الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"حوار الأزهر" ومحمد صلاح يهزمان الإسلاموفوبيا.. حادثة كرايست تشيرش نقطة تحول في تاريخ تعاطي الغرب مع الجرائم الإرهابية.. "أحمد الطيب" يعمل على إحياء فكرة الحوار بين الشرق والغرب

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدو من الوهلة الأولى التى يتطلع خلالها الباحث على الأدبيات الغربية التى تتناول ظاهرة الإسلاموفوبيا، التحيز والمواقف المسبقة على أغلب هذه الدراسات سواءً فى التحليل أو الطرح. فباتت الدراسات الكمية والميدانية تدور أسئلتها فى فلك تضاعف وتراجع نسب الشعور بالخوف من الإسلام والمسلمين.

وفى هذا السياق، لا نستطيع إنكار أن واقع المسلمين منذ بزوغ الموجات الإرهابية ضد الغرب مطلع الألفينيات كان عاملًا محفزًا لهذا الشعور، لكن فى الوقت نفسه لا نستطيع أن نجحد أن العمليات الإرهابية لهذه الحركات الجهادية أصابت ودمَّرت المسلمين بدرجات أكبر بكثير.
ولعل تخصيص شيخ الأزهر «أحمد الطيب» لكلمته فى احتفال ليلة القدر هذا العام عن هذه الظاهرة بشيء من المرارة وخيبة الأمل تعكس واقع الإصرار الغربى فى التعامل مع الإسلام وإلحاقه بمفاهيم التطرف والإرهاب، وهو ما يضر بأسس التعايش بين ذوى الديانات المختلفة.

وفى السياق ذاته، تناول الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلماته بقمم مكة التى عُقدت أوائل يونيو ٢٠١٩ لهذه الظاهرة يعكس الشعور نفسه. وقد بات الجميع (وأولهم الغرب) أمام تساؤلات حقيقية تتعلق بالفائدة التى يُمكن أن تعود على مجتمعاتنا الإنسانية جراء تكريم الإرهابيين ووسمهم بالإسلام الذى يدين به أكثر من مليار من البشر حول العالم، وهو ما يُذكرنا بالموقف الشجاع التى قادته رئيسة وزراء نيوزيلندا «جاسيندا أردرن» التى رفضت مجرد التفوه باسم الإرهابى الذى ارتكب مذبحة مسجد النور بكرايست تشيرش.

الإسلاموفوبيا
برزت فكرة العداء الشعورى للإسلام فى تناول إدوارد سعيد لدراساته حول الاستشراق أواخر السبعينيات؛ وأقرَّت هذه الدراسات أن الغرب ربط الإسلام بالصور السلبية والمشاعر تجاه المسلمين. ومع ذلك، ظهر مفهوم الإسلاموفوبيا بشكله الحالى مع أواخر التسعينيات، وبالتحديد منذ عام ٢٠٠١، فربطت وسائل الإعلام والمنظمات الغربية بين الإسلام وحالة العنف. وعُقدت العديد من المؤتمرات الدولية حول هذه الظاهرة مثل مؤتمر الأمم المتحدة عام ٢٠٠٦ حول «مواجهة الخوف من الإسلام»، والذى حضره «كوفى عنان» الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك إضافة إلى العديد من التقارير والمؤتمرات التى صدرت عن دول الاتحاد الأوربى والولايات المتحدة الأمريكية.
وتعتبر الأدبيات أن ظاهرة الإسلاموفوبيا ليس لها تعريف أو استخدام محدد، وهو ما دفع البعض للتطرف فى توظيفها لاستبعاد وإقصاء المسلمين من العمل السياسى والاجتماعى فى الغرب فى سياق «نحن»، و«هم» فى سياق تحول الخوف من شعور إلى متلازمة مرضية تحض على العداء الثقافى لكل ما هو مسلم؛ حيث يُعرف «ستولز» الظاهرة بأنها رفض الإسلام والجماعات الإسلامية، والأفراد المسلمين. وتجاوز المفهوم سياق الظاهرة الاجتماعية الواجب دراستها إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير؛ حيث اعتبر بعض الكتاب أن الإسلاموفوبيا بمثابة عقيدة أو دين يدينون به.
وقد مثَّل تعامل حكومة نيوزيلندا مع حادثة كرايست تشيرش نقطة تحول لحظية فى تاريخ تعاطى الغرب مع الجرائم الإرهابية التى تُرتكب ضد المسلمين. فلم يتوانى المجتمع الغربى المتشبث بثقافة بوسم جرائم التنظيمات التى تحسب نفسها فكريًّا على الإسلام بالإرهابية، بل وصل الأمر إلى نعت الإسلام نفسه بذلك فى محاولة لتعزيز ظاهرة الإسلاموفوبيا التى أضرًّت باندماج المسلمين فى المجتمعات الغربية.
وظهرت استفادة المسلمين من هذا الحادث فى موجة التضامن التى أعلنها النيوزيلنديون؛ حيث احتشد الآلاف من النيوزيلنديين حول المساجد وداخلها للتعرف على الثقافة الإسلامية ومؤازرة المسلمين النيوزيلنديين.
فى السياق ذاته، مثَّل بث الآذان فى وسائل الإعلام الرسمية، وطباعة صحيفة The Press النيوزيلندية على صدر صفحتها كلمة السلام باللغة العربية، وتحتها أسماء ضحايا الحادث الإرهابى محاولة لمحاصرة ظاهرة الإسلاموفوبيا.

