الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

حج في عهد الملك عبدالعزيز.. هاري فيلبي أول أوروبي يزور المناطق الجنوبية من نجد

هارى فيلبى
هارى فيلبى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حرص كثير من الأدباء من الرحالة والمؤرخين المصريين عبر العصور على زيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة، وخلال هذه الزيارة سجلوا ما شاهدوه من أشكال العيش والعبادات، وانطباعاتهم المختلفة حول هذه الزيارة فى الأراضى المقدسة، وقاموا برصد شامل للبلاد وتحصيناتها والأحوال السياسية، وقد جمع الكاتب أحمد زيد تسجيلات هؤلاء الرحالة والمؤرخين فى كتاب أصدرته المجلة العربية تحت عنوان «الرحلة إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة». 
على الجانب الآخر سجل هؤلاء الرحالة والمؤرخون تفاصيل هذه الرحلة، وما شاهدوه من مآثر وما تكبدوه من مشاق ومخاطرـ خاصة أن الحج فى العصور الماضية كانت طرقه تفتقد إلى الأمن، وكثيرا ما كانت قوافل الحج تتعرض للسلب والنهب من قُطاع الطرق، وهو ما اختفى منذ قيام المملكة العربية السعودية. 
عاش الرحالة والمستشرق البريطانى «هارى سينت بردجر فيلبي» بين عامى ١٨٨٥و ١٩٦٠، ورحل إلى الشرق الأوسط أثناء الحرب العالمية الأولى، وقدم إلى الجزيرة العربية مسلما عام ١٩٣٠ واختار لنفسه اسم «عبدالله فيلبي» وأدى فريضة الحج فى عهد الملك عبدالعزيز، وقام بعدة رحلات للجزيرة العربية وكان أول أوروبى يزور المناطق الجنوبية من نجد. 
كتب فيلبى كتابا بعنوان «حاج فى الجزيرة العربية» تناول خلاله زيارته للمدينة المنورة، ورحلته للحج، فكان بصحبة الملك عبدالعزيز.
وصف فيلبى صعوده إلى جبل عرفات مع الملك عبدالعزيز، قائلا: إنهم استعدوا للذهاب إلى عرفات وما زال يتذكر مقولة الملك عبدالعزيز عن الحج وهى «الحج كالحملة»، فهو بالنسبة لى كانت كذلك، والحجيج بدأوا فى الصعود إلى عرفة على قدم وساق، وقد كان الطريق الواسع المخترق لمكة شرقا والمجاور لمقبرة المعلا والقصر الملكى طيلة اليوم مسرحا لحركة لا تنتهي، فأربعة أو خمسة فى صف واحد أفقى أحيانا تسير حاملة أثقالها ببطء، وتتقدم على وجهتها بعد ٩ أو ١٠ أميال وبينهم جماعات من الحجاج على الحمير تتخلل طريقها فى خطوات أسرع وإلى جانبهم يتسع الطريق لجحافل الحجاج السائرين على الأقدام كبارا وشبابا وأطفالا.
وتابع: عند نزولنا إلى الخيام المنصوبة فى سهل عرفات وأمامنا غير بعيد جبل الرحمة والذى هو بمثابة المعلم الرئيسى فى سهل عرفات، وتبدى جبل الرحمة لنا وفيه عمود أبيض اللون وراحت حرارة الجو ترتفع ومشينا عبر رقعة الرمال التى كانت كالنار للأقدام الحافية. 
على الجانب الآخر مسجد نمرة بعرفات عبارة عن سور مدهون باللون الأبيض وحوائطه مسننة لكن المسجد بلا مئذنة، ولم يكن بالمسجد مكان لسجود المصلين عندما أقيمت الصلاة من شدة الزحام وقد كانت الخطبة تلقى وقتها من على جبل الرحمة أو بالقرب منه. 
وصف فيلبى منظر النفير من عرفة قائلا: كان منظر الجمال هو الذى راعنى ففى الوادى الفسيح كله كانت صفوف الجمال وفيالقها هى التى لفتت انتباهى ولا بد أن هناك ما لا يقل عن ٥٠ ألف جمل كلها سائرة إلى الأمام فى خطواتها السريعة الصامتة التى تميزت بها وسائل النقل الرئيسية فى الجزيرة العربية.
تحدث فيلبى أيضا عن منظر الوقوف بمزدلفة قائلا: مدينة مزدلفة لم يكن لهذه المدينة أثر عندما مررنا عليها فى الصباح متجهين إلى عرفة وفور النفير من جبل عرفات انفجرت أمامنا مدينة ضخمة بآلاف الأنوار والأقواس المضاءة فى صفوف منتظمة فقد نبتت فجأة فى الوادى منذ الغسق ولقد كانت همهمة الجمال فى كل مكان وكذلك نداءات الرجال لأصحابهم الضائعين فرقة موسيقية حقيقية متنافرة الأنغام وجاءت وجبة العشاء فى صوان ضخمة نشرت على بساط طويل على المنحدر الرملى فأكلنا وأمر الملك عبدالعزيز مساعديه بالذهاب لدعوة الحجا للعشاء فجاءوا بالمئات ليأكلوا من مائدة الملك وعند منتصف الليل صحونا على أصوات محركات السيارات ورغاء الجمال وكان الملك على بعد خطوات غارقا فى تلاوته ثم اصطففنا لصلاة الفجر.
وذكر أيضا فيلبى عندما كان فى مِنَى وعند تجواله بها عقب صلاة العشاء فلم يكن الأمر سهلا على الجماعات المتحركة من الناس والجمال فالقمر يضفى على المنظر سحرا. 
ومن عجيب ما رأى «فيلبي» خلال رحلته للحج قوله: «رأيت حجاجا أمضوا سنوات عديدة منذ مغادرة بلادهم لأداء الحج فهذا رجل وزوجته أبلغانى أنهما بدءا رحلتهما ومعهما طفل واحد فصارت ١٤ سنة فى المشعر أسرة من ٦ أشخاص، وهذا آخر ادعى أن عمره ١٢٠ عاما قضى ما لا يقل عن ٧٠ منها فى طريقه من مدينة «لأغوس» بنيجيريا لأداء الحج واستثمرها فى تلقى العلوم حيثما مر. 
وأشار فيلبى إلى ماء زمزم قائلا: إن جميع من كتبوا عن ماء زمزم أساءوا إليه بلا وجه حق، وعلى خلاف ما ذكروه فله طعم جميل ومنعش ومفيد للجسم ومفيد جدا لآلات الجسم الداخلية، ومن المؤكد أن ذلك الماء هو أقدم وأقدس مياه الأرض كلها.