الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"حتشبسوت".. قصة الموت الغامض لامرأة جلست على عرش مصر

حتشبسوت
حتشبسوت
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«حشتبسوت.. حتشبسوت.. قفلوا عليكى يا حلوة تابوت» هكذا تغنى المطرب الشعبى محمد العزبى، ورقصت على أنغام تلك الكلمات فرقة رضا في فيلم «غرام في الكرنك»، فمن منا لا يتذكر تلك الأغنية أو يحفظها عن ظهر قلب، والتى كتبت في حب أحد ملكات مصر العظيمة الملكة حتشبسوت، والتى تعد من أجمل ملكات الحضارة المصرية القديمة وأعظمها.. 
فهى المرأة القوية التى هزت الدنيا، وجعلت الجميع ينحنون إجلالًا وتعظيمًا لها ولجمالها، ولسحرها، وقوة شخصيتها وثراء الأحداث في فترة حكمها اللافت في تاريخ مصر القديمة العظيمة.
وكما كانت حياتها ثرية، كان موتها وسر اختفاء آثارها من مسرح الأحداث بمثابة لغز أكثر إثارة، فالملكة «حتشبسوت» هى ابنة الملك تحتمس الأول، وتزوجت من أخيها غير الشقيق تحتمس الثاني، وأصبحت زوجته الكبرى، وبدأت ملكة مصر الجديدة بناء مقبرة لها في منطقة بعيدة بـ «البر الغربي» في مدينة الأقصر، ثم تركتها ونقلت إلى مقبرة تحمل مقبرة رقم ٢٠ بمنطقة وادى الملوك، الخاصة بدفن ملوك مصر القديمة، وأنجبت من زوجها تحتمس الثانى ابنة وحيدة، وهى الأميرة «نفرو رع»، وبعد موت الملك تحتمس الثانى والذى قضى مدة قصيرة في الحكم تبلغ ١٣ عامًا، ليذهب الحكم بعده إلى ابنه تحتمس الثالث، والذى أنجبه من إحدى نساء القصر وكانت تدعى «إيزيس»، فأصبحت الفرصة سانحة للملكة حتشبسوت لتتولى قيادة البلاد، حيث إن إيزيس لم تملك حق الوصاية على ابنها لأنها ليست من الدم الملكي، وهنا أخذت الوصايا على تحتمس الثالث الملكة حتشبسوت «زوجه أبيه»؛ حيث بدأت بالتصرف على أنها ملكة، وتم ذكرها في النصوص القديمة، وتصوير مناظرها على بعض الجداريات في هيئة الملوك من الرجال، واعتبرت الملكة حتشبسوت ابن زوجها «تحتمس الثالث» شريكا لها في الحكم، منذ العام الأول لتوليه العرش، غير أنها كانت الملكة المسيطرة على مصر..
وفى نهاية حياتها حصل تحتمس الثالث على مكانة مساوية لها، غير أن نهاية الملكة حتشبسوت من الأشياء الغامضة في تاريخ تلك الفترة، فلم يتمكن العلماء من معرفة كيف انتهت حياتها؟ ولماذا تم محو صورها وأسمائها من على آثارها، حتى فترة قريبة، عندما بدأت بعض الأبحاث العلمية الحديثة التى قام بها الدكتور زاهى حواس وفريقه العلمى، ضمن المشروع المصرى لدراسة المومياوات الملكية، حيث تم العثور على «ضرس» وجد بداخل أحشاء الملكة في خبيئة المومياوات بالدير البحري، وبإجراء فصح الأشعة اتضح وجود جزء في فك أعلى المومياء الخاصة بحتشبسوت التى تم نقلها إلى المقبرة رقم ٦٠ بوادى الملوك من مقبرة الملكة رقم ٢٠، وأن هذه المومياء الموجودة هى مومياء الملكة. 
كما أثبتت الأشعة أن الملكة حتشبسوت ماتت وهى في سن الـ٥٥، وأنها كانت ممتلئة الجسم، وتعانى مرض السكري، كما أن سبب الوفاة هو إصابتها بمرض «السرطان». 
كما اتضح أيضًا أن كهنة الأسرتين الواحدة والعشرين والثانية والعشرين هم من قاموا بنقل محتويات مقبرة الملكة حتشبسوت من المقبرة رقم ٦٠ إلى المقبرة رقم ٢٠، والتى تخص مرضعة الملكة، وهكذا أثبتت البعثات الأثرية العلمية الحديثة براءة الملك تحتمس الثالث من اتهامه بقتل عمته الملكة حتشبسوت، كما كان يشاع، وربما أن التدمير الذى حدث لآثارها في آخر عهد ابن زوجها الملك تحتمس الثالث يعود إلى نظرة المصرى القديم حول تولى المرأة سدة الحكم. 