محمد صلاح
أبرزت دراسة جامعة ستانفورد الأمريكية لصالح معهد سياسة الهجرة عن الأثر الإيجابى الذى تركه انتقال اللاعب المصرى «محمد صلاح» إلى فريق ليفربول الإنجليزى على تراجع الإسلاموفوبيا وجرائم الكراهية فى مقاطعة ميرسيسايد.
وأظهرت الدراسة فى نتائجها انخفاض جرائم الكراهية ضد المسلمين فى المقاطعة بنسبة ١٩٪ تقريبًا، وكذلك انخفضت التغريدات المعادية للمسلمين لدى جماهير ليفربول من ٧.٢٪ إلى ٣.٤٪. وأرجع القائمون على الدراسة تراجع نسب العداء للإسلام والمسلمين فى المقاطعة إلى الصورة الإيجابية التى أظهرها محمد صلاح عن الإسلام؛ ويبرز أداءه وأخلاقه العالية داخل وخارج الملعب.
ومؤخرًا، استطاع اللاعب أن يظهر فى ثوب المسلم المجتهد الذى يهمه العمل والتألق، وهى صورة مغايرة لما يظهر عليه الإرهابيون الذين ينسبون أنفسهم للإسلام؛ حيث وصل مع فريقه إلى وصافة الدورى الإنجليزى بفارق نقطة واحدة، وكذلك تمكن صلاح مع رفاقه من الفوز بدورى أبطال أوروبا الغائب عن جماهير ليفربول لحوالى ١٤ عامًا. واعتمدت الدراسة على تحليل نحو ٩٣٦ من جرائم الكراهية على مستوى المملكة المتحدة، وتحليل نحو ١٥ مليون تغريدة لمشجعى كرة القدم فى المملكة. تجدر الإشارة إلى أن مجلة التايمز الأمريكية اختارت صلاح ضمن المائة شخصية الأكثر تأثيرًا فى العالم لعام ٢٠١٩.
وتتصاعد الأصوات حاليًا فى بريطانيا لإجبار حزب المحافظين لتبنى مفهوم الإسلاموفوبيا الذى أقرَّته لجنة برلمانية فى مجلس العموم البريطانى مشكلة من حزب العمال، والأحرار الديمقراطيون، والقومى الاسكوتلندي، والقومى الويلزي.
واعتبرت اللجنة أن الظاهرة نوع من العنصرية التى تستهدف كل ما هو إسلامي، أو يُتصور أن له علاقة بالإسلام. وكان الهدف من وضع تعريف لهذا المفهوم الملتبس هو التصدى للظاهرة التى تتنامى بشكلٍ مطرد بين البريطانيين. وتتعمد تيارات اليمين المتطرف (المستندة على نظريات سمو الجنس الأبيض على بقية الأجناس) الاتكاء على هذا المفهوم هذه الفترة للفوز بالانتخابات مستغلين فى ذلك موجات الهجرة واللجوء من مناطق الصراع فى الشرق الأوسط. ويقدمون أنفسهم كمدافعين عن الهوية والديموغرافيا الأوروبية التى ستتأثر بموجات الهجرة واللجوء. وتعتبر التحليلات أن أحداث ١١ سبتمبر كان لها أثر سلبى على الجاليات والأقليات المسلمة فى الغرب، وفى نفس الوقت، أسهمت هذه الأحداث فى تنامى اليمين المتطرفة وظهوره مؤخرًا فى ثوب الشعبوية التى تعمل على الحفاظ على الهوية والجنس الأوروبى من مخاطر العولمة وسياسات الهجرة المنفتحة.

