السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

فن الكاريكاتير في مصر.. البداية «اعتراض على الملكية».. و«السد العالي» و«خروج العمال» و«ناصر» أبرز إنتاجات الثورة التشكيلية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عانت الفنون كثيرًا قبل اشتعال أجواء ثورة يوليو ١٩٥٢، فكان أغلب الأعمال التشكيلية والكاريكاتورية بها صبغة ولهجة غربية، ومن أجل تمصيرها والاهتمام بها اضطر فنان الكاريكاتير محمد عبدالمنعم رخا، للمخاطرة من أجل الحفاظ على الهوية المصرية وعبر عن مشاهد الملكية فى لوحاته الكاريكاتورية التى قادته نحو نتيجة سلبية وهى السجن لمدة أربع سنوات.


سرد «رخا» هذه التجربة فى مقال بمجلة الهلال صدر فى ١٩٦٢، وقال: «رسمت على غلاف مجلة «المشهور» صورة كاريكاتورية للمدير الأجنبى يضرب عاملًا بخنجر فى ظهره وقد سال دمه، ورسمت رئيس الوزراء فى ملابس عسكرى بوليس يجرى نحو العامل المصاب ويقول له: وكمان وسخت بدلة الخواجة بدمك الزفر»، فكانت هذه الرسمة التى دفع بسببها أربع سنوات من عمره بالسجن، وكانت تُهمته هى «العيب فى الذات الملكية».
ومن بعد انتهاء هذه الفترة، ظهر فن الكاريكاتير من جديد ليُعبر عن كل الأحوال الاجتماعية والسياسية التى تمر بالبلاد ما قبل اشتعال أنفاس ثورة يوليو والقضاء على الملكية، فالتحق «رخا» بمجلة روزاليوسف ورسم العديد من الأعمال الكاريكاتورية المُضادة للحكم الملكى والحكومة القائمة فى ذلك الوقت حتى اتخذت الحكومة إجراءاتها ضد هذه المجلة وعملت على تحطيمها وتشجيع الشعب على مقاطعتها، ولكن واجه الفنان كل ذلك بمساعدة مؤسسة المجلة السيدة روزاليوسف.
وتمر الظروف على الفنان بانتقاله للعمل فى أخبار اليوم، مرورًا بالعديد من الأحداث التى لم تؤثر على إصرار «رخا» فى التعبير عن كل ما يحدث حوله فى البلاد من أحداث من خلال أعماله الكاريكاتورية، حتى أصدر فى ١٩٤٦ كتاب «صور ضاحكة» الذى عالج فيه العديد من القضايا السياسية والاجتماعية.
ثم تعاقبت من بعد «رخا» أجيال من رسامى الكاريكاتير الذين تعلموا على أيديه، ثم عبروا فى أعمالهم عن أحداث ثورة يوليو وما تمر به البلاد خلال هذه الفترة وفترة الستينيات، وكان من بينهم صلاح جاهين، وصاروخان، فعبر الفنانون عن رؤيتهم للأوضاع التى شهدتها البلاد بعد أحداث ثورة يوليو، وكانت المجلات تمتلئ فى هذا الوقت بأعمالهم التى لمست مشاعر الشعب بأسلوب فكاهي.


الفنان صلاح جاهين مُتعدد المواهب، فكتب الشعر ورسم الكاريكاتير وأنتج الأفلام ومثل ببعض الأعمال السينمائية، فهو كنز فنى زاخر، مع انطلاق أجواء ثورة يوليو ١٩٥٢ كتب الشعر فكانت حركة الضباط الأحرار بها تُمثل مصدر الإلهام عنده، فكثير من أغانى الثورة التى رددها الشعب المصرى كانت من كلماته.
أما عن الكاريكاتير فاتجه له «جاهين» بعد ذلك خلال فترة الستينيات، لينقل الأوضاع والظروف السياسية فى البلاد بشكل فكاهى وساخر رسم به الضحكة على أوجه العديد من مُتابعيه، وبدأ بنشر أعماله الكاريكاتورية فى مجلة روزاليوسف، مرورا بالعديد من المجلات الأخرى حتى استقرت أعماله فى جريدة الأهرام، لينقد ما يراه بشكل إيجابى وبناء وحس فكاهي.


