السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"الملالي".. نهاية النظام الإيراني هل تلوح في الأفق؟.. الأزمة بين واشنطن وطهران تعكس حالة "سيولة العلاقات الدولية" اللجوء للعقوبات الاقتصادية يؤكد إدراك أمريكا لأهمية تجنب الحرب التقليدية النظامية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جاء مقال الكاتب الأمريكى مايكل روبن، وهو باحث مقيم في معهد أمريكان إنتربرايز- في الناشيونال انترست، ليعبر عن وجهة نظر مدرسة الإدارة الأمريكية الجديدة وداعمًا لها وبخاصة استرايجية مايك بومبيوو، وزير الخارجية الأمريكي، وجون بولتون مستشار الأمن القومى الأمريكي، واللذين يقودان استراتيجيتيّ فرض العقوبات والعزلة السياسية على النظام الإيراني.


وقد فنَّد «روبن» العديد من الحجج التى تؤكد فعالية استرايجية العقوبات الاقتصادية، وأنها قادرة على إخضاع النظام والقضاء عليه، وبرغم ما جاء في حديث روبن من بعض القناعات والشواهد القوية على تراجع قدرات النظام، إلا أن الحديث عن نهاية النظام الإيرانى والقضاء عليه هو أمر ليس بالهين، ولا يمكن التسليم بكل ما جاء في تحليل روبن من استنتاجات مضمونة العواقب، حيث إن الأمر بات معقدا وكل طرف يمتلك بعض الأدوات التى تمكنه من الضغط على الآخر، أو تجعله محاصرا بعدد من المحددات الداخلية والخارجية، وبعضها قد يسهم في قدرة طهران على مد أجل المقاومة وتأجيل الاستسلام. 
ولو كنا في سياق الحديث عن حرب أو مواجهات نظامية كاشفة وواضحة، فحينئذ يمكن حسم الأمر نظرًا لتفوق ميزان القوى العسكرى الأمريكى على الإيراني، بحيث لا يوجد مجال للمقارنة، غير أن المعادلة يدخل فيها اعتبارات عديدة وأولويات في إدارة العلاقة بين الطرفين. وهذا ما يجعلنا نلقى الضوء على بعض الملاحظات على حديث مايكل روبن.

أولًا: فعالية العقوبات الاقتصادية
الخبرة التاريخية الأمريكية مع طهران تؤكد رجاحة سيناريو العقوبات الاقتصادية وسياسة الضغط والتى يمكن أن تأتى بنتائج على اعتبار ما تحقق من إطلاق آية الله الخمينى الرهائن الأمريكيين عام ١٩٨١ دون تحقيق مطالبه الكاملة نتيجة الضغوط وعزلة إيران التى أصبحت أكبر من أن تتحملها، خاصة على خلفية الحرب الإيرانية العراقية. 
وهو ما تكرر أيضًا مع إيقاف الخمينى إطلاق النار عام ١٩٨٨ وترك صدام حسين في السلطة في العراق رغمًا عنه، وهو أمر كان قد أقسم في وقت سابق أنه لن يقبله أبدًا.
والواقعة الثالثة التى تؤكد ذلك هو إرغام روحانى نفسه على الجلوس على طاولة المفاوضات في ظل إدارة أوباما بسبب الضغط الاقتصادى بعد أن أقر مجلس الشيوخ بالإجماع عقوبات اقتصادية أحادية الجانب.
ورغم وجاهة ذلك الطرح ومعطياته، ورغم كون الضغط شديد الوطأة على طهران، إلا أن هناك عددا من الأدوات الجديدة التى تستخدمها طهران ولا تريد الاستسلام مبكرًا، حيث تعول على الأمل في وجود إدارة ديمقراطية جديدة مع الانتخابات الأمريكية القادمة وفشل ترامب، وأيضًا تحفظات البنتاجون على القيام بضربة مباشرة، ووجود معارضة من الديمقراطيين وتكتل نانسى بيلوشى في الكونجرس، وهو ما يعطى طهران هامش أمل في الصمود. فضلًا عن استثمار طهران فترة ما بعد ٢٠١١ وحالة الارتباك العربى والنجاح في تعميق نفوذها وتوسيعه في لبنان وحزب الله، العراق، ومع الحوثيين في اليمن، وفى الداخل السوري، مما يجعل هناك واقعا مغايرا يشكل قوة نسبية لطهران يمكن استغلالها في الضغط على واشنطن ومصالحها أو دول الخليج وتحديدًا السعودية.

