الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

إعادة هيكلة الاقتصاد.. أهم تحديات الحكومة الانتقالية في السودان.. سياسة «البشير» أدت إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانهيار العملة وعزلة دولية وانتشار الفساد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أدت سياسات نظام الرئيس السودانى عمر البشير، إلى إفقار البلاد، وارتفاع معدلات التضخم وانهيار العملة وفقدان التواصل مع النظام المالى العالمي، بعدما عم الفساد، فضلا عن سوء الإدارة الاقتصادية كنتيجة لقرار حكومة البشير برفع أسعار الخبز والوقود في ديسمبر ٢٠١٨، خرجت التظاهرات التى استمرت لمدة أربعة أشهر أدت إلى اسقاط نظامه في أبريل ٢٠١٩، لتشهد البلاد فوضى عارمة لبضعة أشهر أخرى، إلى أن تم الإعلان عن تشكيل المجلس السيادى في العشرين من أغسطس الجاري، والذى يقود البلاد خلال الفترة الانتقالية التى تمتد ثلاث سنوات. وأعلن المجلس السيادى عن اختيار الأمين العام السابق للجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة، الدكتور عبدالله الحمدوك، رئيسًا للحكومة الانتقالية في البلاد. وفى ظل ترقب تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة تُثار التساؤلات حول أبرز المشكلات التى يعانى منها الاقتصاد السودانى وكيف يمكن العمل على حلها؟.



الديون السيادية

يمتلك السودان ميراث ثقيلًا من الديون المجمدة منذ أربعة عقود حتى الآن؛ إذ تخلف السودان عن سداد أقساط الديون منذ بداية الثمانينيات، فضلًا عن العقوبات المفروضة عليه من قبل الولايات المتحدة بسبب الصراع في إقليم دارفور منذ عام ١٩٩٧. كما أدت الحروب الأهلية المستمرة وانفصال الجنوب في عام ٢٠١١ إلى تقليص موارد الدولة، إضافة إلى انتشار الفساد وسوء الإدارة من قبل النظام، مما أدى في النهاية إلى تفاقم أزمة الديون السيادية بصورة كبيرة.
وتصل ديون السودان السيادية ما يقارب ٥٨ مليار دولار أمريكي، بحسب آخر إحصاء رسمي، بما في ذلك الفوائد الخاصة بتلك الديون، والتى تبلغ ما يقارب ٣ مليارات دولار، كما أن السودان هو البلد الوحيد في العالم - باستثناء الصومال - الذى يدين بمتأخرات لصندوق النقد الدولى تمثل أكثر من ٨٠٪ من إجمالى المتأخرات المستحقة للصندوق. كما تضاعف العجز الكلى في ميزان المدفوعات خلال عام واحد فقط، حيث ارتفع من ١٣ مليار دولار عام ٢٠١٧ إلى ٢٥ مليار دولار تقريبًا عام ٢٠١٨.
ويحتاج السودان إلى ما لا يقل عن ١٠ مليارات دولار أمريكى لإنقاذ الاقتصاد خلال الفترة الانتقالية والتى تمتد إلى ثلاث سنوات، لتوفير الغذاء والدواء والقدرة على دفع تكاليف الواردات، بحسب تصريحات رئيس الوزراء الجديد «عبدالله الحمدوك».

النظام المالى العالمى

ويعانى السودان من عزلة عن النظام المالى العالمى منذ عام ١٩٩٣، وتم إدراج السودان ضمن قائمة «الدول الراعية للإرهاب» من قبل الولايات المتحدة، هذا فضلًا عن فرض العديد من العقوبات الاقتصادية والتجارية عليها من قبل الإدارة الأمريكية عام ١٩٩٧، ومنذ ذلك الحين ويعانى السودان من عدم القدرة على الحصول على القروض الخارجية أو استخدام النظام المالى العالمى في تسوية المدفوعات.
ومن الصحيح أن إدارة الرئيس «ترامب» رفعت في أكتوبر ٢٠١٧ العقوبات الاقتصادية والتجارية، التى تم فرضها على السودان لأكثر من عشرين عامًا، إلا أن الآثار التى ولدتها تلك العقوبات ما زالت قائمة ولا يمكن محو نتائجها السلبية خلال فترة قصيرة.
ومن الضرورى خلال الفترة المقبلة أن يتم السعى نحو رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، حتى يستطيع السودان الحصول على المساعدات والقروض وإعادة هيكلة الديون السيادية، حتى يمكن تجاوز الأزمة الاقتصادية الراهنة.



