السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

حرب ناقلات النفط.. إيران تصدر الأزمات للعالم

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدو أن إيران أصبحت تتعايش على خلق الأزمات فى المنطقة والعالم، من منطلق «أنها لم يعد لديها ما تخسره»، فلا يبرح قائد القطار الإيرانى «قائد الثورة الإسلامية» أن يخرج من نفق مظلم حتى يدخل إلى الآخر، ويبدو أن المحطة الأخيرة لهذا القطار هى «صراع ناقلات النفط»، التى تعد أحدث تصعيد لإيران خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من المواجهة مع الغرب. والتى بدأت عندما دخلت العقوبات الأمريكية الجديدة الأكثر تشددًا حيز التنفيذ الفعلى بداية مايو الماضي.
فبعد الاتهامات التى وُجهت الفترة الماضية من قبل الولايات المتحدة والغرب ودول الخليج ضد طهران بمسئوليتها عن عمليات التخريب والتفجيرات التى حدثت لناقلات نفط قرب مضيق هرمز، قامت إيران بخلق أزمة جديدة باحتجازها ناقلتى النفط «ستينا إمبيرو» التى ترفع العلم البريطاني، و«مسدار» التى ترفع علم ليبيريا وتشغلها شركة «نوريولك» البريطانية، يوم الجمعة ١٩ يوليو الجاري. فضلًا عن احتجازها ناقلة نفط أخرى فى ١٤ يوليو تُدعى «رياه» والتى ترفع علم بنما.
وتأتى هذه الأفعال التصعيدية من قبل طهران كرد فعل على ما قامت به مشاة البحرية الملكية البريطانية باحتجاز ناقلة النفط الإيرانية «جريس ١» قبالة إقليم جبل طارق التابع لبريطانيا فى الرابع من يوليو، وأعلنت سلطات مضيق جبل طارق أن الناقلة خرقت العقوبات الأوروبية بنقلها النفط الإيرانى إلى سوريا.
أزمة المضيق وأسعار النفط
لا شك أن أى توترات جيوسياسية فى منطقة مهمة مثل مضيق هرمز، سوف تؤثر على أسعار النفط، لا سيما مع الدور الحيوى للمضيق بالنسبة للإمدادات العالمية من النفط، فبحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فقد عبر يوميًا ما يقارب ٢٠.٧ مليون برميل خلال عام ٢٠١٨، من إجمالى ٩٩.٩ مليون برميل، تم استهلاكها يوميًا من قبل العالم، مما يعنى أن المضيق يسهم فى نقل ما يقارب خُمس إمدادات النفط العالمية، وما يقارب ثلث الإمدادات النفطية التى يتم نقلها عبر البحار، فضلًا عن أن المضيق يسهم فى نقل ربع إمدادات الغاز الطبيعى عبر العالم.
فبعد أن قامت قوات الحرس الثورى الإيرانى باحتجاز ناقلة النفط «ستينا إمبيرو» التى ترفع العلم البريطاني، لزعمها أنها تقوم بتهريب المحروقات، ارتفعت أسعار النفط بما يقارب ٢٪؛ وارتفع سعر خام برنت من ٦٢.٤٧ دولار للبرميل فى ١٩ يوليو إلى ٦٤.٠١ دولار للبرميل يوم ٢٤ يوليو. ويتضح من ذلك أن الارتفاع فى أسعار النفط جراء هذه الأزمة محدودًا وفى نطاق ضيق على المدى القصير، ويرتبط بصورة أكبر بارتفاع تكاليف التأمين على السفن وتكاليف الشحن، نتيجة تخوف الشركات المالكة من أى مخاطر تتعرض لها تلك السفن فى المضيق.
أما على المدى الطويل، فمن المتوقع أن تأثير هذه الأزمة ومثيلاتها على أسعار النفط العالمية سوف تكون ضئيلة أو غير ذات نطاق عريض، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب:
أولًا: انخفاض الطلب العالمى على النفط خلال الأعوام القادمة، فمع توقع حدوث انخفاض فى معدلات النمو الاقتصادى العالمية، لا سيما جراء الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين؛ وصرح صندوق النقد الدولى مؤخرًا بأنه يتوقع نموًا عالميًا بنسبة ٣.٢ فى المئة لهذه السنة، و٣.٥ فى المئة فى ٢٠٢٠، وكذلك تباطؤ اقتصاد الصين، والذى يعد ثانى أكبر مستهلك للنفط فى العالم، الأمر الذى يعنى أن الطلب على النفط سوف ينخفض بصورة كبيرة خلال السنوات القادمة، مما يقلل من فرص ارتفاع أسعاره بصورة غير معتادة.
