الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

"الرهبنة" ترتدي ثوب العصر الحديث.. الخروج من دائرة التعبّد المُغلقة إلى الخدمة في ساحة المجتمع

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تُعد الرهبنة من أهم السمات المُميزة للكنيسة الأرثوذكسية، والكاثوليكية، فيما ترفضها رفضًا قاطعًا مختلف الطوائف المسيحية الأخرى، والرهبنة فى المفهوم الأرثوذكسى الكاثوليكى تقوم على فكرة ترك العالم، وملذاته، والتفرغ بشكل كلى لعبادة الله، فهى نقطة يصل إليها الإنسان يصبح عندها الحب الإلهي، وإدراك واقع الحياة من منظور وجودي، وروحي، دافعين قويين للاستغناء بشكل إرادى عن كل الاحتياجات الإنسانية المجتمعية، من الزواج، والشهرة، وتحقيق الذات، وغيرها من الحاجات الغريزية للإنسان، إيمانًا منه أن الحياة ما هى إلا بخار يظهر قليلا ثم يضمحل، وأن الهروب من العالم ضمان للفوز بالحياة الأبدية مع الله.


ويتمثل نظام الرهبة فى ثلاثة أشكال فقط لا رابع لهم، الأول هو التوحد، وفيها يعيش الراهب، ويعرف فى هذه الحالة بالناسك، منعزلا تماما عن أى إنسان، وغالبا يكون مكان توحده فى مغارة موجودة فى الجبال والبراري، أو انعزاله داخل قلاية تبعد عن الدير بمسافة معينة، وهذا النوع لم يعد يمارس بشكل كبير كما كان فى السابق، ويرجع هذا النظام للقديس أنطونيوس الكبير، الذى يعتبر أب الأسرة الرهبانية، ومؤسسها فى العالم كله، ويذكر، حسب كتب سير الآباء، أنه توحد فى مغارة على جبل القلزم شمال غربى البحر الأحمر، وإنه خرج إليها دون هدف كهنوتي، بعيدا عن النظام الكنسي، ليجعل الله واحده هو المرشد له، وإن كان قد سبقه فى ذلك بسنوات كثيرة الأنبا بولا، رئيس المتوحدين، فى حياة رهبانية خفية وسط البرية.

والنوع الثانى هو الشركة، وصاحبها هو الأنبا باخوميوس الكبير الذى يُعتبر أول أب يشيد ديرًا يضم داخل أسواره جماعة رهبانية تعيش فى حياة الشركة فى عبادتها، وفى كل تصرفاتها، فهذا النوع قائم على وجود الرهبان معًا فى الدير، ولكل راهب قلايته الخاصة، ويشتركون فى بعض الصلوات، وفى الطعام، وهو النوع السائد الآن.

أما النوع الثالث والأخير، هو رهبنة الجماعات، وفيها يعيش مجموعة من الرهبان تحت إرشاد أب لهم، ولكل راهب مغارته المستقلة، ولكن يجتمعون يومين فقط خلال الأسبوع، وذلك حسب نظام كل دير، وهو قريب جدًا للنوع الثانى وسائد بكل الأديرة حاليا، والتى لابد أن يكون لها رئيس أسقف.

ومن خلال هذه الأنواع الثلاثة لن نجد أى مشاركة للراهب مع المجتمع، حتى وإن كانت هناك مشاركة بين الرهبان بعضهم البعض، ولكن دخول المجتمع لساحة الرهبان، أو دخول الرهبان لساحة المجتمع، قد يعرض الفكرة الجوهرية للرهبنة بمفهومها الحقيقى للتلاشي، وهذا هو المفهوم التقليدى المتعارف عليه عن الرهبنة لدى الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية منذ تأسيسها.