ثانيًا: تغييرات القيادة الإيرانية
رغم أن مقال مايكل روبن يربط بين التغييرات الجذرية في القيادة الإيرانية وبين فاعلية الضغوط والتأثير الأمريكى على النظام، على اعتبار نمطية واتساع أمد القيادة الإيرانية كونه مؤشرا كبيرا لقياس تأثيرات الضغوط الأمريكية على النخبة وتغيرات القيادة؛ باعتبار أن القيادات الإيرانية المدعومة بحكم اعتبارات الولاء للنظام، تبقى لمدد كبيرة –بعكس الجنرالات الأمريكان- مثل محمد على الجعفرى الذى ما يقرب من اثنى عشر عامًا قبل أن يحل محله حسين سلامى أو على فدوى قائد الحرس الثورى الإسلامى في سلاح البحرية والذى بقى لمدة ثمانى سنوات، قبل أن يتنحى في ٢٠١٨ لصالح على رضا تنكسيري. 
والتغيير في قيادة البحرية الإيرانية ووجود حسين خانزادي، الإسلامية، مما أدى إلى هز تلك المنظمة بعد أكثر من عقد. وتلك الإجراءات من جانب النظام الإيرانى تعكس نجاحا للضغوط الأمريكية التى استطاعت اجتثاث تلك القيادات من مواقعها نظرًا لعجزها وتكثيف الضغوط عليها. غير أن ذلك التفسير لمايكل روبن كاتب المقال -رغم كونه صحيحا- لكنه قد يكون غير كامل لأن تلك التغييرات في القيادة قد تسمح لطهران وتعطى النخبة السياسية قدرا من المناورة، بل قد تكون مجرد تغييرات شكلية، أو قد تكون بالعكس،الإتيان بشخصيات جديدة تكون أكثر ثورية وراديكالية وتجديدا لحالة الحماس الثورى التى تتركز في الشخصية الثورية الإيرانية.

ثالثًا: سلاح النفط وهامش المراوغة الإيرانية
يؤكد المقال على عدم نجاح طهران في مقاومة العقوبات الاقتصادية أو تسويق حالة الثقة في اقتصادها، على اعتبار أنه وحتى إن تجاهلت بعض الحكومات الآسيوية والأوروبية تلك العقوبات، إلا أن الأمر مختلف بالنسبة للشركات ورجال الأعمال التى سحبت استثماراتها في طهران، وهو طرح صحيح بشكل كامل. لكن هناك هامش مراوغة – رغم ضعف مردوده- يتمثل في اللجوء الإيرانى لبعض الأساليب والطرق غير التقليدية لتهريب النفط والبحث عن موردين أو استفادة بعض الدول من الوضع الحرج لطهران لتحقيق مكاسب مضاعفة عبر مساعدتها بشكل غير مباشر. وتلك التحركات الإيرانية تحقق هامشا بسيطا تستطيع معه الصمود لوقت أطول نسبيًا ويؤجل رفع راية الخضوع. خاصة أنها تجيد الضغط على الدول الأوروبية التى تحاول مساعدتها عبر آليات اقتصادية مثل «الانستكس»، أو عبر التلويح بالخروج التدريجى من الاتفاق النووى وآخرها التهديد بالحزمة الثالثة من الانسحاب والتنصل التدريجى من مسئوليتها.

رابعًا: الخطر الحقيقي.. طبيعة الأزمة الجيلية في طهران
يمكن القول إذن أن المشكلة ليست اقتصادية فقط. حيث يلفت روبن إلى أن هناك خللا كبيرا يصيب نظام الحرس الثوري، الذى بات الآن يعانى من «الشيخوخة»، وهو ما يدركه جيدًا المرشد الأعلى على خامنئي. وقد تحدث المقال عن شيخوخة الحرس القديم للجمهورية الإسلامية، حيث إنه - وعلى عكس عام ١٩٨٩ – فقد كانت آخر مرة مرت فيها إيران بمرحلة انتقالية في القيادة – حيث لم يكن هناك خليفة وقائد واضح وثقة كاملة في النخبة، وهو ما يرجح أن الانتقال القادم في السلطة لن يكون سلسا وسيكون عبر طريق مسدود أو حتى انقلاب عسكري. غير أن الأزمة في رأيى تتمثل في «الأزمة الجيلية» داخل النظام، ليس في وجود نخبة سياسية قادرة على القيادة، لكن في نوعية تلك النخبة، حيث إن جيل الثورة الإيرانية في حالة القرب من الأفول، وهو ما يهدد اعتبارات الحماسة الثورية والتكوين الأيديولوجى للنخبة، والتى هى في رأيى عرضة للتراجع والانفتاح في ظل أزمات عميقة وتكريس لفكرة فشل نظام الجمهورية الإسلامية، وهو ما يدعم عدم اكتفاء ترامب بفكرة الضغط الاقتصادي، وإنما محاولة الاستثمار في الملفات الحقوقية وأزمات الأقليات والقوميات غير الفارسية وهو ما يمكن البناء عليه لتهديد النظام بشكل أقوى.