ثانيًا: على النقيض، فمن المتوقع أن تكون هناك زيادة فى المعروض من النفط خارج منظمة أوبك، فبحسب تصريحات «أوبك» فسوف يرتفع المعروض النفطى من خارج أوبك إلى ٢.٠٥ مليون برميل يوميًا، ويعنى ذلك أن إجمالى المعروض النفطى من دول خارج أوبك سوف يسجل ٦٤.٤٣ مليون برميل يوميًا خلال عام ٢٠١٩. أما ما يتعلق بعام ٢٠٢٠ فمن المتوقع أن ينمو المعروض النفطى من الدول غير الأعضاء فى أوبك بنحو ٢.٤ مليون برميل يوميًا ليبلغ فى المتوسط ٦٦.٨٧ مليون برميل يوميًا.
ولتفادى هذا الفائض فى المعروض واحتمالات انهيار الأسعار، وبما أنه من المتوقع أن الطلب العالمى على النفط لن يرتفع بأكثر من ١.٤ مليون برميل يوميًا خلال عامى ٢٠١٩ و٢٠٢٠، فقد قامت أوبك فى نهاية يونيو ٢٠١٨، بعقد اتفاق مع مجموعة الدول المصدرة الحليفة لها يقضى بخفض سقف الإنتاج بمقدار ١.٢ مليون برميل يوميًا، بما يشكل حوالى واحد فى المئة من الإمدادات العالمية، وذلك حتى مارس ٢٠٢٠.
الأمر الثالث، الذى يدفعنا للقول بأن أسعار النفط العالمية لن تتأثر بمثل هذه التوترات الجيوسياسية فى مضيق هرمز هو تحقيق الولايات المتحدة الاكتفاء الذاتى من النفط، حيث لم تعد تعتمد سوى على ١٠٪ من نفط الخليج، هذا فضلًا عن أنها حققت العام الماضى (٢٠١٨) تفوقًا على السعودية وروسيا فى إنتاج النفط الخام. ويرجع ذلك بالأساس إلى زيادة إنتاج منطقة حوض بيرميان الذى يقع فى ولايتى تكساس ونيو مكسيكو، ومنطقة باكن فى ولايتى نورث داكوتا ومونتانا، وخليج المكسيك.
وبحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فقد بلغ الإنتاج الأمريكى من النفط عام ٢٠١٧ ما يقارب ٩.٤ مليون برميل يوميًا، فى مقابل ١٠.٩٦ مليون برميل يوميًا لعام ٢٠١٨، و١٢.٣٦ مليون برميل يوميًا لعام ٢٠١٩. ومن المتوقع أن يصل الإنتاج عام ٢٠٢٠ إلى ١٣.٢٦ مليون برميل يوميًا. هذا فضلًا عن أن الولايات المتحدة أصبحت أيضا مصدرًا للنفط الخام للعديد من دول العالم، بعد أن رفع الكونجرس فى عام ٢٠١٥ حظرًا دام ٤٠ عاما على تصديره. مما يعنى أن القرارات التى تتخذها أوبك وحلفاؤها حول تخفيض الإنتاج لن تؤثر بصورة كبيرة فى ارتفاع الأسعار.
كل هذا يعنى فى النهاية أن زيادة الإنتاج العالمى من النفط فى مقابل توقعات بانخفاض الطلب عليه سيؤدى فى النهاية إلى عدم ارتفاع الأسعار سوى فى مستويات محدودة، وعلى المدى القصير كتأثير مباشر لأى توترات يشهدها العالم خلال الفترة المقبلة.
■ ماذا لو أغلقت إيران المضيق؟
فى أوقات الأزمات يصبح من الصعب توقع ما هو قادم، لا سيما أن الأزمة بين إيران والغرب مستمرة منذ عقود طويلة، لكن من غير المرجح - حتى الآن - أن تقوم إيران بإغلاق مضيق هرمز، لا سيما أنها لم تعلن أى نية عن ذلك، وبالتالى يبدو أن «الحل الدبلوماسي» ما زال هو الحل الأمثل فى الوقت الحالي. كما أن إيران تدرك جيدًا أن إغلاق مضيق هرمز يعنى نشوب حرب متعددة الأطراف، ربما تكون عالمية، لا سيما أن وجود الأسطول الخامس الأمريكى فى المياه الإقليمية المقابلة للبحرين يعنى أن الولايات المتحدة يمكن أن تتحرك فى أى لحظة إذا ما حاولت طهران إغلاق المضيق، هذا فضلًا عن أن الرئيس الأمريكى ترامب قد أعلن فى مايو الماضى، أنهم سيرسلون مجموعة حاملات طائرات وقاذفات وبطاريات صواريخ باتريوت لمواجهة ما سماه «مؤشرات واضحة على أن إيران وعملائها يستعدون لمواجهة القوات الأمريكية فى المنطقة». كما أن الحكومة البريطانية قد أعلنت مؤخرًا عن وجود خطط لتشكيل قوة بقيادة أوروبية لحماية الملاحة فى منطقة الخليج.
