الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

ذقن السيد المسيح والقديسين في رسالة دكتوراة

الباحثة سلفانا جورج
الباحثة سلفانا جورج
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حصلت الباحثة سلفانا جورج على درجة دكتوراه الفلسفة فى الآداب، من كلية الآداب جامعة الإسكندرية بمرتبة الشرف الأولى، وحمل عنوان رسالتها «تصوير ذوى اللحى فى الفن القبطى من القرن الخامس وحتى القرن الثامن الميلادى دراسة أثرية مقارنة».
تكونت لجنة المناقشة والحكم من الدكتورة منى محمد الشحات، أستاذ بقسم الآثار اليونانية والرومانية بجامعة الإسكندرية مشرفًا ورئيسًا، الدكتورة وفاء أحمد الغنام، أستاذ الآثار اليونانية والرومانية بجامعة طنطا عضوًا، الدكتورة شروق أحمد عاشور، أستاذ الآثار المسيحية، ورئيس قسم الإرشاد السياحى بأكاديمية المستقبل عضوًا، والدكتورة سماح محمد الصاوي، أستاذ الآثار الرومانية والقبطية ووكيل كلية الآداب للدراسات العليا بجامعة دمنهور مشرفًا وعضوًا.
هدف الرسالة 
يهدف البحث إلى إلقاء الضوء على تصوير اللحية لبعض الشخصيات الدينية، خاصة تصوير السيد المسيح وتلاميذه ورسله أنبياء العهد القديم والآباء الرهبان والنساك والقديسين، بالإضافة إلى العلمانيين، ويحاول الإجابة عن تساؤل مفاده: هل تشير اللحية إلى مكانتهم اللاهوتية ومركزهم الاجتماعي، أو تشير إشارة حقيقية إلى أعمارهم، أو هى عادة مجتمعية انتشرت فى تلك الفترة؟ 
صعوبات 
تقول «سلفانا» نظرًا لعدم توفر دراسة مستفيضة تتناول هذا الموضوع تحديدًا، رغم تناول دراسات عديدة معظم جداريات البحث من الشخصيات الدينية على مستوى المجالات الفنية المختلفة، غير أنه كان من النادر التطرق إلى أهمية اللحية ورمزيتها؛ لذا انصب اهتمامى على إلقاء الضوء على تصوير هذه الشخصيات الملتحية فى الفن المسيحى فى مصر، وماهية دلالات ورموز هذه اللحية فى الفن المسيحى عامة، من خلال مقارنات فنية مع جداريات وأيقونات خارج مصر، والوقوف على أشكال وتقنية رسم اللحية لدى الفنان المسيحى طبقًا لمدلولها الرمزى.
ومن الصعوبات التى واجهت الباحثة فى طريق إتمام هذه الدراسة ندرة المعلومات والمراجع حول هذا الموضوع، خاصة فيما يخص الفن المسيحى بمصر؛ لذا اعتمدت على استنباط المعلومات وتحليلها، من خلال الجداريات المشار إليها بالبحث، كما كان للكتابات التاريخية من أحداث الكتاب المقدس وسير الآباء الرهبان والقديسين أثره البالغ فى المساعدة على فهم بعض تلك الدلالات للحية.
أما المنهجية التى اتبعتها الدراسة فقد قامت على المنهج الوصفى التحليلى والمقارن، وبدأت بوصف مفصل لتصوير هذه الشخصيات الدينية وغير الدينية ذات اللحى، من خلال عرض لأهم الجداريات فى مصر التى ضمت مقابر البجوات وأديرة باويط والأنبا آرميا والدير الأحمر ودير السريان؛ لغنى التصوير الجدارى بالكثير من التفاصيل وتوضيح الألوان عن غيره من الفنون، ثم مقارنة هذه الجداريات بمثيلاتها فى الفنون البيزنطية المعاصرة لها.
