الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

فخ إسرائيلي كشف عورة جنرالات الاحتلال.. 3 سيناريوهات حددتها الخطة "شامل" لسحق قوات الاحتلال.. وجسور أمريكا العسكرية أنقذت الصهاينة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«الثغرة» أحد أهم الملفات التى لم يكشف عن كامل أسرارها بعد، ففى كل عام من احتفالات مصر بنصر أكتوبر العظيم، تخرج علينا الصحف الإسرائيلية للترويج حول انتهاء تلك الحرب المجيدة بالتعادل نتيجة لوجود جيب إسرائيلى عرف بثغرة الدفرسوار.. غير أن التفاصيل أو ما كشف عن بعضها يشير إلى أن ما عرف بالثغرة كانت محاولة محكوما عليها بالفشل قامت بها إسرائيل لحفظ ماء الوجه، ولولا المساعدات والجسور الجوية التى أقامتها الولايات المتحدة الأمريكية لمد إسرائيل بالأسلحة والعتاد لمواجهة زحف القوات المصرية ونجاحها في السيطرة على أراضى سيناء واقتحامها لمعظم النقاط الحصينة التى أقامتها إسرائيل على طول خط بارليف المنيع لما فكرت إسرائيل في فخ الثغرة الذي كشف عورة جنرالاتها. 



كما أن من بين تلك الأسرار التهديدات التى أطلقها هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى وقتذاك للرئيس الراحل أنور السادات صراحة بتدمير الجيش المصرى كله إذا فكر في تصفية الثغرة.



البداية
كانت القوة الإسرائيلية التى يقودها ثلاث جنرالات هم شارون وادان وماجن قد تمكنت من الوصول لمشارف الإسماعيلية شمالا والسويس جنوبا مطوقة بذلك الجيش الثالث.
وذلك بعد أن فشل شارون في دخول الإسماعيلية يوم ٢٢ أكتوبر بسبب بسالة رجال الصاعقة والمظلات المصريين الذين أنيط لهم دور الدفاع عن الإسماعيلية، وبسبب حُسن توقع اللواء عبدالمنعم خليل القائد الجديد للجيش الثانى لمحاور الهجوم وتركيزه في الدفاع عن تلك المحاور، فلم يحاول شارون مرة أخرى مهاجمة الإسماعيلية بعد أن كبدته قوات الصاعقة خاصة المجموعة ١٣٩ صاعقة بقيادة العميد أسامة إبراهيم خسائر كبيرة.
أما الجنرال أدان ومن خلفه الجنرال ماجن اللذان انطلقا بفرقهما المدرعة تجاه السويس لاحتلالها بعد أن استمع لنصيحة الجنرال بارليف القائد الفعلى للقيادة الجنوبية الإسرائيلية، والذى أعطاه الاختيار، قائلا: «إذا كانت بئر سبع فتقدم، إنما إذا كانت ستالنجراد فلا تتقدم - أى إذا كان احتلال السويس مثل بساطة احتلال بئر سبع عام ١٩٤٨ فليتقدم، أما إذا كانت عنيدة وصلبة كستالنجراد فلا تتقدم-.
وتوقع ادان أن تكون السويس مثل بئر سبع فتقدمت دباباته ترفع أعلام المغرب والجزائر لخداع أى قوة مقاومة بالمدينة، ورغم القصف الجوى العنيف للسويس يومى ٢٢ و٢٣ إلا أن قوات المقاومة الشعبية تعاونها وحدات من الفرقة ١٩ مشاة متخصصة في اصطياد الدبابات تمكنت من صد التوغل الإسرائيلى على كل المحاور، وكبدت الدبابات الإسرائيلية خسائر كبيرة، وأيضا سقط العشرات من جنود المظلات الإسرائيليين قتلى في معارك ضارية بين البنايات وداخلها، فقد كانت معركة من شارع لشارع ومن بناية لأخرى.
وبعد فشل هجومه تأكد أدان أن السويس لم تكن بئر سبع ولم تكن ستالنجراد، إنما وضعت السويس اسمها في موقع جديد لمدينة باسلة هب شعبها مع جنود جيشها للدفاع عنها ومنع سقوطها.

فشل سقوط الإسماعيلية والسويس
بحيادية تامة نستطيع أن نؤكد أن القوات الإسرائيلية قد وضعت نفسها بدءا من يوم ٢٥ أكتوبر في وضع عسكرى قاتل لها من كل النواحي، فلم يكن لديها حل سوى الثبات في موقعها والبدء في معركة صبر وتحمل واستنزاف، مما يعنى الاستمرار في حالة تعبئة عسكرية طويلة وهو ما كان يعنى إضعاف الاقتصاد الإسرائيلى أكثر وأكثر.

