الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"الجوهري" يطرح مبادرة ثقافية جديدة في الملتقى الثقافي الصيني المصري

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نظمت السفارة الصينية بمقر المركز الثقافي الصيني بالجيزة، ملتقى الثقافة المصري الصيني في محاولة لتقييم المنجز الثقافي على ضفاف طريق الحرير الجديد، وذلك أمس الخميس.
مثَّل الجانب الصيني في اللقاء وفدًا ثقافيًا على رأسه "تشين فونج" نائب رئيس الأكاديمية المركزية الصينية للإدارة الثقافية التي تقع بالعاصمة الصينية بكين.
في حين وجهت الدعوة لعدد 15 مبعوثا مصريا مختارا من بين المئات الذين زاروا الأكاديمية الصينية على مدى الفترة من 2012 وحتى 2019، وكان على رأس جدول الملتقى تطوير البرامج الثقافية التي تطرحها الصين من خلال الأكاديمية للتعاون مع الدول المشاركة على امتداد طريق الحرير الجديد، والحوار حول مستقبل البعد الثقافي للطريق وتطوير آلياته من خلال مصر والصين.
استهل الملتقى ممثلة المركز الثقافي الصيني بالمشاركين ووفد الأكاديمية، معبرة عن حفاوة سعادة الملحق الثقافي والسفير الصيني بالحضور، ثم بدأ اللقاء بحديث الوفد الصيني وكلمة نائب رئيس الأكاديمية والعضوتين الممثلتين لإدارة الأكاديمية المصاحبتين له، ثم انتقل النقاش إلى الجانب المصري حيث طرح المشاركون تصوراتهم الأفق الثقافي المصري الصيني المشترك.
وكان من ضمن المدعوين للملتقى من الجانب المصري الدكتور حاتم الجوهري المشرف على المركز العلمي للترجمة بالهيئة المصرية العامة للكتاب، الذي قدم مبادرة استعرض خلالها أهم نقاطها في اللقاء وحملت المبادرة عنونا: "مبادرة تبادل المزيج الثقافي بطريق الحرير".
وهذا هو نص المبادرة المكتوبة التي طرحها الجوهري على الجانب الصيني المشارك في اللقاء
"يأتي دخول مشروع طريق الحرير الجديد للنور في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، عقب ثلاث تحولات كبرى على الصعيد الدولي والثقافي، وهى سقوط الاتحاد السوفيتي في أوائل تسعينيات القرن الماضي، ثم ظهور حركة العولمة الثقافية وسيادة النمط الأمريكي ثقافيا، وأخيرا ظهور حركة ثورات الربيع العربي بحثا عن الذات، لتكتمل التحولات وتصل لذروتها في القرن الجديد بظهور مشروع طريق الحرير الجديد وظهور الصين كمركز ثقل دولي صاعد، يمد أواصر التعاون نحو وأفريقيا وآسيا وأوروبا أيضا وغيرهم رافعا شعارات التعاون والصداقة والمحبة، وقد شرفت مصر والدول العربية بالمشاركة في العديد من الفعاليات الاقتصادية والثقافية لطريق الحرير الصيني، ومنها الزيارة التي تمت لدراسة التجربة الصينية الجديدة ومن خلال الثقافة وموقعها في الحلم الصيني الجديد، واستضافة مبعوثين مصريين للدراسة في "الإكاديمية المركزية للإدارة الثقافية" في العاصمة بكين خاصة فيما يتعلق بـ"اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي" والتجربة الصينية الرائدة في هذا المجال، والأهم مد أواصر التعاون المشترك لأن الثقافة هى ما يمكن أن تضفي على طريق الحرير الجديد روحه الحضارية المشتركة والآملة.
