الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

سيرة الحب.. أشهر قصص الغرام بين الأدباء والفنانين «2»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يزيد بن عبدالملك مات كمدًا بعد وفاة حباية.. وقيس هام بـ«لبنى» كثيرًا عندما رأها لأول مرة
نابليون ومارى فالفسكا قصة حب وسط هموم الحرب والغزوات
الفقيه والفيلسوف أبوحمد على بن سعيد بن حزم: الحب أوله هزل وآخره جد



قال أبوبكر الوراق: سأل الخليفة المأمون عبدالله بن طاهر ذا الرياستين عن الحب ما هو؟
فقال يا أمير المؤمنين: إذا تقادحت جواهر النفوس المتقاطعة بوصل المشاكلة، انبعث منهما لمحة نور تستضيء بها بواطن الأعضاء، فتتحرك لإشراقها طبائع الحياة. فيصور من ذلك خلق حاصر للنفس متصل بخواطرها يسمى الحب.
وسُئل حماد الراوية عن الحب ما هو؟ فقال: الحب شجرة أصلها الفكر، وعروقها الذكر، وأغصانها السهر، وأوراقها الأسقام، وثمرتها المنية.
وقال معاذ بن سهل: الحب أصعب ما رُكب، وأسكر ما شُرب، وأقطع ما لُقي، وأحلى ما اشتُهى، وأوجع ما بطن، وأشهى ما عُلن. وهو كما قال الشاعر: وللحب آفات إذا هى صرحت/ تبدت علامات لها غُرر صُفر/ فباطنه سُقم وظاهره جوى/ وأوله ذكر وآخره فكر.

وقال الفقيه والفيلسوف أبوحمد على بن سعيد بن حزم فى كتابه (طوق الحمامة): الحب أوله هزل وآخره جد. دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف. فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة. وليس بمنكر فى الديانة، ولا بمحظور فى الشريعة. إذا القلوب بيد الله عز وجل.
ويقول أيضًا: المحبة ضروب: أفضلها محبة المتحابين فى الله، ثم محبة القرابة، ومحبة الألفة والاشتراك فى المطالب. ومحبة التصاحب والمعرفة. ومحبة البر يصنعه عند أخيه، ومحبة الطمع فى جاه المحبوب، ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه ويلزمهما ستره. ومحبة بلوغ اللذة وقضاء الوطر، ومحبة العشق الناشئة عن اتصال النفوس.
وقيل لأعرابي: ما بال الحب اليوم على غير ما كان عليه قبل اليوم؟ قال: نعم، كان الحب فى القلب، فانتقل إلى المعدة، إن أطعمته شيئا أحبها، وإلا فلا. كان الرجل إذا أحب امرأة، ظل حولا يطوف بدارها ويفرح إن رأى من رآها، وإن ظفر منها بمجلس تشاكيا وتناشدا الأشعار، وإنه اليوم يشير إليها وتشير إليه، ويعدها وتعده، فإذا اجتمعا لم يشكو حبا، ولم ينشدا شعرا.

وقال أعرابى يشكو لوعة الحب وكتمانه وصبره على من يحبه ولا يطيق سلوانه:
شكوت فقالت: كل هذا تبرما/ بحبي، أراح الله قلبك من حبي/ فلما كتمت الحب: قالت: لشد ما صبرت، وما هذا بفعل شجى القلب/ وأدنو فتصيبنى فأبعد طالبا/ رضاها، فتعتد التباعد من ذنبي/ فشكواى تؤذيها، وصبرى يسوءها/ وتجزع من بُعدي، وتنفر من قربي/ فيا قوم هل من حيلة تعلمونها؟/ أشيروا بها، واستوجبوا الشكر من ربي.
لا شك أن الحب هو العاطفة الأثيرية التى عرفها الإنسان منذ بدء الخليقة، وهى الفسحة الطهرانية التى تنبثق لا إراديا من ثنايا القلوب. وكلما تسامت هذه العاطفة اقترب الإنسان من الجمال المطلق. إن هذه العاطفة بمثابة الشعلة المقدسة التى تضيء غياهب النفس تدعى المحبة، وهذه المحبة لا تسكن قلبًا واحدًا بل قلبين.. الشعلة التى يفصلها الله عن ذاته ويقسمها إلى نصفين رجل وامرأة.
إن الإنسان بدون حب يبقى كائنًا حيًا لا يتعدى مادية اللحم والدم. وهو ما عبر عنه إيليا أبوماضى قائلًا: أحب فيغدو الكوخ كونا نيرا/ وابغض فيمسى الكون سجنا مظلما/ ما الكأس لولا الخمر إلا زجاجة/ والمرء لولا الحب إلا أعظما.
لا يوجد عصر ولا زمان لم تلعب فيه المرأة دورًا أساسيًا ومحوريًا فى الرجل، لا سيما الأدباء والفنانون والمفكرون، فقد كانت هذه الهشة والرقيقة بالنسبة لهؤلاء الأرض الخصبة التى يستخرج من أعماقها ما لم يتوقعه أحد. ولا يوجد من يستطيع أن ينكر أثر المرأة فى تطور وبناء الحضارة الإنسانية، فهى ربة الوحى والإلهام، ولعل الأعمال الكثيرة المختزنة فى متاحف ومكتبات العالم شاهدة على دورها وأهميتها كملهمة للإبداع فى مختلف المجالات والاتجاهات.
وفى هذا يقول أراغون شاعر فرنسا: إن المرأة أم يولد من حبها الرجل ويهيم بها، كما يهيم الإنسان فى المناخات الصوفية. المرأة ذات طابع كوني، بصفتها مبدأ الخصب. والصوفى إنسان يعيش فى هاجس النهائيات، ويتحرق لفهم سر الكون وامتلاك هذا السر والارتقاء به. وهذا لا يتم إلا عبر لظى عاطفى ومحبة متأججة، تجمع بين المحب وموضوع حبه.

وعلى الرغم من تأثير المرأة فى حياة المبدعين إلا أن حقيقتها بقيت مجهولة عند الكثيرين منهم وفى هذا يقول «نيتشه» إن كل ما فى المرأة لغز، وليس هذا اللغز إلا مفتاح واحد هو كلمة (الحبل). بمعنى أن الرجل ليس للمرأة إلا وسيلة، أما غايتها فهى الولد.
ويتساءل نيتشه فى كتابه (هكذا تكلم زرادشت): ولكن ما تكون المرأة للرجل يا ترى؟ وبعد جهد يتوصل إلى «أن الرجل الحقيقى يطلب أمرين: المخاطرة واللعب، ولذلك ما يدعوه إلى طلب المرأة فهى أخطر الألعاب».

ويقول جبران خليل جبران «إنها امرأة مثالية تتكون من الأحلام والأطياف، هى روح شفافة، وليست مزيجا من الخير والشر، ولكنها من خير مطلق، وصفاء مطلق، وحبها ليس حبًا حسيًا بل إنه لا يختلط بأى معنى من المعاني. إنه حب روحى يسمو فوق نداء الغريزة، ويختلف عن ذلك الحب العادى الذى يعرفه الناس».
جبران أيضًا حمل نفس النظرة المثالية للحب وللمرأة معًا إذ يقول فى كتابه (دمعة وابتسامة): الحب العظيم قد جعل قلبى مذبحًا طاهرًا - هى المرأة يا خليلي - المرأة التى ظننتها بالأمس لعوبة. المرأة الحقيقية قد ذهبت بى إلى أردن محبتها وعمدتني». ويقول أيضًا: «الجمال الحقيقي، أشعة تنبعث من قدس أقداس النفس، وتنير خارج الجسد، مثلما تنبثق الحياة من النواة، وتكسب الزهرة لونًا وعطرًا».
ويعتبر جبران «إن الحب هو تفاهم كلى بين الرجل والمرأة، يتم بلحظة، وبلحظة يولد ذلك الميل المترفع عن جميع الميول. ذلك الانعطاف الروحى الذى ندعوه حبًا، فهل فهمت روحى روح سلمى فى عشية ذلك النهار فجعلنى التفاهم أراها أجمل امرأة أمام الشمس».

ولهذا نرى المبدعين وقد جعلوا من أنفسهم تربة خصبة لبذور الحب، كى تتفتح أزاهير وورودا، يعبق شذاها فى فضاء كيانتهم.
وهنا نحاول سرد بعض سير الحب التى سجلها المؤرخون والشعراء والتى برز من خلالها التضحيات التى قدمها المحبون من أمثال: يزيد وحبابة، قيس ولبنى، ونابليون ومارى فالفسكا.