الوضع العسكرى الإسرائيلى
فقدت القوات الإسرائيلية قوة الهجوم، وأُجبرت على التوقف لعدم وجود أهداف يمكن التقدم نحوها لتحقيق هدف عسكرى أو إعلامي، كما أن احتلال القوات الإسرائيلية مساحة أكبر بكثير من حجم القوات الموجودة فعليا داخل الثغرة، مما يعنى عدم تحكمها الكامل في كل المناطق، وهذا يؤدى إلى سهولة تسلل عناصر الصاعقة المصرية إلى قلب معسكرات القوات الإسرائيلية وقطع خطوط الإمداد الحيوية لها، وهو ما حدث في الفترة من أول نوفمبر ٧٣ وحتى يناير ٧٤، كما كانت القوات الإسرائيلية تتنفس عبر ممر ضيق عرضه ١٠ كيلو مترات في منطقة الدفرسوار وهو الممر الوحيد البرى المؤدى إلى القوات داخل منطقه الثغرة، وهو وضع خاطئ. كل ذلك إلى جانب أن القوات الإسرائيلية لا يمكنها التقدم تجاه القاهرة غربا لوجود الفرقة الرابعة المدرعة، ولا يمكنها التقدم تجاه الإسماعيلية شمالا لوجود ترعة الإسماعيلية كمانع طبيعي، ومن أمامها قوات صاعقة ومظلات مدربة على اصطياد الدبابات، ولا يمكنها التقدم جنوبا بحذاء البحر الأحمر لعدم وجود أهداف تكتيكية أو إستراتيجية مهمة لها في الجنوب غير مدينه الغردقة والتى تبعد مائتى كيلو متر تقريبا ولا تمثل أى أهمية إستراتيجية أو عسكرية، كما كانت تعانى القوات الإسرائيلية من طول خطوط الإمدادات لها، والتى تمتد من الطاسه على المحور الأوسط لمسافة طويلة جدا إلى الثغرة، وتلك الخطوط معرضة لقطع بقوات الفرقة ١٦ مشاة شرق القناة.

وضع القوات المصرية
بعد أن توقفت القوات الإسرائيلية ونفذت أهدافها وفشلت في احتلال الإسماعيلية والسويس بدأت القيادة المصرية في اتخاذ قرارات صحيحة وتمثل ذلك في سحب قيادة وأفراد الفرقة ٢١ المدرعة، بدون دبابات إلى الغرب مرة أخرى، وإعادة تجميع الفرقة في منطقة أبوسلطان مرة أخرى كما أراد الفريق سعد الشاذلى يوم ١٧ أكتوبر، مع ارتداد حائط الدفاع الجوى للنسق الثانى واستمرار عمله بنجاح رغم الخسائر، إلى جانب سحب مجموعات اقتناص الدبابات من الشرق وإعادة تكوينها تحت قيادة الجيش الثاني.
كما تقرر إعادة تكوين الفرقة ٢٣ مشاة ميكانيكى والفرقة ٦ مشاة ميكانيكى مرة أخرى وذلك بناء على الإمدادات السوفيتية التى بدأت في الوصول بفاعلية بعد انتهاء القتال يوم ٢٥ أكتوبر، إلى جانب إعادة تجميع الفرقة الرابعة المدرعة في نطاق الجيش الثالث الميدانى تحت القيادة العامة مباشرة بعد أن تم تغيير مسمى قوات الجيش الثالث شرق القناة إلى اسم قوات بدر، بالإضافة إلى حشد فرقة مشاة جديدة، تتكون لواء مشاة مغربى ولواء مشاة مختلط من كتائب سودانية وإماراتية وفلسطينية وكويتية، ووضعها في نطاق الجيش الثالث وتدعيمها بالمدفعيات اللازمة، مع إعادة تدعيم الفرقة ١٦ مشاة شرق القناة، ووضع اللواء المدرع الجزائرى على طريق السويس لصد أى هجوم إسرائيلى تجاه القاهرة.
وبلغة بسيطة أمكن للقوات المصرية في أول ديسمبر ١٩٧٣ من تحقيق التوازن للقوات المصرية شرق القناة وغربها وتكوين قوة مدرعة وميكانيكية كبيرة غرب القناة تحت مظلة حائط الصواريخ وفى ظل خطوط إمداد قصيرة جدا.