خامسًا: حالة الضغط القصوى
يرى الكاتب أن الديناميكية الرئيسية لترامب التى يجب أن يستثمر فيها هى مزيد من الضغوط على النظام الذى لا يحظى بشعبية خاصة كل من خامنئى وقيادات الحرس الثوري، واستياء الشعب منهم، وتحقيق «حالة الضغط القصوى» بشرط عدم إعطاء السلطات في طهران أى فرصة إلى اللجوء للقوة العسكرية التى من شأنها أن تأتى بنتائج عكسية على المدى الطويل. وفى ظنى أن ذلك حل فعال لكن يجب الأخذ في الاعتبار أنه يستلزم وقت طويل واتباع سياسة النفس الطويل، على اعتبار أن طهران أيضًا تلجأ لنفس الأمر، لكن باختلاف الأمر حيث إن واشنطن ليست لديها نفس الضغوط التى تحيط بطهران وتهددها. لكن هناك مخاطرة كبيرة في ظل استمرار ذلك الوضع؛ حيث إن الحشد والتوترات بوجود آبراهام لينكولن وقاذفات بى ٥٢، طائرات إف ٢٢، وحالة الحشد الموجودة، علاوة على حرب الناقلات وتتبع ومحاصرة الناقلة الإيرانية جريس ١، والتحفظ الإيرانى على السفينة البريطانية استينا إمبرو، والتصريحات الاستفزازية، وإعلان طهران عن منظومة صواريخ باور ٣٧٣،..إلخ، كل تلك التطورات، ورغم عدم نية أى طرف الدخول في حرب مباشرة، غير أن المنطقة مهددة في أى وقت لـ «حرب محتملة»، قد تبدو بعيدة لكنها أيضًا قريبة جدًا، خاصة في ظل إستراتيجية «علبة الكبرىت»، حيث الأزمة مرجحة لتشتعل بشكل كبير إذا اشتعل عود واحد، وفى ظل مراهنة طهران على العبارات الثورية والخطاب الاستفزازى وسياسة «الهروب إلى الأمام» و«حافة الهاوية»، حيث ليس لديها خيارات كبيرة في ظل قيادات ثورية متشددة قد تقدم على خطوات غير محسوبة، مثلما كان مرجحا أن يحدث مع إسقاط الطائرة المسيرة الأمريكية.
وإجمالًا، فإن هناك رجاحة كبيرة لوجهة النظر الخاصة بروبن، لكن التساؤل هو هل تكفى تلك المؤشرات لإسقاط النظام؟ في رأيى أن الأزمة بين واشنطن وطهران تعكس حالة «سيولة العلاقات الدولية» كما طرحها زيجمونت باومان، حيث إن كافة السيناريوهات مفتوحة وأنه لا توجد حالة صلبة للعلاقات بين الطرفين، وهو ما تعكسه خطابات عدم وجود حرب وأن هناك مجالا للمفاوضات، وفى ذات الوقت تواتر الحشد ولهجة التهديد. كما أن اللجوء للعقوبات الاقتصادية تكريس لفكرة أن واشنطن تدرك أنه لا مجال لحرب تقليدية نظامية من خلال التكلفة والسياق الإقليمي، وهو ما تطبقه طهران أيضًا من خلال استخدام الفاعلين من غير الدول والاستثمار في الميليشيات والطائفية لتحقيق أهدافها، في زمن تراجعت فيه فرص الدخول في حروب صلبة مكلفة وغير كثيفة الأثر. الأمر الآخر هو فكرة أنه هل تشكل طهران تهديدا صريحا وكبيرا لواشنطن بنفس الدرجة؟ بمعنى هل هى روسيا أو الصين؟ بالطبع ترامب يريد تقويض النظام أو تغيير فلسفته وتحويل طهران لدولة عادية وليست ثورية، كما أنه يريد تقويض نفوذها ووضع حد لتجارب الصواريخ الباليستية، ونفوذها وتأثيراتها الإقليمية المهددة لحلفاء واشنطن، لكن في رأيي، لم تبلغ طهران ذلك التهديد الخطير الذى يهدد نفوذ وبقاء الولايات المتحدة الأمريكية، الذى يستدعى اتخاذ تدابير مختلفة كليًا. ولذا، أرى أن الأزمة مستمرة لفترة قادمة، وحتى ٢٠٢٠ على أقل تقدير، وأن طهران ستتمكن من الصمود - حتى ذلك الوقت - مستعينة بحالة الوساطات المختلفة، وبالضغط على الدول الأوروبية في الملف النووى والخروج التدريجي، والضغط الأمني في هرمز باستخدام الميليشيات، لكن صمودها هذا يؤلمها وبشدة، ويمثل مخاطرة غير مضمونة العواقب قد تشتعل في أى وقت.
رابط مقال مايكل روبن في الناشيونال انترست: