الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

انتصار أكتوبر بداية انطلاق النهضة الصناعية في مصر.. القطاع العام لعب دورًا مهمًا في توفير احتياجات القوات المسلحة والمواطنين.. هزيمة 67.. وراء توقف الخطة الخمسية الثانية والتحول إلى اقتصاد حرب

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحول الاقتصاد المصرى إلى اقتصاد حرب، بعد هزيمة 1967، لتدبير متطلبات الجيش المصري، كانت مصر قد طبقت الخطة الخمسية الأولى 61-1966 بنجاح، وبدأت في تنفيذ الخطة الخمسية الثانية، غير أن الهزيمة أنهت الخطة الخمسية الثانية. لتصبح ألوية الاقتصاد لتلبية احتياجات البلاد لتمويل لإعادة بناء وتسليح الجيش، وانخفض معدل النمو إلى 3%، كما انخفضت معدلات نمو القطاع التجارى 4%، وقدرت خسائر الاقتصاد المصرى بنحو 635 مليون دولار نتيجة الحرب وتوقف قناة السويس، بالإضافة إلى خسائرها من بترول سيناء.


فالاقتصاد المصرى كان يتجه بخطى واثقة حتى لو كانت بطيئة إلى الأمام، وحقق نموا حقيقيا زاد على 6% بحلول عام 1965، وارتفع معدل الاستثمار إلى 17.8% من الناتج المحلى بدلًا من 12.5 في نهاية الخمسينيات، وزاد نصيب الصناعة في الصادرات إلى 25% بدلًا من 18%، وزادت العمالة الصناعية خلال هذه السنوات بأكثر من ضعف الزيادة في إجمالى القوى العاملة، وهى زيادة لم يعرفها الاقتصاد المصرى منذ محمد على.
غير أن انقطاع القروض الأجنبية والمعونات فجأة، وهو ما يمثل خمس الاستثمارات، لينخفض معدل النمو في الحرب إلى 3%، وتتدهور المرافق العامة والبنية الأساسية، ويتراجع مستوى المعيشة وتنخفض الأجور، ويتدهور ميزان المدفوعات، ورغم ذلك فإنه حتى وفاة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لم تتجاوز ديون مصر المدنية 1 مليار و300 مليون دولار، وهى نسبة لا تتجاوز 25% من الناتج الإجمالى القومي.
ومع بدء العد التنازلى لمعركة الانتصار وحرب أكتوبر، بدأت الحكومة برئاسة الدكتور عزيز صدقى، رئيس الوزراء في ذلك الوقت، في تطبيق خطة اقتصادية تهدف إلى ترشيد الإنفاق الحكومي، لتوجيه الناتج لصالح القوات المسلحة، حيث تم تشكيل اللجنة العليا للمعركة، لتحديد الإجراءات المطلوب تطبيقها في جميع المجالات استعدادا للحرب.

وفى فبراير 1973، أعلنت الحكومة المصرية "ميزانية المعركة"، وهى إجراءات التعبئة الاقتصادية التى سيتم تطبيقها في حال نشوب الحرب، وتتمثل في تحويل الموازنة العامة إلى "موازنة المعركة" لتوفير جميع طلبات القوات المسلحة خلال الحرب، مع الحفاظ على سرية البيانات الخاصة بالجيش، وإعادة النظر في خطة التصدير والاستيراد لتوفير النقد الأجنبي، مع العمل على إحلال المنتجات المحلية بديلًا للمستوردة، وتخفيض الاستثمارات مع تأجيل تنفيذ المشروعات التنموية الطويلة الأجل التى ليس لها مردود في العام نفسه، أو لا علاقة لها بالمعركة، كذلك إجراء تخفيض جديد في أنواع الإنفاق بالمصالح الحكومية والقطاع العام، مع مراجعة جميع المشروعات الاستثمارية المذكورة بموازنة المالية لعام 1973، وتأجيل أى مشروعات لا تخدم المعركة. 
وبعد قيام حرب أكتوبر وتحقيق الانتصار بدأت الحكومة في إعادة هيكلة القطاع العام، الذى لعب دورا مهما في تلبية احتياجات الدولة، واستطاعت مصر في سنة الحرب وتحديدا في موازنة 1973أن تحقق 3 ملايين جنيه فائضًا، بعد أن خسرت مصر ما يقرب من 5% من الناتج المحلى الإجمالى سواء من إيرادات قناة السويس أو عائدات السياحة من سيناء.
ولم يكن انتصار مصر في حرب 1973 مجرد انتصار سياسى، أو عسكرى، إنما كان انتصارًا في مواجهة الظروف المعاكسة، وضعف التنمية، وتراجع مستوى المعيشة، وتعنت وحصار اقتصادى من دول الغرب والولايات المتحدة.. كان انتصارًا للإرادة في مواجهة الانكسار، وللقوة في مواجهة الضعف، وللتحدى في مواجهة محاولات الخضوع من قبل آخرين.
ومع الانتصار يوم السادس من أكتوبر 1973، تغيرت الأحوال الاقتصادية في مصر، وفى ديسمبر من نفس العام تم تخصيص 564 مليون جنيه لمشروعات التنمية، وشهد عام 1973 عددًا من المشروعات الصناعية الطموحة، على رأسها بدء إنتاج السيارة "نصر 125" بمصانع النصر للسيارات، والإعلان عن مشروعات تنموية مثل مترو الأنفاق، وتنفيذ خطوط أنابيب بترولية لنقل البترول من السويس للإسكندرية، وإنشاء 8 محطات كهرباء بتكلفة 10 ملايين جنيه، للحد من مشكلات انقطاع الكهرباء وتنفيذ مشاريع النهضة الصناعية التى تخطط لها مصر في هذا الوقت.

وظهرت لأول مرة الصناعات المتوسطة والصغيرة في عصر الرئيس السادات عقب انتصارات أكتوبر، ومن هنا نشأت فكرة المدن الصناعية التى حاول نظام السادات عن طريقها تعويض ضمور القطاع العام الصناعي، وبدأت مصر في الانفتاح الاقتصادى لتعويض ما فقدته على مدى السنوات ما بين نكسة 1976 وانتصار أكتوبر 1973، ليصدر القانون رقم 43 لسنة 1974 والخاص باستثمار رأس المال العربى والأجنبى والمناطق الحرة، ثم توالت بعد ذلك القوانين والتعديلات في جميع الجبهات، لكى تتوافق مع سياسة "الانفتاح الاقتصادي".
وانتهجت مصر سياسية الاصلاح الاقتصادى بداية من عام 1991 وفقًا للاتفاق مع صندوق النقد الدولى من خلال الخطط الخمسية في عقد التسعينيات وتحقق الاستقرار الاقتصادى النسبى خلال هذه الفترة.


وبداية من عصر الرئيس عبدالفتاح السيسي تم التركيز على برنامج الإصلاح الاقتصادي، وأكد الرئيس أن تأخر اتخاذ إجراءات الإصلاح من قبل كان له تأثير على دعائم الاقتصاد.
وأشار إلى أن "الشعب المصرى تفهم أعباء الإصلاح الاقتصادى" من الناحية الاجتماعية، كما قامت مصر بتعديل السياسات النقدية عن طريق وجود سعر مرن للعملات، وتحرير سعر الصرف، ما انعكس على جذب الاستثمارات، ومحاصرة السوق السوداء للعملة، وزيادة تنافسية الصادرات وإصدار قانون الاستثمار، وإقرار قانون منح التراخيص الصناعية، وفى نفس الوقت تم إصلاح شبكة الطرق وإنشاء طرق جديدة، بالإضافة إلى الاستكشافات الجديدة للبترول.
وعلى مستوى السياحة كان للحرب نتائجها المبهرة، فبدونها لما كان هناك أمان ولا تطور عمرانى أفرز العديد من المناطق السياحية على رأسها شرم الشيخ والغردقة وكل المنتجعات في البحر الأحمر.
ومع الاهتمام الملحوظ بالصناعة المصرية خلال فترة الرئيس السيسي، شهدت الصناعة قفزات وتطورات كبيرة في آخر 5 سنوات، سواء على مستوى التشريعات، أو في بناء الوحدات والمصانع الجديدة لشباب المستثمرين، والمجهزة بالتراخيص، إلا أن استقرار الأوضاع أعطى الاستثمار الصناعى دفعة قوية، في ظل إتاحة وتوفير مساحات كبيرة من الأراضى الصناعية، وطرح مدن صناعية جديدة، والتى شهدت تسجيل قرابة 10 آلاف مصنع جديد آخر 4 سنوات لدى هيئة التنمية الصناعية، نتيجة جهود الإصلاح الاقتصادى والتطور الكبير في ملف البنية التحتية والأساسية، الذى تم في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، مما جعل مصر بيئة جاذبة للاستثمار.
واستمرت الدولة المصرية في دعم الصناعة خاصة تلك التى شهدت تراجعا نتيجة التحول من نظام القطاع العام إلى القطاع الخاص حيث أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرات لتطوير صناعة الغزل والنسيج بتكلفة 25 مليار جنيه مع تحديث وتطوير مختلف القطاعات الصناعية بحيث يتم تطوير القطاع في غضون عامين ونصف العام من خلال استغلال وبيع أصول.
وبلغ عدد المصانع المسجلة لدى الهيئة قرابة 45 ألف مصنع بخلاف عدد كبير من المصانع التى تعمل في مصر لكنها غير مسجلة، وتم طرح 4 ملايين متر أرضًا صناعية مرفقة للمستثمرين في الصعيد، منذ صدور قرارات المجلس الأعلى للاستثمار في نوفمبر 2016، وتوافر قرابة مليون متر أرض مرفقة مرتقب طرحها و4 ملايين متر أيضا لكنها غير مرفقة.
