الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"نظام الملالي" يشعل المنطقة بالهجوم على "أرامكو" السعودية.. طهران تستخدم وكلاءها في ابتزاز واشنطن وحلفائها.. الوساطة الأوروبية في مأزق.. تحذيرات من ارتفاع أسعار النفط.. وتوقعات باتفاق نووي جديد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تصاعد توتر العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في الفترة الأخيرة، على خلفية شروع طهران في إعادة تشغيل برنامجها النووى فيما يتعلق بتسريع عمليات تخصيب اليورانيوم، فضلًا عن البدء في رفع القيود المفروضة على عمليات البحث والتطوير داخل البرنامج النووى الإيرانى- بحسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

في المقابل، ردت الولايات المتحدة الأمريكية باحتمالية اللجوء إلى الخيار العسكري، في إشارة إلى فشل آلية العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل واشنطن.
ولجأت طهران من خلال استخدام النفوذ القوى لوكلائها في المنطقة، إلى الهجوم على المنشآت النفطية لحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة، وكان آخرها ما أعلنت عنه الرياض في ١٤ سبتمبر لعام ٢٠١٩، من السيطرة على حريقين وقعا في منشأتين تابعتين لشركة «أرامكو» النفطية شرقى السعودية بسبب استهدافهما بطائرات مسيرة.
وكانت لذلك تداعيات كبيرة، تمثلت في ارتفاع أسعار النفط بصورة كبيرة لأول مرة منذ حرب الخليج الثانية، واحتمالية تغير الموقف الأوروبى وسيما الوساطة التى تقوم بها فرنسا تجاه القضية النووية الإيرانية، وأخيرًا تصاعد وتيرة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

دوافع التصعيد الحالي
بدأت فكرة التصعيد بين الطرفين الأمريكى والإيرانى بالقرار الذى اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يتعلق بالخروج الأمريكى من الاتفاق النووى الذى عقدته مع دول (٥+١) في ١٤ يوليو ٢٠١٥، ما ترتب عليه فرض عقوبات جديدة أدت إلى تدهور حالة الاقتصاد الإيراني، على خلفية خروج عشرات الشركات الأجنبية متعددة الجنسية من السوق الإيرانية، وترك عدد كبير من المشروعات الاستثمارية.
من ناحية أخرى، اعترضت الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة دونالد ترامب، على عدم اشتمال الاتفاق النووى الذى تم عقده في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، على بند يحد من نفوذ إيران الإقليمي، الذى يهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة، وكان آخرها الهجوم على شركة النفط «أرامكو السعودية»، الذى أعلنت جماعة الحوثى اليمنية التابعة لإيران عن ضلوعها في القيام بالحادث، وأكدت أنه استهدف مصفاتين نفطيتين بـ ١٠ طائرات مسيرة.
وغالبًا ما تلجأ طهران لاستخدام تكتيكات الحرب غير المتكافئة، من خلال وكلائها في المنطقة لتعويض النقص في قدراتها العسكرية في مواجهة بعض القوى العظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض القوى الإقليمية مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية، كما سمحت لوكلائها بتعميق نفوذها في المنطقة والتغلغل بنزاعاتها في دول مثل (سوريا، العراق، اليمن).

