجنون.. لكن.. الغريب أنك عندما تلتقيها تشعر وكأن شيئًا لم يكن.. كل المسافات والأزمنة قد اختفت.. كل الهموم والخلافات زالت في لحظة.. لم يعد هناك في الكون سواكما.. وأنت تعلم أنها الأبقى.. هذا ما حدث.. كنت أقف وحيدًا.. رأيتها تتجه نحوي.. تعرفتها.. لم أتحدث.. لم أندهش.. لم يتحرك وجهي.. لم أشعر سوى بحضنها.. لم أفعل سوى أن نطقت جملة واحدة «كنتى فين؟؟»..
الاثنين.. تمر بحالة غير مفهومة.. نوع من الارتباك لم تعهده من قبل.. ذلك التشويش الذى يحدث عندما تحرك مؤشر المذياع لتحصل على محطة جديدة.. الآن أنت تسير واهما.. تحاصرك الذكريات.. يزورك الموتى - ومنهم من لا يزال حيا - ليجعلوك تتساءل عن قيمة وجودك في عالم الأحياء.. هنا تدرك أنك تقف على الخط الفاصل بين عالمك الملىء بالأوهام.. وعالم أفضل بلا وهم.
تعليق.. أعتقد أنه وجد نفسه يخطو في ذلك الشارع الضيق.. متأملا ما حوله.. مع كل التفاتة كان يرى وجوها.. حكايات.. ذكريات تركها من سبقته خطاهم في ذلك الموضع.. كان يسمع أصواتا عبرت هناك من قبل.. هناك من أكد أنه كان يمشى مبتسما.. تتسع ابتسامته مع كل خطوة.. حتى أنه عند خروجه لم ينتبه إلى تلك السيارة المسرعة التى كانت تعبر الطريق.. هذه الأوراق وجدتها في جيب سترته.. بالرغم من أنها كانت مغرقة بالدماء.. إلا أن بعضها - وهو ما قرأناه سويا - كان يكفى لنعلم لحظات من حياة هذا الرجل الذى تحول بدوره إلى مجرد ورقة أخرى.. ولكن في دفتر الوفيات..