الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

والدا مريم العذراء في الإسلام والمسيحية.. كانا تقيين وعاشا في مخافة الله.. الأنبا توماس عدلي: "لم يذكر عنهما في الكتاب المقدس".. والداعية أحمد صابر: "سورة آل عمران تؤكد عظمة والدي العذراء مريم"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

العذراء مريم شخصية تاريخية كتابية مقدسة، تحظى باحترام وتقدير كافة المسلمين والمسيحيين، فى جميع أنحاء العالم، حيث ذُكِرَ اسمها فى الكتاب المقدس 59 مرة، 13 مرة فى العهد القديم، و46 مرة فى العهد الجديد، وذكر اسمها فى القرآن، 34 مرة، ولها سورة باسمها فى القرآن، وهى سورة مريم، وهى السورة رقم 19 فيه، لتكون بذلك، السورة الوحيدة فى القرآن التى سُميّت على اسم امرأة.

ومع هذا الاهتمام الشديد بالعذراء مريم، ومع موجة الاحتفالات الأرثوذكسية خلال الأيام القليلة الماضية، بمناسبة صومها، والذى بدأ 7 أغسطس الماضي، والذى ينتهى بعيدها اليوم 22 أغسطس، والذى يشارك فيه المسلمون إخوتهم الأقباط داخل الكنائس والأديرة، تلقى «البوابة» الضوء على والدى العذراء مريم فى الإسلام والمسيحية، حيث يجهل الكثير منا التفاصيل والمعلومات حولهما، ويرجع ذلك لقلة ما ذكر عنهما فى الكتب المقدسة.

كان والدا السيدة العذراء مريم من قرية صفورية الفلسطينية، وهى من أكبر قرى الجليل، وتبعد عن مدينة الناصرة 6 كم شمالا، وكانت ريفية، حيث اعتمد سكانها على الزراعة وتربية المواشي، كمصدر رزقهم الرئيسي، وهذا بالطبع انعكس على شخصية العذراء مريم، ووالديها، من حيث ملابسهما المحتشمة.


فى الإسلام.. مصطفون على العالمين

شيخ بنى إسرائيل وزوجته الصالحة الطيبة رزقا بخير النسا.. والأم تهب المولودة لله

الشيخ أحمد صابر: "مكرمون بإدراج النبوة فيهم .. وعذراوية وشفاعة العذراء مؤكد بنص قرآني"

ويعرف والد العذراء مريم فى الإسلام باسم عمران بن باشم، وهو من نسل النبى سليمان عليه السلام، وأنه مات مريضًا، ومريم ابنته كانت لا تزال جنينا فى بطن أمها، وله ضريح إسلامى يقع فى سلطنة عمان، بمحافظة ظفار، بمدينة صلالة، وذكر اسمه فى القرآن ثلاث مرات، فى الآية 12 من سورة التحريم، «وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا»، ويتضح منها أن مريم كانت بتول، وأن السيدة العذراء هى ابنة عمران، وأن عمران هو والدها، وفى سورة آل عمران، الآية 33، «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ، أى ميّزهم عن باقى البشر، وجعل من نسلهم الأنبياء، والآية 35، «قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّى نَذَرْتُ لَكَ مَا فِى بَطْنِي»، ومن خلال هذه الآية يظهر تكريس حياة مريم لله وهى فى بطن أمها.

وآل عمران فى القرآن الكريم، أسرة مكونة من عمران والد مريم، وامرأة عمران، أم مريم، والمشار إليها فى الآية 35، وقد يخلط البعض فى الآيات السالف ذكرها، بين عمران والد مريم، وعمران والد النبى موسى، ولكن يؤكد تفسير ابن كثير أن المراد بعمران هذا، هو والد مريم بنت عمران، أم عيسى، ابن مريم.

ووفقا للديانة الإسلامية، فعمران كان حبر أحبار أى شيخ مشايخ بنى إسرائيل، وصاحب صلاتهم، فى زمنه، وكان رجلًا صالحًا، وكانت له زوجة صالحة طيبة طاهرة، ووفيّة مطيعة له، ومطيعة لربها، وكان من نتاج هذا الزواج المبارك، إكرام المولى عز وجل لهما بمريم عليها السلام.


