الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

صقر الشبيب.. مكابدات الأيام

صقر الشبيب
صقر الشبيب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتكدّرُ من المجالسِ وينفِرُ عنها مبديًا انزعاجهُ منها، لذا كانَ أصدقاؤهُ معدودين، ولم يتأقلم بحياته الزوجيّة، إذ تزوج فطلّق مرارًا، وأطول مُدّةٍ بقيَ متزوجًا فيها هي مُدّة ثلاثةِ أشهرٍ، ولهذا كلّه، بما فيه من دوافعٍ للوحشة والغُربة، تتضحُ ملامحُ الشكوى في شعرِه بجلاءٍ وعبر مجالاتٍ مُتعدّدة، إنه الشاعر الكويتي صقر الشبيب.
وُلدَ صقر بن سالم شبيب في عاصمة الكويت، عام 1894م، فقد بصرهُ في سنٍّ مُبكّرةٍ إثرَ مرضٍ مستعصٍ، ثم تُوفيت والدتهُ التي كانت ترعاهُ وتعطِفُ عليه وهو لا يزال غلامًا، فقُدَّرَ لهُ أن يذوقَ قسوةَ اليُتمِ، وظُلمة العمى فيما تبقى من حياتهِ الشاقّة، ومع ذلك كان فتىً ذا رغبةٍ جامحةٍ في التعلّم. وقد منَّ سبحانه وتعالى عليهِ بموهبةِ الحفظ وشغفِ المُطالعة، غيرَ أنّ انشغالهُ بالقراءةِ والشعرِ أثارَ غَضب والده الذي كانَ ككثيرٍ مِن بُسطاءِ البلاد، يتخوفُ من الثقافةِ، ويرى بأنها تُلهي عن ذكرِ اللهِ –جلّ شأنه- ولهذا السبب وأيضًا لتحاشي الصدام مع والده، تجنب مجالسةِ والدِه.
ومع ذلك تبقى شخصيّة الشبيب شخصية متفاعلة لما يجري حولها، فلم يمنعهُ عمى العينين صبيًا من أن يكونَ من ذوي البصيرةِ كبيرًا، ولم تقودُهُ الطبائعُ والأفكار السائدة في المجتمعِ إلى التسليمِ بها أو الخنوعِ لها، إذ قادهُ تأثرهُ لِما يجري حولهُ من قضايا سياسيّةٍ واجتماعيّةٍ إلى توظيفِ اطّلاعهُ الثقافيّ لما يراهُ خيرًا، وبذلك تحدّى المصائبَ والظروف القاسية بقريحةٍ شعريةٍ صادقةٍ هادفةٍ تدعو إلى النهضة.
ومن هذا المنطلق، يكونُ قد تأثّر بالمناخِ البيئيِّ الذي أحاط به، ولكنّهُ أيضًا لعبَ دورُ المؤثِّرِ به مِن خلالِ شعرِهِ وثقافتهِ برغم انطوائهِ ووحشته. ولأن شعرهُ كان مؤثرًا ويمثلُ رُؤى الفئة المثقفة في مجتمعه، لُقّبَ بـ"شاعر الكويت الأول"، ولا عجب، فقد كانت أشعارهُ تستنهضُ الأدباءَ في الكويتِ، وقد استلهمت قصائده المثقفين الذين استكملوا من بعدهِ مسيرة الكويت الأدبية عقِبَ وفاته في عام 1963م عن عمرٍ يتجاوز السبعينَ عامًا.
يتمتع شعر الشبيب بكثير من الدلالات الاجتماعيّة التي عاشتها الكويتُ في زمنِه، فقد كان الشاعرُ لسانًا مُعبّرًا عن بلدِه، ولم يُخبر عن حال البلد ما قبلَ النفطِ وكفى، بل ساهمَ خطابُه بشكلٍ مباشرٍ في رسمِ رؤى وآمال رُوّاد الحركة الأدبية فيها، من خلالِ توجيهه النهضويّ. وبرغم إيمانهِ الشديد بقضيّتهِ النهضويّة، إلا أنه لم يتقلّد -أو بالأصح لم يستقر- على وظائفٍ عملية ذاتَ مردودٍ تنمويٍّ كأقرانهِ الرُّواد، حتى برزَ في شعرِه عن الدلالاتِ الذاتية التي كانت حائلًا لهُ دونَ ذلك، إذ أفصحَ عمّا بوجدهِ من مكابداتٍ لحقت بهِ لتنهي أيامهُ إلى الانعزال.