ووفقًا لمقتضيات الدراسة جاء تقسيم البحث إلى خمسة فصول، بحيث سبقتها مقدمة اشتملت على التعريف بموضوع الدراسة وأهميتها، ثم يأتى الفصل الأول يحمل عنوان: «تصوير ذوى اللحى فى الفن القديم حتى ظهور المسيحية»، ومن خلال هذا الفصل وضحت الباحثة ماذا تقصد بتصوير ذوى اللحى فى الفنون القديمة، ومدى أهمية تصويرهم لدى الفنان منذ عصر ما قبل الأسرات فى مصر مرورًا بالفن الفرعونى، ثم أهمية اللحية لدى شعوب بلاد ما بين النهرين، حيث كانت اللحية تحدد العرق والحالة الاجتماعية لرجال الطبقة الحاكمة أو السلطة الكهنوتية والعبيد، ثم أهميتها فى الفنين اليونانى والرومانى وارتباط اللحية بالمفكر والفيلسوف، حيث عدوها رمزًا للكمال والحكمة وأيضًا علو المكانة الاجتماعية، وظل تصوير اللحية حتى بدايات الفن المسيحى فى بورتريهات الفيوم وكتاكومب روما، ودورا أوربس بسوريا، ومقبرة الخروج بالبجوات فى مصر، من خلال استعراض لأهمية الأشخاص المصورين وتأثيرهم فى العمل الفنى وكيفية إظهار الفنان لتلك الشخصيات ذات القيمة الإنسانية والروحية، ومن خلال ملامحهم وأشكال اللحى المختلفة فى العمل الفني، كما اهتمت الباحثة بمدى تطور تصوير اللحية فى تلك المرحلة.
موضوعات الكتاب المقدس
وجاء الفصل الثانى تحت عنوان: تصوير ذوى اللحى فى موضوعات الكتاب المقدس، ويشتمل هذا الفصل على عنصرين أساسيين، وهما موضوعات خاصة بتصوير شخصيات ذوى لحى فى العهد القديم تمثلت فى الآباء الأوائل وملوك إسرائيل، وتصوير أنبياء العهد القديم وشخصيات ذات رمزية مثل يوحنا المعمدان، وموضوعات خاصة بتصوير شخصيات ملتحية فى العهد الجديد، وكانت على رأس تلك الشخصيات السيد المسيح الذى احتل مكانة مميزة فى الفن المسيحى، ثم مقارنة تحليلية للشخصيات المصورة وأسلوب كل فنان وخصائص فنه.
ويأتى الفصل الثالث تحت عنوان: «تصوير الرهبان والنساك ذوى اللحى»، ويتضح من عنوان الفصل أنه يدرس تصوير كبار الرهبان والنساك ومؤسسى الأديرة والأساقفة وبطاركة الكنيسة القبطية، من خلال أسلوب تصويرهم وملامح وجوههم وأشكال اللحى الخاصة بكل رتبة كهنوتية، ومدى تأثر الفنان الغربى والبيزنطى بفكر الرهبنة القبطية التى خرجت من مصر وانتشرت فى كل أرجاء العالم، واتخاذ من أعلام الرهبنة القبطية رموزا فى فنه.
ثم يأتى الفصل الرابع، وعنوانه: «تصوير القديسين ذوى اللحى»، ليدرس كيفية تصوير الآباء من القديسين ومقارنة تصويرهم بقديسى روما وبيزنطة، من خلال أسلوب التصوير وأشكال اللحى والملابس، كما درس الفصل تصوير بعض الشخصيات العلمانية التى صورت فى الأديرة.
النتائج 
جاء الفصل الخامس والأخير بعنوان: «الدراسة التحليلية»، وتناول بالدرس والتحليل ما عرض فى كل فصول الدراسة، وأهم النتائج التى توصلت إليها، والتى كان من أهمها:
أولا: ميز الفنان بين اللحية والذقن؛ للدلالة على صفة أو رمز محدد، ويلاحظ تطابق مفردات اللغة اليونانية مع التصوير الفنى، فهناك فى اللغة اليونانية مصطلحين تخص اللحية البسيطة: الأول πώγων وهذه على الذقن فقط، وهو شعر الذقن دون الخدين، ونجدها ظهرت فى تماثيل بعض الأباطرة الرومان، ثم طبق تصوير الذقن فى الفن المسيحى، خاصة فى مصر، حيث صور الذقن فى شخصيات العهد القديم مثل تصوير النبيين عاموس وميخا، وصور أيضًا بعض الرهبان المبتدئين، وكذلك شخصية المتبرع بالدير الأحمر. 