ولكن الآن الوضع اختلف كثيرًا، ولم تعد الرهبنة كما كانت، حيث فرضت قوى التطور نفسها بشدة على البشرية، وامتدت أذرع العولمة لكل إنسان، لتؤثر فيه وعليه مهما كانت معتقداته، ووسط كل هذه الأجواء، أصبح الوضع الروحي، والتعبدى يسير تلقائيًا بما يتناسب مع هذه التطورات، حيث دخل العالم لساحات الأديرة، وخرج الرهبان من الدائرة التعبدية المغلقة لساحات المجتمع، وكثيرًا قد يصادفك أسقف، أو رئيس دير، أو راهب مستقلًا سيارته الخاصة فى الطريق العام، وفى المقابل نجد الزوار من المجتمع يتوافدون بأعداد مهولة على الأديرة، بل ولهم أماكن مخصصة للمبيت بها، وقضاء أوقات ترفيهية للأسر داخلها، والخروج إلى العالم من الأديرة، أو دخول العالم إليها، لا يقتصر فقط على الخروج والدخول الجسدي، بل خروج فكري، وتطوري، وتكنولوجي، فلا نجد الآن راهبًا لا يملك وسائل تواصل اجتماعي، يتابع من خلالها كل المجريات والأمور الحادثة فى العالم على مدار الساعة، فالراهب له حسابه الخاص على موقع التواصل فيس بوك، وأيضا لديه تطبيق «واتساب» على جواله الخاص، ليتواصل من خلالهما مع أقاربه، ومعارفه للاطمئنان عليه، أو للاطمئنان عليهم، فضلا عن منع النظام الكهنوتى للنوع الأول، التوحد والنسك، خوفا من تعرض حياة الراهب لمخاطر الجبال والصحاري.

ولعل ما قام به الأنبا إيلاريون، أسقف البحر الأحمر، خلال الأيام الماضية، يؤكد حقيقة ما نحاول إلقاء الضوء عليه، حيث قام نيافته بزيارة مفاجئة لمول سينزو بالغردقة، ليتفقد العاملين به، من المسلمين والمسيحيين، وتجول إيلاريون خارج المول وداخله، وتفقد غالبية أصحاب المشاريع المفتوحة هناك، والتقط معهم الصور التذكارية، وجاءت تلك الزيارة فى محاولة من نيافته لتطبيق رؤيته الهادفة لدعم الشباب المصري، والتقرب لهم، ومساندتهم معنويا فى حياتهم العملية، لمعايشة واقع الشباب وطموحاتهم، وتحفيزهم على حب العمل، فى سبيل النهوض بكيانهم الذاتي، وكيان دولتهم، ومن خلال هذه المبادرة، غير المألوفة، يتضح بشدة فكرته التعبدية الجديدة التى تقوم على خدمة المجتمع، أى أن الخدمة نوع من العبادة، وإن صح ذلك بشكل كبير، فسنقع أيضًا فى معضلة التناقض الشديد للرهبنة كفكرة، ومفهوم، وحياة، فهل هذا يعد انتهاكا وانتهاء واضحا لجوهر الرهبنة، مع الحفاظ عليها كشكل ومسمى، أم أنها ارتدت ثوبا جديدا، لتواكب العصر، كما كل شيء يتغير ويواكب العصر، هذا ما سوف نتعرف عليه من خلال بعض آراء رجال الدين من الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية.


القس بولس حليم: الرهبنة تأثرت بالتطور التكنولوجي

الإخلال بالمنظومة يحدث فقط فى حالة غياب أى من عناصر الرهبنة الثلاثة

أكد القس بولس حليم، المتحدث الرسمى باسم الكنيسة الأرثوذكسية، أن «الراهب يختلف عن الأسقف، وعقب السيامة الأسقفية يُضاف العمل الرعوى داخل المجتمع بجانب التعبد، مثله مثل القسيس الذى يخدم فى المجتمع، فالأسقف يقود شعب ويقود كنائس، وما قام به نيافة الأنبا إيلاريون ليس جديدًا، فكل الرعاة والأساقفة يفعلون ذلك».

ويتابع: «لكن الراهب يلتزم بالدير وليس له شأن بالخدمة داخل المجتمع، فحياة الراهب تتمثل داخل الدير فقط، ويحيا بالعفة الجسدية، والطاعة، والفقر الاختياري، وهم الثلاثة عناصر الرئيسية للرهبنة».

وعن مدى تأثر الرهبنة بالتطور التكنولوجى والرقمى قال: «بالطبع دخلت إلى الرهبنة أدوات العصر، ولكن هذا تم فى إطار الحفاظ الكامل على مقومات الرهبنة من عفة جسدية، وطاعة، وفقر»، مؤكدا أن الرهبنة الحالية هى نفس الرهبنة كما أسسها الأنبا أنطونيوس، والأنبا باخوميوس، بخلاف تطور الوسائل الاعتمادية، مشيرًا إلى أن عصر الأنبا أنطونيوس كان يتم حينها الاعتماد على النار كمصدر ضوء، أما حديثا دخلت الكهرباء، وأصبح الراهب يعتمد عليها، وهكذا أيضا وسائل المواصلات الحديثة التى يتم الاعتماد عليها فى إطار الخدمة.