وليس أدل على ذلك مما قاله اللواء كمال حسن على مدير إدارة المدرعات في حرب أكتوبر، لكى يخبرنا في مذكراته عن كيفية استعادة الفرق المدرعة والميكانيكية كفاءتها بسرعة.
فيقول في مذكراته «مشاوير العمر – أسرار وخفايا ٧٠ عاما من عمر مصر» في صفحه ٣٥٤: يوم ٢٦ أكتوبر قمت بزيارة الفرقة الرابعة المدرعة التى تم إمدادها بعدد كبير من الدبابات التى تم إصلاحها، كما زرت اللواء المدرع الجزائرى وقد تمركز فوق جبل غره جنوب الثغرة، وكان المنظر من فوق الجبل لأرض المعركة يؤكد إمكانية تدمير القوات الإسرائيلية داخل الثغرة بسهولة حيث كان عرض المنطقة التى عبرت منها القوات الإسرائيلية في الدفرسوار ٧ كيلومترات فقط، وقد قامت لجنة من الكونجرس الأمريكى بزيارة الموقع يوم ٧ نوفمبر بصحبة اللواء سعد مأمون وخرجت بانطباع يؤكد ضرورة التسوية السلمية لهذا الصراع، لأن القوات الإسرائيلية المحصورة داخل الثغرة أصبحت في حصار أوشك أن يكتمل».
وأضاف: «وفى السابع من نوفمبر كنت في زيارة لوحدات شرق القناة وسمعت تصريحا لموشى ديان في الإذاعة الإسرائيلية يقول فيه إن مصر أكملت دفع الجيش الرابع الميدانى حول الثغرة، ولقد سعدت بهذا القول جدا حيث لم يكن الجيش الرابع في واقع الأمر سوى الإمدادات التى تلقيها إدارة المدرعات إلى الجبهة باستمرار تعويضا لخسائر القتال، بعد أن وصل إلى مصر من يوغوسلافيا ٩٤ دبابة جاهزة لركوب أطقمها، كما استقبلنا لواء مدرع من ليبيا بدون أفراد، علاوة على وصول مدافع اقتحام من الجزائر، وبعد زيارة بومدين إلى الاتحاد السوفيتى وصل إلينا ٢٠٠ دبابة تى ٦٢ خصصت بالكامل لدعم الفرقة ٢١ المدرعة، حيث تركت دبابات الفرقة ٢١ المتبقية لدعم رأس جسر الفرقة ١٦، وعادت الفرقة ٢١ بدون دبابات إلى منطقه تمركزها الجديدة، وتم تدريب أفرادها على الدبابات الجديدة من طراز تى ٦٢ خلال أسبوع واحد فقط، ثم دُفعت الفرقة ٢١ إلى الجبهة مرة أخرى على مدى ثلاث أيام، وأثارت غبارا يزيد طوله على ٣٠ كيلو مترا، وكان آخر يوم لوصولها هو ٧ نوفمبر، وهو ما واكب تصريح ديان بأن الجيش الرابع قد اكتمل حول الثغرة، في هذه السطور نستطيع أن نتعرف تماما على الحالة النفسية لوزير الدفاع الإسرائيلي، الذى ظن أن إعادة تجهيز الفرقة الرابعة والفرقة ٢١ المدرعتين هو بمثابة تجهيز جيش جديد يُسمى الجيش الرابع وهو ما لم يكن له وجود حقيقي.

الخطة شامل وتطورها
رغم بدء سريان وقف إطلاق النار فعليا يوم ٢٥ أكتوبر ١٩٧٣ وبدء توافد قوات الأمم المتحدة على المنطقة إلا أن الجبهة لم تكن هادئة بالمرة، فالقوات المصرية الخاصة تقوم بعمل الكمائن لعربات الإمداد.
ذكر المؤرخ جمال حماد في كتابه «المعارك الحربية على الجبهة المصرية»: إنه فور استعادة القوات المصرية توازنها بعد فشل القوات الإسرائيلية احتلال السويس، بدأت حرب استنزاف ثانية شملت ١٥٠٠ اشتباك وقصف مدفعى شارك فيه مع القوات المصرية قوات من الجزائر والمغرب، وأدت تلك الاشتباكات إلى الآتي:
- تدمير ١١ طائرة و٤١ دبابة وعربة مجنزرة و١٠ رشاشات ثقيلة.- تدمير ٣٦ بلدوزر ومعدة هندسية وعربة ركوب. - إصابة ناقلة البترول الإسرائيلية (سيرينا) بعطب جسيم.- إغراق قارب إنزال بحري.- قتل ١٨٧ فردا إسرائيليا فضلا عن مئات الجرحى، وذلك خلال ٤٤٠ عملية هجومية مصرية من شرق وغرب القناة.
