الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

تراثيات.. عبدالملك بن مروان يكشف عن أسباب صعوده للخلافة

لأديب أبوحيان التوحيدى
لأديب أبوحيان التوحيدى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ذكر الفيلسوف والأديب أبو حيان التوحيدى في كتابه «الإمتاع والمؤانسة» أن الوزير أبا عبدالله العارض وزير ابن عضد الدولة البويهي، سأله في الليلة العشرين التي سامره ونادمه فيها،أن يكتب له جزءًا من الأحاديث والقصص الفصيحة والمفيدة، فذكر له قصة مالك بن عمارة اللخمي مع الخليفة عبدالملك بن مروان قبل توليه الخلافة وبعدها، والتي يكشف فيها "ابن مروان" عن السمات الذاتية التي تمتع بها وصعدت به إلى تولية الخلافة.
قال "التوحيدي": قال مالك بن عمارة اللخمي: كنت أجالس في ظل الكعبة أيام الموسم عبد الملك بن مروان وقبيصة بن ذؤيب وعروة بن الزبير، وكنا نخوض في الفقه مرةً وفي الذكر مرةً وفي أشعار العرب وآثار الناس مرةً، فكنت لا أجد عند أحدٍ منهم ما أجده عند عبد الملك بن مروان من الاتساع في المعرفة والتصرف في فنون العلم والفصاحة والبلاغة، وحسن استماعه إذا حُدِّث وحلاوة لفظه إذا حدَّث، فخلوت معه ذات ليلة..
فقلت: ولله إني لمسرورٌ بك لما أشاهده من كثرة تصرفك وحسن حديثك وإقبالك على جليسك. 
فقال: إنك إن تعش قليلًا فسترى العيون طامحة إليَّ والأعناق قاصدةً نحوي، فلا عليك أن تُعمل إليَّ ركابك. 
فلما أفضت إليه الخلافة شخصت أريده، فوافيته يوم جمعة وهو يخطب الناس فتصديت له، فلما وقعت عينه عليَّ بَسَر "أي كشر" في وجهي وأعرض عني.
فقلت: لم يُثبتني معرفةً ولو عرفني ما أظهر نُكرة. 
لكنني لم أبرح مكاني حتى قُضيت الصلاة ودخل، فلم ألبث أن خرج الحاجب إليَّ.. 
فقال: مالك بن عمارة. 
فقمت فأخذ بيدي وأدخلني عليه، فلما رآني مد يده إليَّ..
وقال: إنك تراءيت لي في موضع لم يجُز فيه إلا ما رأيت من الإعراض والانقباض، فمرحبًا وأهلًا كيف كنت بعدنا؟ وكيف كان مسيرك؟ 
قلت: بخير، وعلى ما يحبه أمير المؤمنين. 
قال: أتذكر ما كنتُ قلتُ لك؟ 
قلت: نعم، وهو الذي أعملني إليك. 
فقال: ولله ما هو بميراثٍ ادَّعيناه، ولا أثرٍ وعيناه، ولكني أخبرك عن نفسي خصالًا سَمَتْ بها نفسي إلى الموضع الذي ترى: مالاحيت ذا ودٍّ ولا ذا قرابة قط، ولا شمتُّ بمصيبة عدوٍ قط، ولا أعرضت عن محدثٍ حتى ينتهي، ولا قصدت كبيرةً من محارم لله متلذذًا بها وواثبًا عليها، وكنت من قريش في بيتها ومن بيتها في وسطه، فكنت آمل أن يرفع لله مني وقد فعل، يا غلام بوئه منزلًا في الدار.
فأخذ الغلام بيدي وقال: انطلق إلى رحلك. 
فكنت في أخفض حال وأنعم بال، وكان يسمع كلامي وأسمع كلامه، فإذا حضر عَشاؤه أو غداؤه أتاني الغلام وقال: إن شئتَ صرتَ إلى أمير المؤمنين فإنه جالس. 
فأمشي بلا حذاء ولا رداء فيرفع مجلسي، ويقبل على محادثتي، ويسألني عن العراق مرة وعن الحجاز مرة، حتى مضت لي عشرون ليلة، فتغديت عنده يومًا فلما تفرق الناس نهضت للقيام..
فقال: على رسلك أيها الرجل، أيُّ الأمرين أحب إليك: المُقام عندنا ولك النَّصَفة في المعاشرة والمجالسة مع المواساة، أم الشخوص ولك الحباء والكرامة؟ 
فقلت: فارقت أهلي وولدي على أن أزور أمير المؤمنين، فإن أمرني اخترت فِناءه على الأهل والولد. 
قال: بل أرى لك الرجوع إليهم، فإنهم متطلعون إلى رؤيتك، فتجدد بهم عهدًا ويجددون بك مثله، والخيار في زيارتنا والمقام فيهم إليك، وقد أمرنا لك بعشرين ألف دينار وكسوناك وحملناك، أتُراني ملأت يدك أبا نصر؟ 
قلت: يا أمير المؤمنين، أراك ذاكرًا لما رويت عن نفسك.
قال: أجل، ولا خير فيمن ينسى إذا وعد.. ودِّع إذا شئت صحبتك السلامة.