الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

محاربة الإرهاب.. معركة لم تنته

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الشهر الماضي، قال الرئيس دونالد ترامب عن تهديد تنظيم «داعش» ما يلي: «لقد أبلينا بلاء حسنًا... سيطرنا على كل أراضى التنظيم، ونحن الآن بصدد الانسحاب من سوريا بسرعة. سننسحب من هناك قريبًا جدًا، ولنتركهم يتولون مشاكلهم الخاصة. فسوريا تستطيع تولى مشاكلها الخاصة – إلى جانب إيران، وروسيا، والعراق، وتركيا. أما نحن، فإننا بعيدون بـ7 آلاف ميل». 
بعبارة أخرى، لقد هُزم تنظيم «داعش» إلى حد كبير، ولم يعد يشكل تهديدًا مباشرًا لبلدنا. وبالتالي، فلندع بلدانًا أخرى أقرب تتولى هذه المشكلة البعيدة. لقد كان هذا دائمًا هو الوعد الزائف للنزعة الانعزالية – أن البعد الجغرافى يمكن أن يحمينا من التهديدات التى فى العالم. ولكنه لم ينجح بالنسبة لمن حاججوا فى الثلاثينيات بأن المحيطات يمكن أن تحمينا من ألمانيا النازية. ولن ينجح فى القرن الحادى والعشرين فى مواجهة تهديد الإرهاب العالمي. 
فوفق مسئولين عسكريين واستخباراتيين أمريكيين وعراقيين وتقرير للمفتش العام لوزارة الدفاع الأمريكية، فإن تنظيم «داعش» بصدد حشد قوة جديدة، حيث يشن حرب عصابات على العراق وسوريا، ويعيد تنظيم شبكاته المالية، ويستهدف مجندين جددًا. وقد عبأ التنظيم الإرهابى ما يصل إلى 18 ألف مقاتل فى العراق وسوريا. وفى إطار هدفهم الأساسى – السيطرة على دولة إسلامية عالمية – يواصل هؤلاء الإرهابيون استهداف الولايات المتحدة ودولًا غربيةً أخرى بلا تعب أو كلل. 
ولهذا، فإن التخلى عن جهودنا لمحاربة تنظيم «داعش» وإرهابيين آخرين واحتوائهم هو بمثابة دعوة مفتوحة لهم، ليعيدوا إنشاء قاعدة عمليات يشنّون انطلاقًا منها هجمات على بلدنا. 
لقد مثّل هجوم 11 سبتمبر تنبيهًا للولايات المتحدة. فقد ذهبنا للحرب ضد قيادة «القاعدة» حرصًا منا على عدم تكرار هجوم مثل ذلك مرة أخرى، ثم انضم إلينا «الناتو» وحلفاء آخرون فى القتال. 
وتم إرسال قوات خاصة باستخدام القدرات الاستخباراتية وقدرات محاربة الإرهاب. ومن خلال عملنا مع الحلفاء فى المنطقة، استطعنا تطوير عمليات أمنية واستخباراتية فعالة كانت أساسية لحماية بلدانهم وبلدنا. ولكن جعل تلك العمليات ذات مصداقية كان يقتضى نظام دعم قويًا والتزامًا واضحًا بأن الولايات المتحدة ستكون هناك من أجل المساعدة. 
وعليه، فسواء فى سوريا أو العراق أو أفغانستان أو غيرها، يجب على الولايات المتحدة أن تبقى مركزة على عدم منح الإرهابيين فرصة لإقامة قاعدة عمليات يستطيعون من خلال مهاجمة بلدنا. والحقيقة البسيطة هى أننا لا نستطيع الوثوق فى وعد الإرهابيين. ولهذا، فإن المبدأ الأول للسياسة الأمريكية كان هو عدم التفاوض معهم أبدًا. ولكن إنْ فعلنا، لا يمكننا بكل تأكيد افتراض أن يفعلوا ما يعدون به. فأى اتفاق مع الإرهابيين سيفشل من دون خطة شاملة للتطبيق مدعومة من قبل الولايات المتحدة والقوات الأمنية للبلد المعني. والهدف النهائى هو إنشاء حكومات تستطيع حكم وتأمين نفسها. ولكن ذلك لن يحدث من دون زعامة ودعم أمريكيين. ولكننا نقوم بهذا ليس من أجل أمنهم فحسب، ولكن من أجل أمننا أيضًا. 
لقد تعلمنا درسًا صعبًا فى 2011 عندما أكملنا سحب كل قواتنا من العراق، إذ ترك ذلك «داعش» حرًا ليقيم خلافة يعادل حجمها بريطانيا ويسيطر على حيوات ما يصل إلى 12 مليون نسمة. فأُجبرنا على إرسال قوات إلى العراق وسوريا مرة أخرى من أجل تدمير الخلافة. وعلينا ألا نكرر هذا الخطأ مرة أخرى. 
وبالطبع سيكون جميلًا لو تولت دول أخرى هذه المشكلة نيابة عنا. ولكنها لم تفعل ذلك أبدًا ولن تفعل. ذلك أن آخر مشكلة تقلق بال إيران وروسيا وتركيا والعراق هو أمن الولايات المتحدة الوطني. ولهذا، فإن مسئولية حماية بلدنا هى مسئوليتنا نحن ولا أحد غيرنا. 
لقد حققنا تقدمًا فى كل من العراق وأفغانستان فى دعم المكاسب الإنسانية والأمنية والسياسية والاجتماعية. ونحن نعلم أن هذه التحديات صعبة وأن الإرهابيين سيستمرون فى عرقلة هذه الجهود. ولكن سحب قواتنا ببساطة والتخلى عن أى مسئولية فى القتال ضد الإرهاب يعرّض أمننا للخطر. 
هذا الشهر، قُتل الجندى فى البحرية الأمريكية سكوت كوبنهافر، 35 عامًا، فى شمال العراق خلال عملية مع القوات المحلية – وهو أول أمريكى يُقتل فى المعركة فى العراق هذا العام. ولا شك أنه أمر مأساوى عندما نفقد حياة أى أمريكى يخدم بلده، ولكن كوبنهافر كان يحارب عدوًا مستعدًا لقتل الآلاف من الأمريكيين الأبرياء بوحشية، إنْ مُنح الفرصة. وعليه، فالاختيار ليس بين القتال أو الانسحاب، بل الاختيار هو بين حماية بلدنا أو الادعاء بأن ذاك التهديد قد زال واختفى. 
صحيح أننا خضنا حروبًا استمرت أطول مما ينبغى منذ 11 سبتمبر، ولكن بسبب ذاك القتال والزعامة الأمريكيين، استطعنا حماية الولايات المتحدة من هجوم إرهابى كبير آخر، هذا القتال لم ينته بعد للأسف، ولكن ادعاء ذلك يمكن أن يشكّل وصفة لكارثة.
*نقلًا عن «الاتحاد» الإماراتية بترتيب مع «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس».