الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

محيي الدين ابن عربي.. "شجرة الكون"

الإمام الأكبر محيي
الإمام الأكبر محيي الدين ابن عربي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كتب المتصوف الإمام الأكبر محيي الدين ابن عربي المعروف بالكبريت الأحمر الكثير من المؤلفات التي تتسم بالروح الصوفية النابعة من تجربة فريدة ومثيرة، هذه المؤلفات بلغت الألف ما بين كتاب ورسالة وموسوعات ضخمة، وفسر البعض ذلك بغزارة فكر وتجربة الشيخ الأكبر، وحذر البعض الآخر من تناول كل ما ينسب للشيخ على أنها مؤلفاته، وهو ما ذهب إليه الشيخ عبد الوهاب الشعراني وهو من العماء المتأخرين الذين ردوا على الاتهامات التي نسب لابن عربي بأن الكثير من الكتب والرسائل قد دست عليه وهي في حقيتها من تأليف آخرين، مما جعل هناك أفكار غريبة عن فكر الشيخ وغريبة عن تصوراته ومعتقداته.
ومن بين الكتب الهامة التي كتبها ابن عربي "رسالة الروح القدس" والتي عالجت قضايا النفس الإنسانية وكيفية ترويضها والاهتمام بها، كتبها أثناء إقامته في مكة في العام 600 هـ ثم بعث بها إلى صديقه التونسي أبي محمد بن عبدالعزيز القرشي المهدوي، وعن هدف كتابه تلك الرسالة يوضح أنه يبتغي بذلك ثواب الرحمن والقيام بواجب النصيحة تجاه إخوانه، وعن النصح يقول: "إن النصح أولى ما تعامل به رفيقان وتسامر به صديقان وقلما دامت اليوم صحبة إلا على مداهنة، وكل إنسان يقبل النصح من غيره لا من نفسه لأن النفس عمياء عن عيوبها بصيرة بعيوب غيرها". 
ألف ابن عربي موسوعته الصوفية الضخمة "الفتوحات المكية" التي تعد واحدة من المؤلفات المهمة في تاريخ الفكر الإسلامي، كتبه كرسالة سماها "الفتح المكي" ثم أكملها بعد زمن حتى أصبحت تحتوي على أكثر من 4000 صفحة وقال فيها "كنت نويت الحج والعمرة فلما وصلت إلى أم القرى أقام الله في خاطري أن أعرف الولي بفنون من المعارف كنت قد حصلتها وكان الأغلب منها ما فتح الله علي ثم طوافي بيته المكرم".
والمطالع لكتابات ابن عربي يجده تمتع بلغة عربية بليغة للغاية لا يجاريه فيها كبار الأدباء، حتى قال في مرة يعتز بامتلاكه لناصية البلاغة أنه رأى حروف اللغة في السماء يتحولن إلى إناث جميلات تزوجهن جميعا، فكان ذلك رمزا لتبحره في فنون الأدب واللغة، وما يبرز ذلك أكثر أنه ألف كتابًا كاملا بعنوان "شجرة الكون" رابطًا بين حرفي الكاف والنون اللذين مثلا الأمر الإلهي للموجودات في "كن"، وبين الوجود المعروف بالكون.
يقول ابن عربي في صدر كتابه "شجرة الكون": وكوَّن – أي الخالق- بكلمة "كن" جميع الكائنات وأوجد بها جميع الموجودات، فلا موجود إلا مستخرج من كنهها المكنون، ولا مكنون إلا مستخرج من سرها المصون، قال الله تعالى "إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ".
ويتابع الإمام الأكبر: فإني نظرت إلى الكون وتكوينه، وإلى المكنون وتدوينه، فرايت الكون كله شجرة، وأصل نَّورها – أي زهرها- من حبة كن، قد لحقت كاف الكونية بلقاح حبة "نحن خلقناكم" فانعقد من ذلك البزر ثمرة "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" وظهر من هذا غصنان مختلفان أصلهما واحد وهو الإرداة وفرعهما القدرة، فظهر عن جوهر القدرة معنيان مختلفان، كاف الكمالية "اليوم أكملت لكم دينكم" وكاف الكفرية "فمنهم من آمن ومنهم من كفر".
ويشرح ابن عربي رؤيته لظهور الكون وانبثاقه من العدم بالأمر الإلهي، فيرى أن الله رش على الوجود من نوره، فأما من أصابه ذلك النور فحدق إلى الشجرة ولاح له سر كمالها في "كنتم خير أمة" وتبين له شرحها في "أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ"، وأما من أخطأ ذلك النور، فغلط في هجائه وخاب في رجائه.
يستكمل الكبريت الأحمر رؤيته لشجرة الكون التي خرج منها المؤمن والمصلح والكافر والجاحد، وكل منهم قد نتج عن "رش النور الإلهي" فهل يقصد الفضل الرباني في اجتذاب العبد إلى رحمته؟ أم قصد إلى العقل فسماه النور الذي به يتضح للإنسان علامات الحقيقية فيقر لها ويصبح مؤمنا بها أم يجحدها ويصبح كافرا بها؟
ويستشهد المتصوف الكبير بحديث شريف جاء فيه "إن الله خلق خلقه في ظلمة، ثم رش عليهم من نوره، فمن أصابه ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ذلك النور ضل وغوى".