الهجمات الإيرانية على ناقلات ومراكز النفط
استهدفت طهران خلال الفترة الماضية الكثير من الناقلات النفطية في مياه الخليج العربي، في إشارة إلى ضرورة مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال تهديد مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة؛ حيث تعرضت أربع شاحنات تجارية مدنية في ١٣ مايو لعام ٢٠١٩ لعمليات تخريبية بالقرب من الساحل الشرقى لإمارة الفجيرة بدولة الإمارات العربية المتحدة، فضلًا عن تعرض ناقلتين سعوديتين لهجوم تخريبى بالقرب من المياه الاقتصادية للإمارات، وتم توجيه أصابع الاتهام إلى النظام الإيراني، على خلفية رغبته في الرد على العقوبات الأمريكية التى تم فرضها على واشنطن في ذلك الوقت.
وطالما رغبت طهران في إثبات قدرتها على المواجهة وتمتلك المقومات اللازمة لذلك؛ حيث يعد الحرس الثورى الإيرانى والقوات التابعة له من أقوى التنظيمات العسكرية الموجودة في المنطقة، فضلًا عن المعدات العسكرية القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والتى تم استيراد الكثير منها في عهد الشاه محمد رضا بهلوي.
كما أشار العديد من الباحثين، إلى أن مثل هذه الأفعال المحدودة النطاق لا تعنى الكثير نسبيًا عند النظر إليه من خلال عدسة الأنماط التقليدية للسلوك العدائي، فعادة ما تكون الأفعال من هذا النوع غير ذات قيمة فيما يتعلق بالحصول على تنازلات من خصم كبير، ولكن بشكل عام قد تكون هذه الأعمال بمثابة دليل بارز على استعداد الدولة للشروع في تهديد آخر أكثر جوهرية، وهو ما يخص مصالح الولايات المتحدة الأمريكية ومصالح حلفائها في المنطقة بالنسبة للحالة الإيرانية، أو بمعنى آخر غلق مضيق هرمز بشكل عام.
تداعيات الهجمات الإيرانية على «أرامكو»
أقرت السلطات السعودية أن جماعة الحوثى اليمنية شنت هجمات بطائرات دون طيار على أكبر منشأة لمعالجة النفط في الرياض وحقل نفط كبير، ما أدى إلى اندلاع حرائق ضخمة ووقف نحو نصف الإمدادات من أكبر مصدر للنفط في العالم.
وأثارت هذه الهجمات الكثير من المخاوف بشأن إمدادات النفط العالمية، وحذر العديد من الباحثين من زيادة التوترات في جميع أنحاء المنطقة، وسط الأزمة المتصاعدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بسبب العقوبات المفروضة عليها بعد الخروج الأمريكى من الاتفاق النووى مع القوى العالمية.
ارتفاع أسعار النفط
أشارت بعض التقارير إلى توقف نحو ٥٠٪ من إنتاج شركة «أرامكو»، كما أدت الحرائق إلى توقف إنتاج ما يقدر بنحو ٥.٧ مليون برميل من إمدادات النفط الخام، وتم التأكيد أن الجزء المفقود سيتم تعويضه عن طريق المخزونات الاحتياطية؛ حيث تعد المملكة العربية السعودية هى أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، وتقوم بشحن أكثر من ٧ ملايين برميل من النفط إلى وجهات عالمية كل يوم.
ومن المتوقع أن ترتفع أسعار النفط في السوق العالمية نتيجة هذا الحادث؛ حيث أدت الهجمات إلى خفض نحو ٦٪ من إمدادات النفط في العالم، لكن التأثير سيتوقف على السرعة التى يمكن أن تستعيد بها أوبك الإنتاج مرة أخرى.
تغير الموقف الأوروبي
يمارس الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، دورا كبيرا للوساطة بين الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الإيرانى، فيما يتعلق بمأزق الملف النووى الإيرانى بين الدولتين؛ حيث اقترحت باريس تقديم ١٥ مليار دولار لإيران مقابل عودتها للالتزام بالاتفاق النووي.
كما يشير بعض المحللين إلى أن هناك اتفاقا نوويا جديدا، يتم التشاور عليه حاليًا بين إيران والدول الأوروبية، وبخاصة فرنسا، بما يتضمن وضع قواعد محددة لكل الملفات الشائكة بين الطرفين، والتى تتمثل في برنامج إيران الصاروخي، ودعم إيران لعملائها في المنطقة (مثل: حزب الله، الحوثيين)، ودور إيران في زعزعة الاستقرار في المنطقة بشكل عام، والحظر الاقتصادى على إيران، وأخيرًا قضية تغيير النظام الإيرانى ذاته.
ومن هنا، من شأن هذا الحادث أن يخفض من رغبة الدول الأوروبية لمساعدة طهران على الخروج من مأزق حالة التصعيد الحالية مع الولايات المتحدة الأمريكية المرتبطة بالاتفاق النووي، والاتفاق مع وجهة النظر الأمريكية الرامية إلى وضع طهران في حالة القدر الأقصى من الضغوط، من خلال حملات العقوبات الاقتصادية المفروضة، والتى من المقترح فرضها من قبل واشنطن وبعض الدول الأوروبية. وستؤدى السياسات الإيرانية إلى تزايد وتيرة عدم الاستقرار في المنطقة، بالتزامن مع الأزمات الكبيرة التى تمر بها منطقة الشرق الأوسط، خاصة منذ أحداث الربيع العربى في عام ٢٠١١ التى تمثلت في مجموعة من الانتفاضات الشعبية التى أدت إلى الإطاحة ببعض الحكام وصعود نفوذ عدد كبير من الوكلاء أو الفاعلين من غير الدول مثل (الحوثيين في اليمن، و«داعش» في العراق والشام). وعليه، باتت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تستخدم هؤلاء الوكلاء من خلال الدعم الاقتصادي، السياسى والعسكرى لتعظيم نفوذها في المنطقة وزيادة قدرتها على مواجهة أعدائها، سيما بعد الخروج الأمريكى من الاتفاق النووى وفرض مجموعة كبيرة من العقوبات التى أدت لتدهور حالة الاقتصاد وانخفاض مستوى معيشة المواطن الإيراني.