واوضح «بولس» أن الإخلال بجوهر الرهبنة يحدث فقط فى حالة نقص عنصر من العناصر الأساسية الثلاثة وهى البتولية، والطاعة، والفقر، والثلاثة يحيا الراهب بهم داخل الدير.

وعن المفهوم الاجتماعى للراهب قال: «هناك نوعان من الرهبنة، الرهبنة التعبدية، والرهبنة الخادمة، الراهب التعبدى يكون منعزلا وليس له علاقات اجتماعية، أما الراهب الخادم، فطبيعة الخدمة تفرض عليه الانخراط فى المجتمع».

ولما تشهده الأديرة فى الوقت الحالى من زيارات كثيرة ورحلات مستمرة قد تُعرّض حياة الراهب لصخب، وضوضاء العالم، أشار الأب بولس إلى وجود أماكن داخل الأديرة تم تخصيصها للرهبان، وهى تضم القلالى التى يختلى فيها العابد، ويمنع منعًا تامًا اقتراب الزائرين منها، وأماكن أخرى عامة يتواجد بها الوافدون على الدير، وأحيانا يخرج إليهم فقط الراهب المنوط بالخدمة والتعليم.

وعن حياة الراهب داخل الدير قال: «ليست مقتصرة فقط على العبادة، بل العبادة، والقراءات، والعمل اليدوي، وهذا أهم شيء لابد أن يمارسه الراهب، حتى لا يترك نفسه فريسة سهلة للفراغ والملل».


وعن حادث مقتل الأنبا ابيفانيوس على يد تلاميذ له من رهبان الدير، وما إذ كانت هذه الجريمة تحمل إشارة واضحة على تأثر الرهبنة بمغريات العالم أجاب: «لا يمكن أن نعمم ونقول الرهبنة تأثر بمغريات العالم لمجرد سقوط فرد أو اثنين من أبنائها، وإن كان ضَعِفَ أحد الإخوة، وسقط فى الشر، فهذا له دلالة واحدة وهى الإفاقة، ومحاسبة النفس، وإدراك شراسة الحرب على أولاد الله».

وتطرقنا فى حوارنا معه إلى طبيعة قلاية الراهب، وكيف كان الراهب قديما يعيش فى قلالى مقفرة، لا تحوى سوى موضع رأسه، وموقد، وعن الوضع الحالى لها قال: «بالطبع هناك تغيير كبير فى القلالي، إلا أنها ما زالت تحافظ على بساطتها، ولا يمكن مثلا أن تجد تلفازا فى إحداها، هذا ممنوع تماما، ونقول بصفة عامة أن مهما شهدت الحياة الرهبانية، والأديرة من تطور، فهى ستكون أقل بكثير من العالم.

وبسؤاله عن وجود نسّاك يسكنون البرارى والجبال بعيدا عن الأديرة، أوضح أنه ما زال هناك منهم، وإن كانوا قلّة، ومازال كل دير له شيوخه القادرون على الخروج منه للتوحد فى الجبال بمفردهم، مضيفًا أن ذلك ممنوع تمامًا على حديثى الرهبنة، وأصحاب الأعمار الصغيرة، لأن مثل هذا الفعل يحتاج لتدرج روحى طويل، يمكّنهم من مواجهة أخطارها سواء كانت روحية، أو جسدية، مشيرًا لبعض الأديرة التى تمنع هذا السلوك تمامًا، مثل دير الأنبا صموئيل المعترف، لأن الصحراء المحيطة به وعرة، والمتاهة فيها قد تعرض حياة من يخرج إليها للخطر.

وعن كيفية العيش فى الجبال بلا طعام، أوضح أن التوحد يكون لعدة أيام، قصيرة أو طويلة، يرجع بعدها الناسك لديره، ليوفر لذاته ما يحافظ به على استمرارية حياته، ثم يعاود مرة أخرى لمكان توحده خارج الدير، مؤكدا أن النسك من الأمور الصعبة جدا التى تتم تحت إشراف مشايخ الدير، وتحت اختبارات مسبقة لمواهب الراهب، وقدرته على التحمل.

