الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

مستقبل الجماعات الإسلامية في الجزائر.. سيناريوهات الصعود ومخاوف العودة للعنف

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
طه علي: الجزائر آمنة من التطرف بعد «العشرية السوداء».. رفيق الدياسطى: على الجزائريين الانتباه لمؤامرات الدوحة وأنقرة.. عبدالشكور عامر: يقظة الجيش حاسمة فى حفظ أركان الدولة.. وصبره القاسمى: الوجود الإرهابى بالقرب من الجزائر له مخاطر عالمية
تعيش الجزائر على صفيح ساخن، منذ ما يقرب من خمسة أشهر، إثر احتجاجات شعبية واسعة، أدت إلى استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، فى أعقاب مدد حكم متتالية، بلغت نحو عقدين من الزمن.
استقالة بوتفليقة، وما سبقها من احتجاجات شعبية عارمة، أعادت للأذهان توترات ما عرف بـ«الربيع العربي»، الذى ضرب عددا من دول منطقة الشرق الأوسط، وأسفر عن سقوط أركان عدد منها مثل: سوريا، واليمن، وليبيا.
أدت الأوضاع فى الجزائر إلى تصاعد المخاوف، من عودة العنف الدموي، الذى عاشه الجزائريون، على أيدى متطرفى تيار الإسلام السياسي، خلال حقبة التسعينيات من القرن المنصرم، وذلك على أساس أن الجماعات الإسلامية هناك ما زالت تتمتع بنفوذ، يمكنها من أن تصبح ذات تأثير على سيناريوهات الحكم فى المستقبل الجزائرى القريب.
المتابعون للأوضاع الجزائرية، ينقسمون بين فريق يرى أن التيار الإسلامى لم يعد له التأثير الذى يستوجب الخوف، بعدما تكبده من خسائر فيما يتعلق بالمواجهات مع الأمن الجزائري، وبعد الخسارة الفادحة على الصعيد الشعبي، إثر معارك العشرية السوداء، التى أكدت للجزائريين أن الإسلاميين لا يصلحون بديلا مناسبا للحكم.
كما أن السقوط المدوى لجماعة الإخوان الإرهابية، التى تمثل قلب التيار الإسلامى المتشدد، فى دول مهمة بالمنطقة، وبخاصة مصر، أدى انكشافهم ودعمهم للإرهاب ضد الدولة المصرية، إلى اقتناع الجزائريين بأن هذا التيار المتشدد لا يملك إلا العنف والقتل ورفع السلاح إلى صدور الأبرياء.
فى المقابل فإن المؤيدين لضرورة النظر بعين الاعتبار للجماعات الإسلامية فى الجزائر، وما يمكن أن تمثله من خطورة على مستقبل الدولة هناك، هو تجمع أعداد كبيرة من أنصار تنظيمى القاعدة، وداعش، على الحدود الجزائرية التشادية، فضلا عما يتلقونه من تدريبات فى مالي، ودعم مالى ولوجستى من قطر وتركيا.
ويزعم أصحاب هذا الرأى أن ما يجرى فى الجزائر، يشير إلى ما يصفونه بـ«العودة إلى الأساسيات الإسلامية»، وهو ما يمكن الرد عليه بأن الجزائريين من أقل الشعوب اتصالا بداعش، وانضماما إليه، الأمر الذى يجعل الحديث عن عودة التشدد إلى الجزائر أمرا مستبعدا بحسب المراقبين، لا سيما أنه فى الوقت الذى انضم فيه، على سبيل المثال، نحو خمسة آلاف مغربى إلى داعش، لم ينضم سوى ١٥٠ جزائريا فقط، خلال السنوات الماضية، منذ ٢٠١٤.


التيار الإسلامى
الحديث عن عودة التيار الإسلامى للسيطرة على المجتمع الجزائري، فى ظل ما يرصده المراقبون، مما يمكن وصفه بأنه عودة الأنشطة الوعظية إلى صدارة التجمعات فى المجتمع، يشير بحسب رأى الدكتور طه علي، الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية، إلى أن المجتمع الجزائرى أصبح فى مأمن الآن، من السقوط مجددا ببئر التطرف، بعد العشرية السوداء، التى فقد فيها الجزائريون الكثير من أبنائهم خلال الفترة بين عامى ١٩٩٢، و٢٠٠٢.
وأوضح «علي» أن من بقى على قيد الحياة، ممن تم العفو عنهم من أعضاء الخلايا الجهادية، فى أعقاب انتهاء عقد العنف، لم يعودوا قادرين على التأثير بعد مرور كل تلك السنوات، التى اقتربت من العشرين سنة، مضيفا: «هذا هو السر وراء اقتصار محاولاتهم للعودة، على الوعظ فقط، مما يدل على أنهم باتوا يدركون أنهم لم يحصدوا سوى الفشل السياسي، الذى لم يعد يترك لهم أى فرصة حزبية للتحرك.
واستدل «علي» على صحة الطرح القائل بأن الإسلاميين لن يكون لهم دور واسع أو مهم فى مستقبل الجزائر بعد بوتفليقة، بما تعرض له المنتمون لهذا التيار، عندما حاولوا المشاركة فى تظاهرة ضخمة نظمها الشباب الجزائري، يوم ١٥ مارس الماضي.
وقال: «تعرض رموز إسلامية شهيرة، أمثال عبدالرزاق مقري، زعيم حزب مجتمع السلم، للطرد من التظاهرة الشعبية، التى نظمها الجزائريون فى منتصف مارس الماضي، تعد دليلا قاطعا على أن الإسلاميين ليسوا هم المستقبل الذى يبحث عنه الشباب الجزائري».