لقد كان التخطيط والاستعداد للخطة شاملا يسير جنبا إلى جنب مع حرب استنزاف طاحنة، أبطالها بلا منازع رجال الصاعقة والمظلات التى عملت داخل عمق العدو، وأحالت حياته إلى جحيم لدرجة أن عناصر الاستطلاع والمخابرات رصدت شيئين جديرين بالاهتمام:
الأول: أن القوات الإسرائيلية تنتشر نهارا، وتعود إلى معسكراتها ليلا خوفا من الكمائن الليلية لقوات الصاعقة، مما جعل دوريات إمداد الجيش الثالث السرية تسير بانتظام تام بعيدا عن القوافل التى تكون تحت سيطرة الأمم المتحدة وتحاول إسرائيل عرقلتها.
الثاني: تم رصد عملية زرع ألغام هستيرية تقوم بها القوات الإسرائيلية حول معسكرات قواتها، وأن معدلات نشر الألغام تماثل ما قام به روميل بعد معركة العلمين، وهى نسبة كبيرة مرجعها الخوف والرعب الشديد للقوات الإسرائيلية داخل الثغرة.
نعود إلى الخطة شامل التى وضعها اللواء سعد مأمون لتصفية الثغرة، وشارك فيها اللواء عبدالمنعم واصل قائد الجيش الثالث، الذى يطلعنا في مذكراته بدءا من صفحة ٣٢٥، على حقائق جديدة تتعلق بتعديلات جوهرية في الخطة قبل عرضها على الرئيس:
منها إغلاق الفاصل بين قوات الجيشين الثانى والثالث شرق القناة وغربها والتى يمتد إلى ٣٠ كيلو مترا هى طول البحيرات المرة، وتحديد مسئوليات القادة، لتجنب عيوب ترك تلك المساحة خالية شرق القناة مما جعل العدو يستغلها بحرية تامة.
وطبقا لكلمات اللواء عبدالمنعم واصل، فقد تم استقطاع قوات محددة من القوات الرئيسية، بهدف حصار قوات العدو ومنعها من التوسع في أى اتجاه وهى كالآتي:
١- اللواء المغربى في منطقة بير عديب على خليج السويس لمنع العدو من التوسع جنوبا.
٢- اللواء المدرع الجزائرى ومعه اللواء السادس ميكانيكى والكتيبة ٣٣٩ ميكانيكية من اللواء ١١٣ ميكانيكى تحتل النطاق الدفاعى الثانى للجيش الثالث من جبل عتاقة وحتى المدقات ١٢ و١٣و ١٤.
٣- اللواء ١٨ ميكانيكى من الفرقة ٢١ المدرعة ومعه اللواء ١٨٢ مظلات (البعض يطلق عليه اللواء ١٥٠) واللواء ١١٦ ميكانيكى تحتل المنطقة شرق جبل شبراويت إلى جنوب الإسماعيلية.
حددت خطة «العملية شامل ٢» مهاجمة القوات الإسرائيلية في الغرب من ٥ محاور محددة، ويمكن استنتاج نتائج المعركة وفق أوضاع القوات المتحاربة في ذلك الوقت.
المرحلة الأولي: تصفية.. القوات الإسرائيلية غرب القناة
١. الاتجاه الأول ضربة من الجانب الأيمن لرأس كوبرى الفرقة ١٦ (من الشرق) في اتجاه جنوب غرب، بهدف إغلاق ثغرة الاختراق من الشرق وتصفيتها، ومن المتوقع أن يقوم بهذه الضربة اللواء ٢٢ مدرع، والذى ألحق على الفرقة ١٦ مشاة بالتدريج من الفرقة الثانية مشاة نظرا لتحرج موقف الفرقة ١٦ مشاة طوال أيام القتال في الثغرة.
ونظرا لتوقع إسرائيل مثل هذا الهجوم فإنه كان من المتوقع ألا يكون ناجحا ١٠٠٪ نظرا لوجود عدد كبير من المدرعات الإسرائيلية تقاتل في معركة حياة أو موت لعدم غلق المحور المؤدى إلى غرب القناة، ولكنه كان من المحتمل أن يضع القوات المصرية في موقف أحسن كثيرا، لتهديد محور الإمداد الإسرائيلى الهام، ومن ثم تقليل أو تعطيل جزء كبير من تلك الإمدادات.