خاصة في مواجهة التوظيف سيئ السمعة للثقافة في المشروع الغربي خلال القرن العشرين، حيث تقف الثقافة في طريق الحرير الجديد بين مصر والصين وباقي دول الطريق أقرب لمفهوم دبلوماسية "تبادل المزيج الثقافي" عن فكرة الاحتواء والغزو الثقافي التي مارستها المدرسة الغربية، وأعتقد أن هذا المفهوم الأوروبي يجب تجاوزه والمبادرة منا برؤية حضارية جديدة لا تتبنى الهيمنة، وتحترم المساحات الخاصة بكل الثقافات البشرية وتقبل تجاورها كسمة طبيعية لمجموعة الدول المشاركة في مشروع طريق الحرير، وفي إطار التفاعل والتعارف والبحث عن المشترك قدر الإمكان، لا فرض النمط وهيمنته، وهذا لب تصوري لمفهوم مصري جديد لـ"دبلوماسية ثقافية" تحتضنه مبادرة طريق الحرير في جانبها الثقافي وتروج له وتتبناه تحت مسمى: "دبلوماسية تبادل المزيج الثقافي".
فقد اعتبرت العديد من الدول الغربية مفهوم "الدبلوماسية الثقافية" أحد منصات فرض النفوذ والهيمنة الناعمة، في حين حاولت اليونسكو كمنظمة أقرب للاستقلالية تقديم مفهومها الخاص عن "الثقافة العالمية" في تصور مضاد له، مخصصة الموارد لكيفية حفاظ كل دولة على تراثها الثقافي اللامادي أو ما يمكن أن نسميه "المزيج الثقافي" المتفرد لكل دولة وفق "مستودع هويتها" الخاص، حيث لكل دولة مزيجها وظروفها الخاصة التي تمنحها هويتها الثقافية المتفردة.
في هذا السياق يجب أن تقوم مبادرة طريق الحرير والدول المشاركة فيها على خلق مركز عالمي جديد وبديل جاد للمركز الأوربي/ الأمريكي بشكل ما، وخلق مراكز مجاورة ومتحاورة ومتفاعلة مع المركز الصيني الجديد قلب طريق الحرير والدول المشاركة به، وهو ما أرى أنه يتلخص في فكرة "دبلوماسية تبادل المزيج الثقافي"، التي تقوم على التعامل مع الآخر وفق فهم "المزيج الثقافي" الخاص به واحترامه والتعلم منه، ثم تقديم "المزيج الثقافي" الخاص بالذات له وفق مفهوم: الفهم والفهم المتبادل وبناء مساحة التواصل الإنساني المشترك والبحث عن "المشترك الثقافي"، كأرضية لتطوير معظم جوانب العلاقات الإنسانية المتعددة الأخرى على طول طريق الحرير.
ويجب هنا التوقف كثيرا عند تصور فهم الآخر في "دبلوماسية تبادل المزيج الثقافي" تلك على امتداد طريق الحرير الجديد، ففهم الآخر كفيل بتجاوز العديد من مساحات سوء النية أو افتراض نية السيطرة، ويقدم أهم أساسيات علم الاجتماع الإنساني وهو: احترام الآخر، احترام الآخر لا ابتلاعه والهيمنة عليه، وهو أساس لفكرة "دبلوماسية تبادل المزيج الثقافي"، ففي ظل العلاقات الدولية عندما تتعامل مع طرف ما فإن فهمك لتاريخه الثقافي و"مستودع هويته" كفيل بإعطائك معظم مفاتيح التعامل معه أيضا، وفق المشتركات والمحتملات الثقافية الممكنة، هو بالأساس يجب أن يكون ألف باء العلاقات الإنسانية والثقافية الجديدة في القرن الحادي والعشرين، هو مفتاح النجاح والفشل على المدى الطويل وليس على المدى القصير.
ومجالات هذا التبادل الثقافي تعمل في نطاق المقابلة والبحث عن مسار "العناصر الثقافية" المتمايز والمتباين نوعا فيما بين دول المبادرة وكل دول العالم أيضا، ثم البحث في وسائل دمجه والمزاوجة بين الطريق الخاص بكل دولة والتجاور بين تلك العناصر الثقافية المتقابلة والتأكيد على المزاوجة والدمج.