وفيما يخص وجود نصوص فى الكتاب المقدس تفرض حياة الرهبنة، نفى قدسه وجود أى نص كتابى يفرض حياة الرهبنة، ولكن أشار إلى وجود نصوص تحث عليها دون فرض، كقول بولس الرسول «من تزوج فحسنًا يفعل، ومن لا يتزوج يفعل أحسن»، وأشار أيضًا إلى يوحنا المعمدان الذى كان يتوحد فى البرية، ولم يكن متزوجا، والسيد المسيح الذى كان دائما ما يختلى بذاته فى الجبل، وكان أيضا له خدمة ومهمة يتممها وسط الشعب، ويتابع قائلا: «الرهبنة موجودة فى روح الكتاب المقدس، والعهد القديم حدثنا عن نُسّاك قمران اللذين توحدوا فى البراري، فالرهبنة كانت قبل تحقيقها حلم الإنسان المسيحى فى تكريس حياته لله واحده، وتحقق الحلم بعد نشر سيرة الأنبا أنطونيوس، التى اتبعها كل راغب ومشتاق لحياة الوحدة مع الله».


ذكر عدة شروط متبعة فى عملية قبول طلبات الرهبنة وهي: أن يكون طالب الرهبنة حاصل على شهادة دراسية عليا، إجراء اختبار طبى ونفسى للتأكد من السلامة النفسية والجسدية، كل الأديرة عاملة وأشار هنا إلى حدث تاريخى حيث قال: «الرئيس السادات بنى مدينة السادات بالقرب من دير أبومقار لأنه أشاد بقدرة الرهبان على تحويل الأراضى الصحراوية المحيطة بالدير لأراض زراعية عامرة»، وأخيرًا ذكر أن الأديرة ليست عبئًا على المجتمع، فهى أديرة صاحبة إنتاج يكفيها، بل وتقدم من خلاله معونات للمجتمع.

وعن الرهبنة النسائية وتاريخ بدايتها وأسباب ظهورها قال: «كان للأنبا أنطونيوس شقيقة، وعندما باع كل ما يملك من ثروات، أودع شقيقته داخل بيت مخصص للعذارى وهبن ذواتهن للتعفف، والصلاة، والتعبد فقط، ووضع الأنبا أنطونيوس قوانين لهن، وبحلول القرن الرابع بدأت الرهبنة النسائية فى الظهور بأوضاع مقننة، وبدأت فكرة تعفف المرأة، وتركها ملذات العالم»، مشيرا لأشهر حالة نسك وتوحد فى الجبال والتى انفردت بها القديسة مريم المصرية.


الأب هانى باخوم: التطور فى الرهبنة هو إعادة النظر فى الروحانية

يوجد رهبنة تشارك أبناء المجتمع من المسلمين والمسيحيين فى الحياة العملية

قال الأب هانى باخوم، المتحدث الرسمى باسم الكنيسة الكاثوليكية، إن الرهبنة لا تقتصر فقط على التوحد والعزلة، والمتمثلة مثلا فى رهبنة الحبيسات، وهن راهبات يعشن داخل الدير ولا يخرجن منه، ومسموح ببعض الزيارات وبشروط، ويوجد أيضا الرهبنة العاملة فى العالم، مثل رهبنة الفرنسيسكان، ورهبنة الجزويت، كما أشار لأنواع مختلفة من الرهبانيات الكاثوليكية مثل رهبنة الدومينيكان، ورهبنة البندكتيين، والرهبنة اليسوعية، وكل الأنواع تتوافق من حيث تقويم الرهبنة وجوهرها، وتختلف من حيث أدوارها وخدماتها. وأكد وجود رهبنة اجتماعية هدفها العمل المشترك مع أبناء المجتمع الواحد من المسلمين ومختلف الطوائف المسيحية.

وأضاف أن «الرهبنة مرت بعصور مختلفة، ويعقد مجمع كنسى دائما كل حولى ٦ سنين ليدرس ما يجوز أن يسمح بإضافته للحياة الرهبانية أو لا يسمح من متغيرات العصر، بناء على القوانين الأساسية للرهبنة، والموضوعة من قبل المجمع»، مؤكدا أن وسائل التواصل لا تعد فى حد ذاتها شرا، بل الأمر متوقف على طبيعة الاستخدام، فهى ضرورة للاطلاع والمعرفة والقراءة فى حياة الراهب خلال العصر الحالي.

