الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

محافظات

البدري فرغلي يكشف لـ«البوابة نيوز» أسرارًا تنشر لأول مرة عن حرب أكتوبر

البدري فرغلي خلال
البدري فرغلي خلال حواره لـ"البوابة نيوز"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
توليت قيادة كتيبة حى العرب لحماية وتأمين شاطئ بحيرة المنزلة.. ووجدت أصابع الجنود ممسكة بالمدافع برغم تفحم أجسادهم
أطلقنا الرصاص على الطائرات حتى نجبرها على الصعود عاليًا فتصطادها مدافع الجيش
كنت مسئولًا عن 500 شاب من بورسعيد المهجرين بالمنصورة.. والقنابل الزمنية أحاطت بنا بعد قصف العدو للمدينة
تبرعنا بـ500 كيس دم في ساعة واحدة يوم 6 أكتوبر.. ورممنا ممرات مطار «شاوة» ثلاث مرات حتى تقرحت أيدينا

يظن البعض أن البدرى فرغلي، عضو مجلس الشعب السابق عن محافظة بورسعيد لمدة 4 دورات، ورئيس اتحاد أصحاب المعاشات الحالي، يتلخص تاريخه في حب الوطن ونضاله من أجل حقوق العمال ومحدودى الدخل وأصحاب المعاشات، إلا أن له تاريخا حافلا بالبطولات وذكريات، هو شاهد عيان عليها خلال عدة حروب شهدتها مصر بالعصر الحديث خاصة نكسة 1967 وانتصار أكتوبر عام 1973.



واسترجع المناضل البورسعيدى أبرز ذكرياته من النكسة حتى النصر، خلال لقاء «البوابة نيوز» معه، حيث قال: «كنت أنا والآلاف من شباب بورسعيد وأهلها مدربين على حمل السلاح، وكان لدينا تعليمات واضحة بتسليم أنفسنا إلى معسكر الحرس الوطنى عند نشوب الحرب، وفى يوم 5 يونيو عام 1967 - يوم النكسة - كنت أحد عمال شركة القناة للشحن والتفريغ العاملين على تفريغ سفينة محملة بالقمح، وفجأة شاهدنا طيران العدو الإسرائيلى يحلق فوق رؤوسنا، ثم يتوجه لضرب قاعدة بورسعيد البحرية، فأسرعت بتسليم نفسى إلى معسكر الحرس الوطنى أمام محطة اللنش في حى المناخ، وهناك سلمونا بدلة كاكى وبندقية بلجيكى نصف آلى، وتم تقسيمنا على 3 كتائب بأحياء: المناخ وبورفؤاد والعرب، وتوليت قيادة كتيبة حى العرب، التى تم تكليفها بحماية وتأمين منطقة شاطئ بحيرة المنزلة خلف مصنع الغزل، ومنطقة شاطئ البحر الواقعة خلف الاستاد، ومحطة مياه بورسعيد وترعة المياه في منطقة الرسوة ومحطة الكهرباء، وبالرغم من تغيير اسم كتائب المقاومة من الحرس الوطنى إلى اسم الدفاع الشعبى تحت شعار (قوات حماية الشعب)، إلا أننا ظللنا مسئولين عن حماية وتأمين نفس الأهداف، ولكن مع استبدال أسلحتنا ببنادق آلية».

وأكمل البدرى فرغلى حديثه بنبرة حزن قائلًا: «يوم النكسة كان مأساة، ولا أستطيع أن أنسى حتى اليوم مشهد انتزاعي لأصابع جنودنا البواسل من المدافع التى دمرها العدو، فقد تواجدت 7 مدافع مضادة للطيران على مدخل بحيرة المنزلة، وهاجمها طيران العدو الإسرائيلى بشراسة شديدة ليلا، بعدما كبدته المدافع ورجالنا الأبطال عدة خسائر، ولكن رجال الجيش المصرى لم يستسلموا ولم يتركوا مدافعهم وظلوا يتصدون للطيران بقوة وبسالة حتى استشهدوا جميعا وهم على مدافعهم، وعندما ذهبنا في الصباح لموقع المدافع لرفعها ونقلها من الموقع وجدت أصابع الجنود ممسكة بالمدافع بالرغم أن أجساد جنودنا كانت ما بين أشلاء أو متفحمة، وقمت باقتلاع الأصابع من المدافع، وهذا خير دليل على أنهم ظلوا يقاومون حتى آخر نفس في حياتهم، بعد تلك الواقعة تم إمدادنا بصواريخ ومدافع حديثة محملة على سيارات الدفع الرباعى (الجيب) وبدأت في إسقاط الطائرات الإسرائيلية التى كانت تحلق في سماء بورسعيد دون رادع، حتى نجحنا في قطع ذراع إسرائيل الجوى في سماء بورسعيد».
وأضاف: «كنا نطلق الرصاص على الطائرات حتى نجبرها على الصعود عاليا فتصطادها مدافع وصواريخ الجيش المصري، ولا أنسى يوم أن أسقطت قوات الجوية 17 طائرة من طائرات العدو الإسرائيلى في ملحمة يشهد لها العالم كله ومازالت تدرس في كتب التاريخ».

