الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

زكي مبارك.. المُشاغب

زكي مبارك
زكي مبارك
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان لكُتّاب قريته الأثر البالغ في بلورة عشقه للغة العربية وعلومها، فعشق اللغة منذ نعومة أظافره حتى صار واحدًا من أساطينها في الشعر والأدب، فصار يسبق اسمه ألقاب الشاعر والأديب، واشتهر بلقب عائلته فصار "زكي مبارك"، أيقونة الأدب المصري في بدايات القرن العشرين.
ولد زكي عبدالسلام مبارك في 5 أغسطس عام 1892 بقرية سنتريس بمركز أشمون بمحافظة المنوفية، لأسرة ميسورة الحال، توجَّه في طفولته إلى الكُتَّاب، وأدمن القراءة منذ كان في العاشرة من عمره، وأتم حفظ القرآن الكريم وهو في السابعة عشرة، التحق بالأزهر الشريف، ثم انتسب إلى الجامعة المصرية عام 1916 بعد إتقانه اللغة الفرنسية، وحصل فيها على الليسانس، ثم الدكتوراه في عام 1924، ثم سافر بعدها بثلاثة أعوام مبعوثًا إلى العاصمة الفرنسية باريس وحصل من جامعة السوربون على الدكتوراه عن موضوع "النثر الفني في القرن الرابع الهجري"، كما حصل على دكتوراه أخرى عام 1937 في التصوف الإسلامي.
تتلمذ زكي مبارك على يد الشيخ المرصفي الذي لعب دورًا إصلاحيًّا كبيرًا في تطور الدراسات الأدبية واللغوية في ذلك العصر، وتتلمذ أيضًا على يد طه حسين، ولكنه كان تلميذًا مشاغبًا يقارع أستاذه، ولا يستكين استكانة المتلقي، بل يُعمل عقله النقدي ويجاهر مجاهرة الواثق بقدراته، حيث قال لأستاذه طه حسين ذات مرة أثناء إحدى المناقشات في مدرج الجامعة: "لا تتعالموا علينا ففي وسعنا أن نساجلكم بالحجج والبراهين".
تبوَّأ زكي مبارك مكان الصدارة في مجالي الشعر والخطابة، ورمى بنفسه في أتون ثورة 1919 مستغلًّا هذه المكانة ليلهب مشاعر الجماهير بخطبه البليغة الوطنية، ويفجر المظاهرات بأشعاره النارية، عمل أولًا بالصحافة: رئيسًا لتحرير جريدة "الأفكار"، وبعد الدكتوراه عُيّن مدرسًا بالجامعة المصرية عام 1925 ثم أبعد عنها لمناصرته عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في معركة كتابه "في الشعر الجاهلي".
عاد زكي مبارك إلى باريس وقضى فيها ثلاث سنوات وعاد عام 1931 وهو يحمل دكتوراه ثانية، ثم عمل بكلية الآداب أستاذا، وحصل على الدكتوراه الثالثة، ما أثر على حضوره الأدبي فسبقه في هذا الحضور أبناء جيله طه حسين والمازني والعقاد، لا سيما وأنه أضاع مرحلة ترسيخ الاسم الأدبي بسفرياته ودراساته الطويلة.
لم ينضم زكي مبارك إلى أي من الأحزاب مثل أدباء عصره فناله الكثير من الظلم في عمله الجامعي، ونظرًا لإهماله في أعماله الأدبية وفي تشتته واسترساله في أعماله قال عنه طه حسين "هو الرجل الذي لا يخلو إلى قلمه إلا احتال على رأسه عفريت"، وقال عنه العقاد "إنه كاتب بلا شخصية وبلا طابع"، وعنه قال المازني "لو أخلى كتاباته من الحديث عن زكى مبارك لكان أحسن مما هو عليه"، فإذا كانت هذه آراء منافسيه وخصومه فلم يسلم أيضا من رأي رفاقه منهم أحمد حسن الزيات الذي قال عنه "هو لون من ألوان الأدب المعاصر، ولا بد منه ولا حيلة فيه، هو الملاكم الأدبي في ثقافتنا الحديثة".
عرف زكي مبارك بأنه مشاكس، فدائما هو في حالة خصومة مع الأدباء ولم يسلم أدباء عصره من لسانه حتى إنه كان يقول عن نفسه "أنا أحب الخصومات لأنها تزكى عزيمتي"، وتوفى زكي مبارك في قريته في 23 يناير 1952.