الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

تجميل وسط البلد.. 30 مليار جنيه لترميم وتطوير العقارات التاريخية.. توفيق: الخطة تستهدف الحفاظ على المباني الكلاسيكية القديمة.. 200 مليون جنيه لتطوير وتجميل عقارات بشارعي شامبليون وعدلي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هشام توفيق: الخطة تستهدف إحياء التاريخ والحفاظ على المبانى الكلاسيكية القديمة 
وائل زكى: الاستثمار التجارى الثقافى الأفضل للحفاظ على هوية العاصمة 
إسلام عاصم: كل مبنى تاريخى أو تراثى له طبيعة وحالة خاصة.. ولا يوجد نموذج يمكن تعميمه على كل المباني
351 عقارا تراثيا في ثلاث محافظات فقط منها ١٥٠ يعود عمرها إلى أكثر من ١٢٠ عاما
200 مليون جنيه لتطوير وتجميل عقارات بشارعى شامبليون وعدلي




تسعى الحكومة المصرية لتطوير منطقة وسط البلد، وإعادتها إلى سيرتها الأولى كنموذج يعبر عن الهوية التاريخية التى ظلت شامخة على مر العصور، وكانت شاهدة على العديد من الأحداث التاريخية التى مرت بها مصر، إلا أن خطط التطوير أحاطت بها مخاوف كثيرة في الفترة الأخيرة بعد إعلان هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال، عن خطة الحكومة لطرح ما يصل إلى 150 مبنى تاريخيا للقطاع الخاص لتجديدها واستثمارها. 
أكد هشام توفيق أن الخطة يمكن أن تحافظ على العديد من المبانى ذات الطرز الكلاسيكية الجديدة والفنون الجميلة والفن الزخرفى، والفن الحديث والتى جرى تشييد غالبيتها في النصف الأول من القرن العشرين ثم جرى تأميمها في مطلع الستينيات.
تشمل الخطة التى تستهدف إحياء منطقة وسط البلد في القاهرة، أحياء مناطق ومبان تاريخية مهمة في والإسكندرية وبورسعيد على قناة السويس، إلا أن العقبة التى تواجه الخطة على مر السنوات الماضية هى الإهمال وانعدام الصيانة بسبب قلة التمويل والصيانة والمبالغ الزهيدة المدفوعة مقابل استئجارها، وظلت هذه المبانى والوحدات مستأجرة وتحت سيطرة المستأجرين لعقود طويلة ولا تزال تحت سيطرتهم، وهو الأمر الذى يطرح إشكالية رئيسية وهى كيفية التسوية مع المستأجرين الذين يتمسكون بقانون الإيجار القديم.

ملامح الخطة

أوضح وزير قطاع الأعمال أن الحكومة ستتبع نموذج شركة الإسماعيلية للاستثمار العقاري، التى طورت ببطء ٢٣ مبنى تاريخيا اشترتها بوسط القاهرة.

ويرتكز نموذج شركة الإسماعيلية التى قالت الحكومة أنها ستتبعه على الاستحواذ على المبانى التاريخية والتسوية مع الأفراد أو الشركات المستأجرة للوحدات داخل تلك المباني، ومن ثم العمل على التجديدات اللازمة بالداخل والخارج وإعادة تأجيرها للقطاع الخاص والمؤسسات ويحققون عائدا لائقا مقابل استثماراتهم.

وكشف الوزير عن أن الحكومة تستعد أيضا لبيع نحو مليونى متر مربع من الأراضى غير المستغلة المملوكة للشركات القابضة التابعة للدولة، ومن المقرر أن يساعد هذا البيع على سداد ديون قدرها ٣٨ مليار جنيه (٢.٢٢ مليار دولار) مستحقة لجهات عامة أبرزها «بنك الاستثمار القومي، ووزارتى البترول والكهرباء وصناديق لمعاشات التقاعد ومصلحة الضرائب». وأضاف أنه بعد سداد هذه الديون سيجرى استخدام أى عائدات إضافية في تمويل خطط إعادة هيكلة شركات تابعة للوزارة. ومن المتوقع أن تضم العائدات ٢١ مليار جنيه لصناعة النسيج و٥ مليارات جنيه للصناعات الكيماوية والمعدنية.

في المقابل كانت هناك شائعات طالت تصريحات الوزير لتتفشى أنباء عن نية الحكومة بيع عقارات تاريخية بمنطقة وسط البلد، إلا أن مجلس الوزراء نفى تماما في بيان رسمى ما تردد حول طرح الحكومة ١٥٠ مبنى تاريخيًا من أصولها غير المستغلة للبيع. 

ثروة تاريخية 

يبلغ عدد المبانى التاريخية غير المستغلة التى تمتلكها الحكومة ٣٥١ مبنى في أكثر من محافظة على مستوى الجمهورية، من بينها ١٥٠ مبنى تاريخيًا يعود عمرها إلى أكثر من ١٢٠ عامًا، تتقسم على ٣ محافظات ١٠٩ في القاهرة، و٤٠ في الإسكندرية، و٦ في بورسعيد، جميعها آلت للحكومة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر بعد تأميم ممتلكات الأجانب في مصر، وفقا لشركة مصر لإدارة الأصول العقارية. 

