الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مقاتلو المنتخب الجزائري.. وتحية للشعب المصري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الباء الوحيدة التى عليها اليوم إجماع الجزائريين هى باء الناخب الوطنى بلماضى الذى استطاع فى بحر عشرة أشهر تغيير وجه الفريق الوطني، بالاشتغال على نفس المادة التى تداول عليها مدربون كثر فى بحر خمس سنوات، ويكون، مع إيصاله الفريق إلى نهائى العرس الكروى الأفريقى قد أوفى بشروط العقد، وصنع مع الفريق فرصة للبهجة والفرح لأربعين مليون جزائري.
لستُ من عشاق كرة القدم، ولى عليها مآخذ كثيرة حين يسخِّرها الساسة فى الغالب كأداة لإدارة الشعوب، وإنتاج الفرجة والفرحة بأقل كلفة، لكنها فى الحالة الجزائرية تحولت إلى أداة يسخرها الشباب لإيصال رسائله السياسية إلى الحكام، حتى إن حراك ٢٢ فبراير بشعاراته ومطالبه يدين للجمهور الكروى الذى حوّل الملاعب إلى منابر سياسية بامتياز، لم يسلم منها لا ساسة البلد، ولا حكام العرب.
الفرجة فى القاهرة لم تكن فقط فوق البساط الأخضر بلاعبين جزائريين محاربين يقاتلون بسخاء، أضافوا بُعدا آخر للفرجة التى كانت محلّ إعجاب وتقدير كثير من العرب والعجم، بل كانت حاضرة فى المدرجات وفى شوارع مصر والجزائر وأكثر من عاصمة عالمية، على رأسها باريس التى تعيش نخبتها السياسية كابوس استفاقة الضاحية، واحتمال التحاقها بالسترات الصفر وتحويل مسارها إلى ملحقة لجُمعات الجزائر.
عربيا، ينبغى أن يحسب لفريق المحاربين حصيلة تفوق بكثير ما يُؤمل من الفوز باللقب والكأس الذى بات اليوم فى متناولهم، مع حضور الروح القتالية التى حظيت بإعجابٍ عربى غير مسبوق، أنست المصريين أنفسهم مرارة إقصاء فريقهم القومى فى وقت مبكر، وخلقت حالة من التضامن العربى العابر للشوفينيات القُطرية الضيقة المصطنعة، أثلج صدورنا بذات القدر الذى يكون قد أجزع كثيرا من الحكام.
انبهار المشجعين العرب بالروح القتالية التى أظهرها «الخضر» فى جميع مقابلاتهم تحمل أكثر من رسالة إلى الحكام وإلى النخب، تقول ما يقوله اليوم المشجعون لفرقهم: لستم مطالبين بالفوز ولا نسألكم سوى القتال فى الساحات الدولية دفاعا عن كرامة شعوبكم وعن مصالحهم بهذا القدر من الشراسة والحمية، وأن تبللوا بدلاتكم بالعرق كما يفعل «محاربو الصحراء» وألا تستسلموا بلا قتال كما حاول بعضُكم بيع قضية أمة فى صفقة العصر المنكرة.
الدرس الثانى الأهم، قدَّمه بلماضى وأشباله للشعب وللنخب، يفيد بأن مسئولية إخراج الدول والشعوب من أزماتها تقع فى الغالب على القيادات التى تتولى إدارة الشأن العام؛ فقبل عشرة أشهر لم يكن أحدٌ يراهن على حظوظ الخضر فى هذه الدورة، وكان التأهُّل للدور الثانى وحده إنجازا بالنظر إلى الأوضاع المزرية التى كان عليها الفريق، وقد تعاقب على إدارته الفنية ستة مدربين، وهو تقريبا بنفس التشكيلة ونفس المادة التى لم يُضِف لها بلماضى مهاراتٍ مميزة كانت حاضرة، لكنه استطاع فى زمن قياسى إعادة بعث الروح القتالية فى الفريق، وتفضيل العمل الجماعى على النجومية، مع قدر من الانضباط وخاصة إشاعة روح المسئولية التى كانت حاضرة عند الناخب الوطنى قبل أن يتشبَّع بها اللاعبون.
شعوبٌ كثيرة كانت خارج التاريخ، تعيش على الهامش، فكتب الله لها نخبة جمعت بين المعرفة والإخلاص، آمنت بمقدرات شعوبها، واستطاعت فى زمن قياسى تجنيد ما فيها من طاقات وكفاءات كامنة غيَّرت بها مجرى التاريخ. كان ذلك حال النخبة المُخلصة من الحركة الوطنية، التى اختارت أن تكون فى مقدِّمة شعبٍ مقاتل، بدل خداعه وتضليله فى دروب المقاولة، وأمامنا اليوم ـ مع ما أنجزه الحَراك من تجريفٍ لنظام حكم قد بلغ أرذل العمرـ أمامنا فرصة لتسليم إدارة الشأن العام لنخبة من طينة بلماضي، تفقه فى اختصاصاتها ما يفقهه بلماضى فى اختصاصه، لتضع البلد على السكة الصحيحة، تبدأ بالثقة فى سلامة معدن الشعب الجزائرى كما آمن بلماضى بسلامة معدن اللاعبين، شريطة أن تحظى هذه النخبة بقدر مماثل من الثقة كما وثق اللاعبون فى ناخبهم الشاب، تحاسب على قدر اجتهادها وإخلاصها.
• نقلًا عن «الشروق» الجزائرية.