الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مسرحيون: لن نرفع «الراية البيضاء» ولن نسمح بنقل البالون والسيرك

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى محاولة للدفاع عن مسرح البالون والسيرك القومى تصدى المسرحيون خلال الأيام الماضية لما أثارته نشوى الديب، عضو مجلس النواب، عندما نشرت عبر حسابها الشخصى بموقع التواصل الاجتماعى فيسبوك، صورة مستندين معلقة عليهما، قائلة: نقل مسرح البالون والسيرك القومى من العجوزة إلى أرض مطار إمبابة، من خلال المقترح الموجه منها لوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة تحت رقم 42460، وكذا اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنشاء قصور ثقافة بجوار المسرح والسيرك، وإنشاء قصر ثقافة للطفل أيضًا بذات المكان، ذلك الأمر الذى أثار جدلا كبيرا فى الأوساط الثقافية، لا سيما العاملين بمسرح البالون والسيرك القومي.


الأمر الذى تصدت له الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، بكل جسارة، ولم يغمض لها جفن حتى تنتصر لصروحها الثقافية والتراثية وفنانيها ومثقفيها، ردًا على هذه الشائعات التى روجت لها النائبة، وأثارته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث نفت «عبدالدايم» بحسم كل ما يتردد بشأن عدم نقل أحد الصروح الثقافية، وأشار بيان الثقافة إلى أن الوزارة لن تسمح لأى شخص تسول له نفسه العبث والمساس بمؤسسات وزارة الثقافة نهائيًا، وأشارت إلى أن السيرك القومى ومسرح البالون يمثلان جزءًا مهماً من تاريخ الإبداع فى مصر، حيث شهدا أعمالًا فنية أثرت الفكر والوجدان ويحملان صفة المعالم والرموز القومية.
حاولت «البوابة» التواصل مع النائبة نشوى الديب للوقوف على حقيقة هذا المقترح المقدم ومستجداته وما توصلت إليه، ولكن لم يتم الرد نهائيًا. 
وهنا نستطلع رأى عدد من المسرحيين والنقاد حول هذا الجدل المتعلق بقضية البالون والسيرك القومى.

فى البداية قال المؤرخ المسرحى الدكتور عمرو دوارة، إن الصراع بين أنصار الثقافة والفكر والمحافظة على التراث من جهة، وبين مجموعة الانتهازيين أنصار الرأسمالية الجشعة والباحثين عن المصالح الخاصة من جهة أخرى، صراع قديم ولكنه للأسف يتجدد على الدوام، وهو ذلك الصراع الذى جسدته كثيرا الدراما المصرية، ولعل مسلسل «الراية البيضا» للمبدعين: أسامة أنور عكاشة، ومحمد فاضل، من أهم وأرقى الأعمال التى جسدت ذلك الصراع، الذى ما زال دائرا بين المثقف د. أبو الغار وفضة المعداوى التى تظهر لنا كل فترة فى عدة صور جديدة، فهى مرة صاحبة شركات للاستثمار أو محامية لها وأحيانا فى صور أخرى كعضوة بمجلس الشعب أو صاحبة قلم بالصحافة.
وأضاف «دوارة» أن الحديث عن محاولات إخلاء أرض مسرح البالون والسيرك بالعجوزة من وجهة نظرى جريمة لا تغتفر، لقد ارتبطت تلك الأماكن بوجداننا منذ النصف الأول من ستينيات القرن الماضى، أى أكثر من خمسين عاما، وأصبحت من المعالم السياحية المهمة، كما ارتبط اسم السيرك القومي، وهو أول سيرك بالوطن العربي، بمنطقة العجوزة، فلماذا يستكثرون على أفراد الشعب رؤية النيل، ألا يكفيهم ما تم من حجب وتشويه لشواطئه وبخاصة بكورنيش «العجوزة» بسيطرة البواخر السياحية والنوادى.
وواصل: لقد نجح أنصار رأس المال فى السيطرة على مربع ماسبيرو بحجة التطوير والقضاء على العشوائيات والمنازل القابلة للانهيار والسعى لبناء منطقة سياحية حضارية، ولكن هل هناك ما هو حضارى وسياحى أهم وأقيم من مجمع مسارح يجمع بين مسارح البالون والغد، والسامر، وقاعتى صلاح جاهين، ومنف، والسيرك القومي، إذا كان الهدف خدمة أهالى إمبابة فليتم بناء مسارح جديدة هناك بمنطقة أرض المطار القديم، ولكن اتركوا الفرصة لأولادنا لمشاهدة النيل وهم فى طريقهم للمسرح والسيرك، لا تحملوهم مشقة الوصول إلى أماكن أبعد من المكان الحالى الذى يتميز بموقعه الفريد بين محافظتى القاهرة والجيزة.
وطالب «دوارة» جميع نواب الشعب الشرفاء بالتصدى لهذا المشروع وناشد جميع المثقفين وأصحاب الأقلام والمسئولين بالهيئات والمؤسسات الثقافية بالقيام بدورهم التاريخى المنشود والدفاع عن حقوق الأغلبية، مؤكدا بأننا لن نستسلم لإغراءات ولا ضغوط «فضة المعداوي» وسندافع بكل قوة عن مسارحنا التى تمثل الرئة الثقافية الوحيدة لأبناء هذا الشعب.