كما تم إنشاء العديد من المدن والمشروعات التنموية العملاقة ومن أهم تلك المشروعات "مدينة الروبيكى للجلود" على نحو أكثر من 500 فدان، ومدينة الأثاث بدمياط على ماسحة تقترب من 331 فدانًا، ومجمع الصناعات البلاستيكية بمرغم على مساحة تقترب من 500 فدان على مرحلتين، ومدينة السادات الصناعية العملاقة المخصصة لصناعة النسيج على مساحة 3 ملايين متر وباستثمارات 7 مليارات دولار، ومدينة كوم أوشيم الجديدة على مساحة 7800 فدان، وهى الأضخم في المنطقة.
وتسعى الدولة وتسير بسرعة نحو الانتهاء من إنشاء المجمعات الصناعية الجديدة بصورة سريعة جدا، إذ يتم تدشين 4500 مصنع في 13 مجمعًا صناعيًا في 12 محافظة، على أن تتم إتاحة هذه المصانع بسعر 20 جنيهًا للمتر بنظام الإيجار ويحق التقدم لتملك الوحدات وفق شروط كل مجمع، ولاستكمال الـ5 آلاف مصنع يجرى طرح 472 مصنعًا جديدًا بالتنسيق بين جهاز المشروعات الصغيرة وهيئة الاستثمار، وهذه المصانع موزعة في 3 مجمعات صناعية جديدة في بنها وميت غمر والصف.
وتعول الحكومة على هذا القطاع في تحقيق طفرة تنموية ملحوظة خلال الفترة القادمة لكونه من القطاعات عالية الإنتاج سريعة النمو، وأن الوزن النسبى لقطاع الصناعة في النمو يبلغ حاليًا نحو 15% وأنه من المستهدف مساهمة هذا القطاع في تحقيق 20% من النمو في العام المالى 2018 /2019 لتتزايد المساهمة تدريجيا في ضوء تحسن معدل نمو القطاع الصناعي.

ويقول الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية، والخبير الاقتصادى الدولي، إن القطاع العام تقريبًا بعد انتصارات أكتوبر مباشرة كان يحارب في الداخل، والجيش يحارب على الجبهة، فشركات الغزل والنسيج مثل غزل المحلة وغزل شبين كانت مهمتها توفير الكساء للشعب بغض النظر عن الربح، فيما كلفت الغذاء والمشروبات مثل "شركات قها وأدفينا" بتوفير العصائر والمعلبات بأسعار 7 قروش للعبوة، نظرًا لضعف الرواتب وقتها، وأيضًا شركات الأدوية والصلب والسيارات، وكل القطاع العام تقريبًا، كان مسخرًا لخدمة الشعب، مع قيامه بالتصدير للخارج لتوفير العملة الصعبة.
وأشار "عبده" إلى أن القطاع العام كان متخما بالعاملين، لأن أيام عبدالناصر كان كل خريج يأتى له جواب للتعيين في أى شركة أو مؤسسة، وبالتالى كان العمال والموظفون أعدادهم كبيرة للغاية، لأن الهدف كان القضاء على البطالة، وإتاحة الفرصة للشباب للمعيشة.
وقال: إن القطاع العام نجح في مهمته في تأمين الجبهة الداخلية، وتحمل أعباء كبيرة، ظهرت بعد ذلك من خلال مديونية بلغت نحو 33 مليار جنيه، تمت تسويتها فيما بعد من خلال بيع الأراضى ودخول البنوك كشركاء.
وأضاف، مع بدايات القرن الحادى والعشرين بدأت مصر مرحلة من مراحل النهوض بالصناعة المصرية، بعد ارتباط الصناعة بالتجارة الخارجية والداخلية تحت وزارة واحدة، أخذت على عاتقها مهمة تحقيق النقلة النوعية للاقتصاد المصري، ورفع القدرة التنافسية للمنتج المصرى وتحديث الصناعة المصرية في إطار برنامج متكامل يساهم في رفع الصادرات للانضمام بفاعلية في الاقتصاد العالمي.