الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ما زال الاستعمار يلعب!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انتهت الحقبة الاستعمارية في آسيا بانتهاء الحرب العالمية الثانية وهزيمة اليابان بعد إلقاء أمريكا أول قنبلة ذرية على هيروشيما ونجازاكي.. من القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين احتلت اليابان الصين وكوريا ولاوس وكمبوديا وغيرها.. بسطت طوكيو أو إمبراطورية الشمس المشرقة نفوذها على معظم آسيا باستثناء فيتنام التى احتلتها فرنسا والهند التى جثمت بريطانيا فوقها 180 عامًا..
انتهت سنوات الاحتلال.. دخلت واشنطن إلى المنطقة عن طريق كوريا الجنوبية ووضعت الصين قدمها في كوريا الشمالية.. وظلت اليابان حليفة لكل حلفاء أمريكا في آسيا وعلى رأسهم كوريا الجنوبية وسنغافورة وغيرها.. لكن في السياسة لا يوجد صديق دائم ولا عدو ظاهر.. فرغم أن اليابان وكوريا الجنوبية يقفان في خندق واحد ضد مغامرات كوريا الشمالية وكيم جونج ايل الصاروخية والنووية..إلا أن طوكيو أقدمت مؤخرا على تصرف اعتبره أصدقاؤهم الكوريون بمثابة إعلان حرب اقتصادية ضدهم.. فقد فرضت اليابان حظرا تجاريا على أشباه الموصلات أو semi-conductors المستخدمة في صناعة الهواتف الذكية والأجهزة التكنولوجية المتقدمة والصناعات الإستراتيجية الكبرى بل حتى في الصواريخ والأسلحة والاسلحة الثقيلة وصناعة السفن..
خراب كامل لدولة تعد أكبر حليف اقتصادى وعسكرى لليابان في مواجهة تهديدات كوريا الشمالية بتدميرهما.. طوكيو وسيول أيضا حليفتا واشنطن في آسيا ضد الهيمنة الصينية.. لكننا نقول دائما ليست هناك صداقات أو تحالفات دائمة الا في النظريات فالواقع يفرض أحكاما أخرى دائما.. هناك مصالح واحتكارات وإذا تحكمت في شيء لن تردعك صداقة أو يغرمك تحالف.
سبب القرار التعسفى اليابانى أن المحكمة العليا في كوريا الجنوبية أصدرت في أوائل هذا العام حكما واجب النفاذ بإلزام الشركات اليابانية بدفع تعويضات للعمال الكوريين الذين أرغمتهم على العمل بنظام السخرة في هذه الشركات أثناء الاحتلال الإمبراطورى لكوريا من 1910 حتى نهاية الحرب العالمية الثانية 1945.. اليابان رفضت الحكم وقالت إنها توصلت لتسوية هذه المسائل في الاتفاقية الموقعة عام 1965.. هذه الاتفاقية نصت على تعويض أصحاب الأراضى التى انتزعت منهم لإقامة معسكرات ومقار للجيش اليابانى المحتل ولم تتطرق لأفراد.
في الدول الديمقراطية المحترمة حقوق الإنسان لا تضيع.. والحكومات تنتخب وتسقط لإصرارها على جلب حقوق مواطنيها ولو كانت في فم الأسد.. قيمة الإنسان في كوريا الجنوبية من قيمة الحكومة والرئيس.. المواطن في كوريا الجنوبية وغيرها من الديمقراطيات أساس نجاحات الأحزاب وبرامجها.. كرامته وشرفه وتاريخه وحاضره ومستقبله أمن قومى.. المواطن أهم من الحدود الجغرافية والنظريات الاقتصادية والفرضيات السياسية.. باختصار هو الدولة.
ويذكر في هذا الصدد أن الاستعمار اليابانى لم يكتف باختطاف العمال الكوريين الجنوبيين وتشغيلهم بالسخرة ولكنه أجبر فتيات ونساء كوريات على العمل في الدعارة لتسلية الجنود اليابانيين، بل إن بعضهن حمل سفاحًا جراء عمليات المضاجعة الجماعية.. ومع ذلك تصر اليابان على عدم تقديم اعتذار رسمى لعائلات هؤلات الفتيات والنسوة.. الأمر الذى يذكرنى رغما عنى بما فعلته إسرائيل في الجنود المصريين الأسرى عام 1967 ودفنهم أحياء.. وهو ما أظهره فيلم أشدود المعروف والذى عرض عام 2007.
نحن نقول في أمثالنا أنا وابن عمى على الغريب.. لكن سيول وطوكيو لم تعودا أبناء عم، وتراقب الصين وعلى وجهها ابتسامة خبيثة حرب تكسير العظام بين حليفى أمريكا لأنها ستكون الرابح الأكبر منها بعد أن تجد الشركات الصينية العملاقة الطريق مفتوحًا أمامها للأسواق العالمية، واستبعاد منافسيهم الكوريين الجنوبيين.. والحقيقة أن اليابان رغم إعجابى بهم كشعب مجتهد دؤوب مخترع إلا أنهم لم يتخلصوا بعد من جيناتهم الاستعمارية.. وما فعلوه هو إهانة للمشاعر الوطنية الكورية وجرح لكرامتهم خصوصا أنهم لم يحترموا حكمًا قضائيًا باتًا.. الشعوب لا تنسى ثأرها وتحاسب حكوماتهم على التفريط في حقوقهم.. وإذا لم يتم حل المشكلة سيكون الأمن القومى للبلدين في خطر جسيم خاصة إذا ما ردت سيول الصفعة ومنعت دخول المنتجات اليابانية.. الغريب أن شينزو آبى رئيس الوزراء اليابانى دافع قبل شهرين عن نظام التجارة العالمى مطالبا بأن يكون أكثر شفافية وانفتاحًا، ثم طعن حليفه في ظهره.