الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

طهران تتحدى واشنطن وترفع نسبة اليورانيوم المخصب.. معركة احتجاز ناقلات النفط بين بريطانيا وإيران تشتعل.. ولندن تتوعد بالرد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

جاء إعلان بهروز كمالوندى المتحدث باسم الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية اعتزام بلاده رفع نسبة اليورانيوم المخصب إلى أكثر من ٣،٦٧٪، وهى النسبة المسموح بها طبقًا للاتفاق النووى المبرم فى ٢٠١٥، بالتزامن مع التصعيد الأوروبى والأمريكى فى اتجاه فرض عقوبات من جانب واشنطن أو فيما يتعلق باحتجاز السفن الإيرانية من جانب بعض دول الاتحاد الأوروبى وهو ما تم بالفعل من جانب بريطانيا بعد احتجازها سفينة جريس ١ فى جبل طارق عند الطرف الجنوبى لإسبانيا، الأمر الذى كان له تداعياته على الالتزامات الإيرانية الموقعة فى الاتفاق النووي، خاصة أن ناقلة النفط كانت فى طريقها إلى سوريا وبالتالى كان احتجازها مطلوبا لأغراض الامتثال للائحة الاتحاد الأوروبى بشأن العقوبات المفروضة على سوريا، وتوالت الأحداث بقيام قوات الحرس الثورى الإيرانى الجمعة الماضى باحتجاز ناقليتين واحدة تحمل العلم البريطانى والثانية تحمل علم ليبيريا، وردت بريطانيا بأنها ستتخد كل السبل لحماية ناقلاتها وأيدت لندن العديد من عواصم العالم الأجنبى والعربى.

على الجانب الآخر؛ أكدت إيران أنها ستتخلى عن أى تعهد دولى قطعته حيال المنظمات الدولية والمجتمع الدولي، وأعلن الرئيس الإيرانى حسن روحانى بأن بلاده ستبدأ تجاوز النسبة المسموح بها من اليورانيوم المخصب بمستوى يحظره الاتفاق المبرم فى ٢٠١٥ حول برنامجها النووى بعدما كانت إيران تعهدت بموجب اتفاق فيينا بعدم السعى لامتلاك السلاح الذرى والحد من أنشطتها النووية مقابل رفع قسم من العقوبات الدولية التى تخنق اقتصادها، ولكن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق بصورة منفردة فى مايو ٢٠١٨، أوجد بيئة صراعية بين الجانبين لم تقتصر تداعياتها عليهما فقط بل على مستوى الإقليم والسياسة الدولية.


توتر أوروبى – إيرانى

حالة من التوترات المتعاقبة التى يشهدها الملف الإيرانى التى تجاوزت تداعياتها أطرافها من الولايات المتحدة وإيران إلى العديد من الفاعلين من القوى الإقليمية والدولية، وفى هذا الإطار يمكن القول بأن الجانب الأوروبى يُعد أحد أهم الأطراف فى هذه المعادلة خاصة أنها طرف مشارك فى بلورة الاتفاق النووى مع إيران بجانب الدول الكبرى، يضاف لذلك أنه يمثل أحد أهم القوى التى كانت تقف بجانب إيران فى العديد من المواقف السياسية والاقتصادية فى مواجهة الضغوط الأمريكية المفروضة عليها.

بالنسبة للولايات المتحدة فإن احتجاز السفينة الإيرانية فى جبل طارق استحوذ على اهتمام واشنطن فيما يتعلق بسياسة بريطانيا التى باتت أقرب إلى الولايات المتحدة خاصة بعدما تم إرسال قوات خاصة بريطانية قوامها ١٠٠ جندى من النخبة للقيام بدوريات فى مياه الخليج بعد الهجمات التى استهدفت ناقلات نفط فى المنطقة، كما رحبت واشنطن بتوقيف بريطانيا لناقلة النفط الإيرانية التى كانت متوجهة إلى سوريا، وأعلن مستشار الأمن القومى الأمريكى جون بولتون أن توقيف الناقلة الإيرانية فى جبل طارق «خبر ممتاز»، لافتًا إلى أن بريطانيا اعترضت ناقلة النفط العملاقة «جريس ١»، المحملة بالنفط الإيرانى إلى سوريا فى انتهاك واضح لعقوبات الاتحاد الأوروبى المفروضة على دمشق.

وعلى خلفية تبدل الموقف الأوروبى تجاه طهران استدعت إيران السفير البريطانى لديها للتنديد بالاعتراض غير القانونى من وجهة نظرها، الأمر الذى يشكل معادلة صعبة على مستقبل العلاقات الأوروبية – الإيرانية، خاصة فى ظل توجه الاتحاد نحو مواجهة الطموحات الإيرانية بعدم تنفيذ التزاماتها تجاه الاتفاق النووى الموقع فى عام ٢٠١٥.