ومن ناحية أخرى؛ فإن إيران تدرك أن إغلاق المضيق سوف يؤثر بصورة واضحة فى الاقتصادات الصديقة لها، فإذا كانت الولايات المتحدة تتمتع بالاكتفاء الذاتى من الطاقة، ولا تعتمد على المضيق سوى فى ١٠٪ من النفط الذى تحتاجه، إلا أن اقتصادات دول مثل روسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية، تعتمد اعتمادًا كبيرًا على نفط الخليج، وبالتالى فإن إغلاق المضيق يعنى أن طهران على استعداد للتخلى عن هذه الدول الصديقة، وهذا مستبعد بالطبع، لا سيما فى ظل الدعم الذى تقدمه لها هذه البلدان فى مقابل العقوبات الأمريكية.
■ هل يمكن تجاوز المضيق؟
من الصحيح أننا نتوقع أن «الحل الدبلوماسي» سوف يكون سيد الحلول خلال الفترة القادمة، لا سيما فى ظل قدوم رئيس وزراء جديد لبريطانيا هو «بوريس جونسون»، والذى يرث تركة صعبة للغاية تتمثل فى ضعف الاقتصاد البريطانى وأزمة البريكست، وبالتالى فلن يبحث الرجل عن مشاكل جديدة خارج بلاده. كما أنه وبحسب تصريحات رسمية صادرة عن مكتب خامنئى؛ فقد أرسلت بريطانيا وسيطًا للتفاوض حول الإفراج عن الناقلة «ستينا إمبيرو».
■ لكننا حالة افتراض أن إيران قامت بإغلاق المضيق، فهل يمكن تجاوز المضيق إلى ما سواه؟
يبدو أن الإجابة عن هذا السؤال ستكون بالنفي؛ فبحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هما الدولتان الوحيدتان اللتان تمتلكان خطوط أنابيب قادرة على شحن النفط خارج الخليج العربي، وبحسب عام ٢٠١٨ فإن القدرة الاستيعابية لهذه الخطوط الثلاثة تصل إلى ٦.٨ مليون برميل يوميًا، إلا أنه لا يتم نقل سوى ٣ ملايين برميل يوميًا عبر تلك الخطوط، مما يعنى أن هناك فائضا فى القدرة يصل إلى ٣.٨ مليون برميل يوميًا.
لكننا إذا قارنا هذا الرقم الأخير (٣.٨ مليون برميل يوميًا)، بما يتم نقله من النفط يوميًا عبر مضيق هرمز، والذى يصل إلى ٢١ مليون برميل من النفط يوميًا (بحسب بيانات ٢٠١٨)، فسوف يتضح أنه سيكون هناك نقص فى إمدادات النفط بما يقارب ١٧.٢ مليون برميل يوميًا، أى ستقل الإمدادات بما يمثل أربعة أضعاف عن الإمدادات المعتادة عبر المضيق. الأمر الذى يعنى أنه فى حال قيام طهران بإغلاق المضيق؛ فسوف ترتفع أسعار النفط بصورة كبيرة، هذا فضلًا عن احتمالات نشوب حرب عسكرية فى المنطقة. وهذا ما يدفعنا إلى استبعاد إغلاق المضيق.
يبدو أن إيران تحاول إشعال الأزمات فى المنطقة والعالم، فبدلًا من أن تقوم بتصدير «الثورة الإسلامية» تقوم بتصدير «الأزمات»، وكأنه الخيار المتاح أمامها حاليًا، فمع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووى فى الثامن من مايو ٢٠١٨، وتنفيذ المزيد من العقوبات الاقتصادية عليها، لا سيما فيما يتعلق بتصدير النفط، فإنها تسعى لتصدير مزيد من الأزمات للمنطقة والعالم. هذا فضلًا عن أنها تريد التأكيد للداخل الإيرانى ولحلفائها أنها دولة «ممانعة» وتستطيع أن ترد على ما قامت به مشاة البحرية الملكية البريطانية باحتجاز ناقلتها «جريس ١».
وبالتالى ففى النهاية، إذا لم يحدث وأغلقت طهران مضيق هرمز، ومن المستبعد أن تغلقه، فإن أسعار النفط العالمية على المستوى البعيد لن تتأثر بصورة كبيرة جراء ما يحدث من توترات فى المنطقة؛ إذ يبدو أن سوق النفط العالمية، قد تعود أو ربما- سئم- من هذه التوترات المستمرة، هذا فضلًا عن التوقعات بتراجع الطلب العالمى على النفط فى ظل مخاوف الركود الاقتصادى العالمى وزيادة المعروض النفطى خلال السنوات القادمة.