وأوضح «باخوم»، أن الاعتراف يكون للكاهن فقط، ويوجد رهبان برتبة كهنة وهؤلاء يسمح لهم بأخذ اعترافات من الفتيات، أما غيرهم من الرهبان خارج رتبة الكهنوت غير مسموح لهم بأى اختلاط مع الفتيات. وأضاف أن الرهبنة الكاثوليكية والأرثوذكسية تتفق تمامًا من حيث الجوهر، وإن كانت مختلفة من حيث الأنواع والأهداف. وكشف أنه لا وجود حاليا للراهب المتوحد منفردًا بجبل أو برية ولكن لا مانع فى ذلك إن رغب أحدهم.

ورفض الأب هانى مفهوم مواكبة الرهبنة للعصر قائلا: «التطور فى الرهبنة هو إعادة النظر فى الروحانية من أجل التأصل فيها أكثر وأكثر فى الوقت الراهن، ولكن الكنيسة ليس من دورها مواكبة العصر، بل تجديد دعوتها باستمرار لتتجاوب وترد بما يناسب العصر الحالي».


القس نادى لبيب: أرحب بأى خدمة روحية داخل المجتمع

قال القس نادى لبيب، رئيس المجمع الأعلى للكنيسة الإنجيلية المشيخية فى مصر، إن لا وجود لخدمة الله خارج العالم، وأن الكنيسة الإنجيلية تؤمن أن دور المؤمنين يكون وسط العالم، مستشهدا بقول المسيح للتلاميذ «اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها›»، مؤكدا أن تكليف الله للمؤمنين هو الانخراط وسط العالم لنشر رسالته، متسائلا: «ما الفائدة من الاعتزال عن العالم؟».

وتابع: «لا نرى أن الممارسة الرهبانية خطأ، ولكن لا يمكن اعتبارها أمرًا عقائديًا وتنظيميًا»، مؤكدًا أن الكنيسة الإنجيلية تتبع نظام الخلوة، وفيها ينفرد أى إنسان بذاته لمدة زمنية قصيرة للصلاة، ولكن يعود بعدها للعالم مرة أخرى، كما كان يفعل المسيح حينما كان يختلى بذاته فى الجبل، ثم يعاود الخروج إلى العالم مرة أخرى للخدمة، لكن لا فائدة للحياة الروحية بدون خدمة الناس».

وعن بولس الرسول الذى كان بتولا، قال «لبيب»: «كان بتولا ولكن كان أيضا فى العالم وبين الناس يخدم، والعفة والبتولية يحيا فيهما الإنسان داخل المجتمع بحفظ وحماية من الله، وحفظ الإنسان نفسه من الخطية».

وأضاف، «الحياة الروحية تكمن فى الخدمة بين المجتمع، وفكرة الهروب من العالم لتفادى حروب الشيطان خاطئة، لأن الشيطان يحارب على كل الجبهات، بل على العكس الحرب على المؤمن، وهو وسط الإخوة من المؤمنين تكون أهون من الحرب والإنسان واحده».

وعن قول بولس إن من يزوج فعل الحسن ومن لم يزوج فعل الأحسن قال: «هذا غير مقصود به عدم استحسان الزواج، ولكن قصد به أن غير القادر على الزواج وأعبائه ومسئولياته، إن لم يتزوج فهو فعل الصواب»، مشيرا إلى كم حالات الطلاق والانفصال الواقعة فى المجتمع نتيجة الزواجات غير المسئولة.

ونفى وجود أى نص كتابى صريح يحث على الرهبنة خارج العالم، وأكد سقوط كل البشر فى الخطية والدنس مهما كانت تقوتهم، ولكن محاسبة النفس وطلب مغفرة الله هما الأساس. مشيدا بدور الأساقفة الأرثوذكس فى خدمتهم داخل المجتمع، معبرا عن سعادته بمبادرة الأنبا إيلاريون فى زيارة مول شهير فى الغردقة ليتفقد من داخله، حيث قال: «احترم ما فعله جدا، فهى خطوة مهمة قام بها، وهذا هو دور كل مؤمن، وأنا أحترم كل خدمة روحية داخل المجتمع».