تركيا وقطر
يمثل التمويل القطرى التركى للنشاط الإرهابى فى المنطقة، وما تلقاه جماعات الإرهاب مثل الإخوان، وداعش والقاعدة، من دعم مالى ولوجستي، وإيواء فى كل من الدوحة وأنقرة، إذا تآزر مع الوجود القوى للجماعات الإرهابية على الحدود الجزائرية مع تشاد، إنذارا بأن العنف يمكن أن يعود فى أى وقت إلى الأراضى الجزائرية، هذا ما نبه إليه الدكتور رفيق الدياسطي، أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة الزقازيق.
وأوضح الدياسطي، أن السلطات الجزائرية يجب أن تكون على حذر، خلال الفترة الحالية، فى ظل السخونة الحاصلة على الأرض نتيجة الاحتجاجات، لأن العناصر الإرهابية، تجيد استغلال هذه الفترات، لتفسح لنفسها المجال، بما يمكنها من صناعة مناخ مواتٍ لأهدافها.
وقال: «الإرهابى الإخواني، الهارب فى تركيا، وجدى غنيم، كشف عن حقيقة ما يسعى إليه الإرهابيون، عندما دعا إلى ما وصفه باستثمار سخونة الشارع، وفرض الشريعة من خلال إسقاط السلطة بالقوة، بحسب فكره المتطرف الإرهابي».
وطالب الدياسطي، الجزائريين بالانتباه لمؤامرات الدوحة وأنقرة، الرامية إلى تعزيز الضغوط على الجزائر، لتحقيق أهداف الدولتين، فى ضرب استقرار تلك الدولة العربية المهمة، والقضاء على السلطة المركزية فيها، مثلما جرى فى اليمن وسوريا وليبيا.


الجيش الجزائرى يقظ
من جانبه قال، عبدالشكور عامر، الخبير فى شئون الجماعات الإرهابية، إن اليقظة التى يتمتع بها الجيش الجزائري، وما يمتلكه من خبرات، عقب العشرية السوداء، تمثل عاملا حاسما، فى حفظ أركان الدولة، وحمايتها من السقوط فى براثن الإرهاب.
وأضاف، «فى بداية التسعينيات من القرن الماضي، انتهجت جماعات الإسلام السياسى المسار المسلح، وعلى رأسها ما سمى بالجيش الإسلامى للإنقاذ، الذى تأسس عام ١٩٩٣، مما جعل الجيش الجزائرى يواجهه بقوة ويخمد محاولات هذه الميليشيا لإشعال الأوضاع هناك».
وتابع: «إبعاد ومعاقبة وحبس بعض المسئولين المحسوبين على النظام السابق للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، يسهم فى تهدئة الأوضاع بالشارع الجزائري، وهو ما يفوت الفرصة على الجماعات الإرهابية، ويفقدها القدرة على التأثير فى مجريات الأحداث».
وأشار «عامر» إلى اتفاقه مع الرأى الذى يؤكد وجود محاولات تركية، وقطرية، لإحداث حالة من الفوضى والإرهاب فى الجزائر، عبر تنفيذ عمليات إرهابية متنوعة القوة، وهو ما فشل بعد أن أحبطت يقظة الأجهزة الأمنية فى الجزائر هذه الخطط بامتياز.
وأضاف أن الجهاديين ينشطون فى المناطق الساحلية، والصحراء الأفريقية، وهو ما يجعل الجزائر فى مرمى استهداف التنظيمات التابعة للقاعدة، وداعش، وغيرهما، وهو أمر يستدعى الانتباه، حتى لا يتوغل تأثيره.