والدتها فى الإسلام

تعرف والدة العذراء مريم فى القرآن الكريم، بامرأة عمران، وتدعى حنة بنت فاقوذا، ولم يذكر هذا الاسم فى القرآن، ولكن جاء هكذا وفقا لجمهور المفسرين فى الإسلام، وزوجة عمران هى أخت زوجة النبى زكريا عليه السلام، والد النبى يحيى، وهو يوحنا المعمدان فى المسيحية، وهى أم مريم عليها السلام، وقد توفيت وكان لمريم ابنتها 10 سنوات.

ويتضح من الآيات القرآنية التى تحدثت عنها، أنها كانت عاقرا، ولم تحمل من زوجها عمران حتى شاخا، ويحكى جمهور المفسرين، أنها أبصرت يومًا طائرًا يطعم أفراخه، فكان لها اشتياق كبير لأن يكون لها طفل تحنو عليه مثل هذا الطير مع أفراخه، ودعت الله تعالى أن يهب لها ولدًا، ووعدته أنها ستنذر المولود له، ولخدمته فى بيته، بيت المقدس وفقا للإسلام، ففى سورة آل عمران 35: «قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّى نَذَرْتُ لَكَ مَا فِى بَطْنِى مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّى إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»، وهنا يتضح نذرها لربها، وأنها عقب ولادتها حملت طفلتها إلى بيت المقدس، ووضعتها عند الأحبار، من أبناء هارون عليه السلام.


تسمية مريم

وفى الآية 36 من سورة آل عمران تقول حنة امرأة عمران، «رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنثَى، وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ، وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى، وَإِنِّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ، وِإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»، ويتضح من هذه الآية أنها أسمتها مريم يوم مولدها، وكانت تعتقد أن المولود ذكرًا، لأن الخدمة فى المعبد اليهودى آنذاك للصبية والرجال فقط، ولكنها وضعتها كما وعدت الله، ودعت إلى ربها أن يعيذها من الشيطان، ولهذا كانت مريم طاهرة، وحافظ الله على عذريتها، وجُعِلَت فى الإسلام خير نساء العالمين، حيث طُهرت من الخطية، والذنوب، وذريتها، أى عيسى ابنها، الذى جاء زكيا، ووجيها فى الدنيا والآخرة وفقا للقرآن، سورة مريم آية 19 فى بشارة جبريل لمريم، «أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا»، والغلام الزكيّ فى التفاسير الإسلامية، هو الطاهر من الذنوب، والآية 45 من سورة آل عمران فى تبشير الملاك لها أيضا، «الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها فى الدنيا والآخرة»، وأيضا قُصِد بها فى التفاسير الإسلامية، الخالى من الذنوب، وهذا يعنى أن الله تقبل نذر امرأة عمران، حيث حقق دعاءها يوم وضعتها فى بيته.

وبذلك يؤكد الإسلام أن سبب اختيار الله لآل عمران، أو أهل مريم العذراء، لأن يأتى منهم نبيًا، يرجع إلى الصفات الحسنة التى تمتعوا بها، من العبادة المستقيمة، ومخافة الله، والتقوى، والحشمة لدى نسائهم.

وفى هذا الشأن تحاورت «البوابة» مع الداعية الإسلامى المعاصر أحمد صابر، وبسؤاله عن والدى السيدة العذراء مريم قال: "إنهما فى القرآن معروفان بآل عمران، وكرم الله تعالى آل عمران فى كل الأديان، يهودية، ومسيحية، وإسلامية، فما من إنسان أيا كان، إلا ويكنّ كل المحبة، والتقدير، والاحترام لآل عمران".

ويتابع «صابر»: "كفى بأن هناك سورة فى القرآن باسم آل عمران، الذين اصطفاهم الله على العالمين، ذرية بعضها من بعض".

وأضاف «صابر»: "عمران هو جد المسيح عيسى لأمه، وامرأة عمران جدته لأمه، وكان عمران صاحب صلاة بنى إسرائيل فى زمانه، وكانت زوجته، امرأة عمران، امرأة صالحة كذلك، وكانت لا تلد، فدعت الله أن يرزقها ولدا، ونذرت أن تجعله مفرغا للعبادة، ولخدمة بيت المقدس، فاستجاب الله دعاءها، ولكن شاء الله أن تلد أنثى، هى مريم، وجعل الله كفالتها ورعايتها إلى النبى زكريا، وهو زوج خالتها، وإنما قدر الله ذلك لتقتبس منه علمًا نافعًا، وعملا صالحًا".

