الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

سيرة الحب.. أشهر قصص الغرام بين الأدباء والفنانين "3".. ملكة إنجلترا تتستر على جريمة حبيبها لتحتكر قلبه

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مأساة عاشقين سجلها كتاب بعنوان «تاريخ ما نزل بى من المصائب»
هيلوئيز تحفظ عهد الحب وتداوم على زيارة قبر حبيبها لمدة 22 سنة 
قصة عشق فرنسية بين شاعر وعازفة للموسيقى
بقلم سامح قاسم
لا شك أن الإنسان دون حب يبقى كائنا حيا لا يتعدى مادية اللحم والدم. وهو ما عبر عنه إيليا أبوماضى قائلا: أحب فيغدو الكوخ كونا نيرا/ وأبغض فيمسى الكون سجنا مظلما/ ما الكأس لولا الخمر إلا زجاجة/ والمرء لولا الحب إلا أعظما.
لا يوجد عصر ولا زمان لم تلعب فيه المرأة دورا أساسيا ومحوريا فى الرجل، لا سيما الأدباء والفنانون والمفكرون، فقد كانت هذه الهشة والرقيقة بالنسبة لهؤلاء، الأرض الخصبة التى يستخرج من أعماقها ما لم يتوقعه أحد. ولا يوجد من يستطيع أن ينكر أثر المرأة فى تطور وبناء الحضارة الإنسانية، فهى ربة الوحى والإلهام، ولعل الأعمال الكثيرة المختزنة فى متاحف ومكتبات العالم شاهدة على دورها وأهميتها كملهمة للإبداع فى مختلف المجالات والاتجاهات.

وفى هذا يقول أراغون شاعر فرنسا: إن المرأة أم يولد من حبها الرجل ويهيم بها، كما يهيم الإنسان فى المناخات الصوفية. المرأة ذات طابع كوني، بصفتها مبدأ الخصب. والصوفى إنسان يعيش فى هاجس النهائيات، ويتحرق لفهم سر الكون وامتلاك هذا السر والارتقاء به. وهذا لا يتم إلا عبر لظى عاطفى ومحبة متأججة، تجمع بين المحب وموضوع حبه.

وقال داود الأنطاكى فى كتابه (تزيين الأسواق بتفصيل أشواق العشاق): «العشق فضيلة، تنتج الحيلة، وتشجع الجبان، وتسخى كف البخيل، وتصفى ذهن الغبي، وتطلق لسان الأعجم، وتبعث حزم العاجز الضعيف، وهو عزيز يذل له الملوك، وتضرع له صولة الشجاع، وهو داعية للأدب، وتأويل باب تفتق به بالأذهان والفطن، ويستخرج به دقائق المكايد والحيل، وإليه تستريح الهمم، وتسكن به فواتر الأخلاق والشيم، يمتع جليسه، ويؤنس أليفه، وله سرور يجول فى النفوس، وفرح يسكن فى القلوب».
ولهذا نرى المبدعين وقد جعلوا من أنفسهم تربة خصبة لبذور الحب، كى تتفتح أزاهير وورودا، يعبق شذاها فى فضاء كياناتهم. فعاشوا فيه، وترعرع فى أعماقهم وبات ينبوع عطائهم الفنى والأدبى والفكري، منه يستلهمون أعمالهم.
قال أبوبكر الوراق: سأل الخليفة المأمون عبدالله بن طاهر ذا الرياستين عن الحب ما هو؟ فقال يا أمير المؤمنين: إذا تقادحت جواهر النفوس المتقاطعة بوصل المشاكلة، انبعث منهما لمحة نور تستضيء بها بواطن الأعضاء، فتتحرك لإشراقها طبائع الحياة. فيصور من ذلك خلق حاصر للنفس متصل بخواطرها يسمى الحب.
وعلى الرغم من تأثير المرأة فى حياة المبدعين؛ فإن حقيقتها بقيت مجهولة عند الكثيرين منهم، وفى هذا يقول «نيتشة» إن كل ما فى المرأة لغز، وليس هذا اللغز إلا مفتاحا واحدا هو كلمة (الحبل). بمعنى أن الرجل ليس للمرأة إلا وسيلة، أما غايتها فهى الولد.