يزيـد وحبـابـة
كان يزيد بن عبدالملك من خلفاء الدولة الأموية، وكان يعشق جارية تدعى حبابة، عرفها مغنية جميلة فعشقها، وأخلص فى حبها حتى بلغ من جزعه على فقدها أن مات بعد موتها بخمسة عشر يومًا كما يقول سلامة موسى فى كتابه (الحب فى التاريخ).
كانت حبابة تسمى العالية، وكانت جميلة الوجه، ظريفة الطبع، حسنة الغناء طيبة الصوت ضاربة بالعود. واشتراها يزيد بألف دينار قبل أن يرقى عرش الخلافة. وبلغ ذلك سليمان خليفة الأمويين، فهم بالحجر عليه لسفهه وإنفاقه هذا المبلغ الكبير ثمنًا للجارية، فردها يزيد إلى مولاها. ثم مات سليمان بعد ذلك وصار يزيد خليفة، وكانت زوجته سعدة تعرف مكانة هذه الجارية فى قلبه، وتعلم أنه لابد طالبها، فاشترتها. فلما حصلت عليها قالت ليزيد: هل بقى عليك من الدنيا شيء لم تنله؟ فقال: نعم العالية. فقالت: هذه هي، وهى لك. فسماها حبابة، وعظم قدر سعدة عنده.
بقيت حبابة أثيرة عند يزيد، فكان كلفا بها يلازمها فى طعام وشراب وغناء. وكان رجال بنى أمية يلومونه على استهتاره وتعلقه بهذه الجارية، فيردهم ولا يسمع لهم.
وقيل فى وفاة حبابة أن يزيد بن عبدالملك نزل ببيت بالشام ومعه حبابة، فقال يزيد: زعموا ألا تصفو لأحد عيشة يوما إلى الليل إلا يكدرها شيء عليه. وسأجرب ذلك. ثم قال لمن معه: إذا كان غد فلا تخبرونى بشيء، ولا تأتوني. وخلا هو وحبابة فأتيا بما يأكلان. فأكلت رمانة، فشرقت بحبة منها فماتت. فأقام لا يدفنها ثلاثا، حتى تغيرت وأنتنت وهو يشمها ويرشفها. فعاتبه على ذلك ذوو قرابته، وعابوا عليه ما يصنع. وقالوا: لقد صارت جيفة بين يديك. فأذن لهم فى غسلها ودفنها. فلما دفنت قال: أصبحت والله كما قال كثير: فإن يسل عنك القلب أو يدع الصبا/ فباليأس يسلو عنك لا بالتجلد. فما أقام إلا خمس عشرة ليلة حتى دفن إلى جنبها.
وقد جاء فى كتاب (الأغاني) أنه لما ماتت حبابة لم يستطع الركوب ولا المشى فحمل على منبر على رقاب الرجال. فلما دفنت قال: لم أصل عليها، انبشوا عنها. فقال له مسلمة: نشدتك الله يا أمير المؤمنين، إنما هى أمة من الإماء وقد وراها الثرى. فلم يأذن يزيد للناس بعد حبابة إلا مرة واحدة، ومات كمدا.