تعاطى الأزهر
يلعب شيخ الأزهر «أحمد الطيب» دورًا حيويًا بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين كمؤسسة دينية إماراتية فى إحياء فكرة الحوار بين الشرق والغرب، وهو ما يُعزز من مكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا التى كانت وما زالت عائقًا أمام اندماج المسلمين فى المجتمعات الغربية.
والتقى شيخ الأزهر، وبابا الفاتيكان حوالى ٥ مرات خلال الأعوام الثلاث الماضية، وهو ما يعكس بصورةٍ أو بأخرى حرص القيادتين الروحيتين على دعم عملية السلام والتعايش فيما بينهما، وهو ما ظهر فى وثيقة الأخوة الإنسانية التى وقعوا عليها فى ختام مؤتمر الأخوة الإنسانية الذى استضافته دولة الإمارات مطلع فبراير ٢٠١٩.
ورغم الدور الكبير الذى تضطلع به مؤسسة الأزهر فى تعزيز الحوار مع الغرب لمواجهة اليمين المتطرفة الذى يستند على دعم الشعبويين من خلال بث خطاب الخوف من الإسلام والمسلمين الذين يتم تصويرهم وكأنهم أعداء للهوية الغربية البيضاء إلا أن الأزهر لم يلحظ تحسنًا إيجابيًا لدى الغرب تجاه ظاهرة الإسلاموفوبيا التى لا زالت تتعزز بالخطاب الشعبوى لتيار اليمين المتطرف، وهو ما بدا فى خطابه فى ذكرى الاحتفال بليلة القدر؛ حيث لام «الطيب» تقاعس العرب والمسلمين عن التصدى لهذه الظاهرة متهمهم بالانشغال بالمصالح الخاصة والتنافر فيما بينهم.
ختامًا؛ لعبت مصر ومؤسساتها الدينية دورًا كبيرًا فى تعزيز الحوار بين الشرق والغرب؛ حيث استضاف الأزهر الملتقيات والمؤتمرات العالمية مثل ملتقى الشرق والغرب الذى يستضيفه الأزهر، وهو بمثابة حوار مفتوح بين الإسلام والغرب بشكلٍ حضاري؛ إذ يعتبره شيخ الأزهر نفسه فرصة للنقاش الحضارى حول القضايا المشتركة بين الإسلام والآخر لدعم مبدأ التعايش. كما أنشأت دار الإفتاء المصرية مرصد الإسلاموفوبيا والذى يختص برصد ومعالجة الظاهرة بهدف تغيير الصورة النمطية المغلوطة عن الإسلام والمسلمين فى الغرب. ويعمل المرصد باللغات الأجنبية المختلفة مثل الإنجليزية والفرنسية والألمانية بهدف مخاطبة الغرب بلغته التى يفهمها.