الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

سخسوخ.. تلميذ بريخت يرحل في هدوء

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فقد الوسط المسرحى واحدا من أهم أساتذة الدراما في الوطن العربي، صاحب تاريخ طويل حافل بالإبداع والمقالات النقدية النزيهة، له أكثر من خمسين مرجعًا، فكان يناقش أدق التفاصيل في مقالاته، وأحد تلاميذ الكاتب المسرحى الألمانى برتولد بريخت، وقد كان على صلة دائمة بعائلته، إنه الدكتور أحمد سخسوخ الذى رحل في هدوء تام، فجر أمس الأحد، عن عمر ناهز 72 عاما بعد صراع مع المرض. رثاه مجموعة من المثقفين والمسرحيين على رأسهم الدكتورة إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة قائلة: إن ميدان النقد المسرحى المصرى والعربى فقد أحد فرسانه، مشيرة إلى أن الراحل ترك إرثا ثمينا في فن المسرح والدراما سيبقى خالدا في تاريخ هذا المجال، بينما رثاه الفنان إسماعيل مختار، رئيس البيت الفنى للمسرح قائلا: إن المسرح المصرى خسر قيمة مسرحية كبيرة أثرت في أجيال متعاقبة من المسرحيين، إلى جانب مجموعة أخرى من زملائه وتلاميذه في معهد الفنون المسرحية بأكاديمية الفنون. 

*مسرحيون: تاريخ طويل في النقد المسرحى
قال الناقد المسرحى أحمد خميس، إن الناقد الدكتور أحمد سخسوخ واحد من أبرز نقاد المسرح في الوطن العربي، تتلمذ على يد تلاميذ الكاتب المسرحى الألمانى برتولد بريخت، وكان على صلة مباشرة بعائلة بريخت.
وأضاف خميس، أنه فور عودته من ألمانيا بدأ في برنامج تدريبى لطلاب معهد الفنون المسرحية والنقد تتناول المنهجية الحقيقية للمسرح في شكلة المتطور، والأفكار المغايرة لأرسطو، والمناهج البحثية المختلفة، نظرا لأنه كان تلميذا مباشرا للدراسات الجديدة لمارتن أسلن، ومتفتحا تماما بقدر هذا الوعي، نجح في في تمرير هذه المناهج لتلاميذه، وتوليد فكرة الدخول الصحيح حول تاريخ الدراما المسرحية، والعرض المسرحي، والبحث العلمي.
وأوضح خميس، أن سخسوخ كان يضع طلابه دائما أمام مسئولية مباشرة، من خلال مشاركتهم في عمل بحثى واحد، ويضع كل واحد منهم أن يعبر عن فهمه لطبيعة البحث المقدم، فكان ينمى في طلابه فكرة الجرأة الكافية بشكل علمى صحيح لمواجهة الجمهور، مؤكدا أنه أحد أهم المنظرين للدراما في أكاديمية الفنون، وكان واحدا من المسئولين عن الندوات الفكرية لمهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبي، ويجمع بين النقاد والمخرجين والكتاب الأجانب والعرب حول ندوات علمية مختلفة قد تحدث جدلا حول الأطر المنهجية في المسرح التجريبي، لديه أكثر من ٥٠ مرجعا، وقدم أكثر من عرض مسرحي، فهو بمثابة تاريخ طويل في النقد ومعلم يناقش أدق التفاصيل في مقالاته النقدية وكذلك مع تلاميذه. 

فيما أعرب المخرج المسرحى عمرو قابيل عن حزنه لرحيل الناقد الدكتور أحمد سخسوخ قائلا: لحظة الوداع عندما رحل عنا هذا المعلم والصديق أيضا، ليس المحزن والمؤلم بالنسبة لى هو رحيله فكلنا راحل، وكل من يرحل نتأثر لحظات لرحيله ثم تعود الحياة كما كانت وكأن شيئا لم يكن، ولكن المؤلم حقا هو حالة الوحدة والانزواء التى عاشها قبل رحيله، حيث رأيت في عينيه حين قابلته صدفة منذ عام نظرة حزن عميقة تشى بالألم من الوحدة وجحود الآخرين قائلا: «كلمنى يا عمرو وعرفنى أخبارك دايمًا».
وأضاف قابيل، أنه لم يشتك أبدا، وكانت عزة نفسه هى عنوان شخصيته التى منعته من ذلك، لم يشتك من الجحود ولا الوحدة ولا حتى المرض الذى كان ينهش في جسده، ولكنى تعرفت ذلك من نظرة عينيه، فقد كان صادقا شفافا تقول عيناه الصدق دائما حتى ولو كان على خطأ، لحظة لقائى الأخير به منذ عام في كافتيريا الهناجر، والآن فقط فهمت معناها فقد كانت لحظة الوداع.
وأوضح قابيل، أن الدكتور سخسوخ كان صداميا بعض الشىء، لدرجة كانت من الممكن تجعلك لا تتقبل أسلوبه أحيانا، وتجعل الكثيرين على خلاف معه أحيانا أخرى، ولكن الكل بلا استثناء- حتى الذين اختلفوا معه- يشهدون بأنه أبدا لم يكن منافقا، بل كان يمتلك قدرا من النبل ندر في هذا الزمان.