كما أشار إلى أن سورة آل عمران هى السورة الثالثة فى القرآن، وهو ما يؤكد على قمة العظمة، والتكريم لهذه الأسرة المقدسة.

وعن أسباب اختيار واصطفاء الله لهذه الأسرة بالتحديد قال: "أوجه اصطفاء آل عمران على البشر كثيرة، ومنها إكرامهم بإدراج النبوة فيهم بل وأولى العزم من الرسل، وأيضا فى نبى الله يحيى عليه السلام، فهو ابن خالة المسيح عليه السلام، ووالدته هى إيشاع أخت مريم وهذا كما جاء وفقا لقول جمهور المفسرين فى الإسلام".

ونوّه «صابر» إلى الآية القرآنية التى تقول، «إن اللَّهَ اصطفى آدَمَ، وَنُوحًا، وَآلَ إِبْرَاهِيمَ، وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ»، قائلا: اختتام الله الآية بآل عمران، دليل على أن عيسى النبي، جاء ليكمل ما سبق، ويختمه.

وعن الشفاعة المريمية، والتى يرفضها بعض المسيحيين، قال: "إن حدث أن إنسانًا قال لمسلم إن مريم ليست عذراء، قد يثير هذا غضبه، فمسألة عذرية مريم فى الإسلام محسومة بالنص القرآني، وعن الشفاعة، نراها بوضوح فى قصة النبى زكريا، الذى كان عاقرا، وتولى أمر مريم العذراء، التى قالت له، «إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ»، وعلى قولها هذا دعا زكريا ربه أن يرزقه كما يرزق الطفلة مريم فى المحراب (الهيكل) طعامها، وبالفعل حملت زوجته، وهذا دليل قاطع على شفاعة العذراء، وبركة نصائحها".

واختتم «صابر» حديثه بمدح آل عمران حيث قال: "يا لها من عائلة مقدسة، ومكرمة فى الأرض، والسماء، فنسأل الله العظيم رب العالمين أن يحشرنا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، آمين".


فى المسيحية

"يهوياقيم" من نسل سليمان بن داوود .. وداوم على الصلاة مع زوجته ليهبهما الله الذرية.

الأنبا توماس عدلي: "التقليد الكنسى وحى من الروح القدس .. و«البتول» كانت الوحيدة المؤهلة لحمل المسيح"

لم يذكر الإنجيل صراحة أى معلومات تخص والدى العذراء مريم، ووالدتها، ولكن جُمعت كافة المعلومات من كتب التقليد الكنسي، وهى مصادر تاريخية قديمة جدا، ويقال إنها كتابات يهودية، وكتابات مسيحية مبكرة، ومعترف بها من الكنيسة الأرثوذكسية، لكن لا تنسب لأى تلميذ من تلاميذ السيد المسيح.

ويعرف والد العذراء مريم فى الديانة المسيحية باسم يهوياقيم، أى الذى رفعه يهوه، ويهوه هو لقب من ألقاب الله فى العهد القديم، ويسمى أيضا فى المسيحية، بوناخير، وصادوق، وكان من نسل داود، من سبط يهوذا، وهو ابن يوثام بن لعازر بن اليود، الذى يصعد فى النسب إلى سليمان بن داوُود، الذى وعده الله أن نسله يملك على بنى إسرائيل إلى الأبد، وذلك حسب العهد القديم، فى الكتاب المقدس.

وفى المسيحية كان يهوياقيم، والد مريم العذراء، حزينا لحرمانه من نعمة البنون، فكان يداوم على الصلاة، والطلب من الله، أن يرزقه مولودا، حتى يزال عنه العار، فكان اليهود مجتمع قاس، يؤمن أن من لا يرزقه الله بنسل، هو ملعون من قبله، وحقق الله طلبته، وجاءت منه السيدة العذراء مريم، وهو شيخ كبير فى السن، وتختلف المسيحية عن الإسلام، فى أن والدها رأى مولودته قبل وفاته، حيث توفى وكان لمريم ثلاث سنوات، ويلقب الأقباط والد العذراء بـ«أب السيد المسيح»، باعتبار أن منه جاءت مريم العذراء، التى ولدت المسيح من الله، وليس من رجل، فاستحق هو أن يدعى أب للمسيح.


والدتها فى المسيحية

وتعرف والدة العذراء مريم فى المسيحية بالقديسة حنة ابنة لماثان بن لاوى بن ملكي، من نسل هارون الكاهن، وكان اسم والدة حنة، مريم، وهى من سبط يهوذا، ويقال إن حنة أسمت العذراء مريم على اسم والدتها.

وكان لوالد حنة، والدة مريم العذراء، ثلاث بنات، الأولى مريم على اسم والدتها، وهى أم سالومى القابلة، والثانية صوفية أم إليصابات، والدة القديس يوحنا المعمدان، والثالثة هى هذه القديسة حِنّة، زوجة الصديِّق يواقيم، ووالدة السيدة العذراء، وبذلك تكون السيدة البتول، وسالومي، وإليصابات بنات خالات.

وكانت حنة أم العذراء مريم لها من الفضائل، والتقوى التى ميزتها عن غيرها من النساء حتى نالت هذه النعمة العظيمة، بأن تحبل فى شيخوختها، إذ كانت عاقرًا، وتوسلت إلى الله أن ينزع عنها هذا العار، مقابل أن تهب مولودها له، مدى حياته، ليخدمه فى هيكله، فرزقها ابنة بركة لها، ولكل البشر.

وعقب ولادة مريم العذراء، وبعد أن أكملت ثلاث سنوات، أودعتها حنة فى هيكل سليمان النبي، لتكرسها للرب، كما وعدته.

ولكى نعرف أكثر عن أسرة العذراء مريم، تواصلت «البوابة» مع نيافة الأنبا توماس عدلي، مطران أبرشية الجيزة للأقباط الكاثوليك، وبسؤاله عن مصدر المعلومات المتعارف عليها بشأن والدى العذراء قال: "الكنيسة الكاثوليكية لديها مصدران، الكتاب المقدس، والتقليد الكنسي، ولم يُذكَر عن والديها فى الكتاب المقدس، ولكن تحدث عنهما التقليد الكنسي، ونحن نؤمن بالتقليد الكنسي، ونؤمن إنه وحى من الروح القدس".

وتابع نيافته: "وحى الله الذى كشفه للناس، تم بطريقتين، الأولى من خلال الكتاب المقدس، والثانية من خلال عمل الروح فى التقليد الكنسي، وحتى تعاليم آباء الكنيسة، والكنيسة، وشعبها، يعمل فيهم الروح القدس باستمرار".

وعن التقليد الكنسى أوضح: "التقليد الكنسى هو كتب آباء الكنيسة جميعهم، وكتب تعاليمهم، وكتب تعاليم المجامع المسكونية المقدسة، وحتى إيمان الكنيسة فى كل ما تفعله من طقوس هو مستق من تعليم المجامع، وهذا هو التقليد الكنسي، والذى تعتمده الكنيسة كتعليم»، ويكمل قداسته حديثه قائلا: «ولكن بالطبع توجد أشياء كثيرة الكنيسة لا ترى إنها موجودة بالتقليد الكنسي، وتلك يعيشها المؤمنون ببساطة إيمان، رغم عدم اعتراف الكنيسة بها". 

قلة المعلومات

وعن المعلومات التى وردت بالتقليد الكنسى عن والدى العذراء مريم، يقول مطران أبرشية الجيزة للأقباط الكاثوليك: "بالطبع لا توجد معلومات كافية وردت إلينا عن أسرة العذراء مريم، وحتى الكتاب المقدس لم يذكر عنهما شيئا، وحتى السيدة مريم العذراء تناولها الكتاب فى نصوص قليلة، ولكن نعرف اسم والديها من كتب التقليد، كانت والدتها تدعى حِنَّة، ووالدها يدعى يواقيم".

وبسؤال الأنبا توماس عدلي: هل حقا كان والداها لا ينجبان وطلبا من الله فى شيخوختهما فرزقهما بمريم؟ أجاب قائلا: ككنيسة كاثوليكية لا نستطيع أن نؤكد هذه المعلومات والتفاصيل، فلا نملك الدليل القاطع عليها، ولكن مع ذلك إن اعتمد آباء الكنيسة هذه التفاصيل كجزء من التقليد الكنسي، فحتما سيكون إيماننا بها كليا.