كما تمتلك الشركة القابضة للتأمين التابعة للدولة مع شركة التأمين الحكومية ٣٥٠ مبنى منها ١٥٠ مبنى تاريخيا.

أما شركة الإسماعيلية التى تأسست في عام ٢٠٠٨ برأسمال ٣١٥ مليون جنيه، فتمتلك ٢٣ مبنى تاريخى في وسط البلد وتحديدا في منطقة القاهرة الخديوية، بإجمالى مساحة يصل إلى ٧٦ ألف متر، أشهر هذه العقارات مسرح وسينما راديو، ومبنى لافيواز، وهو المبنى الذى شهد أكبر مشروعات التطوير التابعة للشركة ويعود تاريخه لنحو ١٢٢ عاما وأعيد افتتاحه بعد التطوير في عام ٢٠١٦، حيث تم تطوير المبنى المكون من ٣ طوابق وتخصيص الطابق الاول منه لشركة استشارات مالية فيما كان الطابق الثانى فندق ٥ نجوم، وتم تخصيص الدور الثالث كمطعم شهير.

>> وائل زكى: الاستثمار التجارى الثقافى الأفضل للحفاظ على هوية العاصمة 

ويرى المهندس وائل زكي، استشارى التخطيط العمراني، إن العقارات التاريخية هى الدالة على شخصية المدن وهويتها وهو ما نراه في الدول والعواصم الكبرى في روما وباريس ولندن حيث تشكل هذه العقارات والمنشآت التراثية والتاريخى أحد أهم عناصر الجذب والتى تشكل هوية المكان الذى يأتى إليه الزوار من كل أنحاء العالم. 

وأضاف زكي، أن أى مشروع للاستثمار في العقارات التاريخية أو تطويرها بهدف تحقيق عوائد مادية تثرى خزانة الدولة مشيرا إلى أنه في القاهرة يوجد العديد من مشروعات التطوير مثل القاهرة الخديوية والقاهرة الفاطمية، ومن هنا نقول إن هذه المناطق إلى مزارات كبيرة مغلقة يمنع فيها السير بالسيارات، وتكون مزارا سياحيا كبيرا مفتوحا للجماهير، وهو أمر ممكن ومتبع في العديد من الدول مثل المغرب، فهناك يوجد نوع جديد من السياحة وهو السياحة الاجتماعية ويأتى إليها السياح للتعرف على طباع أهل المناطق التراثية ومشاهدة مناطق الحرف اليدوية، والدخل القومى في تونس والمغرب قائم على السياحة الاجتماعية.

وأضاف: «القاهرة الفاطمية بدأت تفقد هويتها فبعد أن كنا نرى الحدادين والنحاسين، واختفى قطاع كبير من هؤلاء الحرفيين، فما المانع من استمرار هؤلاء الحرفيين وإنعاش هذا النوع من السياحة وهو السياحة الاجتماعية بتطوير هذه القطاعات الحرفية.

وقال «زكي»: «في القاهرة الخديوية جزء كبير من القصور والفلل والعقارات التاريخية والتراثية كانت مناطق سكنية وللأسف العديد من القصور التاريخية لا تزال مغلقة، ولكن من الممكن استثمارها، بتأجيرها كمقرات لشركات بشرط الحفاظ عليها وعدم العمل على تغيير هويتها، ولدينا تجربة ناجحة فيما فعلته وزارة التربية والتعليم بالانتقال إلى القصر الكبير الذى أصبح مقرا للوزارة وذلك بعد الاعتماد على شركات ومختصين في الحفاظ على العمارة التراثية للمبنى دون أى تغيير، وممارسة أنشطة الوزارة بكل سهولة ويسر. 

هوية القاهرة

لفت زكى إلى أنه من الممكن جدا الاستثمار في العقارات التاريخية ولكن دون إخلال بالهوية المميزة للقاهرة، فيمكن للشركات استئجار هذه العقارات والمبانى التاريخية والعمل بها دون إخلال بالهوية الثقافية المميزة لها وهو جائز ومشروع ويدر أرباحا كبيرة على الاقتصاد الوطنى لمصر. 

وأضاف: «الحفاظ على المبانى التراثية من الإهمال أصبح ضرورة حتمية فتركها مهملة يعرضها للدمار، والاستثمار فيها ميسر لكن دون تشويه العمارات والمبانى التاريخية بالمكيفات وتكسير الحوائط والتعديل الجائر في تصميمات المبانى بغرض تركيب مثل تلك وسائل التهوية».

وتابع خبير التخطيط العمراني: «يمكننا تقسيم المبانى التراثية إلى مبانى يحافظ عليها وتحول إلى مزارات، واخرى يستثمر فيها وتتحول إلى مقرات للقطاعات الاستثمارية المختلفة، ومبانى أخرى أدنى قيمة يمكن التعديل في تصميماتها لتواكب العصر ويستثمر فيها بالشكل الأمثل».