ومن أهم آثار الملكة حتشبسوت هو معبدها الجنائزى بالبر الغربي، حيث كانت الإلهة «حتحور» إلهة مهمة، وهى تصور أحيانًا في شكل سيدة، وأحيانًا في صورة بقرة، وأحد أدوارها الأساسية كان أنها الأم الإلهية لكل ملك حاكم، كما كانت مرتبطة بالمعتقدات الجنائزية، لا سيما في طيبة، حيث كانت تُعرف بأنها إلهة الغرب، وكان موقع الدير البحرى مرتبطًا بالإلهة «حتحور»، وكان هذا الارتباط له تأثير كبير في الملكة «حتشبسوت»، لاختيارها هذا المكان موقعًا لمعبدها الجنائزي. 
وكان التخطيط الأساسى للمعابد الجنائزية في الدولة الحديثة يلتزم بنموذج محدد، وهذا النموذج واضح في معبد «حتشبسوت»، فبالإضافة إلى الاحتفاء بعبادة الملك المتوفى، تتمثل وظيفة رئيسية أخرى للمعبد في المطابقة والدمج بين الملك وآلهة محددة، ويُعد معبد «حتشبسوت» من أحد أجمل المبانى في مصر، وأطلق عليه اسم «جرجرو»، ويعنى «أقدس الأقداس»، يعنى أنه أروع الروائع، وكان هذا المعبد هو الأفضل على الإطلاق، واستغرق بناؤه خمسة عشر عامًا، ومهندسه هو «سنن موت»، وأشرف على بناء المعبد المشرف على خزانة «حتشبسوت» واسمه «جحوتي»، ولقد بنى المعبد بجانب معبد آخر سابق من الدولة الوسطى، وبناء «نب حبت رع منتوحتب»، وقد اقتبس التصميم نفسه، فكلا المعبدين تم تصميمهما ليمتزجا بالمشهد البيئى المحيط، فيبدوان كأنهما يطلان من داخل تجويف الهضبة، وتم تصميم المعبد على عدة مراحل، حيث يتكون من ثلاثة أروقة واسعة، يفصل بينها صفوف من الأعمدة، وتربط بينها منحدرات صاعدة، وأول بناء في مُجمع المعبد، وهو مفقود الآن، وكان معبدًا صغيرًا بناه مهندس يُدعى «بويم رع»، وكان موقعه على ضفة قناة تؤدى إلى الصحراء، وطريق عرضه ٣٧ مترًا، وتصطف على جانبيه تماثيل لأبى الهول لكل منها جسم أسد، و«رأس حتشبسوت، ويؤدى الطريق إلى المعبد مرورًا بالوادى إلى بوابة هائلة، وتؤدى هذه البوابة إلى الساحة الأولى غير المسقوفة في المعبد، والتى وصفت بأنها حديقة لأبى آمون»، وهنا نجد عدة حفر ضحلة ودائرية الشكل تظهر أن هذه الحديقة كانت في وقت ما، مملوءة بالأشجار الجميلة والشجيرات المستوردة من بلاد بونت، وكان هناك دهليز له سقف عريض، خلف هذه الساحة، به ١١ عمودًا من الحجر، تقف كدعامات يستند عليها السقف، على جانبى منحدر هائل في الوسط، وهناك تمثالان ضخمان لـ «حتشبسوت» في صورة «أوزويريس» وقد دُثرت في ثوب ملتصق محبوك، وذراعاها ظاهران، وهما متقابلان على صدرها، ويقود هذا المنحدر في أعلاه إلى الساحة الثانية، وهى ساحة واسعة غير مسقوفة بها رواق مسقوف به أعمدة، منحدر طويل كبير يقود إلى المنطقة الخلفية. 
وتعرض المعبد للكثير من التخريب والدمار عبر التاريخ، فقرب نهاية حكم الملك «تحتمس الثالث» تم محو اسم «حتشبسوت»، ومعظم صورها وتماثيلها محوًا دقيقًا، كما أن معظم صور الآلهة وبخاصة الإلهة آمون تم محوها هى أيضًا أثناء حكم «إخناتون»، وقد أُعيد نحت صور الآلهة بعد وفاة إخناتون إلا صور «حتشبسوت» لم يتم إعادة نقشها مرة أخرى.