الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

من ذاكرة ماسبيرو.. محيي الدين اللباد: سائق الترام عندي أعظم وأهم رجل في العالم

محيي الدين اللباد
محيي الدين اللباد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«عندما كنت صغيرا، كنا نسكن بقرب جامع السلطان حسن، وكان الترام الذى يمر في الشارع الكبير بجوار شارعنا الصغير بجوار الجامع، يصدر صوتًا عظيمًا، في مخيلتى لوقتنا هذا، وكان سائق الترام عندى وقتها أعظم وأهم رجل في العالم، لأنه يقود هذا الوحش العملاق المهيب، الذى يزيد عدد عرباته على ٧، فكيف له بالقدرة على تحمل قيادة هذا الشيء»، بهذه الكلمات بدأ رسام الكاريكاتير «محيى الدين اللباد» حديثه عندما حل ضيفا على برنامج «ألوان».
وأضاف اللباد الذى عرف بـ«صانع الكتب»: «ظللت أتمنى أن أصبح سائق ترام عندما أكبر وكبرت لكننى لم أتمكن من أن أكون سائق ترام، بل ولم أستطع حتى أن أتعلم قيادة السيارات، لكنى تعلمت الرسم الذى أحببته بدون علم، وأصبحت مجرد رسام، ووجدت أن هذا العمل يتيح لى فرصة مدهشة، وهى أنى أستطيع أن أرسم نفسى سائق ترام، حسى كفنان جعلنى أركز في أبسط أمور الحياة، وأضعف مخلوقاتها، جمالًا تفوت الكثيرين ملاحظته، وهنا تكمن الحقيقة الأخرى في حياتى وهى أننى لم أتوقف يومًا عن رؤية العالم واكتشافه بعينى الطفل، فالإبداع بالنسبة لى هو أن تقول وتكتب وترسم وتصمم وتصوغ بصريًا ما يعبر عنك وحدك وعما في داخلك وليس عما هو متوقع منك».
وتابع: «الصدق مع الذات وإطلاق الحرية للإبداع والتفكير والنقد هو الطريق الوحيد الذى يقود إلى الأصالة فيما تفعل ويجعلك بذلك تبنى ما يستند إليه كل من يأتى من بعدك، أنا أسطى في عملى وفى حياتي، أسطى لأننى ببساطه شديدة لم ولا أبخل على تلاميذى ومريدى من كل مكان بل أعطتهم زبدة معرفتى التى راكمتها على طول سنوات العمر، مجنبهم بذلك المرور بالطريق الصعب».
وأضاف: «هؤلاء المريدون كانوا بشرًا من أنواع وأعمار وجنسيات كثيرة يقصدوننى تمامًا كركاب الترام، لنقلهم من مكان إلى آخر، لكننى كنت قادرًا على نقلهم من حالة معرفية إلى أخرى أكثر عمقًا وإدراكًا لما يحيطهم، كما لأنفسهم ولقدراتهم، ومن هنا منحتهم بذلك أجنحة للابتكار والتحليق أبعد منى ونحو عوالم جديدة، ربما يوما لم أستطع الذهاب له».
تكتشف كلما قلّبت في دفتر لحظات معرفتك بهذا الإنسان، أن حلمه القديم الذى عبر عنه في كتابه الجميل كشكول الرسام، ما هو إلا انعكاس لشخصيته: فيقول أنا رجل يعرف قدر نفسه، لا يهاب المسئولية، يبحث عن الجمال في التفاصيل، والدقة والإتقان والكمال في كل ما يعمل، لكنه يفضل أن يبقى مستترًا بين جنبات ذلك الوحش العملاق المهيب غير عابئ بالشهرة، متمسكًا بالجذور والأرض من دون أن يمنعه ذلك من الحركة والتنقل بين عوالم مختلفة واكتساب معارف جديدة ثم هضمها وإنتاج أعمال متميزة ومبتكرة تحاكى روح العصر، فسائق الترام يشعر مع الحركة بنبضات الأرض من تحته وما تحويه من كنوز كثيرة غير مكشوفة، هكذا كنت أشعر بما تحتويه بيئتى الشرقية من تراث ثقافى غني، بدءًا من اللغة والحكاوى والسير والرسوم الشعبية وصولًا إلى الخط بأشكاله المختلفة مصدر إلهامى وفنى كان للرسوم أو التصميم أو الأفكار أو المشاريع الكثيرة التى ساهمت في إطلاقها ومنها مشروع مجلة الإنساني، فمنذ عام ١٩٩٨ عندما طلبت منى اللجنة الدولية أن أضع التصميم الأساسى لمجلة الإنسانى وحتى آخر عدد عملت عليه، كنت أرى في هذه المجلة تجسيدًا لمشروعى الشخصي: أن أكتب للعالم العربى وبلغته وثقافته، عنه وعن ناسه ولناسه، بحيث لا يكون الحديث عن العمل الإنسانى أو القوانين الدولية كأنها مواضيع لا تمت لواقع لمنطقة بصلة، بل تبرز المجلة الارتباط الوثيق بين هذه المفاهيم العالمية والإنسانية وبين حياة وبيئة كل شخص من أبناء المنطقة، وعلى طول السنوات الماضية كنت، عونًا لكل من عمل في تحرير المجلة فلم أكن مجرد مسئول فنى يهتم بالشكل فقط، لكننى ساهمت أيضًا في كل عدد بالارتقاء بمحتواه المكتوب من خلال فكرة أو لمسة أضافها على عنوان أو جملة فيه، ٤ سبتمبر ٢٠١٠ فقدت أسرة الكاريكاتير أباها الروحى لكنها لم تفقد روحه، بل إنها كما غيرها من ركاب الترام المحظوظين صعدت معه في رحلته، وستظل ممتنة له ومسترشدة بتلك التجربة في رحلتها المستمرة، التى لم تقف عند فراق أحد أفراد الرحلة.