٢. الاتجاه الثانى ضربة على محور أبوسلطان، في اتجاه الدفرسوار، لتصفية قاعدة الثغرة التى يرتكز عليها إمدادها من الشرق إلى الغرب «نطاق عمل مجموعة شارون»، وتقوم بتلك المعركة الفرقة ٢١ المدرعة والمكونة من ٢٥٠ دبابة تقريبا، مقابل مجموعة شارون المدرعة المكونة من عدد مماثل تقريبا، وكان من المتوقع أن تكون تلك معركة تكسير عظام بشكل رهيب، حيث إن شارون ليس لديه القدرة على المناورة بقواته في تلك المنطقة الضيقة، لذا سيكون دفاعه بالمواجهة مع الدبابات المصرية التى تتوجه إلى نقطة الدفرسوار الرئيسية لتدمير الجسر وعزل القوات الإسرائيلية تماما شرق القناة، وكان مخططا أيضا أن تقوم عناصر الصاعقة بالضغط على قوات شارون من تجاه الإسماعيلية لتثبيت جزء من قواته لتسهيل مهمة الفرقة ٢١ المدرعة، ومن ناحية أخرى فإن معرفة الفرقة ٢١ الواسعة لأرض المعركة المتوقعة كانت ستشكل عاملا في اختيار محاور الهجوم الثانوية للوصول إلى الأهداف مع استخدام وحدات المشاة الموجودة باللواء ١٨ ميكانيكى من الفرقة ٢١ في اكتساب أراض والتمسك بها.
وتكون الفرقة ٢٣ ميكانيكى نسقا ثانيا للفرقة ٢١ المدرعة لتعزيز هجومها والتدخل في حالة أى طارئ يستوجب ذلك.
٣. الاتجاه الثالث ضربة على محور طريق جنيفة، في اتجاه البحيرات المرة الصغرى، لتصفية القوات الموجودة من فايد وحتى منطقة الجناين، وتقوم بها الفرقة الثالثة مشاة ميكانيكى بهدف عزل قوات الجنرال شارون عن قوات الجنرال ادان وقوات الجنرال ماجن في الجنوب، ونظرا لوجود زراعات كثيفة بتلك المناطق تم اختيار الفرقة الميكانيكية الثالثة لكى تستطيع وحدات المشاة الانتشار في الزراعات، وتكوين خطوط دفاعية محمية في حالة وجود هجوم مضاد من الجنوب أو من الشمال، وتلك المهمة كانت ستكون أسهل المهام في الخطة حيث إن تلك المناطق التى كانت ستتحرك لها الفرقة الثالثة كانت ضعيفة الدفاع الإسرائيلى من حيث إن مساحة الأرض المحتلة من جانب القوات الإسرائيلية كانت كبيرة جدا مقارنة بحجم القوات الموجودة بها، لذلك كان من السهل تجنب أماكن تمركز القوات الإسرائيلية والتحرك في محاور شبه خالية لتحقيق هدف قطع وعزل القوات الإسرائيلية عن بعضها البعض، وقوات الجنرال ماجن هى القوات المتواجدة بتلك المنطقة، وهى قوات جديدة لم تشارك في معارك كثيرة وخبرتها بالأرض منعدمة.
٤. الاتجاه الرابع ضربة على محور طريق السويس، طريق ١٢ (الضربة الرئيسية)، لتصفية القوات الموجودة من الشلوفة وحتى السويس، وفك حصار السويس، وتقوم بها قوات الفرقة الرابعة المدرعة في مواجهة فرقة ادان مباشرة، وهى أيضا معركة تكسير عظام، وهدفها الدعائى فك الحصار عن السويس.
ويمكن توقع أن الفرقة الرابعة المدرعة كانت قد تتمكن من فتح طريق للسويس وفك الحصار عنها، لكن في نفس الوقت لا يمكن الادعاء بقدرتها الكاملة على تدمير فرقه ادان المقاتلة والخبيرة بالحرب والمتمرسة على القتال من أول يوم قتال.
وتكون فرقة المشاة المكونة حديثا من لواء جزائرى ووحدات كويتية وسودانية هى النسق الثانى للفرقة الرابعة المدرعة.
٥. الاتجاه الخامس ضربة على المحور الساحلى الموازى لخليج السويس من الجنوب إلى الشمال، لتصفية القوات الموجودة جنوب السويس وفى الأدبية، وهى ضربة ثانوية يقوم بها اللواء المغربى بهدف فتح طريق إمداد جنوبى لمدينة السويس، وأيضا تثبيت قوات إسرائيلية لتأمين جنب الفرقة الرابعة المدرعة في هجومها، ويمكن توقع نجاح هذا اللواء في تحرير ميناء الأدبية والوصول لمشارف مدينه السويس من الجنوب.

الخطة شامل
الخطة شامل وضعت على أسس جيدة، فهناك الحشد للقوات في محاور محددة، وهناك تركيز لقوة الهجوم في تلك المحاور مما يزيد من فرص نجاحها في تنفيذ الأهداف الموكولة لها، كما أن القوات المصرية المدربة جيدا قبل حرب أكتوبر اكتسبت رصيدا هائلا من الخبرات طوال أيام القتال وأصبحت بتلك الخبرات قوات متمرسة على الحرب المتحركة، وعلى علم بالتكتيكات الإسرائيلية المتبعة، إلى جانب أن محاور هجوم القوات المصرية قصيرة وأهدافها قريبة ومعروفة ومدروسة جيدا، مما يعنى أن زخم الهجوم لن يحتاج إلى قوه صغيرة لصده، إنما يحتاج إلى قوات إسرائيلية كبيرة لوقف أى محور من المحاور.
«تناست إسرائيل المبدأ العسكرى الهام» إذا أردت أن تكون قويا في كل مكان، فستصبح ضعيفا في كل مكان (أى أنها أغفلت مبدأ الحشد للقوات، فمن الواضح أن المساحات التى اكتسبتها القوات الإسرائيلية للوصول إلى السويس والإسماعيلية انقلبت لتكون عبئا إداريا وعسكريا على القيادة الإسرائيلية، فاللواء المدرع الإسرائيلى المفترض أن يحتل مواجهة تصل إلى عشرة كيلو مترات مثلا، أصبح مكلفا بأن يكون على خط مواجهة لعشرين كيلو مترا، مما يعنى تواجد فواصل بين كتائبه مما يجعل قوة صده للهجوم تضعف إلى الثلث، فبدلا من أن تصد دباباته المائة تقريبا هجوما في قطاع ما، أصبحت قوة الصد ثلاثين دبابة فقط.
مما يعنى أن القوات المدرعة الإسرائيلية الموجودة في الثغرة والتى تتكون من ٣ مجموعات عمليات والتى تتكون من ٦ ألوية مدرعة بإجمالى ٦٠٠ دبابة تقريبا بالإضافة إلى لواء مظلات ولواءين ميكانيكيين، تلك الدبابات بدلا من أن يتم حشدها في مواجهة واحدة لصد هجوم مصري، استوجب تأمين مناطق الاحتلال الجديدة أن تكون تلك الدبابات موزعة على مواجهة كبيرة مما قلص من قوتها ومن تأثير هجماتها المضادة.
كما اعتمدت الخطة شامل على استغلال عيوب الموقف العسكرى الإسرائيلي، فغلق ممر الهروب الوحيد للقوات الإسرائيلية والمتمثل في الجسر الحجرى على قناة السويس كان من أولويات الخطة المصرية، ولتتحول القوات الإسرائيلية إلى رهينة في يد القوات المصرية وتفاوض في تسليمها، حيث أوكل لتلك النقطة الحيوية الفرقة ٢١ المدرعة واللواء ٢٢ مدرع شرق القناة مع دعم كامل من مدفعية الجيش الثانى وعناصر الصاعقة والمظلات.

كذلك غلق ممر الهروب والإمداد الإسرائيلى الضيق في الدفرسوار كفيل جدا بجعل باقى القوات الإسرائيلية غير جادة في القتال لعدم وجود موارد للقتال (أود أن أذكر هنا أن جميع مخازن الوقود والذخيرة الإسرائيلية غرب القناة كانت هدفا لعناصر الصاعقة المصرية في حرب الاستنزاف الثانية) مما يجعل مخزون الذخيرة والوقود اللازم للقتال يعتمد اعتمادا كليا على الإمدادات من شرق القناة.
لم يكن هناك ما يشير إلى توقيت الهجوم، ويُعتقد أنه كان سيكون في منتصف اليوم لإتاحة الوقت الكافى في النهار لوصول الدبابات المصرية غير المتمرسة على القتال الليلي، لوصولها لأهدافها، واستغلال الليل في نشر قوات المشاة الميكانيكية والصاعقة لنصب كمائن للقوات الإسرائيلية المتوقع لها الهجوم مع صباح اليوم التالي، خاصة أن وضع الطيران المصرى أفضل بكثير من وضع الطيران الإسرائيلي، فرغم خسائر الطيران المصرى الكبيرة مع بدء الثغرة والتخلف التكنولوجى للطائرات المصرية كما وكيفا، فإن وجود المطارات المصرية بالقرب من خط الجبهة كفيل بطيران تلك الطائرات على ارتفاع منخفض مع وجود مخزون كاف من الوقود للبقاء فوق الهدف الذى لا يبعد عن أقرب مطار أكثر من ٣ دقائق طيران، مما يعنى تواجد أكثر للطائرات المصرية لدعم القوات البرية.
مع ارتداد حائط الصواريخ واستعادته لخطورته المعهودة على النسق الثانى غرب القناة سيمكن القوات البرية المصرية من التعامل مع قوات الثغرة الإسرائيلية بدون تدخل كثيف للطيران الإسرائيلي.
وفك حصار السويس وفتح الطريق للجيش الثالث له هدف إعلامى ومعنوى فقط للجيش والشعب المصري.
لذلك اعتقد العسكريون أن دفع الفرقة الرابعة المدرعة لفك الحصار عن السويس سيكون هجوما متوقعا جدا، ومن المتوقع أن يحشد الجنرال ادان دباباته غرب السويس لصد الفرقة الرابعة، وكانت ستكون معركة رهيبة جدا لو تمت والخسائر كانت ستكون عالية وغير قابلة للحصر، وفى رأى الخبراء أن وضع الفرقة الرابعة كنسق ثان لدعم الفرقة الثالثة ميكانيكية في هجومها تجاه فايد لعزل فرقه الجنرال ادان في الجنوب وحصارها سيكون أقل خطورة وأكثر فائدة وأكثر مفاجأة.

سر الخطة شامل 
كان لتدخل وزير الخارجية الأمريكى بقوة دور لوقف تنفيذ تلك الخطة، وهذا ثابت في مذكراته الشخصية، وفى كتاب اللواء كمال حسن على ((مشاوير العمر – أسرار وخفايا ٧٠ عاما من عمر مصر)) في صفحة ٣٣٤ يقول: وهكذا انقلبت الثغرة الإسرائيلية إلى مصيدة، حتى إنه مع مجيء كسينجر إلى مصر في الأول من نوفمبر ١٩٧٣، لخص له الرئيس السادات الموقف قائلا، أنا عندى ٨٠٠ دبابة وإسرائيل لها ٤٠٠ دبابة وعندى صاروخ ونص لكل دبابة إسرائيلي، والإسرائيليون محصورون في منطقه عرضها ٦.٥ كيلومتر شرق القناة وإذا أغلقناها فإن القوات الإسرائيلية مقضى عليها بلا جدال.
وجاء رد كسينجر بأنه يعلم حقيقة الموقف، وقد زوده البنتاجون بصور أقمار صناعية تظهر استرداد حائط الدفاع الجوى لفاعليته وصور الـ ٨٠٠ دبابة والمدافع الخ.

وكان من بين ردود كسينجر: هل تعتقد أن الإدارة الأمريكية ستتركك تعمل هذا؟
ولو درسنا ذلك التصريح لأدركنا أن أمريكا مدركة تماما الوضع الحقيقى للقوات الإسرائيلية غرب القناة والمتمثل في:
١- انخفاض معنويات الجنود الإسرائيليين جراء الخسائر المستمرة وعدم تحقيق أهدافهم من الثغرة.
٢- فشل إسرائيل في تركيع الجيش الثالث.
٣- حاولت إسرائيل اللعب بورقة أن الجيش الثالث رهينة في يدها، وأذاعت صور قوافل الإمداد التى تتحرك في حماية قوات الأمم المتحدة، ونشرتها على أنها تمن على مصر بتلك الإمدادات الضئيلة رغبة منها في كسر معنويات الشعب المصرى وهو ما لم يحدث وفشلت إسرائيل فيه.
٤- فشلت إسرائيل في احتلال السويس واكتساب مجد إعلامى كبير.
٥- عامل الوقت أصبح ضد إسرائيل بكل المقاييس، فقواتها تتعرض للاستنزاف يوما بعد الآخر، والقوات المصرية تستعيد تماسكها غرب القناة وتتحول إلى قوة مدرعة كبيرة تهدد إسرائيل.
٦- أصبح خروج القوات الإسرائيلية من مأزق الثغرة أمرا لا بديل عنه لكن كيف؟ كيف تنسحب القوات الإسرائيلية بدون خسائر، لتستمر في الترويج لهذا النصر الزائف وتلك المعركة التليفزيونية.
٧- إن تنفيذ الخطة شامل كاف جدا لتعريض القوات الإسرائيلية لمذبحة كبيرة غرب القناة.
لذلك تدخل وزير الخارجية الأمريكى اليهودى كيسينجر، مطالبا مصر وبكل قوة ألا تنفذ تلك الخطة لكن كيف؟
استثمر كيسنجر اجتماعات الكيلو ١٠١ في عقد اتفاقية فض اشتباك أولي، تلاها اتفاقية فض اشتباك ثانية، والتى بموجبها انسحبت القوات الإسرائيلية من غرب القناة تماما في ١٤ يناير ١٩٧٤ وعلى مدى أربعة أيام فقط إلى شرق المضايق، مبتعدة ٤٠ كيلو مترا عن الحد الرئيسى للقوات المصرية شرق القناة، وفى مقابل ذلك وافقت مصر على تخفيض القوات المصرية شرق القناة. ويقول اللواء معتز الشرقاوى عن فترة الحصار والتى امتدت مائة يوم كامل، إنه فور إعلان اتفاقية فض الاشتباك وانسحاب القوات الإسرائيلية لشرق القناة، شاهد المئات من طلقات الإشارة في سماء غرب السويس، فقد أطلق الإسرائيليون كل ما يحملون من طلقات إشارة - تشبه الألعاب النارية - في سماء المنطقة ابتهاجا بخروجهم من الثغرة أحياء، وتعانقت تلك الألعاب النارية مع مئات الطلقات النارية التى أطلقها نفس الجنود في السماء على امتداد منطقه الثغرة من الإسماعيلية إلى السويس والتى امتدت لساعات طويلة، فقد أحسوا بأنهم قد تم إنقاذهم. فهل هذا تصرف قوة عسكرية متماسكة تحاصر الجيش الثالث؟ أم أنه تصرف قوات منهزمة نفسيا لأنها تعرف المأزق الذى تم زجها فيه بدون وعى أو دراسة لمجرد الهالة الإعلامية والمجد الدعائى لجنرالات إسرائيل.
من يعرف إسرائيل، يعرف أنها لا تتنازل عن شبر من الأرض بدون مقابل أمامه.
فلماذا إذن انسحبت القوات الإسرائيلية من الثغرة، ومن خط المواجهة مع الجيش الثانى والثالث شرق القناة لتعود إلى شرق المضايق.

وفى كتاب اللواء كمال حسن على «مشاوير العمر – أسرار وخفايا ٧٠ عاما من عمر مصر»، يلخص لنا سبب انسحاب إسرائيل من وجهة نظر محارب ومدير سلاح المدرعات، أى أنه من المطلعين على أدق التفاصيل في تلك الفترة العصيبة من تاريخ الصراع:
قائلا: «لا يمكن لأحد أن يدعى أن إسرائيل قبلت وقف إطلاق النار الثانى يوم ٢٥ أكتوبر ثم الانسحاب إلى شرق المضايق بسبب رغبتها في السلام، الحقيقة أن إسرائيل لم تقبل ذلك إلا تحت شبح التهديد داخل مصيدة الثغرة».
والحقيقة أن الثغرة والجيب الإسرائيلى غرب القناة لم يحقق أمل القادة الإسرائيليين في قلب نتيجة الحرب لأسباب عديدة، منها أن الخسائر الإسرائيلية المعلنة وصلت إلى ٤٠٠ قتيل و١٢٠٠ جريح، وإن كانت حقيقة الأمر أكبر من ذلك بكثير.
ومن ضمن الأسباب أيضا أن الفرصة أتيحت للقوات المصرية خلال فترة توقف إطلاق النار لإعادة تنظيم قواتها وإمدادها بحيث أصبحت من القوة بحيث لا تتيح للجانب الإسرائيلى توسيع رقعة الثغرة أو الانسحاب منها.
وبلغ حجم القوات المصرية حول الثغرة خمس فرق منها فرقتان مدرعتان، و٣ فرق ميكانيكية فكانت مقارنة القوات لصالحنا بنسبه ١:٣ في المشاة، و١:٦ في المدفعية و١:٢.٥ في الدبابات.