وعن ورود معلومات عن والديها إنهما من سبط يهوذا ومن نسل داود، يقول «عدلي»: "سلسلة أنساب السيد المسيح التى تؤكدها الأناجيل، دائما كان داود فيها عنصرًا أساسيًا فى السلسلة التى جاء منها المسيح، وبالتالى حتمًا والدا العذراء من نسل داود ومن سبط يهوذا".

ويجيب «عدلي» عن سؤال حول إيمان الكنيسة الكاثوليكية بطهارة العذراء الربانية، فهل تربية والديها اللذين عُرِفا عنهما بالتقوى لم تكن سببا فى صفات العذراء الحميدة؟ قائلا: "بالطبع لا، كون إن الله أعطى العذراء نعمة، لا يعنى أن الأسرة لم يكن لها دور فى تكوين شخصيتها، أولا وآخرا هى إنسانة، ولم تكن إنسانا آليا لا يتفاعل ويتأثر بالمحيط الذى تربى فيه".

ويواصل: "حتى وإن كان التقليد الكنسى يقول إن العذراء قضت طفولتها فى الهيكل، ولكن ذكر أيضا أن والدتها هى من نذرتها لخدمة الله فى الهيكل، وأيضا أعتقد أنه كانت هناك أوقات كثيرة جمعت مريم الطفلة بأسرتها، فلم يكن الترك فى الهيكل بمعنى الانقطاع التام عن والدتها، ولكن اختيار الله لهذا النسل بالتحديد لتأتى منه العذراء كان من المؤكد بتدبير منه، فهى الوحيدة التى كانت مؤهلة لأن تحمل فى أحشائها المسيح".

ويشير «عدلي» إلى رواية الملائكة التى كانت تطعم الطفلة مريم أثناء خدمتها فى الهيكل: "رغم قداسة مريم العذراء فى الكنيسة الكاثوليكية، إلا أننا لا نتعمق فى تفاصيل حياتها لهذا الحد، نحن نتوقف عند المسائل المتعلقة بوالديها، وبها، ما دام لم ترد معلومات عنهما فى الكتاب المقدس، ولكن أعتقد أن هذه الرواية موجودة فى التقليد الكنسى الأرثوذكسي، وهذا يضع احتمالية كبيرة لتمام صحتها، ولا بد أن نعرف أن كل كنيسة تختلف عن الأخرى من حيث تقليدها، وأحيانا من حيث المسائل اللاهوتية".

ويفسر مطران أبرشية الجيزة للأقباط الكاثوليك، سبب عدم تحدث الكتاب المقدس كثيرا عن أسرة العذراء، برغم أهميتها ودورها الواضح فى رسالة المسيح، فيقول: "هذا لا علاقة له بالأهمية، فأهمية النص الكتابى لا تقاس بكثرتها، ولكن كاتب كلمة الله، هو محكوم بما يمليه عليه الوحى فى إطار الاحتياجات الروحية للجماعة المؤمنة التى يُعلَن فيها عن كلمة الله".

ورغم قلة ما ورد عن والدى مريم العذراء، وبإجماع من رجال الدين بحقيقة هذا، إلا أن هذه الأسرة التى جاءت منها السيدة مريم العذراء، تحتل مكانة كبيرة، ولها احترام وتقدير فى قلوب المسلمين والمسيحيين، لما لهما من صفات روحية انعكست على ابنتهما العذراء مريم، لدرجة جعلتها تستحق أن يختارها الله لتكون فى الإسلام أم النبى عيسى، أعظم أنبياء القرآن الكريم من حيث إعجازاته التى وصلت للخلق، وإقامة الموتى، كما ورد فى سورة آل عمران 49 «أَنِّى قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّى أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِى الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ»، صدق الله العظيم.

ولها من القداسة التى أهلتها لتكون فى المسيحية أم الإله الظاهر فى الجسد، يسوع المسيح، حيث تُلقّب بالسحابة المنيرة التى يجلس عليها الرب الإله، كما ورد فى سفر أشعياء 19، ولقبت بأورشليم الجديدة، أى السماء الثانية التى حَوَت فى أحشائها الله الكلمة، وبسلم يعقوب، أى الوصل الذى جعل هناك علاقة بين السماء والأرض، الوسيط بين الله والناس.