ويتساءل نيتشة فى كتابه (هكذا تكلم زرادشت): ولكن ما تكون المرأة للرجل يا ترى؟ وبعد جهد يتوصل إلى «أن الرجل الحقيقى يطلب أمرين: المخاطرة واللعب، ولذلك ما يدعوه إلى طلب المرأة فهى أخطر الألعاب».
وقال الفقيه والفيلسوف ابن حزم الأندلسى فى كتابه (طوق الحمامة): الحب أوله هزل وآخره جد. دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف. فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة. وليس بمنكر فى الديانة، ولا بمحظور فى الشريعة. إذا القلوب بيد الله عز وجل.
ويقول أيضًا: المحبة ضروب: أفضلها محبة المتحابين فى الله، ثم محبة القرابة، ومحبة الألفة والاشتراك فى المطالب. ومحبة التصاحب والمعرفة. ومحبة البر يصنعه عند أخيه، ومحبة الطمع فى جاه المحبوب، ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه ويلزمهما ستره. ومحبة بلوغ اللذة وقضاء الوطر، ومحبة العشق الناشئة عن اتصال النفوس.
وقيل لأعرابي: ما بال الحب اليوم على غير ما كان عليه قبل اليوم؟ قال: نعم، كان الحب فى القلب، فانتقل إلى المعدة، إن أطعمته شيئا أحبها، وإلا فلا. كان الرجل إذا أحب امرأة، ظل حولا يطوف بدارها ويفرح إن رأى من رآها، وإن ظفر منها بمجلس تشاكيا وتناشدا الأشعار، وإنه اليوم يشير إليها وتشير إليه، ويعدها وتعده، فإذا اجتمعا لم يشكو حبا، ولم ينشدا شعرا.
وقال أعرابى يشكو لوعة الحب وكتمانه وصبره على من يحبه ولا يطيق سلوانه: شكوت فقالت: كل هذا تبرما/ بحبي، أراح الله قلبك من حبي/ فلما كتمت الحب: قالت: لشد ما صبرت، وما هذا بفعل شجى القلب/ وأدنو فتصيبنى فأبعد طالبا/ رضاها، فتعتد التباعد من ذنبي/ فشكواى تؤذيها، وصبرى يسوءها/ وتجزع من بُعدي، وتنفر من قربي/ فيا قوم هل من حيلة تعلمونها؟/ أشيروا بها، واستوجبوا الشكر من ربي.
وهنا نحاول سرد بعض سير الحب التى سجلها المؤرخون والفلاسفة والشعراء، التى تبرز من خلالها التضحيات التى قدمها المحبون من أمثال: أبيلار وهيلوئيز، الملكة إليصابات وإرل لستر، وكارل ماركس وبرتا وستفالين..