أما المصطلح الثانى فهو γένειον وفيها يغطى الشعر الخدين، وهذا ما يعرف باللحية الكاملة، وظهر بها معظم الفلاسفة والآلهة الإغريق، ومن بعدهم الأباطرة والآلهة الرومان، ثم أخذ الفن المسيحى فى مصر وخارجها بتصوير شخصيات ملتحية بلحية كاملة، سواء شخصيات الكتاب المقدس أو الرهبان والنساك أو القديسين، وهو ما يعنى أن الفنان المسيحى كان على دراية كاملة بمفردات اللغة اليونانية ومدلولاتها، فخرج فنه مطابقًا لما هو مكتوب فى النصوص اليونانية (اللهجة الـ Koine)، فاستخدم تصوير الذقن؛ لتوضيح صغر سن الشخصية، فى حين استخدم اللحية الطويلة لتشير إلى التعليم والقيادة والسلطة، وهو ما يدل على مدى الـتأثر الثقافى واللغوى الهلينستى للفنان المسيحى حتى القرن الثامن الميلادى، وانعكاس ذلك على فنه.
ثانيا: مدلولات اللحية لشخصيات العهد القديم، كان للفكر اليهودى دور بارز فى الفن المسيحى المبكر استمر حتى منتصف القرن الخامس الميلادى، فظهرت مدلولات مختلفة للحى شخصيات العهد القديم، وشكلت العادات اليهودية ونصوص هذا العهد جزءًا لا يتجزأ من وعى الفنان المسيحى المبكر على الفن المسيحى فى العالم عامة، وفى مصر خاصة؛ وذلك لانتشار الكثير من اليهود الذين تحولوا إلى المسيحية فى القرن الأول الميلادى وتأثير ثقافتهم وموروثهم الثقافى والمجتمعى على الفن.
فقد مَثلت اللحية لدى اليهود اكتمال النضج للرجل ببلوغه الثلاثين من عمره، ولا يستطيع الشخص ممارسة الطقوس داخل المعبد، أو أن (يكرس) أو يبدأ خدمته إلا بعد وصوله هذه السن. ومن ثم صورت موضوعات العهد القديم تصويرا غلب على الفن المسيحى حتى بدايات القرن السادس الميلادى، وكان يصور معظم شخصيات العهد القديم بلحى كاملة، مثل الآباء إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى بوصفهم آباء وأنبياء العهد القديم، ومعلمين لوصايا الله وقادة لشعوبهم يغلف فكرهم الوقار والحكمة، فمثلت اللحية فى تلك المشاهد كرامة وعزة الشعب اليهودى الملتصق بالله، فهم فى ذلك لم يختلفوا عن شعوب الحضارة القديمة، ولكن ما ميزهم وجود سند كتابى يخص الكهنوت ومهابته، كما أشرت إليه فى سفر اللاويين.
ملوك إسرائيل
وتوصلت الدراسة إلى أن ملوك إسرائيل ميزوا صورهم عن غيرهم من شخصيات العهد القديم، ففى تصوير الفنان للملك (شاول) والملك (داود) ظهرا بلحى قصيرة مستديرة كثة. ومن الملاحظ أنه جعل نسبة مقياس حجم اللحية مثل مقياس حجم الشعر، وهو نحو مقدار أنف (مقياس الرسم فى تلك الفترة)؛ ليشير بذلك إلى سلطة (مسيح الرب) هذه السمة لم تعط إلا للحية السيد المسيح فقط؛ للدلالة على مُلكه وسلطته.
ومن ناحية أخرى، كان لتأثير التصوير المصرى للأعداء أو الغرباء أو الخارجين أثره الواضح على الرسوم المسيحية فى مصر، والذى تمثل فى تصويرهم راكعين تحت أرجل الفرعون أثناء وبعد المعركة، مثلما وجدنا فى لوحة نارمر وعلى جدران المعابد. وانتقل هذا التأثر حين صور أعداء إسرائيل، وتمثل ذلك فى تصوير (جلياط) ومعركته مع داود، حيث صور الفنان مراحل المعركة، وميز (جلياط) بأن صوره بشكل جانبى ولحية مدببة خفيفة؛ للدلالة على الشر، فى حين صور جميع شخصيات العهد القديم بشكل أمامي؛ للدلالة على أنهم شعب الله المؤمن.
ثالثا: مدلولات شخصيات العهد الجديد، يشير تصوير اللحية لشخصيات العهد الجديد إلى الحكمة والنضج والقوة وكونه معلمًا، يضاف إلى ذلك أنها رمزت أيضًا إلى معرفة الحقيقة المطلقة التى اختص بها السيد المسيح، القيادة والسلطة العليا للرسل وآباء الكنيسة، فصور الفنان المسيحى شخصيات العهد الجديد بلحى مختلفة الأشكال، وغالبًا ما كانت تستخدم النماذج القديمة فى خدمة التصوير المسيحى، كما كان للموروث اليهودى أكبر الأثر على التصوير؛ لتفسير العهد القديم واستمرار تجسيد الفنان لشخصيات هذا العهد ودمجها فى مشاهد العهد الجديد.
ورغم عدم معاصرة هؤلاء الفنانين لشخصيات العهد الجديد، وعدم معرفتهم كيف كانت تبدو ملامحها الشخصية، فإن الفنانين كان لديهم قدر كبير من التقدير والفهم لكيفية تصوير شخصيات هذا العهد، وتمييزها كل منها بملامحه ومميزاته الشخصية، والتى انبثقت من خلال تعاليم أصحابها فى الكتاب المقدس والليتورجية الكنسية حتى أصبحت هناك سمات محددة لكل شخصية استقر استعمالها فى القرون التالية. ومن الملاحظ أنه فى كثير من الأحيان افتقدت تلك الوجوه لسمات هويتها أو عرقيتها الحقيقية، وتغيرت تفاصيل الوجه للشخصية، بحسب ثقافة كل فنان، واختلاف طبيعة الفترة الزمنية التى يعاصره، ثم كان للفكر اللاهوتى دور كبير فى تشكيل الوعى الدينى والثقافى لدى الفنان، وهو ما أدى إلى توجيهه وتطوير الجداريات منذ القرن السادس الميلادى.
العقيدة المسيحية
واحتل تصوير السيد المسيح صورة الله المتجسد- بحسب العقيدة المسيحية- بين شخصيات العهد الجديد مكانًا محوريًا فى العقيدة المسيحية والفن المسيحى؛ ولهذا فإن صورة السيد المسيح (إقنوم الابن المرئى) تعكس صورة الله (إقنوم الأب غير المرئية)، ورغم تنوع مشاهد السيد المسيح، فقد استقر الفنان منذ القرن السادس الميلادى على السمات العامة لملامح وجهه بعد مرور تصويره بعدة مراحل واختلاف آراء الآباء حول تحديد ملامحه الخارجية؟
واتفق رسامو الفن المسيحى على ملامح محددة استمدت من رسالة (لانتينوس) و(الأبكريفا المسيحية)، رغم أن هذه القواعد كتبت فى (كتاب دليل التصوير) فى القرن الثامن عشر، فإن الباحثة توصلت إلى وجود تلك القواعد منذ القرن السادس، واستطاعت تطبيقها على عدة مشاهد تصور السيد المسيح، خاصة تصوير لحيته، كما بينت هذه الدراسة ثبات تلك القواعد التى استمرت حتى عصرنا الحالى فى الفن المسيحى بشكل عام.
ويمكننا توضيح أهم هذه السمات فى نقاط ثلاث، هي: 
أولًا: كان وجه السيد المسيح مستديرًا فى الغالب، ويحتوى على ثلاث دوائر؛ لتشير إلى الثالوث الأقدس ويجسد وجهه المقدس بهذا الشكل المفاهيم اللاهوتية لشخصه، ويستثنى من ذلك صورة بدير آرميا حيث صور بوجه بيضاوى. وعلى جانب آخر يذكر كتاب (دليل التصوير) أن وجه السيد المسيح يرسم على أساس دائرتين لهما مركز واحد: الأولى تمثل العالم المادى، والثانية مقياسها ضعف الأولى، وتمثل العالم الروحى، ويمر بالدائرتين محوران متعامدان يتقاطعان فى المركز، فالمحور العمودى يعمل على تقسيم الوجه إلى جزءين متشابهين، أما الأفقى فيقسم العالمين (المادى والروحى) فى الدائرتين أحدهما فى الآخر.