وأكد استشارى التخطيط أن هناك عمارات شهيرة بالكامل في قلب وسط البلد ليس لها ملاك والمستأجرين أصبحوا يقيمون فيها دون دفع أى مبالغ بعد أن توفى أصحبها وتشتت ملكيتها بين لورثة، ومن هنا نقول إن الاستثمار في هذه العقارات استثمارثقافى. 

من جهتها ترى المهندسة المعمارية «آن المسيري»، الباحثة في تاريخ الفن والعمارة، أن إعادة استخدام المبانى الأثرية ضرورة من أجل الحفاظ على التاريخ والتراث المعمارى المميز لمصر، لان ترك العقارات التاريخية مغلقة ومهملة يشكل خطرا كبيرا على تلك المنشآت. وأضافت المسيرى إن ترك المنِشأة مغلقة ومهجورة يشكل ضررا كبيرا عليها وينذر بانهيارها وتدميرها، لذا فإن حسن استغلال هذه الأماكن يحد من تضررها، ولعل تجربة بيت المعمار بدرب اللبان من أنجح التجارب على إعادة استغلال الأماكن الأثرية ثقافيا، حيث عادت الحياة من جديد إلى المبنى التاريخى وأصبح يستضيف حدثين على الأقل أسبوعيا سواء من معارض كتب أو فعاليات ثقافية.

ومن هنا نقول إن إعادة إحياء الأماكن التاريخية والتراثية في مصر هو مطلب وطنى من أجل الحفاظ على هوية بلدنا المميزة منذ عشرات السنين. 

وشددت الباحثة في تاريخ الفن والعمارة على ضرورة مراعاة الضوابط المتعارف عليها في التعامل مع الأثر أو المبنى التاريخى، فلا يتم تخريبه أو تشويه هويته بأى شكل كان سواء بتدميره وتركيب أجهزة تكييف والعمل على تشويه الحوائط والبنايات، ومن الممكن استخدام وسائل تهوية صديقة للبيئة وأخف أثرا على المبنى مثل المراوح أو غيرها من الوسائل، والعمل على منع التدخل بشكل جائر مما يغير من طبيعة المسجد التاريخية».

ووأشارت « المسيري» إلى تجربة قد تكون الأفشل في استغلال منشأة تاريخية، وتلك التى حدثت عندما تحول قصر الأمير سعيد حليم إلى مدرسة تسمى «المدرسة الناصرية» بشارع شامبليون بوسط القاهرة، وقالت هى التجربة التى أساءت كثيرا لواحد من أجمل المبانى التاريخية بوسط البلد.

وتابعت: «المبنى تم إهماله وتدمير حوائطه بشكل كبير من خلال كتابة الأطفال على هذه الحوائط، بالإضافة إلى سوء التعامل مع مبنى بهذه القيمة الأمر الذى تسبب في تشويهه».

>> إسلام عاصم: كل مبنى تاريخى أو تراثى له طبيعة وحالة خاصة.. ولا يوجد نموذج يمكن تعميمه على كل المباني.

وقال الدكتور إسلام عاصم، مدير جمعية التراث والفنون التقليدية، إن الشركات التى عملت على مشروعات تطوير عقارات وسط البلد مثل شركة الإسماعيلية وسيجما في الإسكندرية، تعمل على أسس صحيحة وتستعين بالمختصين لتقييم الأثر والتراث الموجود في كل مبنى وتعمل على الاستثمار فيه بالشكل الأمثل، والأهم هنا أن يقوم على هذه الخطط المختصين الذين يفهمون جيدا طبيعة التعامل مع العقارات التراثية والتاريخية الموجودة في كل بقاع مصر، وبخاصة في وسط البلد، ويدركون لطبيعة وضعها الإنشائى وكيفية استثمارها. 

رقابة مجتمعية 

وتابع مدير جمعية التراث والفنون التقليدية: «هناك دور للهيئات المدنية من الجمعيات والدارسين والصحفيين والمهتمين بالتراث وكل مؤسسات المجتمع المدني، وهذا الدور يكون دورا رقابيا بواقع الحرص والخوف على التراث الوطني، فالمجتمع المصرى المهتم بالتراث يمكنه أن يقوم بهذا الدور الرقابى الذى يتابع مراحل التطوير والترميم والتحذير في حال وجود أى خطأ أو تعامل غير سليم مع هذه العقارات التى تشكل هويتنا جميعا، ومن هنا ينبع الدور الحقيقى للرقابة المجتمعية التى تسعى لتصحيح أى وضع خاطئ، لان الخطر الأساسى هو ترك الامر لغير المختصين».
ويضيف «عاصم»: كل مبنى تاريخى أو تراثى له طبيعة وحالة خاصة، ولا يوجد نموذج يمكن تعميمه على كل المباني، فالمبنى الموجود في أول شارع سوريا والذى تم تحويله إلى بنك يختلف عن المبنى المجاور له والذى تحول إلى محل مجوهرات شهير، ويختلف عن الثالث الذى تحول إلى شركة كبرى، كل مكان له طبيعته التى يمكن أن نستثمره فيها، ومن المهم أن تكون الوظيفة التى يتم استخدامه فيها تراعى التراث المعمارى للمبنى وألا تؤثر على جمال المبنى التاريخي.