كمال زاخر: الثورة الرقمية تجاوزت كل الحدود ومن طبيعى أن تنعكس على حياة الرهبان

التغيير فى الحياة الرهبانية بدأ بمبادرة أبونا متى المسكين.. وهناك تصور خاطئ لدى بعض الأقباط بشأن قداسة الرهبان

 

يرى كمال زاخر، المفكر والناشط القبطي، حول التطور الذى تشهده الحياة الرهبانية حاليا، أنه «لابد أن نقرأ الأمر فى سياقه التاريخي، نحن أمام مرحلة عامة غير مقتصرة على الرهبنة فقط، حيث تمكنت الثورة الرقمية من تجاوز كل الحدود، وكان من الطبيعى أن تنعكس على حياة الرهبان، والرهبنة ليست حياة انعزالية بحتة، فالرهبان بشر ولدوا فى مجتمع، وخرجوا منه، وبالتالى هم اجتماعيون بطبيعتهم، ولابد أن نأخذ هذا فى الحسبان». وأضاف أن التغيير فى الحياة الرهبانية بدأ مع أبونا متى المسكين، الذى بنى قلايات فى دير أبونا مقار، تختلف عن كل القلايات الموجودة فى جميع الأديرة الأخرى، حيث أدخل إليها الكهرباء والمياه وأدوات الطعام، وهذا ما انتقده الجميع آنذاك باعتبار أنها أمورا غير مألوفة للرهبنة وطبيعة حياتها.

وعن أجهزة الحاسوب والتواصل المتاحة لدى الراهب الآن، قال: «أصبحت ضرورة للاطلاع والقراءة وأيضا يستخدمها الراهب أحيانا فى نشر كلمة الله».

وحول حادث مقتل الأنبا ابيفانيوس وما تبعه من قرارات حاسمة اتخذها البابا تواضروس تجاه الرهبنة والرهبان قال: «المنظومة الرهبانية هى كائن حى يتعرض للضعف والوهن، والرهبنة فى الأول والآخر هى مجتمع إنسانى وليس ملائكي، هناك تصور خاطئ لدى البعض بشأن قداسة الرهبان، وقرارات البابا تعد إجراءات سريعة ضرورية لحماية الرهبنة من الخطر الذى يهددها، ويمكن أن أوصف هذا بمتاعب المرحلة الانتقالية من مناخ مغلق إلى مناخ منفتح على العالم» ولفت الانتباه إلى غزو الانفجار السكانى الذى جعل العالم قريب جدا من الأديرة ومواضع الرهبان، وليس الرهبان هم من اقتربوا للعالم. ونوه إلى ضرورة الحرص الشديد أثناء التطور فى عالم الرهبنة، والحفاظ الكامل على مبادئها الأساسية، وطالب بضرورة تنظيم الرحلات إلى الأديرة بل وتقليلها.

وأشار إلى أن الرهبنة بمفهومها الخدمى قائلا: «الرهبنة الكاثوليكية نجدها تفتح المدارس ويقبل بها الطلبة المسلمون والمسيحيون، ويشرف عليها الرهبان وهم بذلك فى العالم وليسوا منعزلين». مؤكدا أنه لا يرفض أبدا التطور الرهبانى مادام يتم تحت نظر المشايخ والآباء وفى حدود إرشادهم.

وعن السيارات التى نجدها بحوزة الرهبان قال: «ليست ملكهم بل ملك الدير وتستخدم فى الخدمة فقط، وفى الانتقال من دير إلى آخر وفى نقل أى آباء تعرضوا لوعكة صحية مفاجأة إلى المستشفى، ولكن هذه السيارات، ليس كما نفهم خطأ أنها ملك لهم». كما أشاد بالأديرة المخصصة، والتى تشهد موالد واحتفالات وتشارك المجتمع فى مناسباته الروحية، وتعكس داخلهم الفرحة وتنمى لديهم روح الانتماء لكنيستهم.

واختتم كمال حديثه قائلا: «كل مرحلة انتقالية تشهد لحظات حرجة ولابد من اليقظة التامة، وأن يكون التطور فى إطار الأهداف الأساسية للرهبنة، لأن مثل هذه التطورات، والمناخ المتغير، حتما قد يُحدث تأثير على منظومة الرهبنة بشكل سلبى إن لم يكن هناك توجيه وإرشاد وضبط ودراسة مستمرة للوضع».

وأخيرًا الرهبنة قرار إرادى لا إجباري، وحياة إنسانية يحاول خلالها الشخص التعفف والتجرد من احتياجات الجسد والنفس، وسواء كانت خارج العالم فى الجبال والبرارى أو داخله من أجل خدمة الناس ومساعدتهم، فهى تظل محتفظة بمبادئها الأساسية، ودخولها العالم للمشاركة والخدمة لا يمثل أى خطر على جوهرها مادام التطوير فى إطار المنظومة الكنسية الأم، وفى إطار قوانينها وتحت توجيه آبائها.