يوم النصر
وازدادت نبرة المناضل المصرى حماسًا وفخرًا عندما جاءت لحظة الحديث عن انتصار حرب أكتوبر وما تضمنه من بطولات له ولزملائه، وقال: «يوم 6 أكتوبر 1973 كنت مسئولًا عن شباب وطلاب بورسعيد المهجرين في مدينة المنصورة، وكنت أمينًا للشباب بمنظمة الشباب، وعندما حدثت حرب أكتوبر كان معى 500 شاب من طلاب الجامعات والمدارس الثانوية وشباب العمال من أبناء بورسعيد المهجرين بالمنصورة، وتبرعنا يومها بأكثر من 500 كيس دم في ساعة واحدة وأرسلناها إلى بنك الدم».
ويواصل: «يوم 8 أكتوبر تحديدًا كنا في مقر المنظمة فوق مقهى (أندريا) أمام كوبرى طلخا، وكانت قاعات المقر والسلالم والشوارع الجانبية تمتلئ بشباب بورسعيد ممن يريدون العودة إلى بورسعيد بأى طريقة للدفاع عنها، وأثناء وقت الغروب رن الهاتف الأرضى الوحيد بالمقر وكان على الخط الآخر محافظ الدقهلية الذى طالبنى بإعداد الشباب للنزول فورًا في جهة ستحدد لنا ونحن في الطريق، وجاءت 10 أتوبيسات سياحية زرقاء اللون وسيارات نقل محملة بمعدات وركبنا الأتوبيسات في طريقنا لمطار شاوة العسكرى جنوب المنصورة واستقبلنى هناك قائد القاعدة الجوية وطلب منى توزيع الشباب على الممرات وإزالة الأتربة وترميم الثغرات التى أحدثتها ضربات وقصف العدو للمطار وكذلك الفتحات التى تمت بفعل هجوم طائرات العدو».


عمليات شاقة
وتابع البدرى فرغلى حديثه عن حرب أكتوبر ودوره في ترميم مطار شاوة قائلا: «كانت عملية شاقة جدًا، فلقد كان طلاب الجامعات والمدارس الثانوية لم تتعامل أيديهم من قبل مع الفئوس والكواريك ولكنهم تحملوا وبذلوا أقصى ما في وسعهم بحماسة ووطنية عظيمة، وقبل الفجر كانت الممرات صالحة للاستخدام، وتم ترميم الثغرات وأخرجنا الطائرات من حظائرها والطيارين رفعوا بأصابعهم علامة النصر لنا قبل تحليقهم في الجو، وكان هتاف الله أكبر يلاحق الطائرات على الممرات، وأمرنا بعدها قائد المطار بأن ينسحب الشباب ويتم نقل المعدات اليدوية إلى سيارات النقل مرة أخرى، ففعلنا ذلك واتجهنا إلى المنصورة وبدلا من أن نذهب إلى منازلنا للاستحمام وتغيير ملابسنا التى لم تعد صالحة من العمل الشاق والأتربة ذهبنا إلى مقر المنظمة مرة أخرى، فلقد كان يوما مشهودا، وفى المساء وتحديدا عند الغروب أيضا رن الهاتف الأرضى الوحيد بالمقر مرة ثانية، وكنا نعلم قبل أن نرد أنه استدعاء جديد وكان ردى واضحًا قويًا حازما: (تمام يا فندم) بعدما طلب منى النزول فورًا إلى الأتوبيسات أمام المقر، فأسرعنا إلى الأتوبيسات بالرغم أننا لم نأكل - كيف نأكل والبيانات العسكرية تتوالى؟، ووصلنا مطار شاوة العسكرى مرة ثانية وكانت المسافة من المقر إلى المطار نحو من 5 إلى 7 كيلومترات، وهناك استقبلنا القائد وطلب منى سرعة توزيع الشباب، ونفذنا نفس العمل السابق، ولكن الغريب في الأمر وجود تلال من الأتربة الهائلة فوق الممرات نتاج ضربات قنابل العدو الإسرائيلي، وأزلناها جميعا بحماس باستخدام المعدات اليدوية، فلا يمكن لأحد أن يفكر أو يصدق ما فعلنا وكيف أنجزناه، فلو أتوا بالآلات الحديثة وقتها لا يمكن أن ينافسوا قوة وسواعد الشباب في إزالة الأتربة وإصلاح الثغرات، وقبل طلوع الفجر تم فتح الحظائر وخرجت منها الطائرات تسحبها سيارات (الجيب) من الداخل والطيارين ينظرون إلينا بنشوة وانتصار، ولم يتم إصابة طائرة واحدة منهم داخل (الدشم) فلقد كانت طائراتنا سليمة تماما وجاءتنا الأوامر بالانسحاب إلى داخل المدينة، فعدنا ولم نذهب أيضا إلى منازلنا وذهبنا لمقر منظمة الشباب في انتظار مهمة جديدة، ولحظتها كان لا بد أن نأكل لأن الإعياء بدأ يصيبنا، فتم تقديم بعض الأرغفة وعلب الأطعمة المحفوظة، فأكلنا جميعا وحضر بعض الأهالى للاطمئنان على أبنائهم الذين لم يعودوا إلى المنزل منذ عدة أيام، لكننا رفضنا الذهاب للمنازل لليوم الثالث على التوالى».

واستطرد «فرغلي» في حديثه: «جميعا حول الهاتف الأرضى وفور أن رن الهاتف نهض الجميع وبدءوا في الاستعداد للنزول والتوجه للمطار قبل أن أرد على الهاتف، وعند ردى أخبرنى الطرف الآخر بالنزول وركوب الأتوبيسات للتوجه إلى مطار شاوة العسكرى للمرة الثالثة، وعندما ذهبنا هناك كانت ضربات اليوم أقوى من الأيام السابقة ويبدوا أنهم استعانوا بقنابل حديثة أو أنواع أخرى من الصواريخ، فلقد كانت الممرات بها ضربات في كل مكان، حتى (دشم) الطائرات بها فتحات لكنها بحمد الله لم تصب أى طائرة، لقد كانت أيادى الطلبة من شباب بورسعيد بدأت تصاب بالتقرحات وتنزف منها الدماء بكثرة وتمزقت جلودها، فكانت تلك المرة الأولى التى يمسك هؤلاء الطلبة فأس أو كوريك فلقد كان القلم هو الوحيد الذى يلازمهم، أما اليوم فهو اليوم الثالث على التوالى الذى يستخدمون الفئوس والكواريك، وكان هذا اليوم بالنسبة لنا مأساويًا فلم ينجو شاب من إصابة يده أو من الآلام المبرحة التى يعانى منها، وأدينا نفس العمل وبقوة جبارة جاسمة داخل صدورنا، فلقد كانت صدورنا وطنية تمتلئ بمخزون وطنى لا يمكن لأحد أن يهزمه».
وأضاف: «أبلغنى قائد المطار أن هناك قنابل زمنية ألقتها طائرات العدو الإسرائيلي، وطلب منى عدم إخبار الشباب بهذا الأمر، لذلك كنت الوحيد الذى يعلم بوجود القنابل الزمنية، ولكن لم أخشاها ولم أتردد لحظة في استكمال عملي، فما أروعه من شرف أن نموت شهداء في سبيل الوطن، وقبل الفجر طلب منا القائد الانسحاب إلى مدينة المنصورة مرة ثالثة، ولكن هذا المرة كانت السيارات قد انسحبت قبل أن تقوم بإعادتنا إلى مقر المنظمة بالمنصورة، وكان وقتها عددنا كبيرا جدا نحو 500 شاب، وقمنا بالجرى بأقصى سرعة حتى وصلنا مدينة المنصورة، وتوجهنا للمقر مباشرة وفتحنا حنفيات المياه لتنظيف جروحنا وإزالة دمائنا، وأحضرنا أدوات طبية لإسعاف جراح أيدينا، فكانت لحظات صعبة جدا على الشباب والطلاب وهم يصرخون من الألم، وبالرغم من ذلك رفضنا الذهاب لمنازلنا خوفا من ألا نعود للمقر بسبب أجسادنا المتهالكة، وظللنا جالسين في انتظار مهمة جديدة حتى جاء وقت الغروب ولم يرن جرس الهاتف الأرضى فعلمنا أن لا مهمة اليوم وأن جيشنا العظيم يواصل إحكام قبضته وتقدمه، وبعدها بثلاثة أيام هجمت طائرات العدو على مدينة المنصورة وكانت أكبر معركة في سماء المنصورة وتم إسقاط معظم طائرات العدو وهربت البقية منها وانتصرت قواتنا الجوية في أكبر معركة واشتهرت بمعركة المنصورة».