الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

متحف نجيب محفوظ علامة مصرية جديدة في التاريخ الثقافي العالمي

متحف نجيب محفوظ
متحف نجيب محفوظ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يشكل "متحف ومركز إبداع نجيب محفوظ" علامة مصرية جديدة في التاريخ الثقافي العالمي بعد أن أشرق بعناق المكان والزمان على العالم من قلب القاهرة العريقة والتي ارتبط بها الأديب النوبلي المصري الراحل كل الارتباط وتجلت في إبداعاته الروائية ومجموعاته القصصية الخالدة. 
وبالإنابة عن رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي كانت وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم ووزير الآثار الدكتور خالد العناني قد افتتحا أمس "الأحد" "متحف ومركز ابداع نجيب محفوظ" بحضور محافظ القاهرة خالد عبد العال جنبا إلى جنب مع أم كلثوم نجلة الأديب النوبلي الراحل نجيب محفوظ وكوكبة من الشخصيات العامة والمبدعين والمثقفين ومن بينهم الروائي والبرلماني يوسف القعيد.
وبعد تكريم نجيب محفوظ ومنحه قلادة النيل لفوزه بجائزة نوبل في الآداب عام 1988 كان يوسف القعيد قد نقل عن سيد الرواية المصرية قوله :"إن الحفل الذي أقامته لي بلادي أهم من أي حفل آخر".
وجاء الحضور الحاشد في حفل افتتاح "متحف ومركز إبداع نجيب محفوظ" في حي الأزهر دالا على أهمية هذا الحدث الثقافي الكبير الذي شارك فيه سفراء ودبلوماسيون من دول شتى حول العالم فيما نوهت وزيرة الثقافة بأن افتتاح المتحف صفحة جديدة في سجل الإنجازات المتوالية والتي تدعو للفخر.
والمتحف الذي أقيم في المبنى التاريخي "تكية أبو الدهب" بدأ العمل في تأسيسه منذ عام 2016 ويتكون من طابقين ويتضمن قاعة للندوات ومكتبة عامة ومكتبة سمعية-بصرية وأخرى نقدية تحوي دراسات وأبحاث مهمة عن إبداعات نجيب محفوظ فضلا عن قاعات للأوسمة والميداليات والشهادات التي منحت له ومتعلقاته وأوراقه الشخصية ومؤلفاته وصوره وحملت تلك القاعات التي تضمنت قاعة للسينما أسماء دالة على إبداعات محفوظ مثل:"نوبل والحارة وتجليات وأحلام الرحيل وأصداء السيرة".
وتتضمن مقتنيات المتحف والتي سلمتها أم كلثوم نجيب محفوظ لوزارة الثقافة في مطلع عام 2011 أشياء حميمة مثل قلمين "أحدهما حبر والآخر جاف" أهداهما الأديب الكبير توفيق الحكيم الذي اشتهر بالحرص لصديقه نجيب محفوظ فضلا عن ملابس للأديب النوبلي المصري وساعته المعدنية وحتى نظارات وعدسة للقراءة ومستلزمات حلاقة الذقن وسبحة وقطعة صخرية من سور برلين الذي كان يفصل العاصمة الألمانية الحالية إلى شطرين في عصر الحرب الباردة.
و"تكية أبو الدهب" التي أقيمت عام 1774 قريبة من البيت الذي ولد فيه نجيب محفوظ بحي الجمالية في قلب القاهرة المعزية التي استلهم منها الاديب النوبلي المصري أغلب شخصياته وأماكن رواياته مثل "بين القصرين وقصر الشوق والسكرية وزقاق المدق وخان الخليلي" فيما يأتي اختيار هذا المكان في سياق توجه مصري للاستفادة من كل المباني الآثرية المغلقة واستغلالها الاستغلال الأمثل.
وفيما تثير كلمة "التكية" كمفردة تاريخية تداعيات ذهنية تشير لعالم الدراويش والمتصوفة وأبناء السبيل فإن هذا العالم كان منجما ثريا لإبداعات نجيب محفوظ الذي ولد في الحادي عشر من ديسمبر عام 1911 بحي الجمالية، وقضى "صاحب الحرافيش" في الثلاثين من أغسطس عام 2006 وكان قد اختار دراسة الفلسفة وتخرج من جامعة القاهرة عام 1934.
وداخل هذا المتحف والمركز الإبداعي المصري الجديد يلتقي الزائر بشخصيات عالم نجيب محفوظ وأفلامه والحارة المصرية التي ألهمته ابداعاته كما يتفاعل مع أصداء سيرته الثرية المديدة ومسيرته الأدبية التي تشكل العلامة الرائدة في الأدب العربي الحديث فيما يجد في "قاعة التجليات" أفكاره الفلسفية كما تبدت في سلسلة نقاشات مع الكاتب والأديب الراحل جمال الغيطاني ويستعيد الأجواء القاهرية الحميمة في "ركن مقهى الحرافيش". 
وإذ وجهت الدكتورة إيناس عبد الدايم الدعوة لكل المواطنين وخاصة الشباب والأجيال الجديدة لزيارة المتحف الذي يحمل اسم أحد أعلام قوة مصر الناعمة فانها أعلنت أن دخول المتحف "مجاني لمدة شهر بمناسبة افتتاحه".
إن احتفالات الأمم وتكريم الشعوب لمبدعيها مثلما يفعل المصريون مع أديبهم الكبير نجيب محفوظ تشكل مددا لتشجيع المواهب الصاعدة بقدر ماتثري التاريخ الثقافي للدول في الشرق او الغرب.
وكانت بريطانيا قد شهدت في العام الماضي احتفالات كبيرة بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لرحيل الروائية جين أوستن وتحدث مثقفون عبر صحف ووسائل إعلام بإعجاب عن وضع صورة لجين أوستن على العملة البريطانية من فئة الـ 10 جنيهات إسترليني لتكون أول كاتبة في العالم تحظى بهذا التكريم وليتداول صورتها كل البشر الذين يتداولون هذه العملة. 
ولقد ثار نوع من الجدل حول خلفيات هذا القرار ومعايير اختيار كبار المبدعين والشخصيات الأدبية التي توضع صورها على العملات النقدية فواقع الحال أن قرار اعتماد صورة جين أوستن على ورقة البنكنوت من فئة الجنيهات العشر الإسترلينية جاء بناء على التماس رفع للبنك المركزي في بريطانيا ووقع عليه 35 ألف شخص.
وتحمل أوراق البنكنوت صورة جين اوستن مع خلفية للبيت الذي نشأت فيه وعبارة جاءت على لسان شخصية في روايتها "كبرياء وتحامل" وهي :"ارى الآن و في نهاية المطاف انه لامتعة لامتعة تعادل متعة القراءة" وهي متعة لطالما تحدث عنها الأديب النوبلي المصري نجيب محفوظ فيما يضم متحفه الجديد العديد من كتبه .
ومع افتتاح متحف نجيب محفوظ الذي يليق باسم وتاريخ هذا المبدع المصري الكبير يحق للمصريين ان يشعروا بالفخر حيال هذا الإنجاز كما يشعر البريطانيون بالفخر حيال متحف جين اوستن المقام في البيت الذي عاشت فيه سنواتها الأخيرة ببلدة شوتون في منطقة "هامشاير" ويضم مقتنياتها التي تحولت الى "جزء من الثروة القومية والتراث الوطني البريطاني".
وللقاهرة ان تزهو بمتحف نجيب محفوظ الذي يعد افضل من عبر عن العاصمة المصرية والروح القاهرية كما تزهو كبريات المدن في العالم بمتاحف الأدب مثل "متحف الأدب الحديث" في العاصمة الصينية بكين الذي يوصف بأنه من اكبر المتاحف الأدبية في العالم ويضم ست قاعات عرض وقاعة للقراءة ومكتبة تحوي اعمالا ادبية مختلفة بأعداد هائلة.
وتنهض متاحف الشخصيات الأدبية والثقافية الخالدة في التاريخ الانساني بدور مشهود على صعيد "السياحة الثقافية " مع تدفق الزائرين على هذه المتاحف فان تلك الحقيقة تشير لدور مهم لمتحف نجيب محفوظ على هذا الصعيد وبكل مايعنيه ذلك المتحف من تكريم للابداع كما جسده صاحب الابداعات الروائية مثل : "الثلاثية وبداية ونهاية وخان الخليلي والسراب والسمان والخريف والطريق وميرامار وثرثرة فوق النيل والحرافيش". 
وهذه الحقيقة المتعلقة "بالسياحة الثقافية" تجلت من قبل في متاحف ثقافية مثل متحف جين اوستن التي ولدت في بلدة "اوستن" بمنطقة ستيفنسن يوم السادس عشر من ديسمبر عام 1775 وقضت يوم الثامن عشر من يوليو عام 1817 هي صاحبة روايات ذاعت شهرتها في العالم وبعضها تحولت إلى أفلام سينمائية مثل "كبرياء وهوى" و"كبرياء وتحامل" و"العقل والعاطفة" فيما تتناول رواياتها جوانب من حياة طبقة ملاك الأراضي البريطانيين في القرن الثامن عشر. 
واذا كانت صاحبة روايات "ايما" و"مانسفيلد بارك" و"اقناع" و"دير نورثانجر" مازالت حاضرة في المشهد الثقافي الغربي بابداعاتها التي باتت من اهم "الدروس لطلاب الكتابة الابداعية" كما تقول جمهرة النقاد في الصحافة الثقافية البريطانية فان الأمر ذاته ينطبق على حضور النوبلي نجيب محفوظ في الحياة الثقافية والأدبية المصرية والعربية ككل.
ولاريب ان متحف نجيب محفوظ بكل رمزيته يكتسب طابعا عالميا مع الاهتمام الكبير من جانب قراء في كل مكان بالعالم بابداعات هذا المصري الحاضر بروائعه الروائية والقصصية وشأنه شأن المبدعين الكبار في العالم فان أحد أهم اسباب الشغف برواياته أنها "روايات قابلة لتأويلات مختلفة وتفسيرات متعددة".
فكل قاريء يمكن ان يفسر هذه الروايات المحفوظية حسب تذوقه وأن يمنحها تأويلات جديدة على مر الأيام وهذا شأن وسمة المبدعين العظام وفي مقدمتهم الشاعر والكاتب المسرحي الانجليزي ويليام شكسبير. 
ومازالت إبداعات نجيب محفوظ بأجواء الحارة المصرية الحميمة تشكل ايضا مصدر الهام للدراما سواء على الشاشة الكبيرة أو الصغيرة فيما يمكن لزائر متحفه أن يجد الكثير من المتعة في قاعة السينما فضلا عن الصور لشخصيات أبدعها مثل "السيد أحمد عبد الجواد " ليكتسب هذا المتحف والمركز الإبداعي ابعادا متعددة كلبنة هامة في صرح التاريخ الثقافي لمصر. 
متحف نجيب محفوظ هو متحف مصري في عناق الزمان والمكان لتكريم مبدع مصري حاضر في الوجدان المصري والعالمي ...وإنها مصر التي تكرم مبدعيها الكبار وتضبط ايقاعات المستقبل على لحن الابداع وتمنح العالم علامة ثقافية جديدة وفاء لرسالتها الحضارية الخالدة.