*الناقد الكبير يروى تفاصيل دفعة 1975 في «نبضات المسرح»
«نبضات المسرح» كتاب لفتحى العشري، صادر عن المكتبة الأكاديمية في ٢٠٠٩، يتناول هذا الكتاب مجموعة من قضايا المسرح، والعروض، والكتب، والمهرجانات، والشخصيات، وذلك في صورة مقالات، بالإضافة إلى مجموعة من الصور التوثيقية، هذه «النبضات» كتبت ونشرت في الأهرام على مدى سنوات، تضم ٣٠٩ مقالات أو نبضات، تناولت هذه النبضات كل ما يتصل بالمسرح المصرى وأحيانا العالمي.
يقول الناقد الدكتور أحمد سخسوخ المشرف على مهرجان زكى طليمات الذى تحتفل به أكاديمية الفنون بعد رحيله، حيث يكرم المهرجان كل عام خريجى الدفعات المتتالية من المعهد العالى للفنون المسرحية الذى أنشأه طليمات: نحن إذ نكرم في هذا العام خريجى دفعة ١٩٧٥ فإننا نحتفل بمئوية رائد مسرحى كبير يمثل إنتاجه عصرا بأكمله وهو توفيق الحكيم، ولا يمكن أن ننسى تلميذا، وأستاذنا الذى رحل عنا الدكتور إبراهيم حمادة الذى كان عميدا للمعهد ورئيسا لأكاديمية الفنون ولهيئة المسرح.
وأضاف أن دفعة ١٩٧٥ تتكون من ٢٠ ناقدا بقسم النقد المسرحى من بينهم أحمد سخسوخ، أسامة أبوطالب، فكرى النقاش، محسن مصيلحي، مختار العزبى وغيرهم، إلى جانب ٢٨ من قسم التمثيل من بينهم فاروق الفيشاوي، عماد رشاد، محسن حلمي، فاطمة مظهر، هدى شعراوي، سامى العدل وغيرهم، إلى جانب ١٢ في قسم الديكور من بينهم أشرف نعيم، أميرة صبرى عبدالعزيز، محيى الدين أحمد وغيرهم. أما الكتاب التذكارى الذى صدر عن الأكاديمية بهذه المناسبة تحت عنوان «رواد وأساتذة المسرح المصرى المعاصر»، الذى تضمن ثلاثة ملفات أولها عن زكى طليمات كتبها كل من سعد أردش، والدكتور محمد أبوالخير، منى صادق، والدكتورة سميرة محسن، وثانى هذه المؤلفات عن توفيق الحكيم كتبها كل من هشام صادق، نبيل الحلوجي، عصام الدين أبوالعلا، أما المؤلف الثالث عن الدكتور إبراهيم حمادة كتبها الدكتور أحمد سخسوخ.
كما تضمن هذا الكتاب مجموعة من الصور التى تبين إنجازات أكاديمية الفنون في القرن الحادى والعشرين، إضافة إلى صور أخرى لهؤلاء الثلاثة المبدعين إلى جانب قائمة تضم أسماء مكرمى الدفعة ١٩٧٥، مؤكدا أن هذا التقليد يعد من المظاهر الحضارية للوفاء وترسيخ القيم التى نتمناها لتمتد وتشمل كل المؤسسات الثقافية احتفاء بهؤلاء المبدعين.

*صاحب المنهجية والأفكار المغايرة
يعد الناقد المسرحى الدكتور أحمد سخسوخ، أحد أعمدة النقد المسرحى في الوطن العربي، وقيمة مسرحية كبيرة أثرت في أجيال متعاقبة من المسرحيين، ترك إرثا ثمينا في فن المسرح والدراما سيبقى خالدا في تاريخ هذا المجال، له أكثر من ٥٠ مرجعا، صاحب المنهجية الحقيقية في الدراما والأفكار المغايرة لأرسطو.
رغم عشقه لدراسة علوم المسرح سافر إلى النمسا لدراسة المسرح في ١٩٧٥ على نفقته الخاصة، درس المسرح بمعهد العلوم المسرحية بفيينا، وعين معيدا به في ١٩٨١، حصل على بعثة لاستكمال دراسته وحصل على درجة الدكتوراة من جامعة فيينا في مجال العلوم المسرحية طبقا للنظام الجامعى القديم، وذلك قبل تغييره في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، الذى ينص على إنجاز دراسات في الفلسفة ومواد جانبية في تاريخ الفنون والتبنى بجانب التخصيص، فقد تتلمذ على يد الناقد العالمى مارتن آرثر الملقب بأسطورة المسرح العبثي.
يقول سخسوخ، إن المسرح هو التعبير الحقيقى عن الضمير الحي، وإذا مات فهذا يعنى أن الضمير قد مات، وهو قد بدأ مع فجر الضمير الإنساني، وكنا أسبق العالم كله في زرع بذوره الأولي، وقد أخذوه منا، وبنوا ضمائرهم، ونحن قد فرغنا منها، مشيرا إلى كلمة المخرج الإنجليزي جوردن كريج، التى دعا فيها قائلا: علينا أن نبدأ من جديد مع أجيال جديدة تولد داخل جدران المسارح التى تبنى أيضا من جديد.
شغل سخسوخ العديد من المناصب الإدارية، منها رئيس قسم الدراما والنقد ووكيلا، ثم عميدا للمعهد العالى للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون، شارك لسنوات عدة في مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى كناقد ورئيس للجنة الندوات، انتدب للعمل أستاذا مساعدا بقسم المسرح بجامعة السلطان قابوس بمسقط، في ٢٤ أغسطس ١٩٩١ لمدة أربع سنوات، كما عمل ممثلا لمرة واحدة في فيلم قصير بعنوان «جونيا»، شاركه البطولة عايدة عبدالعزيز، محمد الصاوي، أشرف أمين، طارق رياض، لمياء السعداوي، وإخراج أشرف فاروق. ألف سخسوخ العديد من المؤلفات والدراسات الأكاديمية والنقدية المتخصصة في علوم المسرح، منها المسرح المصرى في مفترق الطرق، أغنيات الرحيل الونوسية، صناع المسرح المصرى وكان آخرها نجيب الريحانى من عصر الازدهار إلى انسداد شرايين الكوميديا.