أبيلار وهيلوئيز
لم يكتب فى فرنسا عن عاشقين أكثر مما كتب عن أبيلار وهيلوئيز، ولا يقرأ قصتهما محب عاشق إلا ويتعزى بسيرتهما، وما قاساه كل منهما من الآلام فى سبيل الآخر.
ولد أبيلار فى غرب فرنسا فى عام ١٠٧٩، وكان أبوه من الأشراف، ولكنه نزل عن حقوقه فى ميراث الشرف لإخوته، وعزم على أن يقضى أيامه فى خدمة العلم، انتقل إلى باريس وقضى هناك مدة قصيرة فى طلب العلم، صار بعدها أستاذا يجذب إليه بفصاحته وحسن بيانه جمهور الطلبة الباريسيين.
كان ذلك العصر- وفقا لكتاب الحب فى التاريخ- أظلم عصور القرون الوسطى، حيث كان التعليم فى يد الكهنة جامدا لا يلين أمام الفكر، يعتمد على النقل. ويدور ويحور حول الدين. ولم يكن فى الدين فى ذلك الوقت فسحة للحرية الفكرية. وكان النظام الإقطاعى منتشرا، ليس للأقطار سلطة مركزية ينفذ كلامها وترعى أوامرها، بل كان الأشراف يحكمون كل منهم فى إقليمه. وتنشأ المدينة أو القرية حوله، يحتمون به عندما تشتعل الحرب ويغزو الشريف شريفا آخر مجاورا له. ولم تكن القوانين المدنية قد هذبت بعد من أخلاق السكان، فقد كان لا يزال الدم الألمانى يغلى فيهم، يطلب الغزو والنهب، فكانت الثارات لا تنقطع والهمجية فاشية، وكانت باريس إذا جنها الليل عاشت فى شوارعها الذئاب. والخلاصة أن أوروبا كانت فى حال الفوضى الأدبية والاجتماعية والسياسية.
وكان أبيلار يدعو فى تعاليمه إلى إخضاع التقاليد للعقل، فهاج عليه لذلك زعماء القديم واضهطدوه، حتى اضطر إلى الهجرة من باريس، وأخذ يضرب فى آفاق فرنسا ويعلم كلما وجد أرضا خصبة لبذوره.
كان أبيلار يؤلف الشعر ويلحنه على الأنغام الموسيقية. وفى هذا الوقت عرف فتاة فى الثامنة عشرة تدعى هيلوئيز. كانت تعرف عدة لغات وتعشق الشعر والموسيقى مثل أبيلار. وكان يراها من وقت لآخر، ويختلس النظرات منها فى رواحها إلى بيت عمها وغدوها منه، حتى عشقها وهام بها، وصار حب العلم الذى كان قد تملكه إلى هذا الوقت شيئا باردا ميتا بجانب حرقة هذا الحب الجديد.
لم يمض وقت طويل حتى تصارحا بالحب، وحدث أن ألف أبيلار مقطوعة غرامية عنها، فوقعت فى أيدى أعدائها الذين بادروا إلى عمها بها، الذى لم يكن قد دخله أى شك قبلا فيهما، وأمر بطرده من البيت ومنع هيلوئيز من لقائه.
ولكن طرق المحبين كثيرة، فقد أخذت هيلوئيز تخرج سرا إلى بيت تقطنه أخت أبيلار، فيلتقيان هناك.
فرق الناس والأيام بين الحبيبين وبعد مدة أصدر أبيلار كتابا دعاه: «تاريخ ما نزل بى من المصائب». فلما اطلعت عليه هيلوئيز أرسلت إليه خطابات متواترة تبثه حبها وولاءها. وهذه الخطابات من أجمل وأروع ما كتبها عاشق، فقد أرسلت إليه تسأله أن يدلها على الطريق إلى الله كما دلها قبلا على طريق الحب، فأجابها إجابة القسيس للراهبة: «من أبيلار الأخ فى المسيح إلى هيلوئيز الأخت فى المسيح».
وقد وجدت هيلوئيز من جفاء عبارته ما أثار فى نفسها الغضب، وأشعرها أن حبيبها القديم قد نسيها فكتبت إليه تقول:
«حبيبي. كيف استطعت أن تعبر عن هذه الأفكار، وكيف اهتديت إلى ألفاظ تؤديها؟ ليتنى أجرؤ على أن أقول إن الله يقسو علي! إلا أنى أشهد أنى أتعس مخلوق. لقد كانت أيام حبنا لذيذة حلوة، حتى لا أقدر الآن أن أرد ذكراها عني، فأينما ذهبت تتخيل لى هذه الذكرى وتشعل فى الرغبة القديمة».
لكن أبيلار كان يحس فى نفسه موت العاطفة، فكان يكتب إليها بلهجة التباعد المتعفف المتزهد، فيأخذ فى شرح الرهبانية واللاهوت والآداب وما إليها من الأشياء التى لا تلبى نداء العاطفة التى كانت تختلج فى صدر هيلوئيز فكانت تحتج وتثور على هذا الجفاء بلا جدوى. وأخيرا أدركت ما ألم بصاحبها فهدأت ثائرتها، واطمأنت إلى حالها ونكبتها.
حكم على أبيلار بعقوبة كنسية لأقوال أخذت عليه فسافر إلى رومية لكى يقضى هذه العقوبة فمات فى الطريق وحملت جثته إلى «الفارقليط». وعاشت هيلوئيز بعده ٢٢ سنة تداوم على زيارة قبره وتحفظ عهده، ثم ماتت فدفنت إلى جانبه، واختلطت عظامها بعظامه كما كانت تهوى، ونقلت رفاتهما إلى باريس حيث هما الآن.
الملكة إليصابات وإرل لستر
من المأثورات عن إليصابات ملكة انجلترا قولها: «أحب إنجلترا أكثر من أى شيء فى العالم». ولم تكذب فى هذا القول، فقد كانت ترسم الخطط لكى تفوز إنجلترا فى معترك السياسة الأوروبية. ومن أجل إنجلترا نزلت إليصابات عن جملة وافرة من حقوقها الملكية، ونزلت أيضا عن كرامتها فكانت تنافق فى الحب وتتظاهر به رياء لكى ترفع من مجد بلادها وعزها.
وقد كانت تحب الدلال ورؤية الناس يعجبون بها، ويعترفون بجمالها، وكانت محاطة بنخبة شباب البلاد الذين فاقوا أقرانهم فى الجمال والفروسية تقضى وقتها معهم، وما أن عرفت وألفت إرل لستر حتى وجدت فيه غايتها.
ارتقت إليصابات عرش إنجلترا وهى فى الخامسة والعشرين من عمرها، وقد وصفها مبعوث ألمانى فكتب عنها يقول: «إنها تعيش عيشة لا يكاد الإنسان يتصورها لفرط ما فيها من البذخ وإقامة الولائم، وهى تقضى كثيرا من وقتها فى المراقص والولائم والصيد وسائر هذه الملاهي، تفعل هذا كله فى مظاهر وزينة، ومع ذلك فهى حريصة على أن تكون محترمة عند الناس أكثر من الملكة ماري. وهى تعقد البرلمان ولكنها تجعل الأعضاء يفهمون ضرورة إطاعة أوامرها فى أية حال».
كانت بيضاء صهباء الشعر رشيقة القوام وكان ملك إسبانيا يعشقها ويطللب الزواج منها حتى تصير إنجلترا إحدى ولايات مملكته العظيمة. فكانت تطاوله وتماطله خدمة لمصالح بلادها. وكانت تطاول أيضا لهذا السبب عينه جميع من تقدم إليها بطلب يدها من الملوك والأمراء، فعلت ذلك بدوق دانسون شقيق ملك الدنمارك، وأمير أسوج وأرشيدوق النمسا، وغيرهم.
لكنها لم تحب غير إرل لستر، وكان جميلا شجاعا، ويقال إنه قتل امرأته لكى يتفرغ للملكة، وإن الملكة كانت تعرف هذه الجناية وتسترت عليها لأنها أرادت أن تحتكر قلبه وتحظى بشخصه قريبا منها فى كل وقت.
عاشت إليصابات إلى أن بلغت السبعين، وكانت تخفى شيخوختها بطلاء وجهها والملابس المنقوشة، وكان رجال حاشيتها يتملقونها وهى فى هذه السن فتستجيب لهم بالابتسامات والدعايات كأن هذه الفطرة التى نشأت عليها لم تبل بتقادم الزمن.
وليس بين ملوك إنجلترا من هو أقرب إلى قلوب الإنجليز من الملكة إليصابات، وأكبر ما يحببها إليهم أنها رفعت شأن البروتستانتية وجعلت البحرية الإنجليزية تسود البحار، وكانت تسوغ كل شيء لرفع شأن إنجلترا.