خطورة عالمية
وأكد صبرة القاسمي، الباحث فى شئون الحركات الإسلامية، أن الوضع فى الجزائر، شائك، ليس لما يجرى داخليا، وإنما لوجود مساعٍ من البعض، لاستغلال التطورات، وإيجاد موطئ قدم للجماعات الإرهابية داخل حدود الدولة الجزائرية من جديد.
وقال القاسمى لـ«البوابة نيوز»: الوجود الإرهابي، قرب الحدود الجزائرية، لا يشكل خطرا على الجزائر أو على منطقة الشرق الأوسط فقط، وإنما يمثل خطرا عالميا أيضا، لا سيما فى ظل تمركز عناصر داعشية سواء على الحدود مع تشاد، أو فى موريتانيا، أو حتى فى تونس، وهى أصلا من تلك الجماعات التى خاضت المواجهات ضد الدولة الجزائرية، خلال حقبة التسعينيات الدموية.
وأضاف القاسمي، أن التجمعات الإرهابية الموجودة على الحدود بين تشاد والسودان وليبيا، تمثل خطرا على العالم كله، فى ظل وجود طرق لمرور ودعم الجماعات الجهادية، بداية من مالى إلى غرب القارة الأفريقية، وشمالها. وشدد على أن الجماعات الإرهابية الموجودة فى الجزائر، سواء السلفية الجهادية أو القاعدة، لا تمتلك القوة التى تستطيع بها أن تغير سير الأحداث، نظرا لقوة الجيش الذى لن يسمح لهذه الجماعات بالتأثير، حتى لا تهدد الأمن الوطني.
وتابع: «الشعب الجزائرى أيضا لن يسمح لهذه الجماعات بالوصول إلى الحكم، بعدما مر به على أياديهم، كما أن الدول الغربية، المقابلة للجزائر جغرافيا، وبخاصة فرنسا لن تسمح بوصول هذه الجماعات للحكم».
امتداد للإخوان
ولفت القاسمى إلى أن معظم الحركات الإسلامية، الموجودة فى الجزائر، تمثل امتدادا لجماعة الإخوان الإرهابية، التى أصبحت عالمية، فنجد مثلا حركة مجتمع السلم، التى تسمى «حمس»، والتى كان اسمها حركة المجتمع الإسلامي، وهى تنتمى إلى الإخوان. وقال: «لكن فى فترة التسعينيات، صدرت قرارات من السلطة تمنع استعمال الدين للوصول للسياسة، وتم تغيير اسم هذه الحركة من المجتمع الإسلامي، إلى مجتمع السلم، وهو ما أفقد هذه الجماعات أى فرصة للتمدد».
وأضاف: «أهم ممثل للإخوان فى الجزائر، كان الراحل محفوظ نحناح، مؤسس حركة مجتمع السلم، المشار إليها، والتى انبثقت من الكشافة الإسلامية الجزائرية، كما نجد من أشهر زعماء الحركات الإسلامية عبدالله جاب الله، الذى يعتبره البعض أول من أدخل الفكر الإسلامى السياسى للجزائر.
وأشار إلى أن عبدالله جاب الله، هو أول من أدخل الفكر الإخوانى المتطرف إلى الجزائر، واعتبر فى مرحلة ما، هو الممثل الرسمى للإخوان فى الجزائر قبل ظهور حركة مجتمع السلم، واستحواذها على الانتماء الفكرى الإخواني.
وأوضح أن جاب الله حاول عدة مرات فرض نفسه على الساحة السياسية فى الجزائر كزعيم إسلامى لكنه فشل، مشيرا إلى أن حزب جاب الله، الذى يطلق عليه «العدالة والتنمية»، يحظى بتمثيل ضئيل فى البرلمان الجزائري.
وقال الباحث فى شئون الحركات الإسلامية، إن الحركات الإسلامية التى كانت موجودة فى الجزائر والممنوعة الآن، تشمل الجبهة الإسلامية للإنقاذ، التى كان يترأسها المجاهد عباسى مدني، الذى توفى أخيرا فى قطر، وهو الذى أسس مع صديقه على بلحاج، حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وخاضا التجربة الانتخابية، بعد فتح المجال لذلك عقب إقرار قانون التعددية الحزبية.
وأشار إلى أن هناك الحركات الإسلامية الموجودة حاليا، تحظى باعتماد من قبل الدولة ووزارة الداخلية، والجماعات المحلية وهي: حركة مجتمع السلم، وحركة الإصلاح، وحركة النهضة، وحزب العدالة والتنمية، مضيفا: «كلها موجودة وتسعى للوصول للحكم وتشارك فى معظم الانتخابات، حتى أنها فى بعض الأحيان أصبحت تشكل تكتلا إسلاميا للظفر بعدد أكبر من الأصوات، لكنها لن تفلح فى ذلك».