الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

"الشعراوي".. 21 عاما على رحيل إمام الدعاة

الشيخ محمد متولي
الشيخ محمد متولي الشعراوي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"مصر التى صدرت علم الإسلام إلى الدنيا كلها، صدرته حتى للبلد الذى نزل فيه الإسلام، هى التى صدرت لعلماء الدنيا كلها علم الإسلام"، بهذه الكلمات واجه إمام الدعاة وأشهر مفسري معاني القرآن الكريم وزير الأوقاف سابقًا الشيخ محمد متولي الشعراوي الذين يسعون إلى تشويه مصر والهجوم عليه.. وتحل اليوم الاثنين ذكرى الرحيل 21 على الشيخ والذي وافته المنية في 17 يونيو 1998، وسط حالة من الهجوم والدفاع تشهدها صفحات التواصل الاجتماعي، بالرغم من تزامن العام الحالي مع الذكرى الثامنة بعد المائة الأولى على ميلاده.
ولد الشيخ محمد متولي الشعراوي، بقرية دقادوس التابعة لمركز ومدينة ميت غمر، بمحافظة الدقهلية، في 15 أبريل 1911م، أتم حفظ القرآن الكريم في الحادية عشرة من عمره، وفي عام 1922م التحق بمعهد الزقازيق الابتدائي الأزهري، وأظهر نبوغًا منذ الصغر في حفظه للشعر والمأثور من القول والحكم، ثم حصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية سنة 1923م، ودخل المعهد الثانوي الأزهري، وزاد اهتمامه بالشعر والأدب، وحظي بمكانة خاصة بين زملائه، فاختاروه رئيسًا لاتحاد الطلبة، ورئيسًا لجمعية الأدباء بالزقازيق، وكان معه في ذلك الوقت الدكتور محمد عبد المنعم خفاجى، والشاعر طاهر أبو فاشا، وخالد محمد خالد، والدكتور أحمد هيكل، والدكتور حسن جاد، وكانوا يعرضون عليه ما يكتبون.
علاقته بالأزهر
مثل التحاقه بالأزهر نقطة تحول كبيرة في حياته، عندما أراد والده إلحاقه بالمؤسسة الدينية العريقة بالقاهرة، فيما كان يود أن يبقى مع إخوته لزراعة الأرض، لكن إصرار الوالد دفعه لاصطحابه إلى القاهرة، ودفع المصروفات وتجهيز المكان للسكن، فما كان منه إلا أن اشترط على والده أن يشتري له كميات من أمهات الكتب في التراث واللغة وعلوم القرآن والتفاسير وكتب الحديث النبوي الشريف، كنوع من التعجيز حتى يرضى والده بعودته إلى القرية، لكن والده فطن إلى تلك الحيلة، واشترى له كل ما طلب قائلًا له: أنا أعلم يا بني أن جميع هذه الكتب ليست مقررة عليك، ولكني آثرت شراءها لتزويدك بها كي تنهل من العلم.
التحق الشعراوي بكلية اللغة العربية سنة 1937م، وانشغل بالحركة الوطنية والحركة الأزهرية، فحركة مقاومة المحتلين الإنجليز سنة 1919م اندلعت من الأزهر الشريف، ومن الأزهر خرجت المنشورات التي تعبر عن سخط المصريين ضد الإنجليز المحتلين، ولم يكن معهد الزقازيق بعيدًا عن قلعة الأزهر في القاهرة، فكان يتوجه وزملاؤه إلى ساحات الأزهر وأروقته، ويلقي بالخطب مما عرضه للاعتقال أكثر من مرة، وكان وقتها رئيسًا لاتحاد الطلبة سنة 1934م.
ويرى الشيخ أن التخلى عن مركزية الأزهر بإنشاء مقرات وأفرع لها بالمحافظات كانت جزءًا من مخطط تشتيته وذلك على خلفية أدواره التي لعبها في الثورات ومواجهة الاحتلال، فبدأ التشتيت من خلال أفرع الإسكندرية ودمياط وطنطا بعد ثورة 1919، وكان فرع الزقازيق ملاذًا لطلاب الدقهلية والشرقية، فالتحق هو بالمعاهد هناك 9 سنوات قضى خلالها فترة الإعدادية والثانوية الأزهرية، قبل أن يلتحق بكلية اللغة العربية مدة 4 أعوام.
تخرج عام 1940م، وحصل على العالمية مع إجازة التدريس عام 1943م. بعد تخرجه عين الشعراوي في المعهد الديني بطنطا، ثم انتقل بعد ذلك إلى المعهد الديني بالزقازيق ثم المعهد الديني بالإسكندرية وبعد فترة خبرة طويلة انتقل الشيخ الشعراوي إلى العمل في السعودية عام 1950 ليعمل أستاذًا للشريعة في جامعة أم القرى.
اضطر الشعراوي أن يدرِّس مادة العقائد رغم تخصصه في اللغة، إلا أنه استطاع أن يثبت تفوقه في تدريس هذه المادة لدرجة كبيرة لاقت استحسان وتقدير الجميع، وفي عام 1963 حدث الخلاف بين الرئيس جمال عبدالناصر وبين الملك سعود، منع على أثر ذلك من العودة ثانية إلى السعودية، وعين في القاهرة مديرًا لمكتب شيخ الأزهر الشريف الشيخ حسن مأمون، ثم سافر بعد ذلك الشيخ الشعراوي إلى الجزائر رئيسًا لبعثة الأزهر هناك ومكث بالجزائر حوالي سبع سنوات قضاها في التدريس، وأثناء وجوده في الجزائر حدثت نكسة يونيو 1967، وقد سجد الشعراوى شكرًا لأقسى الهزائم العسكرية التي منيت بها مصر -و برر ذلك بقوله "بأن مصر لم تنتصر وهي في أحضان الشيوعية فلم يفتن المصريون في دينهم"، وحين عاد الشيخ الشعراوي إلى القاهرة وعين مديرًا لأوقاف محافظة الغربية فترة، ثم وكيلًا للدعوة والفكر، ثم وكيلًا للأزهر ثم عاد ثانية إلى السعودية، حيث قام بالتدريس في جامعة الملك عبد العزيز.
الشعراوي وزيرًا للأوقاف
وفي نوفمبر 1976م اختار ممدوح سالم رئيس الوزراء آنذاك أعضاء وزارته، وأسند إلى الشيخ الشعراوي وزارة الأوقاف وشئون الأزهر، فظل الشعراوي في الوزارة حتى أكتوبر عام 1978م.
اعتبر أول من أصدر قرارًا وزاريًا بإنشاء أول بنك إسلامي في مصر وهو بنك فيصل حيث أن هذا من اختصاصات وزير الاقتصاد أو المالية (د. حامد السايح في هذه الفترة)، الذي فوضه، ووافقه مجلس الشعب على ذلك، وفي سنة 1987م اختير عضوًا بمجمع اللغة العربية (مجمع الخالدين).
منح إمام الدعاة وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى لمناسبة بلوغه سن التقاعد في 15 أبريل 1976 قبل تعيينه وزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر، كما منح وسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام 1983 وعام 1988، ووسام في يوم الدعاة، وحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعتي المنصورة والمنوفية.
كما اختارته رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة عضوًا بالهيئة التأسيسية لمؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، الذي تنظمه الرابطة، وعهدت إليه بترشيح من يراهم من المحكمين في مختلف التخصصات الشرعية والعلمية، لتقويم الأبحاث الواردة إلى المؤتمر، وجعلته محافظة الدقهلية شخصية المهرجان الثقافي لعام 1989 والذي تعقده كل عام لتكريم أحد أبنائها البارزين، وأعلنت المحافظة عن مسابقة لنيل جوائز تقديرية وتشجيعية، عن حياته وأعماله ودوره في الدعوة الإسلامية محليًا، ودوليًا، ورصدت لها جوائز مالية ضخمة، واختير من قبل جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم كشخصية العام الإسلامية في دورتها الأولى عام 1418 هجري الموافق 1998 م.
ترك "الشعراوي" العديد من المصنفات الدينية واللغوية منها "خواطر الشعراوي، المنتخب في تفسير القرآن الكريم، خواطر قرآنية، معجزة القرآن من فيض القرآن، نظرات في القرآن، الإسراء والمعراج، الأدلة المادية على وجود الله، الإسلام والفكر المعاصر، الإنسان الكامل محمد صلى الله عليه وسلم، الأحاديث القدسية، الآيات الكونية ودلالتها على وجود الله تعالى، البعث والميزان والجزاء، التوبة، الجنة وعد الصدق، الجهاد في الإسلام، أضواء حول اسم الله الأعظم، الحج الأكبر - حكم أسرار عبادات، الحج المبرور، الحسد، الحصن الحصين، الحياة والموت، الخير والشر، السحر، السحر والحسد، السيرة النبوية، الشورى والتشريع في الإسلام، الشيطان والإنسان، والظلم والظالمون".