كارل ماركس وبرتا وستفالين
ولد كارل ماركس فى عام ١٨١٨، وكان أبوه يهوديا قد احترف المحاماة. وكان قد دخل المسيحية لأسباب ليست دينية، ولكن لكى يقبل الناس على مكتبه. وكان أهله يعيشون فى بلدة تريف فى الموزيل فى فرنسا، قريبا من التخوم الألمانية. وهذه البلدة كثيرا ما تناوبتها سيادة فرنسا وألمانيا على التوالي.
كانت مدينة تريف بعد سقوط نابليون، قد انتقلت إدارتها من فرنسا إلى ألمانيا. وكان يسكن بجوار منزل ماركس المستشار الألمانى البارون وستفالين. وكان والد ماركس قد عرف هذا البارون وصارا صديقين يتزاوران وتعرف عائلة كل منهما إلى عائلة الآخر. وكان للبارون ابنة جميلة تدعى برتا، وكانت سنها أكبر من كارل ماركس بأربع سنوات. ولكنه شب معها وقضيا معا عصر الصبا، فلما بلغا سن الشباب تعلق ماركس بها، ولا يطيق فراقها. وكانت هى أعقل منه بحكم سنها، وكانت تجد فى نفسها له، مثل ما يجد هو وأكثر.
كان والد ماركس قد أرسله إلى جامعة بون، ولكنه كان منشغلا بحبيبته، ولم يهتم بدراسته وصارت أخباره تصل إلى والده، فيبعث إليه يبكته ويؤنبه، ولكن بلا فائدة، وأخيرا استدعاه والده ومنعه من الذهاب إلى بون.
عندما رجع خطب برتا وبقيت خطبتهما سرا، وعندما علمت عائلتها مانعت هذا الزواج لكنهما تزوجا على الرغم من استياء ورفض العائلة فى عام ١٨٤٣.
هاجرا سويا إلى باريس، وتعرف هناك على برودون وباكونين وسان سيمون، وكان هؤلاء الثلاثة من أقطاب الاقتصاد فى ذلك الوقت، ومن غلاة الحاملين على مبدأ الملكية، وتأثر بهم ماركس وطور من آرائهم وأفكارهم حتى أزهرت هذه الآراء وتفتحت عن الاشتراكية الحديثة.
أوعز ملك روسيا إلى حكومة فرنسا أن تنفى ماركس من بلاده فنفته. وبقى من ذلك الوقت إلى حين وفاته وهو فى فقر مدقع، دائم الترحال من بلد إلى بلد. لا ينزل مكانا حتى يرى الشرطة قد احتاطته، وانتهى به المطاف إلى لندن؛ حيث طبع كتابه «رأس المال». وتوفى فقيرا معدما يائسا من العالم وما فيه.