التضخم وانهيار العملة

لا شك أن الثورة على نظام البشير كان السبب الرئيسى فيها هو الغلاء الفاحش الذى أصبح ينهش في جسد البلاد، ونتيجة للسياسة النقدية المنفلتة من عقالها المتبعة من قبل البنك المركزى في ظل نظام البشير، أدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنونى وانهيار قيمة العملة، وعمد البنك المركزى لطبع المزيد من الأوراق النقدية دون تغطية آمنة من خلال المعادن النفيسة أو العملات الأجنبية، مما سبب انخفاضًا حادًا ومستمرًا لقيمة العملة، فقد تم طبع ما لا يقل عن ٤٧.٧ مليار جنيه سودانى خلال عام ٢٠١٨ وحده، وهو ما يفوق ما تم طبعه خلال عامى ٢٠١٦ و٢٠١٧. وقد رفعت الحكومة الدعم عن الوقود والخبز في ديسمبر الماضي، وارتفعت أسعار الوقود والخبز إلى ثمانية أضعاف وثلاثة أضعاف على التوالي. كما بلغ التضخم في ديسمبر ٢٠١٨ ما يقارب ٧٢.٩٤٪، ومن الصحيح أنه استقر نسبيًا خلال الفترة الأخيرة عند ٥٢.٣٪ في يوليو الماضي، إلا أنه ما زال مرتفعًا، ويحتاج إلى مزيد من السياسة النقدية الرشيدة لخفضه إلى مستويات دنيا.
وبالتوازى مع التضخم المستمر في ظل حكم البشير فقد تعرض سعر صرف الجنيه السودانى لضغوط قوية، إذ انخفض إلى أكثر من ٧٠ جنيهًا مقابل الدولار منذ نهاية ٢٠١٨، ويبلغ الجنيه السودانى في الوقت الحالى ما يقارب ٦١ دولارًا في السوق السوداء و٤٥ جنيهًا للدولار الواحد في السوق الرسمية. ومن المتوقع أن تتحسن قيمة الجنيه في الفترة المقبلة مع الاستقرار السياسى والأمني الذى تشهده البلاد في الفترة الحالية بعد تشكيل المجلس السيادي.

الفقر والبطالة

لا شك أن التدهور المستمر لقيمة العملة فضلًا عن السياسات الاقتصادية الخاطئة من قبل الدولة والاستمرار في الحروب لعقود طويلة قد أفقر الشعب السوداني، حيث تقدر الأمم المتحدة أن ما يعادل ١٣٪ من السكان (نحو ٥.٧ مليون مواطن) يعانون من شح حاد في الأمن الغذائي. هذا فضلًا عن أن ٤٦٪ من السكان يعانون من الفقر.
ونتيجة لتوقف الكثير من المنشآت الإنتاجية عن العمل في الفترة الأخيرة نتيجة للاضطرابات السياسية التى شهدتها البلاد، فقد زادت معدلات البطالة بشكل كبير كما شهدت البلاد حالة من الركود. ويقدر صندوق النقد الدولى والبنك الدولى ارتفاع البطالة في البلاد من ١٢٪ عام ٢٠١١ إلى ٢٠٪ السنوات الأخيرة، كما تجاوزت نسبة البطالة بين الشباب ٢٧٪.



تجاوز الأزمة الاقتصادية

من المتوقع أن يساهم التقدم السياسى الذى شهدته البلاد مؤخرًا بعدما تم تشكيل المجلس السيادى واختيار رئيس وزراء جديد في تيسير الوضع الاقتصادى في البلاد وتسهيل عملية حصول السودان على المساعدات الدولية لتقليص حدة الأزمة الاقتصادية التى تواجهه.
وتحتاج البلاد إلى برنامج اقتصادى واضح المعالم ومحدد الخطوات من أجل السيطرة على الوضع الاقتصادى المتدهور، لاسيما فيما يتعلق بإدارة الدين السيادى والسيطرة على التدهور المستمر لقيمة العملة، ونستعرض فيما يلى أبرز تلك الخطوات التى يمكن الاعتماد عليها في برنامج الإصلاح الاقتصادي.

تحقيق السلام والاستقرار الأمني

من المستحيل تحقيق تحسن اقتصادى في أى دولة ما بدون تحقيق استقرار أمني وسياسي، لهذا فإن أولى الأولويات لحكومة «الحمدوك» في الفترة الحالية هو تحقيق تفاهم مع الحركات المسلحة في البلاد في مناطق النزاع في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وغيرها، حيث ما زالت تلك الفصائل المسلحة تتحفظ على اتفاق تقاسم السلطة، حيث رأت أنه لا يعالج قضايا الثورة ويتجاهل أطرافًا وموضوعات مهمة.
أما على المستوى الدولي، فعلى الحكومة السودانية أن تسعى للتفاوض مع واشنطن حول رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وكذلك التفاوض مع صندوق النقد الدولى والبنك الدولى والجهات المانحة الأخرى حول إعادة هيكلة الديون وإعفاء الدولة من بعض تلك الديون المتعثرة، هذا فضلًا عن ضرورة السعى نحو الحصول على مساعدات جديدة وجذب رءوس الأموال الأجنبية لتحقيق التنمية في البلاد.

إعادة هيكلة الاقتصاد

يعتمد الهيكل الاقتصادى للسودان على تصدير النفط والمنتجات الأولية الزراعية والحيوانية، وبالتالى فالاقتصاد السودانى يعتبر اقتصادًا مستهلكًا وليس منتجًا، لهذا على الحكومة السودانية في الفترة المقبلة أن تعمل على تنويع مصادر الدخل والسعى نحو خلق قيمة مضافة لصادراتها للعالم الخارجى بدلًا من العمل على تصدير المواد الخام فقط والتى يكون سعرها منخفضًا للغاية مقارنة بأسعارها بعد عملية التصنيع.
ويحتاج السودان إلى تطوير القطاعات الإنتاجية الأساسية من الزراعة والتعدين، لاسيما وأنه يمتلك مزايا نسبية في هذين القطاعين، حيث يمتلك السودان المياه اللازمة للزراعة والتربة والمناخ المناسب لزراعة المحاصيل النقدية، هذا فضلًا عن توافر الموارد الكبيرة من المعادن وخاصة الذهب وباحتياطيات قدرها ٥٢٣ ألف طن.
وأمام المجلس السيادى والحكومة الانتقالية العديد من الملفات والتحديات على رأسها الملف الاقتصادي، والذى يعد أخطر الملفات على الإطلاق، كون تتداخل فيه العديد من الموضوعات والأزمات جراء السياسات الخاطئة التى اتخذها نظام البشير على مدى ٣٠ عامًا مضت.
وإجمالًا؛ يمكن القول إن حكومة «الحمدوك» التى من المتوقع أن يتم الإعلان عنها خلال الفترة المقبلة عليها أن تسرع في وضع برنامج اقتصادى لإدارة الوضع الاقتصادى المتعثر في البلاد، على أن يشمل هذا البرنامج ثلاثة محاور أساسية؛ أولها ضرورة معالجة الاختلالات النقدية والمالية التى تفاقمت في البلاد خلال الفترة الماضية، وثانيًا ضرورة الحصول على الأموال اللازمة لتوفير الغذاء والخبز، وثالثًا ضرورة العمل على تنويع مصادر الدخل وإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني.