الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إعدام فسقية بنها

صبري  الموجي
صبري الموجي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أمام المدخل الرئيسى لمحطة قطار بنها كانت هناك فسقية جميلة يتفجر من ينابيعها الماءُ فيخرج أبيض رقراقًا ذا خرير تطرب النفس لسماعه، كان رذاذ الماء يُداعب وجه من يقتربُ من هذه الفسقية، خاصة في ليالى الصيف الجميلة. التفت حول هذه الفسقية مقاعدُ، اعتاد المسافرون الجلوس عليها انتظارا لرحلاتهم، أو للسيارات التى تُقلهم إلى مواطنهم، فيستمتعون بمنظر الفسقية الخلاب، وصوت خرير الماء الذى تطرب له الأذن، ومداعبة الرذاذ في الأيام شديدة القيظ.
وفجأة طالت هذه الفسقية يدُ الإهمال، فرسمت عليها وجه القبح، فجفت ينابيعها، وغيض الماء فأمست يبابا ومقلبا للقمامة، وبعد أن كنا نرى فيها الماء أبيض شفافا، تلتف حوله العصافير لتأخذ منه بمنقارها الصغير، صرنا نرى بها علب الكشرى وزجاجات العصير الفارغة، وأكياس البلاستيك، وبقايا السجائر، وتهدمت المقاعدُ حولها وصار انتظارُ المُسافرين وقوفا.
أريد أن أقول إن عدوى الإهمال أينما حلت انتشر القبح، وشاهت الصور، مع أن مقاومة ذلك الإهمال، وما يتبعه من خراب لا تُكلف الكثير.
إن قليلا من الضمير، وبعض الرقابة من قبل المسئولين في مدينة بنها تحديدا، وكل محافظات الجمهورية بوجه عام يُعيد كل شيء إلى نصابه، والتبريرُ بقلة عمال النظافة مرفوضٌ، لأن عمال (البلدية) أكثر من الهم (ع القلب)، ولكن المشكلة الحقيقية في اعتياد العين رؤية القبح الذى أضحى مظهرا من مظاهر مجتمعنا، فكم من فسقيات للماء تعطلت وجف ماؤها، كم من مُتنزه استبيح وحل البوار فيه محل الخضرة، كم من شعار لمحافظة أو مدينة هُدم، أو بحاجة إلى نظافة وطلاء، كم من مدخل لمدينة أو قرية تكسرت طرقه، وانطفأت أعمدة إنارته، وصار خرابا يحتاج إلى نظافة وتشجير، كم من معلم سياحى طالته يدُ العبث، ولم يسلم من السرقات، كم من مخلفات وتلال من القمامة ألقيت على جانبى الطرق، بل غزت نهر الطريق حتى في شوارع العاصمة نفسها، كم من حيوانات نافقة ألقيت بماء النيل الذى هو هبة المصريين، كم من كذا وكم من كذا!
ما أريد تأكيده هو أن سيادة روح الأنامالية، والفوضى، والتزويغ من العمل، وانعدام الانتماء لهذا البلد، كفيلة بهدم هذا المجتمع واجتثاثه من شأفته، ولن تنجحَ معها عدالة حاكم أو مراقبة مسئول.
إن القضية بجانب رقابة المسئولين- يا سادة- هى قضية وازع حتى نعيدَ إلى مصر جمالها وحضارتها.
إننا بحاجة إلى تضافر الجهود بأن نهب زرافات ووحدانا لنعيد لمصرنا مجدها الذى كان، واضعين نصب أعيننا دولة كاليابان، بدأت نهضتها معنا وبرغم أنها فقيرةُ الموارد، قليلة الإمكانات، إلا أنها استطاعت- بإرادتها السياسية والشعبية، فضلا عن سيادة روح الانتماء بين المواطنين- أن تسبقنا بعشرات بل بمئات السنين.
وأخيرا أقول: أن تصل مُتأخرا ليس عيبا بل العيبُ ألا تصل مُطلقا، فلنشمر عن ساعد الجد ونقاوم كل قبيح حتى نستمتع بجمال بلدنا التى منحها الله هبات وإمكانات كثيرة لو أُعيد استثمارها؛ لصرنا أجملَ بلاد الدنيا كما كان، والتاريخُ شاهدٌ.