الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التصعيد الإيراني.. وحماية الإمدادات النفطية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدو أن الرئيس دونالد ترامب يتبنى النهج الانعزالي. وتماشيًا مع هذا النهج، يفضل ترامب التحرك من طرف واحد على التحالفات التى تستوجب التزامات ومسئوليات. والتناقض هنا، بالطبع، هو أن كل من يدعى عدم اهتمامه بالمرة بالقيام بدور شرطى العالم، يحتاج إلى حلفاء. 
وهذا على أوضح ما يكون فى تصعيد التوترات مع إيران. فإيران تمارس نسختها من «أقصى ضغط» على الولايات المتحدة ومصالحها فى الشرق الأوسط. واستخدمت إيران فى هذا وكلاءها وعمليات تخريب يمكن إنكارها تهاجم فيها ناقلات نفط ومحطات ضخه، بل وموانئ فى المملكة العربية السعودية، وإطلاق صواريخ على منشأة نفطية تستخدمها شركة «إيكسون موبيل» فى قواعد توجد بها قوات أمريكية وبالقرب من السفارة الأمريكية فى بغداد. وهذا يحدث فى وقت تشير فيه إيران إلى أنها ستقلص تدريجيًا التزامها بقيود الاتفاق النووي. وحتى الآن، وأمام التحركات الإيرانية ضد حملة الضغوط الأمريكية، ليس لدى إدارة ترامب فيما يبدو إلا القليل من الردود فيما عدا الإعلان الذى جاء على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو بأن الولايات المتحدة ستواصل اتباع نهجها الدبلوماسى والاقتصادي. 
والجدير بالذكر أن بومبيو لم يشر إلى أى رد فعل عسكرى على تحركات إيران. صحيح أننا نقلنا عددًا قليلًا نسبيًا من القوات إلى المنطقة، لكن كى نتصدى لإيران ونردع الهجمات غير المباشرة والمستمرة والتى تنكر إيران ضلوعها فيها، تحتاج الإدارة الأمريكية إلى مشاركة آخرين. وكحد أدنى، فحين يعترف آخرون أيضًا بأن إيران ضالعة فى الهجمات سيتغير كل شيء. وبمجرد أن تفقد إيران قدرتها على إنكار الضلوع فى الهجمات، فستواجه احتمال التعرض لردود فعل جماعية إذا واصلت تنفيذ مثل هذه الهجمات. 
وتركيز الأضواء على التحركات الإيرانية يمكنه تعزيز الردع ضد الإيرانيين ويجعل الآخرين مساهمين فى المسئولية. والمؤسف أن حلفاءنا التقليديين يتلكؤون فى قبول اتهامات الإدارة بأن الإيرانيين نفذوا هجمات فى الآونة الأخيرة على ناقلتى نفط. صحيح أن بومبيو محق بالتأكيد فى أنه لا أحد آخر - وبالتأكيد ليس أى من القوى التى تعمل بالوكالة عن إيران - لديها الوسائل التى تمكنها من إلصاق ألغام بهيكل السفينتين. لكن بعد أن وبخت إدارة ترامب الحلفاء، فلن يسارع هؤلاء الحلفاء بالاستجابة لها حين تحتاجهم. لكن هناك بالتأكيد أسباب أخرى لتلكؤ حلفائنا فى أوروبا وآسيا عن دعم نهج إدارة ترامب تجاه إيران. 
معظم حلفائنا يعتقدون أنه ابتداء من الانسحاب من «خطة العمل الشاملة المشتركة» (الاتفاق النووى الإيراني) ثم حملة الضغط الأقصى، تبنت إدارة ترامب نهج الاستفزاز، وكان يجب أن تعلم أن سياساتها ستتمخض عن رد فعل إيراني. ويخشى حلفاؤنا أن دعم الاتهامات الأمريكية قد يفاقم احتمالات تصعيد الإدارة الأمريكية الموقف مع إيران والاشتباك فى حرب معها. 
ورغم أن ترامب أعلن أنه لا يريد حربًا، فإن حلفاءنا ليسوا مقتنعين بأن هذا هو الموقف الحقيقى للإدارة. وحتى لو كان الموقف الحقيقى للإدارة، فإنهم يرون احتمال تحركات انتقامية متبادلة قد يتصاعد بسهولة ويتمخض عن صراع ناتج عن سوء تقدير. 
لكن هذا قد يصب فى مصلحة ترامب. فربما تستطيع الإدارة استغلال الخوف من أنها قد تثير حربًا، كورقة ضغط على الأوروبيين وآخرين، لجعل الرد على الإيرانيين دوليًا. وعلى سبيل المثال، ففى مقابل اعتراف حلفائنا وآخرين بمسئولية الإيرانيين عن أفعال التخريب ضد السفن والموافقة على صيغة من المسعى البحرى الدولى لحماية ناقلات النفط، قد تحجم واشنطن عن ردود الفعل من جانب واحد ضد الإيرانيين. والجمع بين تحدى إيران علنًا وتشكيل ائتلاف من الدول لتأمين إمدادات النفط يمثل نهجًا يردع الإيرانيين فى جانب ويقيد بالضرورة التحركات الأمريكية. 
واستغلال الخوف من تصرف الولايات المتحدة من جانب واحد قد يؤدى إلى ضرورة الاعتراف بحقيقة، مفادها أنه نظرًا للحجم الكبير لحركة الشحن عبر الخليج العربى التى تبلغ 17.5 مليون برميل فى اليوم، فمن الصعب على الولايات المتحدة وحدها حماية كل السفن التى قد تحتاج مثل هذه الحماية. لكن قوة مهام متعددة الجنسيات تتقاسم المسئولية ستكون أكثر جدوى وتقدم تغطية ومراقبة أكبر. 
ومع الأخذ فى الاعتبار أن 80% من النفط المنقول عبر الخليج يذهب إلى آسيا - الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية - فهذه الدول لديها مصلحة فى حماية إمدادات النفط. وخاصة فى وقت تتصاعد فيه التوترات فى العلاقة الأمريكية الصينية. ويمكن للبلدين العمل سويًا فى مجال حماية إمدادات النفط هذه. وقد يكون لمشاركة الصين تأثير قوى على الإيرانيين. وربما لا يقدر ترامب التحالفات والحلفاء حق قدرهم، لكنه يريد منع إيران مما تقوم به من أعمال تخريب دون خوض حرب. والآن قد يكون وقتًا مناسبًا ليصبح ترامب أقل تحريضًا على الحرب، وأقل اعتمادًا على التحرك من جانب واحد، ويعمل مع حلفائنا وآخرين لهم مصالح فى حرية تدفق النفط. 
*المبعوث الأمريكى السابق للسلام فى الشرق الأوسط 
نقلًا عن «الاتحاد» الإماراتية، بترتيب خاص مع «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»