فيما قال الكاتب المسرحى محمد أبوالعلا السلاموني: نحن ضد هذا المقترح تماما، لأن البالون والسيرك القومى والسامر منطقة تاريخية لا بد من المحافظة على هذا التراث فى موقعه ومكانه التاريخى وعدم طمس هويته، وتابع: نحن فى أشد الحاجة إلى أماكن ثقافية عديدة للمسارح والفنون المتعددة وإنشاءات فنية جديدة فلا معنى من نقل هذا الصرح الثقافى العريق.


وأشار الدكتور مصطفى سليم، أستاذ النقد والدراما بأكاديمية الفنون، إلى أن مسرح البالون والسيرك القومى والسامر افتتح رسميا فى ١٩٧٠ وضم مجموعة من منجزات الدكتور ثروت عكاشة تضمنت فرقا متعددة وهى فرقة رضا للفنون الشعبية، والسيرك القومي وأكد سليم أن هذا المكان فى طريقه إلى أن يتحول إلى تراث محلى عالمى مثل مسرح «البولشوي» فى روسيا، «الكوميدى فرانسيس» فى فرنسا، «جلوب» فى لندن، فلا بد أن تعيد النظر فى فعل هذا الخطأ والتخلى عن تراث واحد من أشهر الأبنية الثقافية فى تاريخ مصر، وعن الموقع الذى اختاره بعناية هذا المنجز العظيم، أعتقد أننا نفكر بطريقة «جحا».
وأضاف سليم، أن أرض مطار إمبابة تحتاج إلى بناء صرح ثقافى كبير ومن الممكن أن يتحول بعد ذلك إلى مجمع ثقافى ضخم ينقلها نقلة أخرى، لكن فكرة النقل أعتقد أن هذا الأمر يفوق كل مراحل الإهدار العام للثقافة والتاريخ والموروث.


ومن جانبه، قال الناقد المسرحي، أحمد عبدالرازق أبوالعلا، إن النائبة- للأسف الشديد- تريد إحياء تلك المحاولة التى سبق لوزارة المالية أن تحدثت عنها عام ٢٠١٧ حين صرح وزيرها بأن الوزارة تعتزم تفعيل خطة بيع بعض أراضى الدولة خلال عام ٢٠١٨، وأنها ستبدأ إجراءات طرحها للمستثمرين، ومنها أرض المعارض بمدينة نصر ومربع مسرح البالون بنيل العجوزة، لتوفير مبلغ قدرته الوزارة- وقتها- بخمسة مليارات جنيه.
وتابع، أن النائبة تُذكر الدولة بهذا الأمر الذى لم يُنفذ، ومن هنا أقول لها، لا ينبغى أن تكونى أداة فى أيدى الذين يعبثون فى تراثنا الثقافى، ويريدون بيعه، بزعم توفير الأموال، لأننا لو وافقنا على ذلك، فربما سيكون هذا الأمر مقدمة لبيع آثارنا بحجة احتياجنا للمال، ما تفعله تلك النائبة أمر مرفوض تماما، لأن كل ما هو متعلق بالتراث الثقافى والفكرى والتاريخي، ليس خاضعا للبيع بأى حال من الأحوال. وواصل: أندهش حين يجيء ذلك التصرف من نائبة أعلم أنها كانت صحفية فى جريدة العربى الناصري، وأسألها ألا تعلم أن جمال عبدالناصر هو الذى بنى تلك المبانى أيام وزارة ثروت عكاشة، هل تريد بكلامها ومحاولة إحياء مشروع وزارة المالية الاقتراب إلى أبناء دائرتها من أجل لعبة انتخابية، تجيء على حساب مقدراتنا الثقافية والتاريخية، إن المثقفين المصريين وكل الشرفاء يرفضون مثل هذه التصرفات التى تطعن فكرة الانتماء فى الصميم، لأننا كلنا ننتمى إلى تراثنا الثقافى على مر العصور، الفرعونى منه والمعاصر، وهذا التراث، يُعد مظهرا من مظاهر هذا الانتماء.
وأشار أبوالعلا، إلى أن وزارة الثقافة، لن توافق على هذا المشروع، لأنه تم رفضه فى التسعينيات حين ظهرت محاولة لبيع أرض مسرح السامر القائم فى نفس المنطقة أو المربع المزمع بيعه، والوزارة بالتأكيد ستكون حريصة على حماية هذا الصرح الثقافى الهام، ولن تفرط فيه بسهولة، والأوراق التى نشرتها النائبة بخصوص هذا الموضوع جاءت بعيدًا عن الوزارة تمامًا، ولذلك فإن الأمر لن يتم طالما وُجدت المقاومة، ووجد الإيمان بأن تراثنا الثقافى والتاريخى ليس معروضا للبيع.