كان قيس بن ذريح من سكان بادية المدينة، وأول مرة رأى فيها لبنى التى هام بها كثيرًا كما جاء فى (تاريخ الحب) عندما كان ذاهبًا لبعض حاجاته فمر بحيها وقد احتدم الحر، فاستسقى من إحدى الخيام، فظهرت له فتاة فى غاية الجمال، بهية الطلعة، عذبة الكلام، فناولته الماء، فلما ارتوى وهم بالذهاب قالت له: ألا تسترح عندنا؟ فأجابها، وقدمن له ما يحتاج إليه، وجاء أبوها فلما وجده رحب به وقضى عندهم النهار ثم انصرف وهو أشغف الناس بها، فجعل يكتم ذلك إلى أن استبد به الشوق والغرام، فعاد إلى زيارتها، وشكا إليها ما يجد من حبها، فوجد عندها أضعاف ذلك، فانصرف وهو فى أشد الغبطة.
ومضى إلى أبيه، وبث إليه حاله. فقال له: دع هذه، وتزوج إحدى بنات عمك. فلجأ إلى أمه، فكان رأيها رأى أبيه، فذهب إلى الحسين بن علي، وأخبره بقصته واستنجد به. فرثى له وتعهد أن يكفيه هذا الشأن. ومضى معه إلى أبى لبنى فسأله فى ذلك، فأجابه بالطاعة وقال: يا ابن رسول الله، ولو أرسلت لكفيت، بيد أن من أبيه أليق، كما هى عادات العرب.
وذهب الحسين إلى أبى قيس وحمله على تزويج ابنه من لبنى، وعاش المحبان معًا نحو عشر سنوات ثم افترقا.
وجاء فى (الأغاني) أن قصائد قيس ذاعت واشتهرت وغنى فى شعره الغريض ومعبد ومالك، فلم يبق شريف ولا وضيع إلا سمع بذلك فأطربه، وحزن لقيس مما به.
وقد اختلف فى أمرهما كما ورد فى (الأغاني) فذكر أكثر الرواة أنهما ماتا على افتراقهما فمنهم من قال إنه مات قبلها، وبلغها ذلك فماتت أسفا عليه. ومنهم من قال بل ماتت قبله، ومات بعدها أسفا عليها. وقال أبوعمرو المدني: ماتت لبنى، فخرج قيس ومعه جماعة من أهله، فوقف على قبرها فقال: ماتت لبنى فموتها موتي/ هل تنفعن حيرتى على الفوت/ وسوف أبكى بكاء مكتئب/ قضى حياة وجدا على موت.
ثم أكب على القبر يبكى حتى أغمى عليه، فرفعه أهله إلى منزله وهو لا يعقل، فلم يزل عليلًا لا يفيق، ولا يجيب أحدًا، ثلاثا، حتى مات فدفن إلى جنبها.

نابليون ومارى فالفسكا
لم تستطع هموم الحروب والغزوات أن تمنع نابليون من الوقوع فى حب مدام مارى فالفسكا تلك الفتاة البولندية فائقة الجمال وعلى الرغم من انتمائها لعائلة فقيرة ومتواضعة الحال لكن هذا لم يكن حائلا بينها وبين حبيبها القائد العظيم الذى دخل بولندا عام ١٨٠٧ بعد أن هزم النمسا وقضى على جيوش ألمانيا. وكان البولنديون يتوسمون فى المخلص لبلادهم، المعيد لهم استقلالهم عن الدول التى اقتسمتها وهى روسيا والنمسا وألمانيا فقابلوه بالورود.
وبينما كان نابليون فى مدينة برونية والهتاف يتعالى وعطر الزهور يعبق فى الهواء، إذا بصوت جميل يقول: دعونى أمر حتى أراه ولو لحظة واحدة.
وكان هذا الصوت هو صوت مارى فالفسكا. وما أن وصلت إليه حتى قالت: أرحب بك ثلاثا يا مولاي، إننا مهما قلنا أو فعلنا، فلسنا نقدر على أن نترجم شعورنا بالفرح لمقدمك، وعن رجائنا بأن تخلص بلادنا من الظلم. فتأثر الإمبراطور بجمالها، وانحنى أمامها، وأخذ طاقة من الورد وقدمها إليها قائلا: خذى هذه برهانًا على إعجابي. وإنى أرجو أن ألتقى بك وأسمع من هاتين الشفتين كلمات الشكر.
وحدث أن دعاها نابليون إلى قصره ثم أخرج ساعته وقبض عليها، وقال: انظرى إلى هذه الساعة، إن بلادك فى يدى الآن مثل هذه الساعة. وإنى أقدر على أن أمزقها شذر مذر، إذا لم تجيبى طلبي، وأتركها شظايا كما أفعل بهذه الساعة.
قال ذلك ورمى الساعة بكل قوته إلى الحائط، فذهبت شظاياها فى كل جانب من الغرفة. أصيبت مارى بالرعب وأغمى عليها وأفاقت وهى بين ذراعيه. وبعد ذلك أصبحت مارى عشيقة نابليون الذى لا تفارقه أبدا فى حروبه أو وقت السلم فى باريس.
لقد أحبته حبًا جمًا، فكانت تضحى بكل شيء من أجله. ولم تكن تطمع فى أى شيء سوى حبه، وحتى إنه عندما انهزم واستأسر فى سنة ١٨١٥، ونفى إلى جزيرة القديسة هيلانة طلبت أن تذهب معه. ولكن حيل بينه وبينها. وعاشت مدة وجيزة بعده، وماتت فقيرة. وكانت آخر كلمة لفظتها فى نزع الموت هي: نابليون!