أما عن الفنان والمُبدع صاروخان، فهو أرمنى عشق مصر وعبر عن أحوالها الاقتصادية والسياسية والمعيشية فى العديد من أعماله، وجاء للعيش بها فعرَف المجتمع بشكل أكبر على فن الكاريكاتير، حيث انتقل فى بدايته بين العديد من المجلات والجرائد خلال حياته، وكان من بينها روزاليوسف، أخبار اليوم، الأخبار، والمستقبل، بالإضافة إلى عمله فى مجلات مصرية باللغة الفرنسية مثل «لابورس إجيبسين، وإيماج»، حتى استطاع فى النهاية أن يحصل على الجنسية المصرية بعد أن منحه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر إياها وهو فى السابعة والخمسين من عمره.
وجاءت أعماله قبل أحداث ثورة يوليو لتُمثل وتُجسد واقع الحكام والطبقة الأرستقراطية، فصورهم فى أعماله على هيئة قطع الشطرنج التى تُساير حركة أيدى كل من الملك والمُستعمر الإنجليزي، وفى الوقت نفسه جسد حال الشعب المصرى وخصوصًا طبقته المتوسطة، فأخرج شخصية تُعبر عنه بمسمى «المصرى أفندي» وكانت شخصية ترتدى الزى الأجنبى ليدل على تقدمها وتطورها ولكنه يحمل فوق عينيه نظارة تدل على ثقافته وذكائه ومعرفته بكل مُجريات الأمور.
تواجد الفن التشكيلى فى مصر ليثبت مكانته على الساحة الفنية، منذ نشأة مدرسة الفنون الجميلة فى ١٩٠٨، وساهم فى ظهور العديد من الأعمال التى تُعبر عن أحداث البلاد مثل أحداث ثورة ١٩١٩ بقيادة سعد زغلول، ثم ظهور إبداعات الفنانين بأشكال مُختلفة من خلال اللوحات الزيتية والتماثيل وغيرها من الأعمال التى خلدت ذكرى الثورة حتى يومنا هذا.
وهكذا واصل الفنانون تقديم أعمالهم، ولكن فى هذه الفترة كانت تطغى على اللوحات صبغة غربية بعيدة عن الأجواء المصرية، بسبب تعدد المنح والدراسة بالخارج، واستمر الحال هكذا حتى استطاع الشعب المصرى القضاء على الحكم الملكى من خلال تنظيم الضباط الأحرار فى الجيش المصرى بزعامة اللواء محمد نجيب والقائد جمال عبدالناصر.


ومن هنا خرجت إبداعات الفنانين التشكيليين بحس وصبغة مصرية، ومع اشتعال أجواء ثورة يوليو ١٩٥٢، كان الفنان عبدالهادى الجزار فى آخر سنوات العقد الثانى من عُمره، فانفعل بسعادة شديدة جراء ما يحدث فى البلد من قضاء على الإقطاع الذى غمر البلد لسنوات طويلة، وتأثر برؤية الفلاحين وهم يخرجون من خلف شعور وزمن الإقطاع الصعب مُتجهين نحو الأراضى الزراعية الخضراء، فتأمل المشهد وأبدع مجموعة من أروع أعماله الفنية التى خلدت بدورها هذه الفترات الزمنية، فجاءت أعماله البارزة بعد أن هدأت الأوضاع السياسية والاجتماعية فى البلد على النحو التالى لوحة «السد العالي» فى ١٩٦٤، و»حفر قناة السويس» فى ١٩٦٥، ولوحة «السلام» فى ١٩٦٥.
لم ينته الإبداع الفنى عند هذا الحد، فجاء الفنان التشكيلى «حامد عويس» ليُعبر عن رؤيته للشعب المصرى عقب أحداث ثورة يوليو، فاتجه فى أعماله إلى مدرسة «الواقعية الاشتراكية» التى اتخذها نهجًا له، فهو يُعتبر رائدًا لهذه المدرسة فى مصر، وتدور «الواقعية الاشتراكية» حول الطبقات الكادحة فى المجتمع بشكل ذى قوة وأمل، فصور فى لوحاته الفلاحين والعمال، وخاصة صور حلمه الذى تمنى رؤيته عقب الثورة فى لوحته «خروج العمال» لعام ١٩٥٣، والتى صورت خروج العمال من عملهم بشكل متزن وذوى إرادة على صنع مستقبلهم المرجو، هذا إلى جانب لوحته «ناصر» التى صور بها التفاف الشعب حول زعيم الأمة جمال عبدالناصر منصتين له جميعًا، وكلهم حماس لصنع بلد يفتخر به مواطنوه أمام العالم كله.
وفى تلك الفترة كان يدرس «عويس» فى أحد المعاهد الذى تتلمذ فيه على أيدى الفنان يوسف عفيفي، وذلك برفقة الفنانين صلاح يسري، وجمال السجيني، وجاذبية سري، وزينب عبدالحميد، وتأثرت هذه المجموعة بأكملها بما أحدثته أجواء ثورة يوليو، فبعد قيامها قام «السجيني» بعمل لوحته «الخطوة» والتى رسم بها وجه باشا ضخم ومهيب قد طُمست أغلب معالم وجهه أسفل قدم حافية لفلاح، فيظهر من هنا اتجاهه السياسى بشكل واضح وصريح.