وقال المخرج المسرحى إميل شوقي: «كان هناك ممثل إيطالى يدعى فيتيريو جاسمان، لديه مسرح على شكل بالونة وكان يدور به ليعرض بها مسرحياته متنقلا فى عدة أماكن ودول، فقدم عرضا بهذه البالونة أو الخيمة فى العجوزة فأعجب بها يوسف بك وهبى وعرض عليه شراءها منه، فصار هذا المكان قديما مقرا لفرقة «رمسيس»، واستمر به حتى أفلس يوسف وهبي، واشترت منه الدولة تلك البالونة خصصت لفرقة «رضا» ثم «القومية»، حتى تطورت الفرق وكثرت إلى ما وصلت له الآن».
وتابع: هذا المكان به تاريخ وحضارة مصر وأقيم به أهم عروض مثل «القاهرة فى ألف عام» لمخرج عالمى كبير وشارك فى التمثيل الفنان محيى إسماعيل، والفنان صلاح السعدني، كما قدمت خلاله عروض كثيرة من بينها «رسالة أبوالعلاء المعري» لفؤاد الجزايرلي، وغيرها فهذا المكان يحمل تاريخ وعبق وذكريات مصر، حيث قدم فيه المخرج أحمد زكى الفنانين: هانى شاكر، مدحت صالح، محمد الحلو، على الحجار، فايزة أحمد فى أوبريت «بحلم يا مصر». 
وأكد شوقي، أن هذا المكان يمكن أن يتم تطويره فى مكانه ويصبح متعدد الأدوار ليظل مسرح البالون مكانه، وكذلك الغد، والسيرك القومي، والسامر، ويمكن استغلال المساحة بشكل استثمارى ثقافى؛ ليتكون من عدة أدوار بها مسارح وسينمات، كما يمكن أن تقيم فيه وزارة الثقافة بأكملها، فلا بد أن تستفيد به الوزارة على أكمل وجه، موضحا أن التفكير فى نقله لا يصح، فلدينا ما يكفينا من المشكلات ودعونا نحل مشاكلنا بأنفسنا ويتركوا لنا القلة الباقية من المسارح.

وقال الفنان معتز السويفي: «أعترض على هذه الفكرة لأن هذه النائبة لا تدرى شيئا عن منطقة العجوزة التى تشمل مسرح البالون والسيرك القومى والسامر ذى الطابع التراثي، الذى أنشئت فيه عدة فرق كانت أساسًا لنهوض الفن والتمثيل الشعبى فى مصر، أيضا مسرح البالون فى السابق كان تابعا لإحدى الفرق الإنجليزية إلى أن أتى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وتحدث الفنان حسين فهمى إلى الرئيس جمال عبدالناصر الذى بدوره أعطى هذا المسرح إلى محمود رضا وعلى رضا وفريدة فهمي، وأنشئت فرقة الفنون الشعبية ثم توالت الفرق بعدها.
وتابع: أن السيرك القومى فى البداية كان صغيرا ويسمى بسيرك «عاكف» وبتوجيهات من الرئيس جمال عبدالناصر، اتسعت مساحته وكان يوجد بينه ومسرح السامر ناد للممثلين، قُدمت عليه عروض مسرحية صغيرة، وتم ضم جزء منه إلى السيرك والجزء الآخر إلى السامر، بعد زلزال ١٩٩٢ انهارت أجزاء مسرح السامر الداخلية ولم يتم بناؤه حتى الآن، فمع كل هذا الموروث لا يصح إلغاؤه. وأضاف السويفي، أن هذا الاقتراح العجيب بالنقل، كيف يمكن الوصول بالجمهور إلى مطار إمبابة، علما بأن هذا المكان سوف يخدم أهالى المنطقة فقط، ولكن تواجده بالعجوزة يخدم أهالى القاهرة الكبرى، فهذا المقترح لا يصح أن يكون لمجرد ارتفاع سعر أرض المنطقة سيجلب أموالا كثيرة، ألم تجد شيئا غير الفن والثقافة لبيعها بهدف كسب المال.