وبرغم أن العلاقات بينهما شهدت حالة من التقارب عقب الانسحاب الأمريكى بصورة منفردة من الاتفاق النووي، بل وعملت على بلورة آليه تجارية «انستكس»، لتجاوز بعض آثار تلك العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، وإن كانت هذه الآلية مشروطة بالتزام طهران بتنفيذ بنود الاتفاق النووي.

وبالنسبة لإيران فإن مخالفتها لالتزاماتها برفع نسبة تخصيبها لليورانيوم بمستوى أعلى سيؤدى فى النهاية إلى بلورة مناخ دولى وليس أوروبيا فقط مناهضا لها، خاصة وأن هناك العديد من القوى الدولية ومن بينها بعض الدول الأوروبية كفرنسا التى أعربت عن رغبتها استمرار المشاورات مع السلطات الإيرانية والشركاء الدوليين المعنيين من أجل الدفع نحو «التهدئة الضرورية، لأنه فى حال رفع ملف الاتفاق النووى إلى مجلس الأمن سيتم فرض مزيد العقوبات عليها».


دلالات متعددة

تحمل هذه التطورات الكثير من المدلولات التى تنذر بتصعيد واسع النطاق على الصعيد السياسى والعسكري؛ كما أنها تحمل المزيد من الصعوبات على مسار حركة طهران الداخلية والخارجية، خاصة أن إيران تعتزم بلورة بيئة صراعية تقوم على استخدام كافة وسائل الضغط الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية وفق استراتيجية توازن التهديد مع الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك فى سعيها الوصول إلى موقف تفاوضى قوى عندما يتم الجلوس مجددًا على طاولة الحوار.

ولعل عملية احتجاز ناقلة النفط الإيرانية فى مضيق جبل طارق وهو من المناطق البعيدة عن مناطق الصراع الجغرافى يؤكد مدى تشابك وتعقد المسارات التى تنعكس تأثيراتها على أوضاع السياسة الدولية وليس النظم الإقليمية الفرعية بمفردها، الأمر الذى سيؤدى إلى تغير فى موازين القوى بصورة كبيرة عما كانت عليه فى السابق، خاصة من جانب الدول الأوروبية، وأن هذا الموقف الأوروبى سيأتى بعدما اتخذت نهجًا حذرًا منذ ٢٠١٨، عندما تجاهلت الولايات المتحدة مناشداتها وانسحبت من الاتفاق النووى بين إيران والقوى العالمية الذى ساعد طهران على الوصول إلى التجارة العالمية مقابل فرض قيود على برنامجها النووي. كما أن هذه الخطوات التى تعد مفترق طرق بين التقارب الأوروبى - الإيراني، يأتى بعد السياسات التصعيدية من جانب الولايات المتحدة، سيؤدى إلى حدوث تراجع فى العلاقات الثنائية بينهما فى اتجاه تحقيق مزيد من التفاهم مع الولايات المتحدة على حساب إيران، خاصة أنها كانت تحاول أن تكون طرفا محايدا فى خضم الأزمة المتصاعدة بين واشنطن وطهران. ومن زاوية أخرى فإن تضييق الخناق على طهران سيدفعها إلى استمرار سياسة التصعيد فى ظل عدم وجود رؤية حقيقية لتسوية الأزمة المشتعلة، بعدما أبدت العديد من الدول الأوروبية موقفًا مناهضًا لها على خلفية تزايد الضغوط حتى من أقرب حلفائها الأوروبيين.


خيارات طهران

هناك سيناريوهان تحاول إيران الوصول إليهما لتحقيق مصالحها القومية، فى ظل هذه المعادلة الإقليمية والدولية الصعبة؛ حيث يرتكز السيناريو الأول على إمكانية التعويل على الدور الأوروبى فى تحقيق الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة وأن هناك تمايزا واضحا بين سياسة واشنطن وسياسة أوروبا فيما يتعلق بالاتفاق النووى الإيراني، وإن شهدت العلاقات الأوروبية – الإيرانية خلال الفترة السابقة حالة من التوترات، إلا أن هذا السيناريو يصعب التعويل عليه خاصة فى ظل ارتباط السياسة الخارجية الأمريكية ببرنامج ترامب الانتخابى الذى صعد به إلى البيت الأبيض عوضًا عن فشل واشنطن فى إدارة الأزمة الكورية والفنزولية، والذى سينعكس بصورة كبيرة على مسار حركة واشنطن تجاه قبولها أو عدم قبولها لهذا الأمر فى ظل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ويرتكز السيناريو الثانى على أن الدور الأوروبى قد ينعكس بصورة كبيرة على وضع إيران من حيث مساحة التقارب خاصة أن هذا الأمر مرتبط بتحقيق التزامات من جانب إيران بإبقائها على التزاماتها فى الاتفاق النووي، كما أن الآلية الأوروبية انستكس الهادفة إلى مساعدة إيران على تخفيف حدة العقوبات الاقتصادية الأمريكية عليها، مشروطة أيضًا بالتزام طهران ببنود وشروط الاتفاق النووي.