مثلا يمكن القول أن عنصر "الورق وصناعته" يصلح كأساس في "دبلوماسية تبادل المزيج الثقافي" القائمة على احترام الآخر وفهمه بين مصر والصين، فسنجد أن مصر تملك تاريخها الخاص وما يوجد حوله من عناصر التراث الثقافي اللامادي في صناعة ورق البردي، كما تملك الصين تاريخا مماثلا في صناعة ورق الكتابة المماثل من سيقان البامبو وبعض المواد الأخرى، هنا يمكن المقابلة بين الورق ومنتجاته تاريخيا كعنصر ثقافي تقابلي بين مصر والصين، والبحث في فنون دمج كل منهما واستعراض تاريخ كل منهما وعمل المعارض لذلك وتحويله إلى صناعة إبداعية تحافظ على ذلك العنصر الثقافي بين البلدين.. ويمكن أن يتم ممارسة فن الخط الصيني على ورق البردي المصري، ويتم ممارسة فن الخط العربي والمصري القديم على الورق الصيني كنوع من تبادل المحبة والمزج الثقافي.
والمثال نفسه ينطبق على الطب الشعبي الصيني والمصري وعادات وطرق كل منهما، فيمكن استعراض الطرق المتقابلة في كل موروث وتبادل اختبار كل وصفة وأثرها في الموضوع نفسه، يمكن أن ينطلق ذلك لمجال فنون الأداء في مهرجانات لإعادة تمثيل التصور الشعبي لعنصر ثقافي ما في مجموعة من الثقافات، فيمكن مثلا لمصر أن تعقد مهرجانا ما بين قارات العالم لعرض التصور الشعبي في شكل أداء تمثيلي لفكرة "الغول" أو "العفريت" أو "الروح الشريرة" وتمثلاتها عموما في ثقافة الصين وأفريقيا ومصر.
وعلى مستوى الغناء في عناصر "الدبلوماسية الثقافية" التقابلية، يمكن عقد المهرجان لأغاني أعياد الميلاد القديمة وما يصاحبها من طقوس واحتفالات راقصة بين مجموعة الدول العالمية في مهرجان خاص بالغناء وفنون الحركة، ويمكن تطبيق التقابل والمزج الثقافي في العديد من العناصر الثقافية الأخرى في فنون الأداء المهرجاني مثل: طقوس الحرب والتصالح في المجموعات القبلية المصرية والصينية.
وفي السياق نفسه يمكن عمل مهرجانات للطهي عن عادات الطبخ التقابلي لدى مصر والصين ودول مبادرة الحرير، في تعاملها مع المكونات الأساسية للحياة مثل اللبن ومنتجاته في كل ثقافة، أو اللحوم وطرق حفظها وطهيها التراثية في كل ثقافة، أو التمور وطرق حفظها والمنتجات المرتبطة بها في كل ثقافة، أو البحر وعادات الصيد وحفظ الأسماك في كل ثقافة، ويمكن التنويع بين مهرجانات البيئة الصحراوية وعناصرها، ومهرجانات البيئة الزراعية وعناصرها، ومهرجانات البيئة البحرية أو النهرية وعناصرها، ومهرجانات البيئة الجبلية وعناصرها.
وفي كل ما سبق يجب حضور المرونة والتعدد في ثلاثية: عرض، وحفظ، واستدامة تلك العناصر الثقافية بين مصر والصين والدول المشاركة في مبادرة طريق الحرير، و"الجمهور المستهدف" عند العرض، و"الجمهور المستهدف" في طرق الاستدامة والدمج في المجتمع المعاصر بتلك الدول.
وفي النهاية تبقى مبادرة طريق الحرير الجديد والدول المشاركة بها حلما طموحا وتحديا ثقافيا حضاريا بالأساس، وذلك لكي تنجح المبادرة في تجاوز مفاهيم الصراع الحضاري التي سبق وقدمها النموذج الغرب في القرن العشرين تجاه الآخر، وتبقى مصر والصين شريكان فإعلان أساسيان في المبادرة، لمنحها روحها الحضاري والثقافي المستمد من ثقلهما التاريخي وتجربتهما الإنسانية الطويلة، نحو عالم أكثر عدلا ومحبة وتسامحا وتعاونا تجاه الآخر."