الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إبراهيم فتحي.. شمس لا تغيب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سُئل شاعرُ القطرين خليل مطران يوما: ما هى أُمنيتك في الحياة؟ فأجاب: «الحياةُ إلى الساعة الأخيرة في العمل، والموتُ متى جاءت ساعته بلا وجل».. هكذا كان المفكر اليساري، والمترجم الحاذق والكاتب الرصين، والناقد المالك لأدواته إبراهيم فتحي، الذى رحل عن دنيانا، صباح الخميس الماضى، عن عمر يناهز 89 عاما، وهى فترة طويلة، أثرى خلالها الراحل حياتنا الثقافية والنقدية بتراجم ومُصنفات ودراسات نقدية وأدبية جعلته وستجعله مُتربعا على عرش النقاد والمبدعين.
امتلأت حياة إبراهيم فتحى بالمواقف والأحداث التى كشفت عن أنه شخصية عنيدة لا تقبل الاستسلام للعوائق والعراقيل، فرغم أنه لم يُكمل دراسة الطب، إلا أنه رسم لنفسه طريقا، أسرع فيه الخطى ليكون من أبرز جيل الستينيات في النقد والأدب.
شغف فتحى بالترجمة، التى وهبها جُل وقته وجهده، فأسلمت له القياد، وصار من أهم المترجمين في مصر والوطن العربي، واختير مستشارا لدار الفكر المصرية، فأصدرت العديد من الكتب والترجمات التى دشنت لمناخ ثقافى وفكرى رصين، وضع فتحى لبناته الأولي.
كانت رواية «الهزيمة» للكاتب الروسى فانسسيف أولى ترجماته، التى أعلنت عن مولد نجم في عالم الترجمة، كما صنف كتبا نقدية، كانت حديثَ القاصى والدانى من الأدباء والمتخصصين مثل: «العالم الروائى عند نجيب محفوظ»، الذى عده نجيب محفوظ أهم كتاب كُتب عن أعماله، وكذلك كتاب «نجيب محفوظ بين القصة القصيرة والرواية الملحمية، و»نجيب محفوظ إبداع نصف قرن»، و«معجم المصطلحات الأدبية»، و«كوميديا الحكم الشمولي»، و«أرض الحبايب بعيدة.. رحلة نقدية في حياة وأعمال بيرم التونسي»، وغيرها الكثير من الكتب المُتميزة.
ولإيمانه بالشيوعية، وانتمائه السياسى زُج به في سجون عبد الناصر1959، فقضى في غياهب السجن نحو 5 سنوات، خرج بعدها ليقدم للعالم العربى منهجه النقدى القائم على فكرة «التجلي»، حيث ظهرت تجلياته النقدية بمجلات: « الشعر» التى رأس تحريرها محمد فريد أبوحديد، ومجلة الثقافة، للمفكر أحمد أمين، ومجلة «المجلة» للأديب الكبير يحيى حقي، التى خصص فيها بابا لعرض موضوعات المجلات الأجنبية، اعتمادا على إلمامه باللغات الأجنبية خاصة الإنجليزية والفرنسية.
ولم يمضِ سوى سنتين على خروجه من المعتقل حتى أعيد إليه سنة 1966م بتهمة ضلوعه في تكوين تنظيم سياسى برفقة ثلة من المثقفين أمثال: عبدالرحمن الأبنودي، وسيد حجاب، وصبرى حافظ، وجمال الغيطاني، وغالب هلسا، وصلاح عيسي، ولم يخرج منه إلا بشفاعة جان بول سارتر أثناء زيارته للقاهرة قبل النكسة ١٩٦٧.
لقد كتب إبراهيم فتحى مئات المقالات والدراسات التى نشرت بالعديد من الدوريات، وامتازت برؤاها النقدية العميقة، ورصانة أفكارها ووضوح لغتها البعيدة عن التقعر والإغراب، كما ساهم في تأسيس مجلة «جاليري» 1968، والتى قدمت ثقافة نوعية، وشارك فيها نخبة من الكتاب والشعراء والمثقفين أمثال المترجم إبراهيم منصور، وإدوار الخراط، وغالب هلسا، وغيرهم، وساهم أيضا في تأسيس جمعية «كتاب الغد»، التى أثرت الحياة السياسية والفكرية منذ نهاية الستينيات، وأصدرت أعمالا بارزة مثل «وش مصر» للشاعر زين العابدين فؤاد، وغيرها من الأعمال.
وعن مجمل أعمال إبراهيم فتحى ورحلته الطويلة الممتدة بالعطاء، كرَّمه المجلس الأعلى للثقافة العام الماضي، فكان تكريما مُستحقا وعن جدارة بعد طول غياب، بعده توقف الملاحُ إبراهيم فتحى عن التجديف، ليلتقط أنفاسه الأخيرة في لندن بصحبة زوجته، بعد رحلة قصيرة للقاهرة ودع فيها تلاميذه ومحبيه.