ثانيًا: لحيته التى تميزت عن لحى الشخصيات الواردة فى الرسالة، إذ تأسست قواعد ثابتة لرسم تلك اللحية لدى الفنان المسيحى فى مصر وخارجها، وهى أن يكون شكلها مستديرًا كما ورد فى كل الجداريات؛ لتشكل مع الشعر الدائرة الثانية بوجه السيد المسيح، وليست بطويلة، وتكون سوداء أو بنية اللون، ويساوى مقياسها مقياس الأنف وحجم رسم الشعر، وقد أراد الفنان بذلك تجسيد صورة المُعلم ذو السلطة المطلقة والحكمة الحقيقية.
ثالثًا: أنماط تصوير السيد المسيح، وقد اختلفت باختلاف المشهد وموقع الجدارية، فهناك التصوير المنفرد للسيد المسيح داخل الحنايا الذى عرفت بـ (المسيح ذو المجد)؛ حيث أصبحت صورة الإله المقدس للسيد المسيح منتشرة على نطاق واسع، إذ يظهر دائمًا بشكل أمامى، واللحية والشعر على حد سواء كثيفان ومصففان بعناية، ولا يظهر على وجهه أية ملامح تعبيرية؛ ليظهر لنا الفنان صورة الإله ذى الحكمة المطلقة. وقد تشابه هذا التصوير مع مخزون الفنان التقليدى عن الإله الجالس على العرش كالإله زيوس، مع اختلاف التعبيرات على ملامح وجه كل منهما وشكل اللحية والشعر.
تتشابه المشاهد التى تصور السيد المسيح معلمًا للحكمة الحقيقية بين تلاميذه مع تلك المشاهد التقليدية للفيلسوف اليونانى المعلم وسط تلاميذه، فنجد السيد المسيح وتلاميذه يجلسون بشكل مشابه، وقد ارتدوا عباءة الباليوم مع التونك ولم يجد الفنان أفضل من ذلك التصوير (المعلم أو الفيلسوف الحكيم) لتجسيد الصورة المرئية له، ولكنه أضفى عليه الصفة المطلقة للحكمة، من خلال اللحية المميزة لشخصه.
رابعا: مدلولات اللحية لدى النساك والرهبان، صُوَّر الآباء الرهبان والنساك أيضًا بلحى اختلف شكلها باختلاف مكانة الراهب ودرجته ومكان التصوير، ويمكن إرجاع ذلك إلى سببين أساسيين: السبب الأول دينى، فالراهب ينذر نفسه وحياته لله، ويعيش فى حياة نسك وتقشف شديدة، فلا يحاول أن يضفى على نفسه أى مظهر من المظاهر التى تلفت النظر إليه، وتضعه موضع التمجيد والتكريم، وطبقًا للطقس الرهبانى فى العصور المبكرة كان على الراهب أن يطلق لحيته وشعره نذرًا لله، تمثلًا بالتقاليد اليهودية، كما فى سفر اللاويين للكهنوت.
والسبب الثانى التقليد المجتمعى لما تعبر عنه اللحية من رجولة وقوة وشجاعة، أضف إلى ذلك أنها كانت دلالة مهمة على حكمة المعلم بين تلاميذه والمفكر الحكيم، وكان شائعًا فى المجتمع والثقافة الهلينستية، وكان لتلك الثقافة الأثر المباشر على الفكر الفلسفى الرهبانى، خاصة فى القرون المبكرة، وهو ما أفرز الشكل التقليدى للفيلسوف لجميع رجال الدين فى التصوير بالأديرة.
خامسا: مدلولات اللحية لدى القديسين، كان تصوير التلاميذ والرسل منفردين له أهمية خاصة نظرًا لمكانة الرسل بصفتهم الشخصية كقديسين فى الفن المسيحى، حيث يبرزهم الفنان بوضوح؛ لكونهم مفكرين ومعلمين للعقيدة الجديدة من خلال أشكال لحاهم التى توحى بحكمتهم وقداستهم، كذلك لسلطتهم الرعوية التى ظهرت- على سبيل المثال- فى تصوير القديس بطرس الرسول، من خلال ملامحه شيخًا ذا حكمة وهالة قدسية، وأضفى الفنان على رسوم مرافقى الموتى الذين صوروا على توابيت القرن الرابع أو أعضاء المجمع الليتورجى الذى يرأسه السيد المسيح.