خواطر الإمام
ترك الإمام الراحل تفسيرًا مبسطًا لآيات ومعاني القرآن الكريم وصفها بقوله خاطرة حيث يقول:" خواطري حول القرآن الكريم لا تعني تفسيرًا للقرآن، وإنما هي هبات صفائية، تخطر على قلب مؤمن في آية أو بضع آيات، ولو أن القرآن من الممكن أن يفسر، لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بتفسيره، لأنه عليه نزل وبه انفعل وله بلغ وبه علم وعمل، وله ظهرت معجزاته، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتفى بأن يبين للناس على قدر حاجتهم من العبادة التي تبين لهم أحكام التكليف في القرآن الكريم، وهي " أفعل ولا تفعل".
اعتمد الشعراوي في خواطره على عدة عناصر أهمها: "اللغة كمنطلق لفهم النص القرآني، محاولة الكشف عن فصاحة القرآن وسر نظمه، الإصلاح الاجتماعي، رد شبهات المستشرقين، يذكر أحيانًا تجاربه الشخصية من واقع الحياة، المزاوجة بين العمق والبساطة وذلك من خلال اللهجة المصرية الدارجة، ضرب المثل وحسن تصويره، الاستطراد الموضوعي، النفس الصوفي، الأسلوب المنطقي الجدلي، وغيرها".
دفاعه عن مصر
ترك الشعراوي كلمات خالدة في الدفاع عن مصر ضد الجماعات التي ترميها بالكفر والإلحاد تارة، وتشكك في جيشها وترابط أهلها تارة أخرى قائلًا:" يجب علينا أن نتنبه جيدًا إلى ما يُراد بنا من كيد وما يُراد بنا من شر فأرونى فى مصر، مصر الكنانة، مصر التى قال عنها صلَّى الله عليه وسلم أهلها فى رباط إلى يوم القيامة، من يقول عن مصر أنها أمة كافرة؟! إذا فمن المسلمون؟!، من المؤمنون ؟!، مصر التى صدرت علم الإسلام إلى الدنيا كلها، صدرته حتى للبلد الذى نزل فيه الاسلام، هى التى صدرت لعلماء الدنيا كلها علم الإسلام، أتقول عنها ذلك ؟ ذلك هو تحقيق العلم فى أزهرها الشريف، وأما دفاعًا عن الإسلام فأنظروا إلى التاريخ، من الذى رد همجية التتار عنه، إنها مصر، من الذى رد هجوم الصلبيين على الاسلام والمسلمين، إنها مصر، وستظل مصر دائمًا رغم أنف كل حاقد أو حاسد أو مُستغِل أو مُستغَل أو مدفوع من خصوم الإسلام هنا أو خارج هنا، إنها مصر ستظل دائمًا.
الإمام الزاهد وعلاقته بالرؤساء
جمعت إمام الدعاة بعض المواقف برؤساء مصر في عهد الجمهورية بداية من الرئيس الثاني جمال عبد الناصر، مرورًا بالرئيس الثالث محمد أنور السادات، إلى أن حملت له الدنيا رحيلًا في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وخلد له مقولته للرئيس الأسبق مبارك" إذا كنت قدرنا فليوفقك الله، وإن كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل".
الشعراوي والفن
جمع الإمام الراحل مواقف شتى في العاملين بمجال الفن، دفعت البعض منهم إلى الاعتزال و، كان من بينهم " الفنانة الراحلة شادية، شمس البارودي، سهير رمزي، ياسمين الخيام، سهير البابلي، تحية كاريوكا، ليلى مراد، مريم فخر الدين، عفاف شعيب، مها صبري، صفية العمري، وغيرهم"، حيث كان أغلبها في جوار رسول الله وعلى مقربة من البيت الحرام، لتكن دعوته إياهم إلى ترك الفن والالتزام، وهو ما جعله يتعرض لانتقادات كبيرة جعلت البعض يعتبره متشددًا ورجعيًا، إلا أنه كان يرى أن الفن الذي يقي المجتمع من الفتن ليس بحرام.
الإمام والبابا
جمع الشيخ الراحل لقاءات عدة بالبابا شنودة بطريرك الكرازة المرقسية، كان أبرزها اللقاء التاريخي بالكاتدرائية حيث قال الشيخ:" أنا بأعتبر من منح الله لى في محنتى أنه جعلنى أجلس مع قداسة البابا شنودة"، وآخره تلك التي كانت في عزاء الإمام الأكبر جاد الحق، ليرثيه البابا قائلًا: الله وحده يعلم كم تأثرت بوفاته، لقد كان عالمًا كبيرًا فقيهًا في اللغة، كان محبوبًا من شعبه، وكانت صداقتنا تسعد الملايين من المسلمين والمسيحيين، وكان صاحبي"، ويضيف: "لقد خسرنا شخصية نادرة فى إخلاصها ونقائها وفهمها لجوهر الإيمان".